نقد بحث حول وصول ثواب قراءة القرآن إلى الأموات

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ١٦ - يناير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد بحث حول وصول ثواب قراءة القرآن إلى الأموات
استهل المؤلف أحمد محمود آل محمود بأنه يريد بيان حكم مسألة وصول ثواب قراءة القرآن إلى الأموات فقال:
"رأيت في هذا البحث أن أبين لإخواننا المسلمين موقف علماء الأمة وفقهائها من وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت الذي تقرأ لأجله الختمات المعتادة في اليوم الثالث، أو في أي وقت عند زيارة الموتى في المقابر حتى يفعلها من يحب وهو مقتنع بوصول قراءته إن شاء الله تعالى للأموات من غير تحرج من منكر يفعله أو بدعة يقدم عليها، فإنما نستلهم أمور ديننا من كتاب ربنا سبحانه وتعالى، ومن سنة نبيه (ص)فيما ورد فيه نص، أما ما لم يرد فيه نص فنقتفي أيضا سنة المصطفى (ص)التي أقرها، بأننا إذا لم نجد نصا في كتاب الله ولا في سنة نبيه (ص)اجتهدنا، حيث أقر بعض صحابته الكرام على بعض اجتهاداتهم، وكذلك أقر بعض من ولاهم بعض الولايات في حياته أن يجتهدوا ولا يترددوا "
وعدد الرجل الأدلة بترتيبها وهى كما جاء فى رواية معاذ كتاب الله ثم السنة ثم الاجتهاد فقال:
"ومصداق ذلك حديث رسول الله (ص)حينما بعث معاذا إلى اليمن فقال له: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله (ص)قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله (ص)ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله (ص)صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)
فقد أقر رسول الله (ص)معاذا بصحة الاجتهاد فيما ليس فيه نص وبهذا الفهم أخذا الخلفاء الراشدون الأربعة ثم الأئمة الأربعة ثم من تبعهم من علماء الأمة إلى يومنا هذا وتوقف أقوام عن الاجتهاد فتوقفوا عند النصوص الكريمة التي بين أيديهم من الكتاب والسنة، وجعلوا ما حدث بعد ذلك كله من البدع"
والحديث مخالف لكتاب الله فالأخذ إنما يكون بكتاب الله وحده لأنه فيه تفصيل كل شىء كما قال تعالى:
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
فالمشرع واحد والرسول(ص) لا يشرع هو ولا غيره من عندهم لأنها متبع وليس بمبتدع كما قال تعالى:
" اتبع ما أنزل إليك من ربك"
والحديث هو تكذيب صريح لله بأنه لم يبين حكم كل مسألة فى القرآن كما قال " وتفصيل كل شىء"
"وعرض المؤلف أقوال الفقهاء فى المسألة فقال :
ولا شك أننا لا نحجر عليهم آراءهم، فنرجوهم أن لا يحجروا على فقهاء وعلماء المسلمين اجتهاداتهم وآراءهم ولا يبدعوا متبعيهم بإحسان إن شاء الله تعالى
آراء الفقهاء والعلماء وأدلتهم في مسألة وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت
وها أنا ذا أعرض بين أيدي القراء الكرام آراء العلماء والفقهاء في هذه المسألة فأقول: اختلف العلماء في وصول ثواب القرآن للميت إلى فريقين، الفريق الأول: جمهور السلف والأئمة الثلاثة (أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وكثير من فقهاء الشافعية) قالوا بوصول ثواب قراءة القرآن للمتوفى
الفريق الثاني: ما نقله المغني عن إمامنا الشافعي الذي قال بأن الإمام الشافعي يرى عدم وصول ثواب القراءة للميت، إلا أن كثيرا من فقهاء الشافعية خالفوه وقالوا بوصول ثواب القراءة للميت
فلنستعرض أولا أقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة لنرى رأيهم وأدلتهم من الكتاب والسنة في وصول ثواب القراءة للمتوفى، أقول وبالله التوفيق:
السادة الحنفية
قال صاحب الوقاية من فقهاء الحنفية: وفي «الهداية»: مذهب أهل السنة والجماعة أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره: صلاة أو صوما، أو صدقة، أو غيرها يعني قراءة قرآن، وأذكار، وأدعية والمختار: أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان
السادة المالكية
وقال الدسوقي من المالكية: وذكر ابن فرحون أن جواز الإجارة على قراءة القرآن مبني على وصول ثواب القرآن لمن قرئ لأجله كالميت، ثم استدل على أن الراجح وصول ذلك له بكلام ابن أبي زيد وغيره
رأي الشافعية
ومن كتب الشافعية في الفقه ما نصه: إذا نوى ثواب القراءة للميت ودعا حصل له ثوابها ، وحكى الإمام النووي في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت كمذهب الأئمة الثلاثة، واختاره جماعة من الأصحاب منهم ابن الصلاح، والمحب الطبري، وابن أبي الدم، وصاحب الذخائر، وابن أبي عصرون، وعليه عمل الناس وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وفي كتاب إعانة الطالبين ما نصه: قوله (لا يصل ثوابها إلى الميت) ضعيف (وقوله وقال بعض أصحابنا يصل) معتمد
وقال السبكي: الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه، إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى
وقال النووي: ومعلوم أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة، ولكي يصل الثواب إلى الميت فإن له طريقين: أحدهما: أن يعقب القراءة بالدعاء للميت لأن الدعاء يلحقه، والدعاء بعد القراءة أقرب إجابة وأكثر بركة
والثاني: ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي أنه: إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له - أي للميت - فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت فينفع الميت
رأي الحنابلة
قال البهوتي من الحنابلة في كشاف القناع: ولا تكره القراءة على القبر و لا في المقبرة بل تستحب ،وقال ابن مفلح: ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين ،،وهذا عام في كتب الفقه الحنبلي
رأي ابن تيمية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:- (وأما الاستئجار لنفس القراءة -أي قراءة القرآن- والإهداء فلا يصح ذلك فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى، وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يرى عدم صحة القراءة بالاستئجار فقط، ولا يمنع القراءة على الموتى تطوعا ومفهوم كلامه وصول ثواب القراءة للقرآن للميت تطوعا فقط أي من غير أجرة
رأي ابن القيم
وقال العلامة ابن القيم: (وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج
فإن قيل هذا لم يكن معروفا في السلف، ولا يمكن نقله عن واحد منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا أرشدهم النبي (ص)إليه، وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه
فالجواب أن مورد هذا السؤال إن كان معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار قيل له: ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال، وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات وأن من لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع
وأما السبب الذي لأجله لم يظهر ذلك في السلف فهو أنهم لم يكن لهم أوقات على من يقرأ ويهدي إلى الموتى، ولا كانوا يعرفون ذلك ألبتة، ولا كانوا يقصدون القبر للقراءة عنده كما يفعله الناس اليوم، ولا كان أحدهم يشهد من حضره من الناس على أن ثواب هذه القراءة لفلان الميت بل ولا ثواب هذه الصدقة والصوم
ثم يقال لهذا القائل لو كلفت أن تفعل عن واحد من السلف أنه قال اللهم ثواب هذا الصوم لفلان لعجزت فإن القوم كانوا أحرص شيء على كتمان أعمال البر فلم يكونوا يشهدون على الله بإيصال ثوابها إلى أمواتهم
فإن قيل: إن رسول الله (ص)أرشدهم إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة قيل: هو (ص)لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له، ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر مهما عمل وقربة؟؟!! ) "
وبعد أن استعرض الرجل آراء القوم فى المسألة وصل للنتيجة التالية:
"النتيجة:
نلاحظ مما تقدم اتفاق فقهاء المذاهب الأربعة على وصول ثواب قراءة القرآن للميت، وكذلك ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، سواء تمت القراءة من الولد أو من غيره، سواء كانت تطوعا عند البعض أو باستئجار من يقرأ للمتوفى أسوة بالعبادات الأخرى"
إذا هناك اختلاف بين القوم فى الرأى وبعد ذلك قام بمناقشة أدلة الفريقين المتعارضين فقال:
"أدلة الفريقين
أدلة الجمهور القائلين بوصول ثواب قراءة القرآن للميت
استدل جمهور الفقهاء والسلف القائلون بوصول ثواب القراءة للميت بآيات من كتاب الله سبحانه وتعالى وأحاديث صحيحة عامة وخاصة تدل على وصول ثواب عمل الآخرين إلى الميت ومنها:
الأدلة من القرآن الكريم:
أولا: قول الله تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}
فقد أفادت هذه الآية الكريمة أن الله جل جلاله قد أمر نبيه (ص)بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وهذا فيه دلالة واضحة على انتفاعهم بهذا الاستغفار
قال الإمام الرازي في تفسيره للآية الكريمة: دلت الآية على أنه تعالى أمر محمدا - (ص)- بأن يستغفر لكل المؤمنين والمؤمنات وقد بينا في تفسير قوله تعالى {الذين يؤمنون بالغيب} أن صاحب الكبيرة مؤمن وإذا كان كذلك ثبت أن محمدا - (ص)- استغفر لهم وإذا كان كذلك ثبت أن الله تعالى قد غفر لهم وإلا لكان الله تعالى قد أمره بالدعاء ليرد دعاءه، فيصير ذلك محض التحقير والإيذاء وهو غير لائق بالله تعالى ولا بمحمد - (ص)-، فدل على أن الله تعالى لما أمر محمدا بالاستغفار لكل العصاة فقد استجاب دعاءه، وذلك إنما يتم لو غفر لهم "
الاستغفار لا يفيد أحد لأن استغفار النبى(ص) لغيره لابد أن يكون معه قبلا أو بعدا أو فى نفس الوقت استغفار صاحب الذنب كما قال تعالى:
" ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"
والدليل أن استغفار النبى(ص) لغيره وهم المنافقين والمشركين ينفعهم كما قال تعالى:
"استغفر لهم أولا تستغفر إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله"
وقال :
"ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"
فعمل الغير لا يفيد طالما صاحبه لم يقم بواجبه وهو الاستغفار مصرا على ذنبه ثم قال :
"ثانيا: قول الله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالأيمان}
وقد أفادت الآية الثانية مشروعية الدعاء من أحياء المسلين لأمواتهم، قال الإمام الرازي: واعلم أن هذه الآيات قد استوعبت جميع المؤمنين لأنهم إما المهاجرون أو الأنصار أو الذين جاءوا من بعدهم وبين أن من شأن من جاء من بعد المهاجرين والأنصار أن يذكر السابقين وهم المهاجرون والأنصار بالدعاء والرحمة
ودعا النبي (ص)لأبي سلمة حين مات وللميت الذي صلي عليه في حديث عوف بن مالك، ودعا لكل ميت صلي عليه "
وقطعا الآية ليس فيها دليل على النفع كالأولى فالمسلمون يستغفرون لبعضهم ولكن لم يقل الله أن هذا ينفعهم طالما لم يستغفروا هم مع استغفار غيرهم
ثم ذكر الأحاديث الدالة على وصول الثواب للغير فقال :
الأدلة من السنة النبوية
"وأما الأدلة من السنة الشريفة فأحاديث كثيرة صحيحة عامة وخاصة تدل على وصول ثواب عمل الآخرين إلى الميت منها:
أولا: صدقة التطوع عن الميت
فعن عائشة أن رجلا أتى النبي (ص)فقال: (يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم)
فقد أفاد الحديث الشريف أن من تصدق عن ميته وفي ثوابه فإن ثواب الصدقة تصل إلى هذا الميت
ثانيا: الحج الواجب عن الميت
جاءت امرأة إلى النبي (ص)فقالت: (يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى)
وقد دل الحديث الشريف على جواز قضاء الدين عن الميت سواء كان ماديا أو من العبادات التي لم يستطع المسلم أداءها لأي عذر وبهذا يخفف الحساب عن الميت فيما بقي في ذمته من ديون الناس أو من العبادات
ثالثا: صيام رمضان عن الميت
وقال للذي سأله: (إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها قال: نعم)
فهذه أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بعمل غيره، لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية وقد أوصل الله نفعها إلى الميت فكذلك ما سواها
رابعا: عموم الخيرات عن الميت
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله (ص)قال لعمرو بن العاص: (لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك)
وهذا عام في حج التطوع وغيره ولأنه عمل بر وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب
خامسا: الصلاة للميت
ومنها: وصول ثواب الصلاة عن الميت، روى الدار قطني أن رجلا قال: يا رسول الله إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن من البر أن تصلي لهما مع صلاتك، وأن تصوم لهما مع صيامك)
سادسا: أداء النذر عن الميت:
ومن الأعمال التي يصل ثوابها للميت، أداء النذر الذي في ذمته إذا لم يوف به حال حياته، فعن ابن عباس عند البخاري ومسلم أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، فقال: (أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم قال: فصومي)
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)
سابعا: الأضحية عن الأحياء والأموات
وأخرج الهيتمي عن أبي رافع مولى رسول الله (ص)قال: (كان رسول الله (ص)إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو في مصلاه فذبحه ثم قال: اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ) ولما ذبح الثاني قال: (اللهم هذا عن محمد وآل محمد، فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما، قال: فلبثنا سنين ليس أحد من بني هاشم يضحي، قد كفانا الله برسول الله (ص)الغرم والمؤونة) ، وغيرهما وإسناد أحمد والبزار حسن، وفيه إشارة إلى أن الإنسان ينفعه عمل غيره
يلاحظ في هذا الحديث والأحاديث الأخرى أن أضحية النبي (ص)عن أمته وعن آل بيته ليست من عملهم ومع ذلك جعل النبي (ص)ثواب ذلك إليهم، فما الفرق بين الأضحية والحج والصيام والصدقة وبين قراءة القرآن الكريم؟
فهذه أدلة صحيحة على أن عمل غير الميت يصل ثوابه إليه، فكل ما ذكر من الحج والصيام والصلاة والصدقة والنذر ليست من أعمال الميت إنما هي من أعمال الآخرين ومع ذلك يصل ثوابها إلى الميت بمقتضى صريح الأحاديث والأخبار الصحيحة، فما المانع من وصول ثواب قراءة القرآن للميت وهو من أعمال الآخرين كما أنه لم يرد نهي عن فعل ذلك ولو ورد نهي لكان للمانعين حجة فيما ذهبوا إليه"
قطعا كل ما ذكره الرجل لم يقل النبى(ص) منه شيئا لتعارضه مع القرآن فى آيات كثيرة منها :
الإنسان محاسب على كسبه هو كما قال تعالى:
" كل نفس بما كسبت رهينة"
الإنسان ليس سوى سعيه هو فقط كما قال تعالى:
" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"
دخول الجنة بعمل الإنسان نفسه وليس عمل غيره كما قال تعالى:
" وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"
ثم ذكر أحاديث أخرى هى ألأخرى مفتراة على النبى(ص) فقال :
"أدلة أخرى:
ثامنا: قراءة سورة يس على الموتى
واستدل أيضا بقراءة يس من الولد وغيره لحديث: (اقرأوا على موتاكم يس) ، وهو شامل للميت بل هو الحقيقة فيه ومن قال أنه خاص للمحتضر الذي قاربته الموفاة فليس كذلك، لأته مادام يحتضر لا يقال له ميت، إنما الميت من خرجت روحه من جسده فهذا الخبر فيه دلالة واضحة على صحة جواز قراءة سورة يس بعد وفاة الإنسان واللفظ يحتمل هذا المعنى، كما يحتمل ما ذهبوا إليه لكن اللغة ترجح أن المراد بعد الوفاة، واقتصاره على المحتضر تحكم
تاسعا: الدعاء من الولد لوالده
واستدلوا أيضا بالدعاء من الولد وغيره لحديث: (أو ولد صالح يدعو له) سبق تخريجه فدعاء الولد ليس من عمل الميت ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يرفع درجاته أو يخفف عنه بسبب دعاء الولد له
عاشرا: الاستغفار للميت
وكذلك يستدل بحديث (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت) ، فالاستغفار من الآخرين ليس من عمل الميت، فجميع ما يفعله الولد لوالديه وغيره من المسلمين من أعمال البر يصل ثوابها إلى الميت
حادي عشر: زيارة المقابر والقراءة لهم
وأخرج أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر ثم قال: إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له إلى الله تعالى) "
والعجيب هو اعتراف الرجل أن كل هذه الأحاديث ضعيفة ومع هذا يقول بأنها دالة على وصول الثواب فى قوله:
"وهذه الأحاديث وإن كانت ضعافا فمجموعها يدل على أن لذلك أصلا، ولو لم يكن لها أصل كما يرى بعض شراح الحديث، فإن النصوص الصحيحة دالة على أن الميت يصل إليه ثواب عبادات أخرى، وقراءة القرآن عبادة فما الذي يمنع وصول ثواب عبادة دون عبادة أخرى؟"
وهذا من ضمن الخبل المنهج فالرجل كأنه يقول لنا أن مريض ومريض ومريض ومريض... جمعهم أصحاء وكأنه يقول ضعيف وضعيف وضعيف جمعهم أقوياء وليس ضعاف
ثم تحدث عما سماه الدليل العقلى فقال :
"الدليل العقلي
واستدلوا على وصول ثواب القراءة أيضا بالقياس على الدعاء والصدقة والصوم والحج والعتق فإنه لا فرق في نقل الثواب بين أن يكون عن حج أو صدقة أو وقف أو دعاء أو قراءة قرآن، فما الفرق بين هذه جميعا وبين قراءة القرآن الكريم وإهداء ثوابه إلى الميت وكلها ليست من عمل الميت إنما هي من عمل غيره؟
وقد نبه النبي (ص)بوصول ثواب الصوم الذي هو عبادة أساسها يقوم على مجرد الترك والنية التي تقوم بالقلب ولا يطلع عليه إلا الله، فقراءة القرآن التي هي عبادة أساسها عمل باللسان وتسمعه الأذان ونية في القلب، فوصول ثوابه يكون بطريق الأولى"
وهذا الاستدلال ليس عقليا لأن يقيس على أحاديث وكأن القياس صحيح فى كل ألأحوال بينما ما نقيسه من جانب يكون معارض لقياس من جهة أخرى مع أن الأحاديث هى ألأخرى قد لا تكون صحيحة المعنى لتعارضها مع القرآن
وتحدث الرجل عن قياس أخر مخالف للقرآن وهو تعذيب الميت ببكاء أهله عليه فقال :
"وصول ثواب العقوبة
قال ابن قدامة الحنبلي: وقد صح الحديث عن النبي (ص)أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إلى الميت ويحجب عنه المثوبة، ولأن الموصل لثواب ما سلموه من العبادات الأخرى قادر على إيصال ثواب ما منعوه من القراءة للقرآن الكريم
كما أنه لا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به فإنما دل على انقطاع عمله، فلا دلالة فيه على عدم وصول الثواب إلى الميت بقراءة القرآن لأن القرآن الكريم أيضا عبادة من العبادات المشروعة "
وهذا مخالف لقوله تعالى:
" ولا تزر وزارة وزر أخرى "
وقوله تعالى :
"وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شىء ولو كان ذا قربى"
ثم حكى لنا روايات أخرى ليست عن النبى(ص) فقال :
"الأدلة من الآثار:
واستدلوا أيضا بما روي من الآثار بما أخرج أبو محمد السمرقندي في فضائل قل هو الله أحد عن علي مرفوعا قوله: من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات
قال ابن قدامة الحنبلي: ولا بأس بالقراءة عند القبر وقد روي عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر اقرؤوا آية الكرسي وثلاث مرار قل هو الله أحد الإخلاص، ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر وروي عنه رواية أخرى أنه قال: القراءة عند القبر بدعة
وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله، أما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات فلا أعلم فيه خلافا إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة
وقال بعضهم إذا قرئ القرآن عند الميت أو أهدي إليه ثوابه كان الثوب لقارئه ويكون الميت كأنه حاضرها وترجى له الرحمة
الإمام أحمد يتراجع عن فتواه:
وروى جماعة أن أحمد نهى ضريرا أن يقرأ عند القبر، وقال له: إن القراءة عند القبر بدعة، فقال له محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر؟ قال: ثقة قال: فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك، قال: أحمد بن حنبل فارجع فقل للرجل يقرأ
وقال الخلال حدثني أبو علي الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال رأيت أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور
ويستفاد من هذه الرواية أنه لو كانت قراءة القرآن وإهداء ثوابها للأموات بدعة لما صلى الإمام أحمد خلف ضرير لأنه مبتدع بقراءته للقرآن على القبور، وما كان الإمام أحمد يصلي خلف مبتدع
قال أحمد: الميت يصل إليه كل شئ من الخير للنصوص الواردة فيه، حتى لو أهداها للنبى (ص)جاز ووصل إليه الثواب
وعن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه عند الطبراني قال: قال لي اللجلاج: يا بني إذا أنا مت فألحدني، فإذا وضعتني في لحدي فقل بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم شن علي التراب شنا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك
فلقد تظافرت نصوص كتب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه (ص)وآثار السلف الصالح، وكذلك الدليل العقلي على وصول ثواب جميع العبادات المشروعة لمن وهب له ثوابها بدون تفرقة بين عبادة وأخرى"
وكل ما سبق هو عن بشر لا علاقة لهم بالوحى المنزل على النبى(ص) وحده
ثم استعرض أدلة نفاة وصول الثواب للغير فقال :
"أدلة القائلين بعدم وصول ثواب قراءة القرآن الكريم إلى الأموات
الدليل الأول من كتاب الله تعالى
استدل القائلون بعدم وصول ثواب القراءة إلى الميت بقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}
فقالوا ما عدا الواجب والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت ولا يصل ثوابه إليه
وأجاب الجمهور القائلون بوصول ثواب قراءة القرآن عن الآية بأوجه:
أحدها: إنها منسوخة بقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين} ، فإن الله سبحانه وتعالى أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء"
هنا الآية لا تدل على أن القوم دخلوا الجنة بسبب آباءهم وإنما بسبب اتباعهم الآباء بالإيمان كما قال "واتبعتهم ذريتهم بإيمان"
ومن ثم لا يوجد فيها دليل على أن عمل الغير ينفع ولو كان ينفع لدخل ابن نوح(ص) الجنة بعمل أبيه ثم قال :
الثاني: أن هذه الآية خاصة بقوم إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، لأن الحديث كان واردا في شأنهم، وجاءت هذه الآية في هذا السياق فأما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعي لها، قاله عكرمة
الثالث: أن المراد بالإنسان هنا الكافر، فأما المؤمن فله ما سعى وسعي له، قاله الربيع بن أنس
الرابع: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، أي أن العدل يقتضي أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء من فضله، قاله الحسين بن فضل
الخامس: أن اللام في الإنسان بمعنى على أي ليس على الإنسان إلا ما سعى
الدليل الثاني من السنة
واستدل الشافعي من السنة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعوا له) ولأن نفعه لا يتعدى فاعله فلا يتعدى ثوابه، ذكره صاحب المغني )
الجواب على هذا الاستدلال:
ويرد على هذا الاستدلال بأنه لا حجة له فيه فإنما يدل على انقطاع عمله بانتهاء حياته، فلا دلالة فيه على أنه لا يصله ثواب عمل غيره سواء كان ابنا أو أبا أو أما أو صديقا أو غيره
الدليل الثالث:
وهو دليل عقلي فإنه لم يثبت في هذا الفعل نص من كتاب أو سنة بجواز ذلك ومشروعيته، أو أثر صحيح بأن الصحابة فعلوه
والجواب أولا: قد ورد في معرض بيان رأي ابن القيم بالإضافة إلى أن هذا العمل لم يرد فيه نهي حتى يعلم عدم جوازه، وما لم يرد فيه نهي ينظر فيه إلى أصل المشروعية، فهل قراءة القرآن مشروعة أم لا؟ فإذا كانت قراءة القرآن الكريم مشروعة أساسا فلا شك أن لها ثواب وأجر، وإذا فعلها المسلم وأهدى ثوابها لغيره من الأموات فإنه متبرع بما ثبت له من الأجر إلى ذلك المتوفى، وبالتالي فوصول الثواب هذا مقطوع بوصوله إن شاء الله تعالى كما يصل ثواب العبادات الأخرى فلا فرق بين عبادة وأخرى
ثانيا: أنه ليس بالضرورة أن ما لم يفعله الرسول (ص)من الخيرات لا يجوز للمسلمين فعلها، كما أنه ليس بالضرورة أن ما تركه (ص)يجب تركه إنما الذي يجب فعله ما أمر به الله سبحانه وتعالى وما أمر به (ص)على جهة الإلزام،، وما يجب تركه هو ما نهى عنه الله سبحانه وتعالى وما نهى عنه عليه الصلاة السلام على جهة التحريم، وأما ما تركه فداخل تحت دائرة العفو والاختيار للمسلمين ما لم يعارض نصا من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض لكم فرائض فلا تضيعوها و حرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فأقبلوا ولا تبحثوا فيها)
فيستفاد من هذا الحديث أن هناك أمورا سكت عنها الشارع الحكيم، فلا تدخل في الأمور المحرمة المنهي عنها، كما لا تدخل في الأمور الواجبة أو المستحبة، إنما هي داخلة تحت الأمور المباحة، والأمور المباحة منها ما يثاب على فعلها إذا كان فيها نفع للناس، ومنها ما لا ثواب على فعلها ولا عقاب كالأكل والشرب والملابس ونحوها، ومنها ما هو محرم فعلها كوسائل اللهو الحديثة التي تصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة
ثالثا: إن الترك من النبي (ص)لا يعد دليل شرعي على نهي أو تحريم، حتى يجب على الناس ترك ما ترك فعله، فلا يدخل تحت دائرة التحريم أو الكراهية، إنما هو عفو، ثم ينظر فيه من جهة هل له أصل في الشرع أم ليس له أصل أو مثل أو شبيه ونحو ذلك للحديث السابق ولقول الله جل جلاله:: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} "
وهذه الردود على أدلة النافين كلها لا يوجد منها دليل واحد صحيح لأنها تكذيب صريح لكلام الله ومع هذا انتهى المؤلف إلى أن رأى المثبتين هو الصحيح وهو كلام باطل فقال :
"فمما تقدم يتبين لنا أن رأي الجمهور القائلين بوصول ثواب قراءة القرآن الكريم للموتى هو الأقوى وأنه يصل إن شاء الله تعالى كما يصل إليه ثواب جميع العبادات، وأفعال الخير من عبادات ونذور وطاعات وصدقات وبدون فرق بين عبادة وأخرى لقوة أدلتهم النقلية والعقلية"
اجمالي القراءات 4155