المنهج القرآنى فى قصص أهل الكتاب

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٨ - يناير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً


المنهج القرآنى فى قصص أهل الكتاب

أولا : تقسيمات للبشر :
1 ـ عند الاحتضار يكون الناس ثلاثة أقسام حسب الايمان والعمل : أصحاب الجنة وهم نوعان : سابقون بالايمان والعمل ، مقتصدون تابوا وأصلحوا ( أصحاب اليمين ) ، ثم الأغلبية وهم أصحاب النار . ملائكة الموت تخبر من يحتضر بمصيره . قال جل وعلا : ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) الواقعة )
2 ـ وهو نفس التقسيم يوم القيامة : السابقون المقربون وأصحاب اليمين فى الجنة ، ثم أصحاب الشمال فى النار . قال جل وعلا : ( وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) الواقعة )
3 ـ ( الصاحب ) هو من يصحبك فى نفس الزمان والمكان . أصحاب النبى محمد عليه السلام كان منهم السابقون والمقتصدون الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، والمنافقون الصرحاء والذين مردوا على النفاق ، وهناك الكافرون الصُّرحاء . الآيات كثيرة نكتفى منها بقوله جل وعلا : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)التوبة )
4 ـ أهل الكتاب لهم نفس التقسيم : مؤمنون سابقون ومقتصدون وفاسقون . الآيات كثيرة ، نكتفى منها بقوله جل وعلا :
4 / 1 : ( وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ (110) آل عمران ).
هنا صنفان : مؤمنون وأكثرية فاسقة .
4 / 2 : ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) آل عمران ) .
التعبير ب ( أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ) يعنى مستمرة ، وجاءت بعدها الأفعال بالمضارع ( يتلون ) ( يؤمنون ) ( يأمرون ) ( ينهون ) ( يسارعون ) . أى هم أمة موجودة فى كل العصور وقت وبعد نزول القرآن الكريم ، الذى يعلم بهم هو علّام الغيوب جل وعلا .
4 / 3 : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) آل عمران ).
هنا اسلوب التأكيد الثقيل بوجودهم ب ( إنّ ) و (لام التوكيد / (لمن يؤمن ) ، ثم إسمية الجملة والفعل المضارع .
4 / 3 : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) المائدة ).
هنا ( أمة مقتصدة ) أى تائبة ، ثم أكثرية عاصية بعملها . أى فى أهل الكتاب نفس التقسيمات الثلاثية .
5 ـ الأجيال التى توارثت القرآن الكريم الى نهاية الزمان هم أيضا ثلاثة أقسام : سابقون ومقتصدون وفاسقون . قال جل وعلا : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر)
6 ـ هذا التشابه بين البشر قبل وأثناء وبعد نزول القرآن الكريم يجعلنا نفهم هدف المنهج القرآنى فى الهداية .
ثانيا : منهج القصص القرآنى عموما
1 ـ الحادثة التاريخية لها ثلاثة أعمدة : الزمان والمكان والأبطال . موقعة الجمل ـ مثلا ـ حدثت فى البصرة عام 36 ، أبطالها : على بن أبى طالب والأشتر وعمار بن ياسر وفلان وفلان ثم فى الجهة الأخرى عائشة والزبير وطلحة ومروان بن الحكم وفلان وفلان ..الخ . والتاريخ يغطى ( بعض ) الظواهر التاريخية للماضى وأيضا الحاضر وقت تسجيل أحداثه . والحقائق التاريخية نسبية ، وتحتاج الى باحث تاريخى متخصص .
2 ـ القصص القرآنى يذكر ( بعض) أحداث الماضى قبل نزول القرآن الكريم ، و( بعض) أحداث معاصرة لنزول القرآن الكريم ، ويزيد على ذلك باشارات للمستقبل ينبىء بها عالم الغيب جل وعلا . والقصص القرآنى يعطى حقائق مطلقة قد تصل الى خطرات القلوب والهمسات والحركات . الأهم فى القصص القرآنى أنه لا يهتم بتحديد زمن الأحداث ولا أماكنها ولا أسماء الأشخاص ( على سبيل المثال : قصة أصحاب الكهف ، وقصة القرية التى أرسل الله جل وعلا ثلاثة من الرسل : يس 13 : 30 )، لأن التركيز فيه هو على العبرة ، وبه تتحرر الحادثة التاريخية من أسر الزمان والمكان لتكون عظة هادية لكل زمان ومكان ، فالقرآن الكريم كتاب فى الهداية أساسا . ولهذا تتشابه أقوال الكافرين من قوم نوح ومن أتى بعدهم حتى عصر نزول القرآن الكريم ، ثم تتشابه مع ملامح الكفر بعد نزول القرآن الكريم ، والى نهاية الزمان .
3 ـ هذا المنهج القرآنى فى القصص ينطبق على أهل الكتاب . كانوا موجودين فى الماضى قبل نزول القرآن الكريم ، ثم عاصرت أجيال منهم نزول القرآن الكريم ، ثم هم مستمرون بعد نزول القرآن الكريم ، ثم دخل معظمهم ظاهريا فى الاسلام محتفظا بموروثاته السلفية ، وأسّس بها أديانا أرضية تكرر ما قاله الكافرون السابقون من قوم نوح الى قريش . ولهذا يوجد التشابه ـ مثلا ــ بين أديان ( أمة محمد / المحمديين ) وأديان ( أمة المسيح / المسيحيين ). ويوجد أيضا مع التشابه شقاق وحروب بينهما وفى داخلهما .
4 ـ وهنا :
4 / 1 : يأتى دور القرآن الكريم فى الهداية لمن يبحث عنها .
4 / 2 : تأتى أحداث الماضى عن أهل الكتاب تربطها بالحاضر وقت نزول القرآن الكريم وقت تشابك الأحداث بينهم وبين دولة النبى محمد عليه السلام ، كأن يقول جل وعلا له : ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المائدة ) .
فى الآية (12 ) حديث عن أخذ الميثاق عليهم فى الماضى فى عهد موسى عليه السلام ، ونقضهم هذا الميثاق ، ثم لعنهم فى الآية التالية ( 13 ) ، والمهم فيها إستمرار نفس سلوكهم الى وقت النبى محمد عليه السلام مع الأمر بتعامله معهم بالصفح والاحسان : ( وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .
ثالثا : نتدبّر نموذجا من سورة البقرة
قال جل وعلا :
1 ـ ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75).
( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) هذا خطاب للنبى محمد عليه السلام وأصحابه فى عدم الثقة بهم ، والاستدلال على ذلك بما كان أسلافهم يفعلونه فى الماضى من تحريف كلام الله جل وعلا مع علمهم وتعقلهم بما يفعلون ، مفهوم هنا أنهم على سُنّة أسلافهم مستمرون . هنا ربط الماضى بالحاضر وقت نزول القرآن الكريم . وفيه أيضا إشارة معجزة ، لأن مسيرة التحريف استمرت بعد انتهاء القرآن الكريم نزولا ، سواء من أهل الكتاب الضالين أو من أئمة المحمديين الذين عجزوا عن تحريف النُّصوص القرآنية فقفزوا عليها باختراع أحاديث شيطانية وبمقولات النسخ بمعنى إلغاء الأحكام ، وتغيير معانى القرآن الكريم بما اسموه بالتفسير و ( علوم القرآن ) . واشتهر القول بالاسرائيليات فيما يزعمونه التفسير والحديث ، وهو إعتراف جزئى ببعض الحق .
2 ـ ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77).
هنا حديث عن الحاضر ، وإخبار بغيوبهم ، حين كانوا يخدعون المؤمنين بالايمان ، ثم فى داخلهم حاقدون كارهون . هذا ينبىء عن منافقين من أهل الكتاب ، جاء عنهم أيضا قوله جل وعلا : ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) المائدة ) بالاضافة الى منافقى المدينة ، وقد قال فيهم رب العزة جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) البقرة ). ونلاحظ هنا إستمرارية الفعل بقوله جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ ) فحيث يوجد ( ناس ) ( فمن الناس ).!
وجود منافقين فى المدينة ومنافقين من أهل الكتاب يرجّح التعاون بينهما على الإثم والعدوان ضد النبى محمد عليه السلام . وجاءت إشارات لهذا فى:(الحشر 11 : 13 )( المجادلة 14 ـ )(الاحزاب 25 : 27)
3 ـ ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79).
أى من أهل الكتاب من لا يرى فى الكتاب إلا أمانى الشفاعات والخروج من النار ، وهم يكتبون هذه الأمنيات أحاديث شيطانية يزعمون أنها وحى من الله جل وعلا ، ليشتروا به ثمنا قليلا . والله جل وعلا يتوعدهم بالويل . نلاحظ هنا الاستمرارية باسمية الجملة ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ )، والتعبير بالمضارع فى التهديد المترتب على إفترائهم ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ) . هذا يعنى الانتقال من الحاضر الى ما سيحدث فى المستقبل بعد نزول القرآن الكريم ، وهو ما إفتراه أئمة المحمديين من أحاديث زعموا أنها وحى إلاهى .
4 ـ ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82).
هنا نموذج من إفتراءاتهم ، وهى إنهم إذا دخلوا النار فسيخرجون منها بعد عدة أيام . ويأتى الرد عليهم تفصيلا . وقد تكرر هذا فى قوله جل وعلا عن نفس إفترائهم : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) آل عمران ). ومع هذا الوضوح والتكرار فقد إخترع البخارى وغيره أحاديث الخروج من النار ، وصارت من المعلوم فى دينهم بالضرورة . وقد أدخلونى السجن عام 1987 بسبب أننى نفيت هذا فى كتابى ( المسلم العاصى هل يخرج من النار ليدخل الجنة ).!
5 ـ ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ َتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (86).
فى الآية 83 تفصيلات عن الميثاق المأخوذ عليهم فى الماضى . والآية ( 84 ) تتحدث عن الميثاق الذى أقرّوا به وشهدوا بعدم سفك دمائهم ، وعدم إخراج بعضهم بعضا من ديارهم . هذا عن الماضى . بعده تنتقل الآية ( 85 ) الى الحاضر وقت نزول القرآن الكريم لتشير الى حقيقة تاريخية مسكوت عنها ، وهو أن أهل الكتاب وقتها جرت بينهم حروب وقد إعتدى بعضهم على بعض ، وأخرجوا المنهزمين من ديارهم ، وتلاعبوا بالشرع ، يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه ، فى إشارة الى دور الفتاوى ورجال الدين فى خدمة المعتدين . هذا عن الحاضر وقت نزول القرآن الكريم . وقراءة الآية الكريمة والنظر الى أحوال المحمديين اليوم والأمس من عصر الخلفاء والسلاطين يجد نفس الموبقات وفى نفس الأماكن .. ثم يظنون أنفسهم ( خير أمة أُخرجت للناس ) و ( الأمة الناجية ) . !
أخيرا : أظن أن هذا كاف .. فقد بلغ القرف مداه .!!.

اجمالي القراءات 3013