أوسلو في 25 يوليو 2006
هل جربتَ أنْ تقُصّ على محدثك من نبأ المعتقلات والسجون والمظلومين والمعذبين والمنسيين تحت الأرض؟
هل شاهدتَ تعبيرات وجه محاورك وأنت تتحدث عن عالم الطغاة، وسذاجة الجماهير، وحفلات التكريم في أقسام الشرطة، وتجاوزات الاستخبارات العربية، وعن عناوين الكتب الجديدة، وأهم الفصليات والدوريات الفكرية والثقافية، وعن الأميّة والبطالة والإدارة وغيرها من هموم حياتية؟
أغلب الظن أن&oacutauml; أنَّ محاورّك سيتثاءب من الملل في حديثك، وربما يتجنبك في مرات لاحقة خشية أن يُضَيّع وقته في تلك الصغائر من الأمور.
تقدم من أي شخص أو جماعة في أي مكان ولو كان مقهي شعبيا أو سوقا للخضار أو مكتبا للموظفين الكُسالى أو جلسة للنميمة والغيبة أو متسكعين في شارع جانبي، ثم تحدث في أي شأن ديني حتى لو كان عدد المسلمين في فريق كرة القدم الفرنسي، أو حجاب فنانة، أو اكتشاف طفل مسلم إندونيسي مكتوب على رأسه لا إله إلا الله أو مصرع رجل بالسكتة القلبية لأنه نظر إلى زوجة جاره أو عفريت من الجن تزوج فتاة جميلة وأنجبت منه توأمين، إنثى جنية وذكر إنسي، أو فتاة رفضت الحجاب فسقط شعر رأسها أو رجل تم وضع جهاز تسجيل في قبره بعد دفنه فتحطم الجهاز دون معرفة السبب!
لن تجد واحدا يأنف من الاشتراك في الحديث، وستكتشف أن الأمة كلها أضحت مجموعة من الدعاة والفقهاء والعارفين ببواطن الأمور، وستتسع العيون، ويهرب النوم منها، ويعمل الجهاز العصبي بكامل أحصنته، ويعتذر العقل عن الاشتراك في الحديث فاحتمال أن ينصت أحد إليه كاحتمال سقوط الرئيس علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية، أو سقوط خيمة العقيد لعدم تثبيت أوتدتها!
ماذا حدث لشعوبنا؟
كل الناس تتحدث في الدين من الصباح إلى المساء، ولا فرق بين جاهل وعالم، وبين أمي وأكاديمي، وبين طالح وصالح، وبين مرتش وأمين، وبين اسلامي وعلماني، وبين رجل وامرأة.
لا يهم ماذا تفعل في حياتك، وهل تصل الرحمَ، وترعى أولادك، ولا تضرب زوجتك، ولا يضيع نصف عمرك في المقهى والديوانية وفي صحبة شلة الأنس.
لا يهم إنْ كنت موالياً للطاغية أو مؤيدا للسجون والمعتقلات أو مع الحرية والديمقراطية أو متسامحا مع الآخرين أو مثقفا وقارئا جيدا ومتابعا لأحداث العالم وكريما مع جيرانك ومُجِدّا في عملك.
لا يهم إن كنت تتكاسل كمدرس لتفتح بيتك للدروس الخصوصية، أو طبيبا يكشف على المرضى في دقيقتين، أو صيدليا يبيع دواء انتهى تاريخ صلاحيته أو رجل أعمال يقدم رشاوى في كل يوم بعدد خصلات شعر رأسه.
لا يهم إن كنت مدافعا عن المظلومين، ومهموما بوطنك، وحانقا على الديكتاتورية، وداعيا إلى تكاتف المجتمع في مساواة كاملة بين كل أفراده.
المهم أنك تتحدث في الدين، وتتوعد من ينتقد العلماء بالويل والثبور، وتقذف حمما من الغضب على من يختلف مع ابن تيمية، وتعرف عشرين حديثا نبويا، وتحفظ أربع حكم ومأثورات، وتقول لأي شخص يحدثك بأنك ذاهب لأداء الصلاة أو عائد منها أو ستقابله بعد صلاة العشاء أو أنك أقنعت ابن عمك بأدائها.
المهم أن تُسَبّل عينيك، وتحمد الله بصوت مرتفع لأن الفتاة الجامعية جارتك ارتدت الحجاب أخيرا، وأنك لا تسمع الموسيقى والأغاني ولكن تشاهد قناة ( اقرأ )، وتطلب من الله أن يهدي أبناء المسلمين.
المهم أن يتسع حُلمك، وتتحدث عن قرب عودة الخلافة وهيمنة المسلمين على الدنيا كلها، وأن تمتدح في المقاومة العراقية بدون ذكر جرائم الارهاب، وإذا سألك سائل عن تمنياتك فتقول زيارة المسجد الأقصى وأن يعتنق العالم كله الاسلام.
وإذا كنت من مرتادي المنتديات الإنترنيتية فأمامك متسع من الوقت ومساحة من الحرية أن تنهش لحم فريستك على مهل، وأن تكتب ما تشاء، وتكتفي بعناوين المقالات، وتقتحم المنتدى بمداخلة عن سوء نية كاتب المقال، وأنه يكره الاسلام، وربما تكون لديه ميول علمانية، وأنه لم يستشهد بآية قرآنية واحدة، وأن الموضوع كله يصب في خدمة اليهود والصهيونية العالمية ولا مانع من الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان وستجد عشرات من أعضاء المنتديات يهرولون خلفك، ويرفعون راية الجهاد الالكتروني، وينقلون خطبا ومواعظ لا علاقة لها بموضوعك، المهم لا أحد يقرأ مقالا طويلا، وعدد المداخلات يحدد قوة تمسكك بالاسلام ودفاعك المستميت، ولا تنس أن تكتب: جزاك الله خيرا أخي في الله وجعل كلامك في عداد حسناتك.
إما إذا مرت عيناك على مقال أو موضوع عن تلك التي أشرنا إليها والفساد والسجون والمعتقلات واغتصاب الأبرياء ومناهضة الاستبداد وقوانين الحرية وكرامة المواطن والمساواة بين البشر وأهمية التسامح والادارة السليمة ومصالحة العصر والفنون والجمال والآداب والفلسفات الحديثة والقديمة والاجتهاد والعقل والمنطق ومشروعات القضاء على الأمية والجهل والفقر والمرض ، فعليك أن تمر عليها مر الكرام كأنها جرب أو دنس أو أوساخ.
لا تكترث لمن يتابع سلوكياتك المتحضرة والمتمدنة وصلة الرحم ومثاليتك اليومية في العمل والشارع والنظافة ومحبة الآخرين وعدم اقحام أنفك في شؤون الغير، فالناس تنتظر منك حديثا عن الدين وفي الدين وللدين. ماذا لو قابلك مسلم ورفضت الحديث عن الدين باعتباره علاقة بينك وبين خالقك، وأن ترفض الاجابة عن أي سؤال شخصي يتعلق بمعتقدك ورؤيتك وفكرك وسلوكك وصلاتك ولحيتك وحجابك وصيامك وعدد مرات ارتيادك المسجد وآلاف غيرها من الأحاديث التي تتقاطع في كل لقاءات واجتماعات وتجمعات؟ سيتهمك الآخرون بكل الموبقات، وسيقولون عنك ماركسي وعلماني وزنديق حتى لو كانت سلوكياتك تعد لك مكانا في جنة الخلد.
ليس أمامك إلا أن تتظاهر بأنك مع الركب، وتسمع نصائح، وتُسْدي مثلها، وتكتب حكمة، وتنهي حديثك بدعاء مسموع ليعرف الجميع أنك واحد من مسلمي العصر الحديث وأبطال الصحوة المتمسكين بالاسلام كماسكي جمرة. ستجد في مقالي هذا عشرات الأشياء التي ينبغي أن تغتنمها، وتتهم صاحبها بكل ما يسع قلمك ولسانك من قاموس التكفير والسخرية والتهكم، وأنا أضمن لك آلافا من المؤيدين، ومثلهم من الصامتين الفرحين برفع راية النصر الاسلامي أمام كاتب المقال رغم أنني أشهد الله أنني مسلم دون أن أستأذنك.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://taeralshmal.jeeran.com
http://www.taeralshmal.com
Taeralshmal@hotmail.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal