مراحل تطور خلق الإنسان الجزء الأخير
مرحلة ما بعد الهبوط والقرار الأزلى:
{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) (سورة البقرة 38)
{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) (طه
وقفة تأمل وتدبر فى الأيتين لأهميتهما فى تحديد مسار الأنسان فى الحياة الأخرة.
مدلول الأيتين بصفة عامة يوحى بمسؤلية كل إنسان عن عمله وتفصيل هذا المدلول فى قوله تعالى:
{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) (سورة الإسراء 13 - 14)
مقارنه لغوية بين الأيتين:
سورة طه 123 سورة البقرة 38
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ
فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
فى سورة البقرة أسند الله القول لنفسه فقال: قُلْنَا اهْبِطُوا لذلك جاء الفعل (تبع ) مخففا لرحمة الله بعباده لأن القول مسند إليه، أما فى سورة طه لم يسند الأمر لنفسه فجاء الفعل ( إتبع ).
فى سورة البقرة يتعلق الأمر بيوم القيامة لذلك جاء الفعل مخففا، أما فى سورة طه فيتعلق الأمر بالدنيا والأخرة فقال ( لا يضل ولا يشقى) لا يضل فى الدنيا و لا يشقى فى الأخرة.
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) (سورة البقرة
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) (سورة طه
الخوف و الحزن أشد على الإنسان أم الضلال و الشقاء؟
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي: هنا حدد الله سبحانه مصدر الهدى الذى يأتى من السماء إلى الأرض، فلماذا أكد على المصدر فى الأيتين؟
علم الله المطلق يعلم أزلا أن هناك من يقوم بوضع كتب وقوانين ويدعون أنه هو الهدى لذلك جاء هنا بالمصدر وفصل ذلك فى قوله تعالى:
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) } (سورة البقرة 75 - 79)
ويكتمل التفصيل بقوله تعالى: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) } (سورة آل عمران 78)
هذه سنة الله الكونية التى لا تتبدل ولا تتحول إلى يوم القيامة فقال سبحانه:
{ ...َلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا (43) (سورة فاطر)
وقد ترتب على هذه السنة أربع أشياء : نفى الخوف والحزن والضلال والشقاء.
ومخالفة هذه السنة يقول سبحانه وتعالى:
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) (سورة طه)
صدق الله العظيم...