ماهية وجوه الخلاف الثقافي و السياسي بين الحركة الامازيغية و الحركة الاسلامية ببلادنا؟
ماهية وجوه الخلاف الثقافي و السياسي بين الحركة الامازيغية و الحركة الاسلامية ببلادنا؟
مهدي مالك
في
الإثنين ٢٩ - نوفمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً
ماهية وجوه الخلاف الثقافي و السياسي بين الحركة الامازيغية و الحركة الاسلامية ببلادنا؟
مقدمة متواضعة
ان ظهور ما سنميه الان بالحركة الامازيغية في مغرب اواخر ستينات القرن الماضي قد املته مجموعة من الظروف و السياقات التاريخية و السياسية الخ .
ان فهم هذه الظروف سيساعد على تصحيح الكثير من المغالطات و الافكار الجاهزة للاستهلاك الاعلامي الرخيص مثل المراة الرخيصة او لتشجيع نفود تيارات الاسلام السياسي كما يسمى داخل مجتمعنا المغربي .
انني سأحاول استحضار هذه الظروف او بعضها باختصار شديد من قبيل استعمار المغرب من طرف فرنسا و اسبانيا باعتبارهما دولتان مسيحيتان ابتداء من سنة 1907 عبر احتلال مدينة وجدة من طرف فرنسا و في يوم 30 مارس 1912 تم توقيع عقد الحماية بمدينة فاس بين المخزن التقليدي و فرنسا و اسبانيا بعد ذلك .
لكن قبل هذا التاريخ كان نفوذ المخزن التقليدي لا يتعدى مدن المركز حيث هذا النظام كان سلفيا اي يطبق الشريعة و قوانينها على حدود مدن المركز لا اقل و لا اكثر .
اما القبائل الامازيغية المنتشرة على امتداد التراب الوطني كانت تعترف بسلطة المخزن الروحية بالاعتبار ان اغلب الامازيغيين هم مسلمين اسلام قد اتخذ الطابع الامازيغي او الاسلام الامازيغي منذ 14 قرن الماضية كما شرحت مطولا عبر مقالات كثيرة بمعنى ان هذه القبائل كانت تعترف بالرمزية الدينية للسلطان باعتباره امير المؤمنين من خلال خطب الجمعة و العيدين كما هو معروف بسائر المجتمعات الاسلامية قديما و حديثا .
غير ان القبائل الامازيغية كانت ما قبل سنة 1912 تتميز بنوع من الحكم الذاتي عن المركز حيث لها شخصيتها القانونية و الديمقراطية و لها انظمتها السياسية الخ من هذه الامور الخصوصية و ذلك باعتراف ملوك المغرب حتى الراحل محمد الخامس و عموم فقهاء سوس العالمة القدماء الى المرحوم امحمد العثماني و المرحوم عبد الرحمان الجشثمي صاحب كتاب العمل السوسي الذي اتشوق لقراءته بمعنى ان هذه الخصوصية لم تصنعها فرنسا او اسبانيا الخ من هذه الدول المسيحية على الاطلاق بل هي امتداد تاريخي و اجتماعي للمغرب الحقيقي باسلامه المتسامح و العقلاني .
ثم تاتي سنة 1930 حيث تم تاسيس ما يسمى بالحركة الوطنية المغربية بعد اكثر من 20 سنة من مقاومة القبائل الامازيغية على امتداد التراب الوطني حيث جاء هذا التاسيس بعد صدور ظهير 16 ماي 1930 الخاص بتنظيم المحاكم العرفية في المناطق ذات العوائد الامازيغية او البربرية كما سماها اعيان المدن التالية فاس ثم الرباط ثم سلا حيث كانت الحركة الوطنية قد اخترعت اكذوبة الظهير البربري لمواجهة ترسيم العرف الامازيغي انذاك فتم تاويل هذا الظهير الوطني كما اعتبره تاويلا سلفيا اي انه كان يرمي الى تنصير اجدادنا المتدينين اصلا و كان يرمي الى التفرقة بين الامازيغيين و العرب او بمعنى اصح الناطقين بالدراجة الخ من مقتضيات هذه الاكذوبة التي صنعت في ما بعد بايديولوجية الظهير البربري الحاكمة على حقلنا الديني الرسمي منذ سنة 1956 الى الان مع التسجيل ان المخزن قد سمح للوهابية بالدخول الى المغرب ابتداء من سنة 1979 ....
ان هذه هي باختصار شديد ظروف تاسيس اولى جمعيات الحركة الثقافية الامازيغية ببلادنا سنة 1967 مع التسجيل عدة نقاط جوهرية اولا وقوع الانتفاضات الشعبية بعد الاستقلال بعدة مناطق امازيغية من قبيل منطقة الريف .
ثانيا تحطيم دولة الاستقلال لكل البنيات الاجتماعية و الثقافية و السياسية الامازيغية و تعويضها بالقوانين الوضعية الفرنسية حيث ان هذه الاجراءات تتعارض مع الاهداف المعلنة للحركة الوطنية عند التاسيس سنة 1930 من قبيل التحاكم الى الشريعة الاسلامية بالمطلق و ترك كل القوانين الوضعية باعتبارها كفرا بالله و برسوله الاكرم حسب التاويل السلفي للاسلام اي ان ما يسمى بالحركة الوطنية المغربية قد استغلت هذا التاويل السلبي لابعاد الامازيغيين عن السياسة اكثر من 60 سنة من الاستقلال و الجري وراء قضايا الشرق الاوسط بمنطلق القومية العربية ثم بمنطلق الاسلام السياسي .
ثالثا محاولات الامازيغيين بعد سنة 1956 لتاسيس حزب سياسي امازيغي حيث تحدث الاستاذ عبد الله بوشطارت بالاسهاب حول هذا الجانب في كتابه الامازيغية و الجزب غير ان المخزن قد اجهض كل هذه المحاولات و ترك المجال لحزب معروف ليتحدث عن الامازيغية بدون اية مرجعية اصيلة او الدفاع غن العرف الامازيغي او عن الاسلام الامازيغي الخ من هذه الملفات الشائكة و المغيبة عن النقاش السياسي الان ببلادنا حيث لا اظن شخصيا ان بامكان اي حزب مغربي ان يطرح هذه الملفات الشائكة في البرلمان او في النقاش العمومي بالرغم من وجود حزب معروف يحاول ان تستقطب فعاليات من الحركة الامازيغية الى جانبه منذ سنة 2011 الى الان مع احترامي الشديد للكل..
ماهية جذور الحركة الاسلامية الحقيقية ببلادنا حسب رايي المتواضع ؟
للتاريخ فقط فالحركة الوطنية لا تنتمي الى الحركة الاسلامية بالمشرق العربي سواء الوهابية او جماعة الاخوان المسلمين كوجهان لعملة واحدة الا و هي التاويل السلفي للاسلام و تحقيق حلم عودة دولة الخلافة الاسلامية الكبرى و تطبيق الشريعة الاسلامية الخ.
لكن بالرغم من ذلك المعطى فان الحركة الوطنية تعتبر حركة سلفية و عروبية الى حد كبير غير ان بعد الاستقلال لم تطرح الحركة الوطنية مطلب تطبيق الشريعة الاسلامية بحكم ان ملك المغرب يحمل لقب امير المؤمنين و اغلب سكان البلاد هم مسلمون و بالاضافة الى اهدافها المعلنة عند التاسيس سنة 1930 .
لكن رغم هذه الاسباب الموضوعية فالحركة الوطنية قد رضيت بالتحاكم الى القوانين الوضعية وضعها الفرنسيين ذوي الديانة المسيحية اي كفار حسب تاويلها السلفي و الذي استعملته ضد القوانين الوضعية الامازيغية او الاعراف الامازيغية كما معروف لدى الجميع و العرف بالمطلق هو قاعدة من بين قواعد المذهب المالكي السلفي اصلا لكنه واسع و يناسب مع عادات الامازيغيين بالمغرب ....
لا يمكن ان نتحدث عن نشاة حركة اسلامية مغربية الجذور باي حال من الاحوال حيث ان المغرب هو بلد مسلم 14 قرن من التاريخ المشترك بين الامازيغية كهوية كغيرها من الهويات الانسانية و الاسلام كخاتم الرسالات السماوية كما نؤمن به لان مغرب الاستقلال قد اقبر الاسلام الامازيغي رسميا و تبنى العروبة والاسلام حسب ميزان الحركة الوطنية الايديولوجي .
منذ تاسييس جماعة الاخوان المسلمين سنة 1928 و تاسييس المملكة العربية السعودية سنة 1932 بدعم غربي صريح لقد اصبح التاويل السلفي للاسلام قوي داخل مجتمعات الشرق الاوسط وقتها و العالم بعد ذلك بفضل اموال الذهب الاسود السعودي و بفضل افشال مشاريع التنوير الاسلامي و خصوصا في مصر منذ اوائل القرن الماضي .
لقد شكلت هزيمة العرب في حربهم مع اسرائيل سنة 1967 عاملا جوهريا في انتشار ما يسمى بالصحوة الاسلامية تحت ذريعة محاربة التغريب ببعده السياسي و الاخلاقي و العودة الى الدين في اصوله الصحيحة اي فهم سلف الامة منذ قرون حيث وصلت هذه الصحوة المزعومة الى المغرب في اواسط السبعينات من القرن الماضي اي ان نشاة اولى تيارات الاسلام السياسي ببلادنا قد جاءت بعد وصول الصحوة الاسلامية الى بلادنا بمعنى لم تكن اصيلة بل هي دخيلة .
منذ ثمانينات القرن الماضي استغلت اولى تيارات الاسلام السياسي ببلادنا مجموعة من الظروف من قبيل ضعف الامازيغية و حركتها الجمعوية انذاك و تشجيع الدولة للمذهب الوهابي في المساجد و تعطش عامة الناس الى الدروس الدينية في كل مسائل الحياة العامة و الحياة الخاصة الخ من هذه الظروف حيث ان التدين كان و مازال موجود بمجتمعنا المغربي الى حدود الان و التدين ليس عيب في حد ذاته او انه ضد التقدم او ضد حقوق الانسان حيث اننا كبرنا في وسط متدين بطبيعة الحال .
غير ان ما يسمى بالصحوة الاسلامية قد جاءت بقيم دينية دخيلة من السعودية او من قطر من قبيل تحريم الاختلاط بين الرجال و النساء في الغرفة الوالدة في الاطار العائلي و دخول اللباس الافغاني و تحريم بعض العادات الاحتفالية و الدينية مثل قراءة الحزب الراتب كعادة قديمة تعود جذورها الى العهد الموحدي غير ان عامة المجتمع المغربي تعتقد بحكم وجود الفضائيات السلفية منذ سنة 2000 تقريبا ان الصحوة الاسلامية كما تسمى هي خير للاسلام و المسلمين الخ
ماهية ابرز نقاط الخلاف الثقافي و السياسي بين الحركة الامازيغية و نظيرتها الاسلامية ؟
لم تهتم جل تيارات الاسلام السياسي بالامازيغية كلغة و كثقافة و كقوانين عرفية منذ اواسط السبعينات الى حدود تاسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2001 بحكم ان الامازيغية تعتبر احدى اللغات الاسلامية و حاملة للثقافة الاسلامية و ساهمت ايجابا او سلبا في انتشار الاسلام في شمال افريقيا و في جنوب الصحراء الافريقية و في الاندلس و لماذا قلت ايجابا او سلبا لان الاسلام يفترض عليه ان ينتشر بالسلم و بالتي هي احسن و ليس بالسيف او بالسبي الخ من جواهر كتب التراث الاسلامي بالنسبة للسلفيين و الوهابيين ..
ان من الصعب بمكان تفسير هذا التجاهل الكلي للثقافة الامازيغية من طرف تيارات الاسلام السياسي منذ اواسط السبعينات الى سنة 2001 علما ان والد الاستاذ سعد الدين العثماني المرحوم امحمد العثماني الذي قام ببحث جامعي لفائدة دار الحديث الحسنية حول موضوع الواح جزولة و التشريع الاسلامي في اواسط السبعينات اي في عز سنوات الرصاص.
علما ان اولى جمعيات الحركة الثقافية الامازيغية ببلادنا قد اهتمت بالتراث الامازيغي الاسلامي المكتوب بالحرف العربي ثم انتقلت بعد ذلك الى ترجمة المصادر الاسلامية الى اللغة الامازيغية مثل السيرة النبوية الشريفة و القران الكريم و صحيح البخاري الذي يعتبره السلفيين و الوهابيين اصح كتاب بعد كتاب الله تعالى حيث يسمى هذا المشروع بتمزيغ الفكر الاسلامي و كانت الجمعية المكلفة بهذا المشروع قد جلست مع الاسلامين في منتصف التسعينات بغية الحوار معهم حول الحقوق الثقافية و اللغوية الامازيغية فقط .
غير ان الاسلاميين وقتها رفضوا هذه المطالب الثقافية الاولية لانهم يقدسون اللغة العربية و العروبة كنعرة جاهلية بالنسبة لي و هناك معطى اخر الا و هو الوهابية التي تكفر الجميع بدون استثناء اي الثقافات و المذاهب و الفرق الداخلة في اطار الدائرة الاسلامية العظمى اي ان تيارات الاسلام السياسي كانت و مازالت الى يوم الناس هذا ترفض الامازيغية كثقافة تدعو الى الفرح و التعايش مع الاقليات الدينية مثل اليهود الذين عاشوا قرون غابرة في هذا الوطن المتسع للجميع .
ان الحركة الامازيغية عندما دخلت الى المجال السياسي عبر الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي سنة 2005 قد وجدت معارضة شديدة من طرف الجميع بدون استثناء اي المخزن و احزابه السياسية و بعض الجمعيات الثقافية الامازيغية و طبعا جل تيارات الاسلام السياسي لان تسييس الامازيغية في اطار مرجعيتها التاريخية و الثقافية و السياسية و حتى الدينية لن يخدم مصالح المخزن و احزابه السياسية و جل تيارات الاسلام السياسي.
ان المشروع السياسي الامازيغي يتعارض مع مقاربة المخزن الثقافية و اللغوية لحل قضية من حجم القضية الامازيغية على مختلف المستويات و الاصعدة و يرمي هذا المشروع الكبير الى الانطلاق من جذورنا الامازيغية نحو تنمية هذا البلد العزيز و تحديثه و نشر الديمقراطية و العلمانية الاصيلتان في قبائلنا الامازيغية قبل عهد الحماية بقرون عديدة حيث هناك بحوث جامعية منذ تسعينات القرن الماضي و ربما قبل هذا التاريخ حول هذا الموضوع .
و يرمي هذا المشروع الى ارساء نظام الحكم الذاتي لجهات المغرب قصد التنمية الحقيقية الخ من هذه الاهداف النبيلة .
غير ان وزارة الداخلية قد قررت حل هذا الحزب الحامل للمشروع السياسي الامازيغي في سنة 2008 حيث جاء هذا الحل بعد الاتهامات لحزب المرحوم احمد الدغرني بانه حزب عنصري يسعى الى تقسيم المجتمع المغربي و العمالة للصهيونية بعد زيارة المرحوم الى اسرائيل سنة 2007 للمشاركة في مؤتمر دولي حول التسامح الديني لا اقل و لا اكثر حيث لن اضيف شيء اخر تفاديا للخروج عن موضوعنا الاصلي .
ان تجربة حزب المرحوم الدغرني هي غنية و ذات حمولة فكرية و سياسية اصيلة في مجتمعنا المغربي قبل الاسلام و بعده لدرجة ان المرحوم احمد الدغرني قد كان اعجب بشخصية المهدي بن تومرت المؤسس الروحي لاكبر إمبراطورية امازيغية اسلامية في تاريخ شمال افريقيا الاسلامي الا و هي الامبراطورية الموحدية بل اسس حزبه على اسس التنظيم السياسي الموحدي حسب كلام الاستاذ احمد الخنبوبي في شنتبر 2018 بمدينة تيزنيت اثر تكريم المرحوم و هذا يخالف مع ما قراته في كتب التاريخ حول هذه الدولة التي لها ما لها و عليها ما عليها مثل الاشياء النسبية حيث لا توجد دولة كاملة الديمقراطية او المدنية قديما و حديثا لان المطلق هو ملك الله وحده.
انني اقول هذه الحقائق لان تيارات الاسلام السياسي الموجودة ببلادنا منذ منتصف السبعينات لم تنطلق مع اجتهادات اجدادنا العقلانية و التنويرية في الدين و في السياسة بل انطلقت هذه الاخيرة من فتاوى ابن تمية و ابن عبد الوهاب و سيد قطب الخ من هذه الفتاوى التكفيرية للمجتمعات المعاصرة بوصفها مجتمعات جاهلية باعتبارها لم تحكم بما انزله الله في كتابه العزيز و لم تقيم دولة الخلافة الاسلامية الملائكية حسب عقول العوام و البسطاء بينما الواقع التاريخي يتحدث عن اشياء اخرى مثل عرض النساء عاريات تماما في اسواق النخاسة في عز النهار الخ من الوثائق السرية .
قبل الختام اود ارسال نداء الى المواقع الاخبارية خارج المغرب انني اريد الانطلاق في مساري المهني ككاتب متواضع بشروطه المعروفة داخل هذه المواقع الاخبارية و هذا ايميلي للتواصل معي
mehdi1983k@gmail.com
توقيع المهدي مالك