Oslo 30.12.2006
أيها المسلم،
أراك قد اصبحتَ صيدا سهلا وثمينا لأكبر عملية عبث في النفوس، وقد جاءك من كل صوب وفج ومن فوقك ومن تحت قدميك كارهو الانسان، ومبغضو الآخرين، وقاطعو الرؤوس يَقُصّون عليك من نبأ ذلك الوحي الجديد الذي لم يتنزل على نبي أو رسول أو مصلح.
يقولون لك بأن تهئنتك لغير المسلمين مخالفة صريحة لتعاليم دينك، وأن مخالطتهم حرام، وأن صداقتك لأي منهم إثم، وأن البِرَّ بهم كفر بالبراءة من المشركين.
قرأت في الأيام الأخيرة عشر&Ccشرات الرسائل التي تصيب النفس العفيفة بالغثيان وكلها سيارات مفخخة من البغضاء، وقنابل موقوتة من الكراهية، وتشويه متعمد أو ساذج أو أحمق أو متخلف لتعاليم خاتمة الرسالات السماوية.
رسائل تبدو في الظاهر كأنها تعاليم سماوية لأهل الأرض، وكتابات مقدسة عن نبي الاسلام صلوات الله وسلامه عليه، وآراء فقهية ملزمة تُبَيّن أحكامَ الشريعة في التعامل مع غير المسلمين.
لكن الحقيقة أنها دماء على الألسن، ومباديء قتلة، وأحكام الغاب في عالم مليء بالطائفية والعنصرية والحروب والتمزق وكراهية الانسان لأخيه الانسان.
لا تصدقهم فهم يُلَوّنون قلبَك بالسواد عندما يطلبون إليك أن لا ترد التحية على غير المسلم، وإذا سَلّم عليك فقل وعليكم ولا تستخدم كلمة ( السلام ) قط .
يطلبون منك أن لا تودّ جارك غير المسلم، ولا تبعث له تهنئة في عيده، ولا تجامله في فرحته فهي فرحة الوثنية وعبادة غير الله الواحد القهار.
قرأت دعوات جديدة بأن المسلم لا يجب أن يطرق باب جاره ليقاسمه بعضا من الطعام والحلويات وكعك العيد فهي مخالفة صريحة للاسلام، وتقاسم في الشرك لأن أعياد المسلمين مقتصرة عليهم فقط، لا يشاركهم أخرون، ولا يشتركوا مع آخرين في السعادة والبهجة والفرحة.
أيها المسلم،
لا تصدق تلك الرسائل والفتاوى ولو قام على كل منها سبعون دليلا، يدعم كلَّ دليل سبعون شيخا معمما ومثلهم من شيوخ فضائياتنا العربية المعوقة التي تستضيف خصوم الانسان وأعداء الحب والتسامح.
إسلامك غير هذا الذي يحدثونك عنه، والتقرب إلى الله لم يكن أبدا قسوة وغلظة ووحشية وخلطا عجيبا عفنا يُنفرّ الآخرين من المسلمين، ويُعَلّم أبناءَنا أن يكونوا من نسل قابيل فقط، أما هابيل فقد أهال مسلمو العصر الحديث التراب عليه.
هل تريد أن تتقرب إلى الله، وتفهم هذا الدين العظيم، وتصبح داعية له دون حاجة لكل كتب الفقه وفتاوى العلماء ومحاضرات الفضائيين ومواقع المتشددين والمتطرفين على الشبكة العنكبوتية؟
هل تريد أن تحرسك الملائكة، وتخشاك الشياطين، وتقترب من ملكوت الله، وتُطّهِر قلبك لكي يعَمْرُ فيه الإيمانُ بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر؟
ليس أمامك طريق الآخر غير الحب والتسامح وترك حساب الآخرة لملك الملوك، الحي القيوم الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم.
لن يغضب عليك العزيز الوهاب وأنت تبعث رسالة تهنئة لأخيك في الانسانية معبرا عن قيمة التسامح في دينك، أو تطرق باب جارك فتشاركه فرحته بعيده، وتتذوق طعامه، وتثني عليه، وتقاسمه ما صنعت يداك، وتتعاون معه على البر والاحسان والعمل والخير والعلم والأمانة والمواطنة والواجبات والدفاع عن الحق ومناهضة الظلم.
إنهم يعرضون عليك إسلاما غير الذي أنزله الله على محمد بن عبد الله، ويوهمونك أن مالك المُلك ربَّ العرش العظيم سيرضى عنك لو قسوت على جارك، وسيعد لك جنة الخلد لو قاطعته، وسيثيبك جزاء حسنا إن توجهت بمحبتك ورحمتك وتسامحك ونُبْلِك وشهامتك وكرمك وصدقك ورأفتك لأخيك المسلم فقط، وتمنعها عن غير المسلمين.
أيها المسلم،
إنهم يفخخونك بغضاء، ويخاصمونك مع عصرك، ويصنعون لك مستقبلا مظلما وطائفيا، وينفخون في مشاعرك تلك الاستعلائية البغيضة التي تفرقك عن أخيك الانسان.
إنني أحدثك هنا عن الفروقات الدينية والطائفية والمذهبية وليس عن السياسة والاحتلال والاستعمار والعدوان، فمقاطعة إسرائيل واجب على كل مسلم ومسلمة، والدفاع عن الاسلام وعن نبيه الكريم فرض عين على من يجد في نفسه القدرة والثقافة والمعرفة والمنطق السليم، لكنني أبثك أحزاني وآلامي التي سببتها لي تلك الحملة الضارية التي تريد أن تجر المسلمين إلى معارك مع كل من يخالفهم أو يعتنق دينا آخر.
هل تعرف ما هي البراءة؟
على المسلم أن يتبرأ من المفسدين والطغاة والمنافقين والأفاقين وتجار المخدرات ومهربي أموال الشعب ورجال الأمن الذين يسلخون جلودهم في أقسام الشرطة..
وعلى المسلم أن يتبرأ من كل مؤيدي قانون الطواريء، ومن يزيفون الانتخابات، ومن يدعمون الطاغية، ومن يصمتون على نهب الوطن وهم قادرون على فضح ناهبيه.
تلك هي البراءة التي أفهمها كمسلم، أما أن أرفض رد التحية على جاري غير المسلم، وأن لا أهنئه بعيده بحجة أنه لا يعبد الله على طريقتي، وأن أطلب من أولادي تجنب اللعب مع أولاد غير المسلم، وأن أعتبر أعيادهم كفرا يستحق محاربتي لها، وأن لا أفرح لفرح الآخرين فتلك هي والله بداية النهاية لصناعة مسلم الجيتو الذي يعادي الآخرين، ويستجديهم أن يحاربوه، ويحتلوا أرضه، ويحجبوا عنه كل ما من شأنه تنمية موارده، وتحسين اقتصاده، ورفع مستوى معيشته.
عبادة الله الواحد القهار لا تكتمل إلا برسالة التسامح والمحبة لكل من لم يؤذك أو يحرض عليك أو يخرجك من دارك أو يعلن الحرب عليك أو يحتل أرضك، أما من يعتنق دينا غير دينك، ومذهبا مختلفا، وينتهمي لطائفة أخرى فواجبك الانساني والديني أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك، فقلة نادرة من الناس في العالم هي من اختارت دينها ومذهبها وعقيدتها.
أدعوك لتتعرف من جديد على معبودك وخالقك وربك التواب الرحيم ، وتعيد قراءة كل رسائل وفتاوى الكراهية والمقاطعة والرفض لأخيك الانسان، ثم تستفتي قلبك صادقا معه وأمينا مع نفسك وتسأل: هل ستكون محبتي ومودتي للآخرين في ميزان سيئاتي؟
هل تريد أن يكره الآخرون دينك ويحاربوه وينفروا منه ؟
في هذه الحالة فإن أقصر الطرق هي تفخيخ نفسك الطيبة التي فطرك الله عليها لتصبح وقودا تأكل قلبك وقلوب الآخرين.
الطريق إلى الله واحد فقط ولو وصف لك الآخرون مئة طريق أخرى. إنه يمر عبر المحبة والتسامح والرحمة والصداقة والأخوة الانسانية، فإن اخترت طريق التمييز بين البشر على أساس اللون والدين والمذهب والعقيدة وليس على أساس الصدق والشرف والأمانة وحب الخير فلا أظن أنك سترى يوم القيامة وجه ربك ذي الجلال والاكرام.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://taeralshmal.jeeran.com
http://www.taeralshmal.com
Taeralshmal@hotmail.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal