نقد كتاب الآثار الإيمانية والأمنية من كلام رب البرية

رضا البطاوى البطاوى في الأربعاء ١٣ - أبريل - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب الآثار الإيمانية والأمنية من كلام رب البرية

المؤلف هو رضوان بن ياسين الشهابى وتحدث عن كون القرآن هو المعجزة فقال : "فإن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة ،التي أصبحت معالم الوثنية بها تالدة فما أشرفه من كتاب يتضمن صدق متحمله ورسالة تشتمل على قول مؤديها بين فيه سبحانه أن حجته كافية هادية ولا يحتاج مع وضوحها إلى بينة تعدوها أو حجة تتلوها وأن الذهاب عنها كالذهاب عن الضروريات والتشكك في المشاهدات ولذلك قال عز ذكره "ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين " وقال عز وجل " ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون " وتحدث عن العلاقة بين الإيمان والأمن فقال: "المبحث الأول:العلاقة والترابط بين الآثار الإيمانية والآثار الأمنية: العلاقة بين الأمن والإيمان، من جميع جوانبها جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى، وأوضحها في حال الأمم السابقة وفي حالنا نحن لنتعظ ولنعتبر، فالله تبارك وتعالى يقول: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون وقال تعالى: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "ويقول جل شأنه" وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقه "وآيات كثيرة تبين أنه لا أمن ولا رخاء ولا سعادة ولا طمأنينة إلا بالإيمان بالله تبارك وتعالى، وأن كل من يبحث عن الأمن في نفسه، أو مجتمعه، أو أمته فإنه لن يجده إلا في الإيمان بالله فعليه أولا أن يؤمن بالله، وأن يخضع أعماله وجوارحه وهواه لله تبارك وتعالى، يكون تابعا لما جاء به محمد (ص)من الهدى والنور والحق والسنة. ولهذا يقول جل شأنه في حال الطرف الآخر: " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ويقول تبارك وتعالى في حال الطرف الآخر الذي لم يحقق الإيمان:" " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا " والعلاقة بين الأمن وبين الإيمان تتضح من نفس مبنى الكلمة في اللغة العربية، فإن الإيمان تتركب حروفه الأصلية من نفس الكلمة التي تتركب منها حروف الأمن، وهي الهمزة والميم والنون (أمن)، هذه المادة -مادة (أمن)- يشتق منها الإيمان، وتدل عليه كما تدل على الأمن، وتدل على مادة أخرى وهي (الأمانة) فنجد أن الأمانة والأمن والإيمان متقاربة في الاشتقاق في اللفظ، فهي متقاربة في المعنى وفي الدلالة، ويقول النبي (ص)تأييدا لذلك: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم } أو كما قال (ص)." والعلاقة بين الإيمان والأمن ليست في كل الأحوال مرتبطة وإنما يوجد مع الإيمان خوف كما قال تعالى : "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين" وتحدث عن كون الأمانة مدلول الإيمان فقال : "والأمانة يقول الله تبارك وتعالى فيها:" إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الأنسان إنه كان ظلوما جهولا فما هذه الأمانة" هي نفس عبء وحمولة الإيمان بالله وعبادة الله تبارك وتعالى التي قال فيها في موضع آخر: وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون فالأمانة هي مدلول الإيمان، وهي تشمل جميع الإيمان. فالأمن في الأوطان نتيجة للإيمان برب الأرباب، وكلام الله عز وجل يزيد أهل الإيمان إيمانا كما قال الله تعالى: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون" ومفهوم الأمن يختلف من المواطن للحاكم والأمن في بلادنا هو أمن الحاكم ومن معه وأما الشعوب فلا يوجد أمن لها إلا قليلا من خلال نشر الفقر والحاجة فيهم وتحدث في المبحث الثانى عن إعجاز القرآن فقال : "المبحث الثاني: الآثار الإيمانية من كلام رب البرية0 وفيه مطالب: المطلب الأول: بيان إعجاز القرآن إن كلام العزيز الحكيم به من الإعجاز ما يعجز عنه الوصف، فقد أودع الله في كل آية من آيات كتابه أسرارا لا تحصى وعجائب لا تنقضي ومعجزات لا تنفد فكم من صناديد الشرك والوثنية من خالط قلبه الإيمان بمجرد أن سمع آيات الله تتلى فهذا الصحابي الجليل الطفيل بن عامر الدوسي، اسلم بسما ع آيات من القرآن وقد أورد القصة الإمام البيهقي عن ابن اسحاق قال: كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث انه قدم مكة ورسول الله (ص)بها فمشى اليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا فقالوا له إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما دخل علينا فلا تكلمه ولا تسمعن منه0 قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على ان لا أسمع منه شيئا ولا اكلمه حتى حشوت في اذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرق من ان يبلغني شيء من قوله فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله (ص)قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا ان يسمعني بعض قوله ،فسمعت كلاما حسنا، فقلت في نفسي إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي علي الحسن من القبيح فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت فمكثت حتى انصرف إلى بيته فتبعته فقلت إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا فاعرض علي امرك فعرض علي الاسلام وتلا علي القرآن فلا والله ما سمعت قولا قط احسن منه ولا أمرا اعدل منه فأسلمت وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الاسلام ،فادع الله ان يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فقال اللهم اجعل له آية فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية كداء وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللهم في غير وجهي إني اخشى ان يظنوا انها مثلة وقعت في وجهي، فتحول فوقع في رأس سوطي كالقنديل المعلق ثم دعوت قومي الى الاسلام فابطأوا علي فجئت رسول الله (ص)فقلت إن دوسا غلبتني فادع الله عليهم فقال اهد دوسا ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم حتى هاجر رسول الله (ص)ثم قدمت عليه بخيبر بمن أسلم من قومي سبعين أو ثمانين بيتا من دوس" وهذا الحديث يناقض كتاب الله في حدوث آية معجزة وهى النور في وجه الطفيل وهو ما يناقض منع الله الآيات وهى المعجزات في عهد النبى(ص) بقوله: " وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون" ثم حكى رواية لا تحدث من كافر حيث مدح القرآن وظل على كفره فقال : "ومن تلك القصص قصة سما ع الوليد بن المغيرة للقرآن ووصفه إياه بوصف عظيم ولكنه عاند واستكبر فلم يسلم روى إسحاق بن راهويه بسنده عن ابن عباس: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله (ص)، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه فقال: يا عم! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا . قال: لم ؟ قال: ليعطوكه؛ فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله ، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا ، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له ، قال: وماذا أقول ؟ فوالله؛ ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه ، ولا بقصيده مني ، ولا بأشعار الجن ، والله؛ ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله؛ إن لقوله الذي يقوله حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، وإنه ليحطم ما تحته ، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: فدعني حتى أفكر فيه . فنعلم من هذه الرواية عظمة القرآن ، والحق ما شهدت به الأعداء، فقد وصف الوليد كلام الله بوصف جميل، فمن تأمل ذلك يعلم أثر القرآن على القلوب، فسبحان علام الغيوب ،،فهذا هو كتاب الله عز وجل يتحدى أرباب البلاغة والبيان في زمن نزوله فيعترفون بعجزهم عن الإتيان بمثله، ويدركون أن هذه البلاغة لا يمكن لبشر أن يأتي بمثلهاـ إنها البلاغة التي كانت سببا في إيمان الكثير من المشركين ففي ذلك العصر تجلت معجزة القرآن بشكلها البلاغي لتناسب عصر البلاغة والشعر. وليكون لها الأثر الكبير في هداية الناس إلى الإسلام." وهذا الرواية كذبها واضح من خلال اِعار الجن فليس للجن اشعار لانفصال العالمين تماما عن بعضهما فحتى النبى(ص) نفسه لم يتصل بهم وإنما أسمعهم الله القرآن منه ليدعو أقوامهم إليه وما علم بسماعهم إلا بعد أن أخبره الله بذلك فقال : "قل إنما أوحى إلى أنه استمع إلى نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا" ثم تحدث حديثا غريب عن أن إيلام عمر كان بسبب البلاغة القرآنية وليس بسبب صدق القرآن فقال : "ومن القصص في إعجاز القرآن قصة إسلام الفاروق عمر بن الخطاب عندما سمع آيات من سورة (طه)، فأثرت فيه بلاغة كلماتها، وأدرك من خلال هذه البلاغة أن القرآن هو كلام الله عز وجل، فانقلب من الشرك والضلال إلى التوحيد والإيمان! هذا هو تأثير المعجزة البلاغية على من فهمها وأدركها ورآها" وهذا كلام من باب الخبل فالمسلم يسلم بسبب صدق الرسالة وعدلها وليس بسبب نطق ألفاظ الرسالة وتحدث عن أن سبب إسلام الكثيرين هو تأثير القرآن الصوتى فقال : "لقد آمن بالاسلام وبالقرآن أفراد وجماعات كثيرة من غير المسلمين، وكان إسلامهم نتيجة تأثير القرآن في نفوسهم بطريق مباشر أو غير مباشر، فأما عن تأثيره المباشر فقد اعترفت به أفراد من علماء أوروبا ذوى الالباب والفطر السليمة ممن سمعوا القرآن أو قرأوه وفهموا بعض أسراره وإعجازه، ومن أمثلة ذلك ما فهمه أحد الأطباء من قوله تعالى "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب" فأدرك أن وراء هذه الآية حقيقة علمية ما كانت معلومة للناس وقت نزول القرآن، وأنه لابد أن يكون من كلام عليم خبير بتركيب جسم الانسان، وبشبكة الاعصاب الدقيقة التى تنتشر أطرافها في الطبقة الجلدية وهى التى تستقبل الاحساس بالحرارة والبرودة والألم والراحة،فهم ذلك الطبيب من الآية أن تجدد الألم الذى انقطع بحرق الجلد لا يكون إلا بإعادة الجلد حيا كما كان لكى يتجدد ألمه مرارا وتكرارا كلما تبدل الجلد في كل مرة بعد حرقه، وتأكد الطبيب بأن هذا الكلام لا يصدر إلا من عالم خبير بتركيب الجسم البشرى ووظيفة الاعصاب المنتشرة في كيانه، وأن هذا الكلام نزل منذ قرون بعيدة على لسان نبى أمى لم يدرس علم الطب ولا التشريح فأيقن أن هذا كلام من أرسل محمدا رسولا فآمن به وأسلم. ومثل آخر لربان بحرى كان يجول البحار ويشاهد أحوالها ومظاهرها ليلا ونهارا وما تتعرض له عن عواصف وسحب وأمواج متلاطمة ورياح عاتية وظلمات وغير ذلك مما كابده خلال سنين عمله في البحار والمحيطات، فإنه لما قرأ في سورة النور قوله تعالى:"أو كظلمات في بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها" قال في نفسه إن أحدا لا يستطيع أن يصف هذا الوصف الدقيق لأحوال البحار وظواهرها الجوية إلا من كان بحارا شق عباب الماء وعاين تقلبات الاحوال فيه، وأن محمدا الذى نزل عليه هذا الكلام لم يكن في يوم من أيامه بحارا كما أنه لم يركب البحر في حياته وعاش في وسط الصحراء البعيدة كل البعد عن عالم البحار فمن أين له هذه المعلومات الدقيقة التى لا يعرفها سوى الملاحون؟ إنه ولا شك كلام عليم خبير وهو الله سبحانه فآمن وأسلم بأن محمدا رسول الله حقا وصدقا. وهناك شعوب أسلمت وآمنت بالقرآن بطريق غير مباشر ومن أمثلة هؤلاء سكان إندونيسيا وما حولها وسكان شرق قارة أفريقية ووسطها حيث نزل بساحتهم التجار العرب المسلمون الذين ذهبوا إلى هذه الجهات النائية للاتجار وتعاملوا مع أهلها معاملة كلها الصدق والامانة والوفاء ومكارم الاخلاق التي اكتسبوها من القرآن الكريم فراعتهم هذه الاخلاق السامية والمبادئ العالية التى كانوا عليها وعلموا أن مزاياهم الجميلة هذه هى من أثر القرآن وتعاليم الاسلام التى أكسبتهم هذه الفضائل والمكارم وصاغتهم هذه الصياغة الكريمة التى لا مئيل لها فيمن عرفوا من الناس فآمنوا بالاسلام دينا وبالقرآن معجزة لرسوله الكريم بمثل هذه الآيات السالفة الذكر وآثارها في العقول والنفوس كان إيمان كثير من النصارى وغيرهم من الملل الاخرى من ذوى الالباب والفطن الذين ما كانوا يعرفون معنى الاعجاز البيانى أو البلاغى في لغة القرآن وإنما عرفوا منه الاعجاز العلمى الذى وجدوه في كثير من الآيات العلمية مثل قوله تعالىخلق الانسان من علق)(يخرج الميت من الحى ويخرج الحى من الميت)(وجعلنا الرياح لواقح)(يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) وإن من شئ إلا يسبح بحمده)(والسماء ذات الحبك)(لا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) وفى هذا ما يؤكد أن الكون هو كتاب الله الصامت، وآن القرآن هو كتاب الله الناطق بما يدل على علم الله بأسراره). وهناك أمور كثيرة تبين عظمة القرآن وقوة إعجازه وعظمة أثره على القلوب فنسأل الله أن يجعلنا ممن يتدبر القرآن ويتلوه حق تلاوته0" وكل ما سبق ليس بسبب البلاغة اللفظية وإنما بسبب صدق القرآن وعدالته كما قال تعالى: " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" وتحدث عن الآثار الإيمانية فقال : "المطلب الثاني: الآثار الإيمانية: لا يخفى على ذي لب بأن المادة يوم أن طغت في هذه الأيام على البشرية، قل عندها التدبر للقرآن ، فأصابها الخور والهوان، وما أعز الأمة عندما تستمسك بالمعين الصافي والنور الرباني، فإنه لا تتحقق تلك الآثار إلا حين أن نتدبر هذا الكتاب العزيز قال تعالى" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" فكم من قاريء للقرآن والقرآن يلعنه تراه يظلم وربنا يقول"ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون" وتراه يكذب وربنا يقول" فنجعل لعنت الله على الكاذبين" إلى غير ذلك مما ابتليت به الأمة، وتحقق فيه الوعيد النبوي إذ يقول في الحديث الذي يرويه ثوبان: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل: يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت فلا تتحقق تلكم الآثار الجليلة على القلوب فتزيدها ثباتا وإيمانا إلا بقوة التدبر وتحقيق الحكمة التي أنزل لأجلها القرآن كما قال الله عز وجل"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب"فإذا سعينا إلى التدبر لكلام الله وتلاوته حق تلاوته، جنينا بعده تلك الآثار العظيمة وغيرها، وتحقق الخير كله،،، ومن الآثار الإيمانية ما يلي: قوة الوازع الديني: فالقاريء للقرآن المتدبر له في ازدياد من الخير والإيمان، فهو يهديه لأقوم الطرق وأفضل السبل كما قال تعالى"إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا" فإذا قوي الإيمان حصل الأثر الإيماني على الأفراد، ثم على المجتمعات، فينتج بذلك الخير كله0 زيادة الإيمان: فقد وصف الله أهل الإيمان بأنهم إذا تليت عليهم الآيات زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون فقال سبحانه" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " ومما يضيء سناه ابتهاجا والصدر انشراحا ، ما يحصل للمتدبر للقرآن قديما وحديثا وما يحكيه واقعنا المعاصر ممثلا بالحلقات القرآنية،والصروح الإيمانية،من تلك النماذج من الشباب الذين يصدق فيهم قول النبي (ص)(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله00)وذكر منهم(شاب نشأ في طاعة الله) ومن أعظم أنواع الطاعات الإنشغال بالذكر ومن أعظم الذكر تلاوة كلام رب البرية،فترى هؤلاء الشباب هم من أحسن الناس سلوكا وأبعد الناس عن سلوك طرق أهل الغواية،فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته إذاهم تدبروا آياته واستمسكوابه وعملوا بما فيه،ويشرف بأهل القرآن من يسعى جاهدا لخدمتهم وتقديرهم من القائمين على الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن،وهمه خدمة أهل القرآن معلمين وطلابا نسأل الله أن يزيدهم توفيقا وسدادا 0" والإيمان عند الله قد يثمر آثارا وقد لا يثمر بدليل أن الله عاتب المؤمنين عندما لم يعملون بإيمانهم فقال : " لم تقولون ما لا تفعلون " ومن ثم فالإيمان قد يولد آثارا عند البعض وقد لا يولد عن البعض الأخر وتحدث عما سماه الآثار الآمنية فقال : "المبحث الثالث:الآثار الأمنية0 الأمن مطلب البشرية جمعاء، بل الخلائق أجمع ، كل يطمح إلى مكان آمن ، فالإنسان يتمنى المكان الآمن له ولمن يعول، والطير يبني عشه لأجل أن يأمن فيه مع فراخه،والحيوان من بهيمة الأنعام في حضيرته، فكل الخلائق تسعى إلى أن يكون لها المكان الآمن، فمن ذا الذي يؤمن الخلائق غير خالقها، ومن ذا الذي ييسر سبل الأمن والأمان إلا خالق الأنام سبحانه وتعالى،، وإن من أعظم مقومات الأمن والأمان هو الإيمان برب العباد، والتمسك بشرائع الإسلام ظاهرا وباطنا، قال ربنا عزوجل " الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" عندما نزلت هذه الآية شق ذلك على الناس، وقالوا يا رسول الله : أينا لم يظلم نفسه، فقال ( إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } إنما هو الشرك0فمن أشرك بالله في العبوديه، وعبد غير الله، وعمل لأجل الناس، فذلك قد ظلم نفسه، وليس له أمن ولا أمان من رب العباد،، قال رسول الله- (ص)- :"من أعطي فشكر، ومنع فصبر،وظلم فاستغفر وظلم فغفر" وسكت فقال الصحابة : يا رسول الله ماله؟ قال { أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } وإن في تدبر القرآن،والسير على منهاجه لهو الخير والفلاح، وهو السعادة والنجاح ، وفي ذلك آثارا عظيمة قد تحدثنا عن بعضها في البحوث السابقة، وسنتحدث في هذا البحث عن الآثار الأمنية التي تنتج عن تدبر القرآن والعمل به، والتمسك على المنهج الرباني، فمن تلك الآثار ما يلي: 1- الحياة الطيبة بين الأفراد والمجتمعات قال الله تعالى"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" قال بن كثير في تفسيره هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص)من ذكر أو أنثى من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله وان هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب وعن علي بن أبي طالب أنه فسرها بالقناعة وكذا قال ابن عباس وعكرمة ووهب بن منبه وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنها هي السعادة وقال الحسن ومجاهد وقتادة لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة وقال الضحاك هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا وقال الضحاك أيضا هي العمل بالطاعة والانشراح بها والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله (ص)قال قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ورواه مسلم 1054 من حديث عبد الله بن يزيد المقرئ به وروى الترمذي 2349 والنسائي س كبرى تحفة 11033 من حديث أبي هانئ عن أبي علي الجهني عن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله (ص)يقول قد أفلح من هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به وقال الترمذي هذا حديث صحيح 2- قوة الأمن والأمان في تطبيق شرع الله ،فكم شرع الله لعباده من الأحكام والأوامر التي تعود عليهم بالنفع إذا ائتمروا بها، ولم يتعدوا حدود الله،ولا يكون هذا إلا بالتدبر لكتاب الله العزيز والعمل به،وقد حد الله حدودا في القرآن عظيمة، من سار عليها وطبقها في نفسه وفي مجتمعه أعقبت خيرا كثيرا خاصة في أمن الأفراد والمجتمعات ومن ذلك مايلي: أ- وصف الله قتل القاتل حياة للناس ، وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله " ولكم في القصاص حياة " يعني نكالا وعظة إذا ذكره الظالم المعتدي كف عن القتل ، وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لأولي الألباب وفيه عظة لأهل الجهل والسفه كم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها ولكن الله حجز عباده بها بعضهم عن بعض وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر إصلاح في الدنيا والآخرة وما نهى الله عن أمر إلا وهو أمر فساد والله أعلم بالذي يصلح خلقه ب- أمر الله سبحانه بقطع يد السارق والسارقة في قوله سبحانه " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " وعن عروة عن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها قالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله (ص)فكلمه أسامة فقال رسول الله (ص)" إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها "وهذه النصوص الربانية فيها من الحكم العظيمة،والغايات النبيلة ما يعجز المقام لذكرها حصرا،وما أحسن ماذكره الشنقيطي عند شرحه لهذه الآية الكريمة، فقد قال : قطع يد السارق من هدي القرآن للتي هي أقوم وذلك أن هذه اليد الخبيثة الخائنة التي خلقها الله لتبطش وتكتسب في كل ما يرضيه من امتثال أوامره واجتناب نهيه والمشاركة في بناء المجتمع الإنساني فمدت أصابعها الخائنة إلى مال الغير لتأخذه بغير حق واستعملت قوة البطش المودعة فيها في الخيانة والغدر وأخذ أموال الناس على هذا الوجه القبيح يد نجسة قذرة ساعية في الإخلال بنظام المجتمع إذ لا نظام له بغير المال فعاقبها خالقها بالقطع والإزالة كالعضو الفاسد الذي يجر الداء لسائر البدن فإنه يزال بالكلية إبقاء على البدن وتطهيرا له من المرض ولذلك فإن قطع اليد يطهر السارق من دنس ذنب ارتكاب معصية السرقة مع الردع البالغ 3- كلام الله عز وجل يهدي لأقوم الفعال،وأفضل الأعمال، وأشرف الأمور فالقرآن يهذب السلوك، ويثبت الأمن والأمان، ويقوم الأخلاق قال الله تعالى"إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا"قال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية وأجمعها لجميع العلوم وآخرها عهدا برب العالمين جل وعلا يهدي للتي هي أقوم أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب، ثم يقول رحمه الله:وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة ولكننا إن شاء الله تعالى سنذكر جملا وافرة في جهات مختلفة كثيرة من هدى القرآن للطريق التي هي أقوم بيانا لبعض ما أشارت إليه الآية الكريمة تنبيها ببعضه على كله من المسائل العظام والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفار وطعنوا بسببها في دين الإسلام لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة فمن ذلك توحيد الله جل وعلا فقد هدى القرآن فيه للطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها وهي توحيده جل وعلا في ربوبيته وفي عبادته وفي أسمائه وصفاته وقد استطرد العلامة الشنقيطي في بيان هداية القرآن للتي هي أقوم وذكر أمورا عديدة وأشياء كثيرة، ومما قال رحمه الله: ومن هدي القرآن للتي هي أقوم هديه إلى أن الرابطة التي يجب أن يعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع وأن ينادى بالارتباط بها دون غيرها إنما هي دين الإسلام لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى فربط الإسلام لك بأخيك كربط يدك بمعصمك ورجلك بساقك كما جاء في الحديث عن النبي (ص)( إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ تنبيها على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه كقوله تعالى " ولا تخرجون أنفسكم من دياركم " أي لا تخرجون إخوانكم وقوله " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا " أي بإخوانهم على أصح التفسيرين وقوله " ولا تلمزوا أنفسكم " أي إخوانكم على أصح التفسيرين وقوله " ولا تأكلوا أموالكم بينكم " أي لا يأكل أحدكم مال أخيه إلى غير ذلك من الآيات ولذلك ثبت في الصحيح عنه (ص)أنه قال (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ومن الآيات الدالة على أن الرابطة الحقيقية هي الدين وأن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية قوله تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الا خر يوآدون من حآد الله ورسوله ولو كانوا ءابآءهم أو أبنآءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " إذ لا رابطة نسبية أقرب من رابطة الآباء والابناء والإخوان والعشائر وقوله " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليآء بعض " وقوله " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم " وقوله " فأصبحتم بنعمته إخوانا " إلى غير ذلك من الآيات ،فهذه الآيات وأمثالها تدل على أن النداء برابطة أخرى غير الإسلام كالعصبية المعروفة بالقومية لا يجوز ولا شك أنه ممنوع بإجماع المسلمين، ومن أصرح الأدلة في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه قال باب قوله تعالى " يقولون لئن رجعنآ إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولاكن المنافقين لا يعلمون" حدثنا الحميدي حدثنا سفيان قال حفظناه من عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار ، المهاجري يا للمهاجرين فسمعها الله رسوله قال ( ما هذا ) فقالوا كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال النبي (ص)( دعوها فإنها منتنة ) الحديث فقول هذا الأنصاري يا للأنصار وهذا المهاجري يا للمهاجرين هو النداء بالقومية العصبية بعينه وقول النبي (ص)( دعوها فإنها منتنة ) يقتضي وجوب ترك النداء بها لأن قوله ( دعوها) أمر صريح بتركها والأمر المطلق يقتضي الوجوب على التحقيق كما تقرر في الأصول لأن الله يقول " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " فمما سبق في الكلام على قول الله تعال "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" وشرح الإمام الشنقيطي يتجلى لمن يتدبر هذا القرآن من المسلمين أنه كما قال الله عنه"وإنه لتنزيل رب العالمين* نزل به الروح الأمين" فالقرآن يهدي للتي هي أقوم في جميع نواحي الحياة، فيزيد المؤمنين إيمانا ويزيد ديار الإسلام المستمسكين به والمعتزين به أمنا وسلاما،فعلينا أهل القرآن أن تتجلى فينا تلك الرابطة العظيمة – رابطة الدين- وأن نترفع عن كل ما يشوبها من النعرات العصبية والقومية والشعوبية التي انتشرت عند بعض أهل الإسلام، فإن تلك الأمور تجلب الفتن والفوضى وتحصد الأمة من جرائها الخوف والفتن0" وهذا الكلام عن الأمن بمعنى عدم الخوف مرتبط بعبادة وهى طاعة المؤمنين لله كما قال : "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" فألمن يعنى الطمأنينة وهى سكينة القلب وأما ألأمن الذى قصده الرجل من الخيرات وعدم وجود جرائم فهذا أمر محال أن يوجد لأن الله يبتلى بالشر والخير كما قال : "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وتطبيق الرسول(ص) والمؤمنين لحكام الله لم يمنع جوعهم وفقرهم كما قال تعالى : "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " كما لم يمنع حدوث الجرائم كجريمة حديث الآفك وجريمة اتهام البرىء بالسرقة والتى عاتب الله فيها نبيه(ص) والمؤمنين على دفاعهم عن المجرم وذمهم للبرىء مع كونه من دين مخالف وتحدث عما قاله الشنقيطى عن المصالح فقال : "فكتاب الله وتدبره يجيء بجميع المصالح التي عليها مدار جميع الشرائع وما أحسن ماذكره الشنقيطي عند ذكره للمصالح فقال: فالمصالح التي عليها مدار الشرائع ثلاثة : الأولى درء المفاسد المعروف عند أهل الأصول بالضروريات والثانية جلب المصالح المعروف عند أهل الأصول بالحاجيات والثالثة الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات المعروف عند أهل الأصول بالتحسينيات والتتميمات وكل هذه المصالح الثلاث هدى فيها القرآن العظيم للطريق التي هي أقوم الطرق وأعد لها،فالضروريات التي هي درء المفاسد إنما هي درؤها عن ستة أشياء: الأول :الدين وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها كما قال تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" والثاني :النفس وقد جاء القرآن بالمحافظة عليها بأقوم الطرق وأعدلها ولذلك أوجب القصاص درءا للمفسدة عن الأنفس كما قال تعالى " ولكم في القصاص حيواة ياأولي الألباب" وقال "كتب عليكم القصاص في القتلى " الثالث :العقل وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها قال تعالى " يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " إلى قوله " فهل أنتم منتهون " وللمحافظة على العقل أوجب (ص)حد الشارب درءا للمفسدة عن العقل،الرابع: النسب، الخامس والسادس: العرض والمال0 المصلحة الثانية: جلب المصالح وقد جاء القرآن بجلب المصالح بأقوم الطرق وأعدلها ففتح الأبواب لجلب المصالح في جميع الميادين قال تعالى "فإذا قضيت الصلواة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" وقال " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " وقال " يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وءاخرون " ولأجل هذا جاء الشرع الكريم بإباحة المصالح المتبادلة بين أفراد المجتمع على الوجه المشروع ليستجلب كل مصلحته من الآخر كالبيوع والإجارات والأكرية والمساقاة والمضاربة وما جرى مجرى ذلك 0 المصلحة الثالثة :الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وقد جاء القرآن بذلك بأقوم الطرق وأعدلها والحض على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كثير جدا في كتاب الله وسنة نبيه (ص)ولذلك لما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه (ص)قالت ( كان خلقه القرآن ) لأن القرآن يشتمل على جميع مكارم الأخلاق لأن الله تعالى يقول في نبيه (ص)"وإنك لعلى خلق عظيم " فدل مجموع الآية وحديث عائشة على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق والكلام في هدي القرآن للتي هي أقوم وحله لكثير من المشاكل العالمية والإقليمية كثير جدا " وهذا الكلام عن المصالح والمفاسد لا تقوم الشريعة عليه وإنما تقوم على العدالة فالله مثلا شرع عمل المفاسد في الحرب من قتل وجرح وتخريب دور وقطع شجر من خلال إباحة القتال فقال : " كتب عليكم القتال" ومثلا منع المال عن المسلمين بأمرهم بمنع الكفار من الحج وهى منفعة فقال : " يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء" كما منع منافع الخمر بتحريمها لوجود مفاسد معها فالمسألة في التشريع لا تعود للمنفعة والمضرة وإنما تعود لتقرير العدالة
اجمالي القراءات 2503