ب 2 : تفاعل المرأة فى المجتمع . كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 6 : مقدمة عن عمل المرأة فى رؤية قرآنية

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٣ - يونيو - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

ف 6 : مقدمة عن عمل المرأة فى رؤية قرآنية
ب 2 : تفاعل المرأة فى المجتمع . كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 6 :مقدمة عن عمل المرأة فى رؤية قرآنية :ــ
1ــ جرى العُـرف على تقسيم العمل بين المرأة والرجل ، فالمرأة تعمل داخل البيت ، والرجل يسعى خارجه لتوفير المعاش ، وفي الأحوال الاستثنائية تضطر المرأة للسعي على المعاش حين تفقد العائل أو يعجز رب الأسرة ، وفي أحوال أخرى نادرة تصل المرأة إلى موقع السلطة والحكم ، على هذا المنوال سارت البشرية قبل وبعد نزول القرآن الكريم ، الأصل أن يخرج الرجل للعمل وأن تقوم المرأة بعملها في البيت.
2 ـ وفي العصر الحديث خرجت المرأة إلى العمل شأن الرجل تماما ، وواكب ذلك نمو البرجوازية وتحولها إلى رأسمالية مسيطرة تحتاج إلى المزيد من الأيدي العاملة تسترقُّها وتستعبدها في المصانع والإدارات ، لذلك كان القضاء على السائد من نظم العصور الوسطى هدفا رأسمالياً ، وربحت الرأسمالية الكثير من عرق النساء وجهدهن بدعوى تحرير المرأة وحقها في العمل ، مع أن المرأة الغربية ــ حتى الآن فيما نعلم ـ تحصل على أجر أقل من الرجل في نفس العمل ، ولكن الأخطر من ذلك ان خروج المرأة الغربية للعمل كان له أفدح الآثار على ترابط الأسرة واستقرارها ، بل وعلى تراجع النمو السكانى ، وشيوع الفردية بديلا عن الترابط الأُسرى وشيوع الزنا وهو ساء سبيلا كما قال جل وعلا ( الاسراء 32 ). وصار واضحاً أن الأمر يحتاج الى توازن بين عمل المرأة ودورها في استقرار الأسرة.
3 ـ ومجتمعنا فى العصر الحديث بدأ مبهور بكل ما يأتي من الغرب ، وحين استشرى التيار الأصولي اتخذ موقف الرفض الصارم لكل ما هو غربي و ( حداثى ) وإعتبرها رجسا من عمل الشيطان ، ودليل تآمر الغرب على الاسلام و( المسلمين ). وإشتعل التناقض بين العلمانيين المتأثرين بالغرب والأصوليين من السنيين والشيعة والصوفية . وقد أقحم الأصوليون الإسلام في المعركة ، وحصروا دينهم فى النصف الأسفل للمرأة والرجل ، وربطوا بهذا مفهوم الشرف عندهم ، فليس عندهم الشرف فى الشهامة ومناصرة المظلوم والشجاعة والكرم والنخوة ، بل هو محصور بين ساقى المرأة . جعلوها سلعة وقاموا بتعليبها فى الحجاب والنقاب . واستسلمت المرأة لهذا فقد صار الدين السائد . واصبح الحجاب والنقاب واللحية والجلباب هى دليل التقوى والبشرى بدخول الجنة . فى مقابل دعوتهم لعودة المرأة للبيت باسم الإسلام هاجم العلمانيون دين الاسلام ، إذ أنهم ـ فى غباء منقطع النظير ـ يؤمنون أن الاسلام هو ما يفعله المحمديون ، أى يُسلّمون لأئمة المحمديين من الدواعش وغيرهم أنهم الممثلون للاسلام ، لا يدركون أن دين الاسلام هو أوامر ونواهى ووعظ وهداية ، وأن للبشر تمام الحرية فى الطاعة والمعصية ، إن أطاعوا واهتدوا فلأنفسهم ، وإن ضلوا فعلى أنفسهم ،ولا شأن للاسلام بما يفعله البشر فى الدنيا لأنهم سيأتون جميعا للواحد القهّار ليحكم بينهم يوم الحساب . لم يضع العلمانيون فارقا بين الاسلام دينا ومن يزعم إتّباعه من البشر ، وجعلوا حُثالة البشر حكما على الاسلام فأصبح الاسلام متهما بالتخلف والتزمت والارهاب وتحقير المرأة . من المؤسف أنهم لم يفعلوا نفس الشىء عن المسيحية والمسيحيين الذين قتلوا الملايين فى الاستعمار وفى الحروب العالمية والاقليمية . بكل الجرائم التى إقترفها المسيحيون الغربيون لم تسمع إتهاما للمسيحية بالارهاب .! تناسى الجميع هذا ، وتمسكوا بحقوق المرأة باعتبار أن حقوق المرأة فى الثقافة الحديثة مناقضة للاسلام . ودعا العلمانيون الى تدعيم مكاسب المرأة باسم التنوير والمدنيّة ، لأن الاسلام عندهم ظلامى ومتخلف . هم صادقون إن أطلقوا ذلك على المحمديين وأئمتهم الذين يسعون فى الأرض فسادا ويستخدمون الاسلام مطية لطموحهم الدنيوى ، وإذا قلت لأحدهم : "إتق الله " أخذته العزة بالاثم ( البقرة 204 : 206 )..
4 ـ وبين هذا وذاك تتعرض بعض مفاهيم القرآن لسوء فهم وأحيانا لسوء القصد.
4 / 1 ــ ومن ذلك أن الأغلبية تفهم ان عمل الصالحات الذي يحث عليه القرآن يعنى العبادات فقط ، ولكن عمل الصالحات يعنى كل عمل نافع (صالح) يقوم به المؤمن نحو ربه و مجتمعه ، ثم ان القيمة الكبرى في الإسلام هي التقوى ، أو الضمير الدينى الذى يجعل الفرد يخشى ربه فى الخلوة وفى السّر ، يستخفى من الناس ولا يستخفى من رب الناس ، وهو معه وشاهد عليه . بهذا الضمير الحي فإن كل عامل أو صانع يراعي ربه، وهو جل وعلا لا يضيع اجر من احسن عملاً ، وعلى سبيل المثال قال جل وعلا :
4 / 1 / 1 :( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) الأعراف )
4 / 1 / 2 :( وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) يوسف )
4 / 1 / 3 : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) الكهف )
4 / 2 : وعمل الصالحات النافعات فرض على الرجل المؤمن والمرأة المؤمنة ، وبه يكون الفوز بالجنة . قال جل وعلا :
4 / 2 / 1 :( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ )النساء: 124 )
4 / 2 / 2 : ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) غافر )
4 / 2 / 3 :( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (195) آل عمران ) . ومفهوم من هذه الآية الكريمة وحديثها عن الذكر والأنثى أن الهجرة والقتال فرض عليهما ، عملا صالحا تابعا للإيمان الصادق ، ومثوبته تكفير السيئات والخلود فى الجنة . وقد جاء فيما بعد فى ختام السورة خطابا مباشرا من رب العزة جل وعلا لجميع الذين آمنوا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)آل عمران )
5 ـ طبقا للحديث الكاذب ( بُنى الاسلام على خمس ..) يسود قصر العبادة على الصلاة والصيام والحج ، مع إنعدام التقوى أو( الضمير الدينى ) . ذلك أن الدين الأرضى مؤسّس على الاحتراف الدينى والتدين السطحى المظهرى والنفاق . ترى المساجد مكتظة بالناس والشوارع تتزين وتترصع ب ( الأتقياء ) ذوى اللحى والجلباب و ذوات الحجاب والنقاب ، ولا يدانيها فى كثرتها وشيوعها سوى إنتشار الغش وسوء الخلق والجرائم والمعاصى ما ظهر منها وما بطن . ترى الموظفين فى مكاتبهم يعطلون مصالح الناس بحجة صلاة الظهر جماعة . وترى الصلاة فى جماعة وفى وقتها واجبا مرعيا فى مبانى أمن الدولة حيث التعذيب وانتهاك الحرمات ، والأمثلة كثيرة ومريعة ولكن أكثرها قُبحا صلاة المستبد ــ متظاهرا بالتقوى والخشوع ـ فى المناسبات فى المسجد وحوله أتباعه أكابر المجرمين من العسكر والأمن والحكومة ورجال الدين . هذه العبادة هى التى تعين على الفساد وتبرره .
5 / 1 ـ لا قيمة لعبادة مكثفة يقوم بها إنسان مجرم يزداد بها عصيانا وظلما ، لأنه لو كان متقيا لله تعالى لأحسن في عمله وفي تعامله مع الناس ، وتقوى الله هي الهدف الأعظم لكل العبادات . قال جل وعلا
5 / 1 / 1 : فى خطاب مباشر للناس جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة ) ،
5 / 1 / 2 : ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)العنكبوت ) هم يؤدون الصلاة مجرد حركات وكلمات دون تقوى ، وهم لا يقيمون الصلاة خشوعا إثنائها وخشية لله جل وعلا فيما بين الصلوات الخمس كل يوم حتى يتطهر ويتزكى الانسان ، فهذا هو معنى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .
5 / 2 : وبالتقوى تتحول كل اعمال المرء الاجتماعية والاقتصادية والعادية إلى عبادة طالما يقصد بذلك الإحسان ، والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ) ، ولذلك يقول سبحانه وتعالى يحدد المفهوم الشامل للعبادة : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات 56 ) فكل عمل صالح تقوم به إبتغاء مرضاة الرحمن جل وعلا فهو عبادة ، ولذلك استخلف الله تعالى الإنسان في الأرض وسخر له ما فيها ليقوم بتعميرها واستعمارها بالخير والنماء فى إطار طاعة الله جل وعلا وليس عصيانا له . قال النبى صالح عليه السلام لقومه : ( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) ( هود : 61)
6 ـ إذن فالإسلام ليس دعوة للرهبنة والزهد في الدنيا واعتبارها مجرد قنطرة للآخرة ، وإنما هو منهج معتدل بين الترك المطلق في الرهبنة المسيحية والاستغراق المطلق في الحياة الدنيا لدرجة التقاتل والاحتكار والإفساد في الأرض . وقد تأرجح الغرب بين الإفراط والتفريط ، وبينهما عانت المرأة من الإهمال والاحتقار في العصور الوسطى، ثم من الاستغلال في العصر الحديث. وحين كانت المرأة الأوربية في العصور الوسطى كمّا مهملاً ويتساءل بعض الفلاسفة عما إذا كانت بشراً كالرجل ، فإن المرأة من خلال القرآن والتطبيق في عهد النبي عليه السلام أسهمت بدور هام في الجهاد والدعوة والحياة الاجتماعية ، ومن المنتظر أن تمارس من الأعمال التي تحتاجها دون حظر او تحريج ، لأن دعاة منع المرأة من العمل يهدفون أساساً إلى عزل المرأة في بيتها ، وذلك مالم تكن المرأة تعرفه أصلاً في عهد النبي ، وهي التي شاركت مع الرجل في بناء الدولة الإسلامية وتدعيمها ليس في البيت فقط وإنما في المسجد وساحة المعارك أيضاً .
7 ـ ولم نكن ننتظر من المرأة المؤمنة غير ذلك ، وهي التي شهدت نزول القرآن وعرفت كيف تحدث عن عمل المرأة في قصص الأنبياء السابقين.
اجمالي القراءات 2670