حديث صحفى مع جريدة الأهالى

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٢ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

د. أحمد صبحي منصور : «القرآنيون» حرگة ضد «الوهابية» و«الإخوان»


أبرز أئمتها «أبو حنيفة» و«محمد عبده»

عبدالستار حتيتة



أكد الدكتور أحمد صبحي منصور، المفكر الإسلامي، والأستاذ السابق بالأزهر، أن «القرآنيين» أصحاب منهج عقلي في فهم الإسلام، وأن أبرز أئمة هذا المنهج الإمام أبو حنيفة والإمام محمد عبده، وقال : نحن حركة رد فعل ضد كل من الوهابية السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين0 وتساءل :كيف يترك المسلمون مناقشة قضايا مهمة مثل حقوق المواطنة والديمقراطية، ويشغلون أنفسهم بفتاوي مثل «رضاعة الكبير»، و«التبرك ببول النبي». اتهم المفكر الإسلامي الدكتور أحمد صبحي منصور الوهابيين والإخوان المسلمين بالوقوف وراء الحملة التي تشنها أجهزة الإعلام والأجهزة الأمنية ضد "القرآنيين"، وقال في حوار مع "الأهالي" من مقر لجوئه السياسي بالولايات المتحدة الأمريكية إن التهم الموجهة للقرآنيين المخطوفين (المقبوض عليهم) ملفقة.

وأضاف.."ربما يكون الاعتقال تم لإرضاء شيوخ الأزهر وعوام الإخوان المسلمين في غمرة الصراع السياسي الحاد بين النظام وقادة الإخوان"، مشيراً إلي المتغيرات التي تشهدها البلاد مرجحاً أن تكون هناك صفقة بين الإخوان المسلمين وجماعة ما داخل السلطة ترفض توريث الحكم من الرئيس مبارك لنجله جمال.

وقال الدكتور منصور إن القرآنيين يدافعون عن الأقباط وحقوقهم، "لأننا مسلمون ولأننا مصريون". وقال إن الأحاديث المنسوبة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم، والمكتوبة في العصرين العباسي والمملوكي، ليست مصدراً للتشريع، وهي مجرد ثقافة دينية، قائلاً إن القرآنيين يؤمنون بالسنة العملية المتواترة المتوارثة كالصلاة والصيام والحج..

* بداية ما هو هدف القرآنيين الذين تتردد أنباء اعتقالهم في مصر في الأيام الأخيرة؟

** هدف القرآنيين حالياً وغداً ودائما هو الإصلاح السلمي من داخل الإسلام. نحن ضد التدخل الخارجي لفرض الإصلاح.. دين الإسلام هو دين الإصلاح. والإسلام عندنا هو كتاب الله جل وعلا. وكان خاتم النبيين وكل الأنبياء، عليه وعليهم السلام، أعظم المصلحين. ولقد أرسلهم الله تعالي لإصلاح الأمم. وكل منهم كانت رسالته الإلهية هي منشور الإصلاح، وكل منهم كانت سنته الحقيقية هي اتباع ذلك المنشور الإلهي الإصلاحي وتطبيقه عملياً.

* هل هذا يعتبر اشتغالا من جانب القرآنيين بالسياسة، وأنتم تعلمون أن الدستور المصري يحظر النشاط السياسي علي أساس ديني؟

** نحن لا شأن لنا بالعمل السياسي.. أو الاحتراف السياسي.. نحن نرفض الخلط بين الدين و السياسة. ولا يمكن أن ننشئ تنظيما لضم الناس إلينا.. ليس للقرآنيين طموح سياسي من أي نوع.. وكل صاحب طموح سياسي نحن منه أبرياء، لأنه يسيء إلي إسلامنا العظيم باتخاذه مطية لحطام دنيوي.. الإسلام عندنا أرفع وأعز من أن يتخذه البعض وسيلة مواصلات يركبها للحكم والسيطرة والثروة والسلطة.

* يعني أنتم تؤكدون أنه لا علاقة لكم بالاشتغال بالسياسة؟

** أنا قلت وأقول.. لا يمكن لأي مجموعة مفكرين مصلحين أن يقيموا تنظيما لاجتذاب الجماهير لأنهم، أي المصلحين، يقولون ما يغضب الجماهير. الجماهير يحتاجون إلي إصلاح، والإصلاح يعني أن تضع يدك علي الجرح وأن تناقشه.. يعني أن تقول ما لا يعجب الناس وأن تقوله علنا، وعندها تنهال عليك الشتائم من كل جانب.. هذا يناقض العمل السياسي وإنشاء تنظيمات سياسية.

* وما العيب في أن يكون لكم طموح سياسي، وفقاً للتشريعات الموجودة في الدولة؟

** صاحب الطموح السياسي هو من يتحبب إلي الناس لينضموا إليه.. ينافقهم ويوافقهم ويخدعهم بمعسول القول.. يقول لهم ما يريدون وما يحبون ليرفعوه فوق أكتافهم إلي البرلمان أو إلي العرش.. أما المُصلح فهو يخاطب المستقبل أملا لأن يتم الإصلاح غدا.. وحين يأتي الغد يكون قد مات، ولكن تبقي دعوته لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.

* هل تريد القول إن عملية الإصلاح ينبغي أن تظل «كـعمل سري» بعيد عن عامة الناس؟

** لا.. لا.. الإصلاح ليس عملا سريا، لأنه يقوم أساسا علي العلن لمخاطبة الناس. وأدوات القرآنيين هي النشر العلني لأفكارهم و مؤلفاتهم، وكل كتاباتهم تعتمد علي مصادر معروفة ومنشورة ومشهورة ومتداولة، وهي القرآن الكريم وكتب التراث.. أي نفس المصادر التي ينشرها الأزهر نفسه.. القرآنيون يجتهدون في فهم هذه المصادر، وحين يكتبون لا يفرضون رأيهم علي أحد، ولا يطلبون أجراً من أحد، بل يعرضون الرأي للنقاش، ويتحملون الشتائم والاتهامات، ويعفُون ويصفحون.. ثم في النهاية تطاردهم قوات الأمن مدججة بالسلاح وهم لا يملكون سوي القلم!!

* وما طموحكم كـ"قرآنيين".. هل مجرد الكتابة، والتعرض لسوء الفهم والمطاردة الأمنية، كما تقولون.. وإلي متي؟

** كل طموحنا هو في الآخرة.. ويتركز في أننا نرجو أن نكون أشهادا علي قومنا يوم القيامة.

* بمعني أنه..؟

** الكل يعلم أنه تم قفل باب النبوة والرسالات السماوية، بمبعث خاتم النبيين عليه وعليهم السلام، ولقد انتهي الوحي الإلهي للبشر بعد اكتمال القرآن الكريم نزولا، والنبوة بالاصطفاء، فالله تعالي هو الذي اختار أنبياءه من بين صفوة الخلق، ولكن طريق العمل الصالح مفتوح أمام الجميع.. وأيضا طريق الضلال، وكل إنسان يختار لنفسه ما سيحمله علي كاهله يوم القيامة.. نحن نتمني أن نستحق موقف الشهادة بالخصومة علي قومنا يوم القيامة. ومن أجل ذلك اخترنا الطريق الصعب الذي يجعلنا نتمتع بكراهية معظم المسلمين..

* ولماذا تتوقعون "كراهيتهم" لا "محبتهم"؟

** لأن المسلمين اليوم في أسوا مرحلة من مراحل تاريخهم.. كل الأنباء السيئة تأتي من عندهم.

* وهل العيب في الإسلام نفسه.. أم في المسلمين وتاريخهم وتراثهم و حاضرهم؟

** هذا السؤال لا بد من مواجهته.. أقول إن القرآنيين تفرغوا للإجابة عن هذا السؤال طلبا للإصلاح، والإصلاح يبدأ بالتشخيص الجيد للحالة قبل وصف الدواء المناسب لها.. فتبين بعد البحث أن العيب ليس في الإسلام (حاشا لله تعالي) ولكن في المسلمين..

* كيف؟

** أقول لك كيف؟.. أولاً.. الإسلام هو دين العدل والإحسان والحرية في الرأي والمعتقد والسلام، وكل ذلك واضح في القرآن الكريم.. إذا قرأناه قراءة موضوعية وفق مصطلحاته ومفاهيمه.. من هنا بدأ القرآنيون رحلة الآلام في الدعوة إلي الاحتكام للقرآن الكريم طلبا للإصلاح. ولأنهم لا يملكون شيئاً، ويواجهون من يملك، أو يتصور أن يملك، كل شيء، فقد انهال عليهم الاضطهاد مسلحا بآلة إعلامية تنهش سمعتهم، ومزودا بتعليم فاسد تخرج علي يديه جيل يحترف الضلال والإضلال، وهو يحسب أنه يحسن صنعا.. من أجل هذا أصبح القرآنيون ضحية سهلة للنظم الحاكمة والمتطرفين علي السواء.. يتصارع النظام والمتطرفون علي حطام الثروة والسلطة ولكن يتحدان معا ضد القرآنيين المسالمين المستضعفين الذين لا يجدون، أحياناً، ما ينفقون.. وبذلك يتحقق فيهم قوله تعالي علي سبيل التأكيد (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).

* وما هو عدد القرآنيين في مصر وخارجها باعتقادك؟

** من الصعب إعطاء تقدير لعددهم.. والسبب الأساس أن القرآنيين ليسوا جماعة أو فئة أو طائفة يمكن أن تسجلهم أو أن تجمعهم في مؤتمر أو أن تضمهم في تنظيم.. القرآنيون ليسوا كذلك.. هم فقط منهج عقلي في فهم الإسلام، وعقول تقرأ القرآن الكريم قراءة موضوعية بمفاهيمه هو، ثم تنظر من خلاله إلي تراث المسلمين، وتتمني إصلاحهم بالإسلام والقرآن الكريم.. ولأنهم اتجاه فكري، فمن المستحيل وضع تصور عددي لهم.

* لكن.. بالتقريب.. أو حتي مجرد مؤشرات عما يمكن أن يكون عليه العدد من حتي مَنْ يتجاوب مع المنهج الفكري لأهل القرآن؟

** يمكن وضع مؤشرات؟ يمكن.. فلو تم رفع الاضطهاد عن القرآنيين، ولو تمتعوا بحريتهم التي يكفلها لهم القانون وكل الأعراف، لأصبح عددهم بالملايين..لأصبح الإصلاح السلمي ممكنا.. يمكن القول أيضاً أن هناك قرآنيين متطرفين في فهم العبادات الإسلامية، ونحن نتبرأ منهم.. وهناك من يؤمن بنفس أفكارنا ومنهجنا لكنه غير مستعد للمجازفة بحياته في سبيلها.

* بالنسبة لمصر.. العدد الذي يمكن أن يكون قد وصل إليه عدد القرآنيين في مصر؟

** هناك قرآنيون متعاطفون معنا ونشطون بطريقة ما.. بحيث لا يتعرضون للخطر، وبهذا المعيار فإن عدد القرآنيين يتجاوز مئات الألوف في مصر وحدها.. كما أن هناك قرآنيين منا اشتهروا وارتبطوا بالعمل السلمي الإصلاحي في ميادين الكتابة والنشر، وأولئك عشرات.. لاشك أن الأمن لديه ملفات خاصة بهم..

* ولماذا.. لماذا لدي الأمن ملفات خاصة بهم؟

** لأن الكتابة الإصلاحية المسالمة المستنيرة أصبحت جريمة.. فبدلا من أن نتناقش حول حقوق المواطنة، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، والأقليات، والديمقراطية من داخل الإسلام، نجد أنه أصبح من الفضائل الإفتاء برضاعة الكبير والتبرك ببول النبي وينشغل أولئك العلماء بالحجاب والنقاب.. هذا في وقت تدخل فيه بلاد المسلمين في أتون حروب أهلية.... لقد كتبت مقالاً، وهو منشور علي الانترنت منذ عدة أشهر، تحت عنوان "البكاء غدا علي أطلال وطن"، وقد حذرت فيه مما يحدث الآن، ناعياً علي أولئك العلماء جر اهتمامات المسلمين إلي قضايا فرعية هامشية بينما تسيل دماؤهم أنهارا..

* .. ولماذا يتعرض القرآنيون في الفترة الأخيرة لاعتقالات من جانب أجهزة الأمن؟

** قبل كل شيء دعني أنا أسأل: ما الذي يجعل النظام الحاكم يضطهد أناسا مسالمين يرغبون في الإصلاح ولا يفرضون رأيهم علي أحد ويتحاشون الدخول في معترك العمل السياسي؟ هل ذلك النظام الحاكم قد أخذ تفويضا من الله تعالي في الحكم علي عقائد الناس (علي فرض أن تمسكنا بالقرآن يعتبر ضلالاً!!)؟ وهل قام هذا النظام بحل مشاكل الناس، وحارب الفساد، ومنع سرقة أموال الشعب، وحقق الرفاهية له، ولم تبق لديه مشاكل سوي بعض أشخاص مسالمين فأراد أن يعتقلهم تحقيقا لمزيد من الرخاء والديمقراطية والرفاهية؟

* نعم.. ولكن ما الذي يدفع السلطة لاعتقال القرآنيين؟

** هذا يرجع لضعف القرآنيين وفقرهم.. وكونهم مجرد أفراد مثقفين بدون تنظيمات تحميهم أو منظمات حقوقية قوية محلية وإقليمية ودولية تدافع عنهم.. هذا هو السبب في أن النظام يستسهل القبض عليهم.. وهم الضحية المثلي لكل ضابط شرطة يريد الترقي عبر تلفيق القضايا لهم.. وخلال العشرين عاماً الماضية تعرض القرآنيون لموجتين من الاعتقال.. الأولي عام 1987، والثانية عام 2000، واليوم تبدأ الموجة الثالثة.. لقد ألقوا القبض علي أربعة، ثم أضافوا لهم واحداً بالأمس.. و لا ندري ماذا سيحدث في الغد.. ولا نملك سوي الصبر والصلاة تنفيذا لقوله تعالي (واستعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين).

* وما التهم الموجهة لمن تم اعتقالهم أو القبض عليهم من قبل السلطات الأمنية بمصر؟

** لم يتم توجيه تهمة للمخطوفين المعتقلين حتي الآن حسب علمي.. ولو وجهوا لهم تهمة ستكون ملفقة، لأنهم لا يملكون سندا قانونيا لاعتقال أناس مسالمين يعزفون حتي عن حقهم في العمل السياسي.. ربما يكون الاعتقال لإرضاء شيوخ الأزهر وعوام الإخوان المسلمين في غمرة الصراع السياسي الحاد بين النظام وقادة الإخوان المسلمين.. و بهذا يكون اضطهاد القرآنيين المسالمين بادرة يتقرب بها النظام للسكوت عن اعتقال نشطاء الإخوان الكبار.. وربما يكون القبض علي القرآنيين وترويع أهاليهم وملاحقتهم والتضييق عليهم وتكفيرهم نتيجة عقد صفقة بين الإخوان المسلمين وجماعة داخل السلطة ترفض التوريث، وتسعي للوثوب علي السلطة علي أساس أن تمهد لحكم الإخوان بعد بضع سنين.. والإخوان ليسوا مستعدين الآن للحكم، ويرفضون الحكم بالديمقراطية، وهم في فترة "التربية".. أي إعداد المصريين ليتقبلوهم علي أساس الحاكمية.. أي الحكم المطلق المتستر بالدين..

* يعني حتي "الإخوان" يتضررون من منهجكم الإصلاحي المستمد من القرآن.. لماذا، خاصة وأنهم يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"؟

** هذا لأن المعوق الوحيد لأحلام الإخوان هو وجود القرآنيين الذين يؤكدون تناقض الفكر الإخواني والحاكمية مع الإسلام.. لذا، من وجهة نظر الإخوان، لا بد من قطع دابر القرآنيين، خصوصا بعد أن انتشر فكرهم، ونجحوا، من خلال موقعهم، في مواجهة الإخوان من داخل الإسلام.

* تعرفون أن الولايات المتحدة الأمريكية وعديد من الدول الأوربية بدأت في السنوات الأخيرة الاتصال بمن تطلق عليهم الإسلام المعتدل.. أي الإخوان، وكذلك تيارات سلفية بالدول العربية.. هل ترون أي فرصة لانتشار فكر القرآنيين في الشرق الأوسط، خاصة أن الدول الاستعمارية أعلنت من قبل رغبتها في إقامة شرق أوسط جديد، تحت دعاوي إصلاح المنطقة، معتمدة علي نظم حكم دينية أو ذات مؤسسات دينية قوية أو أحزب ذات طابع ديني مثل ما هو موجود في كل من تركيا وبعض البلدان لأخري.. أين فكر القرآنيين من هذه الخطط الدولية؟

** لا شك أن منطقة الشرق الوسط تعاني من مشكلة الإخوان المسلمين ومن سيطرة الفكر السلفي الوهابي.. لولا هذه المشكلة لأمكن للمنطقة أن تنهض وتتحرر.. الإخوان المسلمون هم شجرة أنبتتها الدولة السعودية في مصر.. ثم تشعبت تلك الشجرة و نشرت فروعها هنا وهناك.. الخطر يكمن في أنه، وطبقا لتجربة التاريخ الإنساني، فإن سيطرة طائفة ما ينشيء حركة رد فعل .. والقرآنيون هم حركة رد الفعل ضد الوهابية وضد الإخوان المسلمين.. أتمني من كل دولة عربية أن تتيح العمل السلمي الإصلاحي للقرآنيين، و تفتح أمامهم السبل للحوار الهادئ من داخل الإسلام، بالاحتكام إلي القرآن الكريم بإخلاص.. بهذا يتحقق الإصلاح السلمي من الداخل بالإسلام و القرآن الكريم.

* لكن البعض في مصر يقول إنه ما دام "القرآنيون" يتخذون من القرآن الكريم مرجعية وحيدة فلا بد أن يكون لهم موقف من الإخوة الأقباط.. بطريقة ما.. هل يمكن توضيح هذه النقطة؟

** نحن نؤمن بأن الإسلام هو دين التسامح وحرية الرأي و الفكر والمعتقد والديمقراطية المباشرة و العدل والإحسان.. من هذا المنطلق ندافع عن المقهورين بسبب عقيدتهم ودينهم. وهذا ما أرسي صداقة بيننا وبين بعض زعماء الأقباط في الداخل و الخارج.. فنحن ندافع عن الأقباط وحقوقهم، لأننا مسلمون، ولأننا مصريون.. هناك أقباط متعصبون لا يفرقون بيني و بين بقية الشيوخ الأزهريين.. وتصلني منهم رسائل تؤذيني علي بريدي الإليكتروني، مثلما يفعل المتعصبون الوهابيون..

* وماذا عن التيارات السلفية الأخري المماثلة للإخوان، أو القريبة منها.. هل يرفض القرآنيون أطروحات التيار السلفي أيضاً؟

** نعم نحن نرفضه..التيار السلفي يقوم أساسا علي الرجوع للأحاديث التي تمت كتابتها في العصر العباسي، ويسميها هذا التيار "سُنَّة"، وينسبها للنبي محمد عليه السلام.. هذا ما لا نوافق عليه.. أقول إن "السُّنَّة" عندنا، وفق مفهومها في القرآن الكريم، هي شرع الله تعالي المذكور في القرآن الكريم.. تلك هي "السنة العملية" التي نتمسك بها.. أي العبادات التي نحافظ عليها.. أما السنة القولية، أي "الأحاديث"، فهي عندنا حديث الله تعالي في القرآن الذي نؤمن به وحده، لأن الله تعالي كرر في القرآن الكريم قوله تعالي "فبأي حديث بعده يؤمنون".. أي لا إيمان بحديث خارج القرآن الكريم.

* ألا تعتقد أن هذه النقطة تحتاج إلي مزيد من التوضيح؟

** أقول إن السنة عند التيار السلفي هي عبارة عن أحاديث البخاري والشافعي ومسلم ومالك وغيرهم.. مثل هذه الأحاديث تم تدوينها في العصرين العباسي والمملوكي.. أي بعد موت النبي محمد عليه السلام بقرنين وأكثر.

* وما هو موقفكم منها؟

** نحن نرفض نسبتها إلي النبي محمد عليه السلام.. نرفض أن تكون جزءا من الإسلام.

* ولماذا؟

** لأن الإسلام اكتمل بالقرآن وبقوله تعالي "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".. وأيضاً لأن جعل تلك الأحاديث المكتوبة في العصرين العباسي والمملوكي جزءا من الإسلام يعني اتهاما للنبي محمد عليه السلام بأنه ترك جزءا من الرسالة لم يبلغه، وظل الناس مختلفين فيه حتي الآن، وهذا ما نبرئ خاتم النبيين منه. نحن نؤمن أنه بلّغ الرسالة كاملة تامة وهي القرآن الكريم.. لكن ماذا حدث بعده.. المسلمون، بعد النبي عليه السلام، بدلوا وغيروا وحاولوا تبرير وتسويغ ما يفعلون، فاخترعوا تلك الأحاديث لتبرر لهم خروجهم عن القرآن، ما أدي لتفرق المسلمين واشتعال الحروب فيما بينهم..

* إذن ماذا تسمي آلاف الأحاديث المنسوبة، بحسب تعبيركم، للنبي محمد صلي الله عليه وسلم؟

** مثل أحاديث البخاري وغيره مما يسمونها "سنة" ليست سوي ثقافة دينية تعبر عن عصرها وقائليها، وليس لها أي علاقة بالإسلام أو نبي الإسلام. ولأنها ثقافة فهي تعبر عن عصورها الوسطي وتعكس ما ساد في تلك العصور من ظلم باسم الدين واضطهاد باسم الدين وحروب باسم الدين.. ولذلك أؤكد أنه إذا أردنا الإصلاح اليوم، فلا بد أن يبدأ هذا الإصلاح بنفي تلك الأحاديث وثقافتها إلي العصور التي جاءت إلينا منها.. لنبدأ في الاحتكام إلي القرآن الكريم بشأنها، وهذا ما يفعله القرآنيون.

* إذا كنتم لا تعترفون بالسنة النبوية كمصدر للتشريع.. فكيف نفصل في الأمور التي لم يتم ذكرها في القرآن الكريم.. مثل كيفية الصلاة وغيرها من الأمور؟

** نحن نؤمن بالسنة العملية المتواترة المتوارثة كالصلاة والصيام والحج.. ونحتكم فيها إلي القرآن الكريم..

* إ ذا أردنا أن نؤرخ للقرآنيين ...متي ظهر هذا الفكر ؟ ما أهم مبادئه.. ومَنْ أشهر رموزه؟

** كان أبو حنيفة أول إمام للفقهاء، واشتهر بعدم أخذه بالأحاديث التي يرويها رفاقه.. وقد مات أبو حنيفة بالسُّم سنة 150 هجرية، وهي نفس السنة التي ولد فيها (الإمام) الشافعي الذي أرسي ما يعرف بالسُّنَّة في كتابيه "الرسالة" و"الأم".. المهم أن المدرسة القرآنية استمرت، في تاريخ المسلمين، تسير علي الهامش، إلي أن ظهرت قوية في حركة الإمام محمد عبده المتوفي عام 1905.. ونحن القرآنيين نسير علي نفس الطريق.

* هل ما زلت تعتقد أن البخاري كان يعادي الإسلام؟

** نحن لا نتحدث عن العالم المزدكي ابن برزويه المولود في بخاري و الذي انتحل له اسما عربيا واحترف كتابة الحديث ليكيد للاسلام . هذا الرجل مات ، ولو صعدت الي مئذنة الأزهر وظللت تسب ابن برزويه فلن يهتم بك أحد ، ولكن إذا تفوهت وأنت في الأزهر بأي نقد للبخاري فسينقلونك من هناك الي العباسية حيث مستشفي المجانين ، هذا إذا ترأفوا بحالك. لماذا ؟ لأنهم يعبدون البخاري. جعلوه إلها حيا لا يموت، نحن نتحدث عن ( كتاب البخاري ) وليس شخص البخاري الذي لا يهمنا في شيء.. هذا مع أن الذين يدافعون عن البخاري لا يقرأون كتاب البخاري. ولو قرأوه وعقلوه لتيقنوا من عدائه لله تعالي ورسوله ، و قد ينكرون الكتاب ـ وقد يدافعون عنه باي شكل ـ ولكن في كل الأحوال تظل الهيبة في قلوبهم من اسم البخاري لأن الإله الذي يعبدون ليس الكتاب و انما هو اسم مقدس لديهم هو البخاري. وهم بذلك يحققون إعجاز القرآن الكريم الذي وصف المشركين بأنهم يعبدون أسماء ما أنزل الله تعالي بها من سلطان.

* دعنا نسأل سؤالاً مباشراً.. هل لكل هذه الأسباب تركت مصر.. بمعني آخر لماذا لجأت سياسيا للولايات المتحدة الأمريكية؟

** في الحقيقة هربت.. هربت خوفا من الاعتقال في الموجة الثانية لاعتقال القرآنيين والتي كانت في عامي 2000و 2001.

....... وفي كتابه المثير للجدل:لا وجود لحد الردة في الإسلام

عرض: عيد عبدالحليم



في عام 1973 تخرج أحمد صبحي منصور في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر - قسم التاريخ والحضارة - بمرتبة الشرف الأولي، وتم تعيينه معيداً في العام نفسه.. وفي عام 1977 حصل علي الدكتوراه عن موضوع أثار كثيراً من الجدل وهو «أثر التصوف في مصر في العصر المملوكي»، وفي عام 1985 أصدر خمسة كتب هي: «الأنبياء في القرآن» و «العالم الإسلامي بين عصر الخلفاء الراشدين وعصر الخلفاء العباسيين» و «غارات المغول والصليبيين» و«دراسات الحركة الفكرية في الحضارة الإسلامية» و«حركات انفصالية في التاريخ الإسلامي».

وعقاباً له علي إصداره هذه الكتب الخمسة فقد صدر قرار من رئيس الجامعة بوقفه عن العمل وإحالته للتحقيق، لكن المؤلف لم يتراجع عن موقفه فتمت إحالته لمجلس تأديب، ثم فصله من الجامعة في مارس 1987.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قدمت ضده دعوي قضائية تتهمه بـ «إنكار السنة»، فتم القبض عليه في 21 نوفمبر 1987 وظل حبيس السجن حتي بداية عام 1988، حيث تم الإفراج عنه.. وفي عام 1993 أصدر د. أحمد صبحي منصور كتابه المهم «حد الردة.. دراسة أصولية تاريخية»، وهذه الدراسة تبريء الإسلام بالاستدلال بآيات القرآن الكريم ومن واقع السيرة النبوية الشريفة من أي اتهام بالتعصب الديني أو بإقامة ما يسمي بحد الردة.

الصراع السياسي

وتكشف الدراسة أن حد الردة لم يعرف إلا إبان الصراع السياسي بين الأمويين والعباسيين، وأنه تم اختلاقه ليكون إطاراً شرعياً يتخلص به أطراف الصراع السياسي من منافسيهم دون أن يكون له أصول دينية ثابته في القرآن والسنة الصحيحة.

ويري د. صبحي منصور أنه في عصور الفتن التي شهدت التدوين تمت ولادة حد الردة تعبيرا عن ظروف سياسية استلزمت سفك الدماء، ولأن شرع القرآن لا يجيز قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولأنه لا يوجد مبرر في القرآن لقتل النفس خارج الحق القرآني وهو القصاص في القتل فإن فقهاء الدم ابتدعوا حد الردة ووضعوا له حديثين تستطيع بهما الخلافة الاستبدادية مطاردة خصومها السياسيين بغطاء شرعي مزيف.

وقد روي أحدهما عكرمه مولي ابن عباس والآخر أعلنه «الأوزاعي» بدون سند وبدون رواة ثم ما لبث أن رواه مسلم في «صحيحه» بعد أن منحه السند والعنعنة.. ويبدأ منصور في تحليل الحديث وراويته فيقول: «ونبدأ بالأوزاعي ودوره في اختراع حديث الردة القائل «لا يحل دم امريء مسلم إلا باحدي ثلاث: النفس بالنفس والثيب والزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة». ثم يورد بعضاً من سيرة الأوزاعي وارتباطه بالدولة الأموية «التي ناصرها وخدمها» ثم أدرك الدولة العباسية فمالأها وخدمها أيضا فوجدت فيه الدولتان «الأموية والعباسية خير من يمثل فقيه السلطة الذي يفتي لها بما تريد».

ويؤكد د. منصور أن الأوزاعي هذا راوي حديث الردة اشتهر بتأليفه للقصص المدنية التي يحكيها للسامعين مضللاً إياهم، ويورد في ص 64 قصة وردت عنه للأوزاعي بأنه حكي أنه رأي مناماً يقول عنه «رأيت رب العزة في المنام فقال أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فقلت بفضلك يارب، ثم قلت: يارب أمني علي الاسلام فقال وعلي السنة»

ويؤكد د. منصور أن فقهاء الدولة العباسية عملوا علي نشر حديث الأوزاعي عن «حد الردة» وجعلوا له إسناداً بعد أن كان الأوزاعي قد ذكره بدون إسناد، وشاع الحديث علي الألسنة إلي أن ذكره مسلم في صحيحه بعد موت الأوزاعي بقرنين من الزمان وبدون إشارة إلي الأوزاعي في سلسلة الرواة والسند.. وصيغة الحديث نري فيها الصنعة الأوزاعية التي تتيح للدولة العباسية قتل الثائرين عليها من الرجال.

ويحلل د. أحمد صبحي منصور البنية التركيبة للحديث مشيراً إلي أن الصيغة هنا للرجال فقط لكن الأحكام الشرعية الإسلامية في العقوبات يأتي فيها النص علي الرجال والنساء معاً كقوله تعالي «الزانية والزاني» و«السارق والسارقة» و«اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم» و«اللذان يأتيانها منكم».. أما في حديث الأوزاعي الذي ذكره مسلم فهو يتحدث تحديداً عن الرجال وعليه فإن المرأة لا عقوبة عليها في الأحوال الثلاثة.. كما أن الحديث يستخدم لفظ المضارع «لا يحل دم امريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله» أي أنه مسلم في ذلك الوقت وأنه يقر بالشهادة فكيف يكون في نفس الوقت تاركاً لدينه مفارقاً للجماعة.

مخالفة الجماعة

ويتساءل د. منصور: ثم ما معني المفارق للجماعة؟ قد يكون لها معني سياسي، فالتارك للجماعة يساوي في مصطلحات العصرين الأموي والعباسي أن يكون من الخوارج الثائرين علي الجماعة ولكن المعني الديني لا يتفق وصحيح الإسلام، فالمسلم قد يفارق جماعته وآله وبلده ويتركهم مهاجراً إلي الله تعالي فهل يكون حينئذ مستحقاً للقتل..؟

ويخلص د. أحمد صبحي منصور إلي أن كثيراً من الرواة شككوا في سند «الحديث» ومنهم «أبوزرعة الذي قال عن حفص بن غياث أحد رواته «ساء حفظه بعدما استقضي» أي بعد أن تولي القضاء. وقال عنه داود بن رشيد «حفص بن غياث كثير الغلط».

ثم يورد د. صبحي منصور الحديث الآخر الذي تحدث عن الردة وهو حديث عكرمة مولي بن عباس «من بدل دينه فاقتلوه».

ويقول عنه د. منصور «ولاشك أن هذا الحديث والذي رواه البخاري عن عكرمة مولي ابن عباس ضمن تلك الأحاديث الكاذبة، حيث يؤكد أن صحيح البخاري به حوالي 3 آلاف حديث اختيرت من بين 600 ألف حديث.

ويورد كذلك قول ابن الصلاح في كتابه «علوم الحديث» أن البخاري احتج بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولي بن عباس وكاسماعيل ابن أبي أوسين وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق، اشتهر الطعن فيهم.

ويضيف د. صبحي منصور «والمحصلة النهائية لسيرة عكرمة العلمية والشخصية هي افتراؤه لأحاديث ادعي أنه رواها عن سيده عبدالله بن عباس ومنها حديث «من بدل دينه فاقتلوه».

ويؤكد د. أحمد صبحي منصور - في نهاية كتابه - أن مثل هذه الاجراءات كتطبيق حد الردة تجعل البعض يتهم الإسلام بالإرهاب والتطرف وسفك الدماء، مع أن الله تعالي أرسل رسوله رحمة للعاملين، ولكن فقهاء النفط ومرتزقة العلماء نشروا هذا الكلام علي أنه الإسلام وأتاحت لهم الدولة السيطرة علي أجهزة الإعلام فنشأ جيل جديد قد رضع التطرف علي أنه الإسلام، وهو جيل قد صودرت أحلامه بتغييب الوعي.

..... ملاحقات أدت للغربة

الدكتور أحمد صبحي منصور كاتب وباحث في علوم الفقه والقرآن، دخل في صراع طويل مع الأزهر حيث تلقي تعليمه ورفض الشيوخ تسجيل رسالته للدكتوراة ثم فصل من منصبه كأستاذ في الأزهر وأدت الملاحقات التي تعرض لها لهجرته إلي الولايات المتحدة الأمريكية والآن يقدم عدد من أصدقائه وتلاميذه للمحاكمة بتهمة الارتداد لأنهم يدافعون عن واحدة من أفكار أحمد صبحي منصور الأساسية التي تقول بأن المصدر الوحيد الأكيد للدين الإسلامي هو «القرآن» ولا يضيفون السنة ونعرض هنا لكتابه «حد الردة» الذي لا وجود له في القرآن كما يقول منصور.

....شكراً للأهالي والتجمع

شكرا علي هذه المبادرة الكريمة بإجراء حوار معي، وللعلم فإنني أحمل لجريدة "الأهالي" تقديرا خاصا إذ احتضنت قلمي منذ بداية النضال في أواخر الثمانينيات، ولازلت أعتز بصداقتي للأحبة المناضلين في حزب التجمع، وعلي رأسهم أستاذنا الكبير خالد محيي الدين ود.رفعت السعيد وحسين عبد الرازق وفريدة النقاش وبقية الأصدقاء والزملاء، وعذرا إذ لا يسعفني الوقت لذكر الجميع.

وشكرا مقدما لكم علي وقوفكم إلي جانب حرية الرأي و الفكر ضد الاستبداد والظلامية... احمد صبحى منصور

اجمالي القراءات 20928