الخليل بن أحمد .. عبقرية عربية رائدة.. لم تنل حقها

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٨ - نوفمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً

الخليل بن أحمد .. عبقرية عربية رائدة.. لم تنل حقها
مقدمة
أي دارس لتاريخ الحضارة العربية ونشأتها لابد أن يتوقف مع الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم الأزدي الفراهيدي الذي ولد سنة 100هـ في مدينة البصرة ونشأ بها عصاميا في مجال العلم فسبق الجميع بذكائه النادر، وطفق يخترع العلوم اختراعا ليأتي بعده اللاحقون يسيرون علي دربه ويدورون في الفلك الذي رسمه لهم، ولم يستطع أحد أتي بعده أن يبلغ مبلغه في تأسيس المناهج..
الخليل بن أحمد ..ذكاء نادر
1ـ الدارس لتاريخ الخليل بن أحمد لابد أن يتوقف مع ذكائه النادر الذي حباه الله تعالي به ، والذي احتل بهذا الذكاء تلك المنزلة في تاريخ العلم . وقد انبهر عارفوه بهذا الذكاء فقالوا عنه إنه : " كان آية في الذكاء" .
2 ـ وليس أدل علي ذكائه من اختراعه لعلم العروض العربي واكتشافه لموازين الشعر ، وهو في ذلك الاختراع لم يعتمد علي اجتهادات غيره، إذ لم يسبقه أحد في ذلك . وإذا كان اليونانيون قد سبقوه في تقعيد بعض العلوم وسار علي دربهم بعض علماء العرب فإنه ليس لليونانيين فضل علي الخليل بن أحمد في اختراعه لعلم العروض الذي يعتبر اختراعا عربيا خالصا أنجزه الخليل بأكمله وبنفسه ولم يكن له من أدوات إلا مطرقة يضرب بها علي طست، وبذلك كان يعرف وقع الأنغام الشعرية ويفرق بينها ويكتشف دقائق الأوزان، وذلك يذكرنا بالفقر الذي كان يعيش فيه ذلك العبقري والذي استطاع بالرغم منه أن يخترع ويفكر ببطن خاوية أحيانا !!
3ـ كما أن هذا الذكاء النادر يتجلى في كتابه "العين" في اللغات . وقد حصر فيه ألفاظ العرب علي أساس مخارج الحروف ومنها إلي بناء الكلمة أو وزنها من الثنائي والثلاثي إلي الرباعي والخماسي ، وبلغ في حصر ألفاظ العربية إلي الآتي: الثنائي(765) الثلاثي(19650) الرباعي (491400) والخماسي (793600،11). وتلك مهمة قد تكون شبه مستحيلة علي علماء عصرنا حتي لو استعانوا بالحاسبات الإلكترونية ، ولكن قام بها الخليل وسجلها في كتابه العين معتمدا علي ذكائه الخارق.
4ـ وبذكائه الخارق وضع كتابا في الموسيقي والإيقاع وتراكيب الأصوات ، ويتعجب الجاحظ من ذلك لأن الخليل بن احمد حين وضع هذا الكتاب لم يمسك بيده آلة موسيقية ولا داعبت أصابعه أوتارا ولا استمع إلي مطربين .
5 ـ ووصل ذكاؤه إلي علم الصيدلة وتركيب الدواء . وقد حدث أنه كان عند رجل دواء للعين ينتفع به الناس. ثم مات الرجل وذهب سر تركيبة الدواء فجاءوا للخليل فقال : " أللدواء نسخة معروفة ؟ " قالوا :لا .. فقال: " إذن هاتوا لي الآنية التي كان يجمع فيها اخلاط الدواء " ، فجاءوه بالآنية، فأخذ يشمها ويستخرجها نوعا نوعا حتي جمع خمسة عشر نوعا، وخلطها بنفس النسبة فانتفع به الناس ، ثم حدث أن وجدوا في تركة الرجل سر التركيبة، فوجدوها تتكون بنفس ما توصل إليه الخليل ولكن تزيد نوعا واحدا فقط.
6 ـ وانشغل بعلم الحساب ليجعله في خدمة البسطاء من الناس ، وذلك يدل علي جانب من جوانب العظمة في شخصيته، إذ أراد أن يخترع نوعا من الحساب يستطيع به الفتي الصغير أن يمضي إلي البائع فلا يمكن أن يخدعه ، وكان يفكر منشغلا بذلك فدخل المسجد فصدمته سارية وهو غافل فوقع ومات سنة 160في أحد الأقوال.
الخليل بن أحمد .. فخر للعرب
وفي العصر العباسي كان أكثر العلماء من الموالي ذوي الأصول غير العربية ، وكانوا يفتخرون علي العرب بذلك ، ولكن يكفي العرب أن يذكروا الخليل بن أحمد العربي فلا يستطيع أحد أن يفاخرهم . يقول سفيان الثوري: ( واجتمعنا بمكة فتذاكرنا أمر العلماء فجعل أهل كل بلد يرفعون علماءهم ، حتي جري ذكر الخليل بن أحمد فلم يبق أحد منهم إلا قال: "الخليل بن أحمد أذكي الجميع وهو مفتاح العلوم ومصرفها".)
ومن الطريف أن أبناء الفرس من الموالي كانوا ينازعون العرب في الخليل بن أحمد مع أن نسبه عربي صريح إذ ينتمي إلي الأزد، ولكنهم ادعوا أن جده الأعلى كان من اليمن الذين كانوا من الأبناء أو الفرس الذين جاءوا في حملة إلي اليمن واستقروا بها في العصر الجاهلي .. وذلك يوضح إلي أي حد كانت منزلة الخليل بن أحمد ، مع أن قيمته الحقيقية كانت أكبر من التقدير الذي حصل عليه بعد موته.
وقد حاول بعض الموالي عقد مقارنة بين الخليل بن أحمد العبقرية العربية وابن المقفع الأديب الفارسي ، وقالوا إن اجتماعا حدث بينهما ، وسئل كلاهما عن الآخر ، فقال الخليل عن ابن المقفع : " إن علمه أكبر من عقله " ، وقال ابن المقفع عن الخليل : " إن عقله أكبر من علمه.". وبغض النظر عن مدي الصحة في هذه الرواية فإنه لا مجال للمقارنة بين الخليل وابن المقفع ، فالخليل كان عالما مفكرا مخترعا مؤلفا أديبا شاعرا وعصاميا في ذلك كله، أما ابن المقفع فلم يكن سوي أديب ذي صلة بالحكام ،يحسن تأليف الرسائل ونقل الأدب الفارسي إلي العربية ، ولا مجال لمقارنة هذا بذاك. مؤلفاته وتلاميذه
وفي عصر الرواية الشفهية خرج الخليل بن أحمد بتدوين ابتكاراته العلمية ، فقد قالوا عنه إنه اشتغل بالعلوم وصنف الكتب الكثيرة مثل كتاب " العين " وكتاب " النقط" الذي وضع فيه تشكيل (الكتابة العربية) وكتاب النغم وكتاب الشواهد بالإضافة إلي كتاب العروض وكتاب الجمل . وقال عنه السيرافي " كان الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه ، وهو أول من استخرج العروض وحصر أشعار العربية بها، وعمل أول كتاب العين المعروف المشهور الذي يتهيأ به ضبط اللغة."
وانبهارا بعقليته الباهرة فقد فسرها بعضهم تفسيرا دينيا ، فيقولون إنه دعا الله تعالي في مكة أن يرزقه علما لم يسبق فيه ، فرجع وقد فتح الله عليه بالعروض..!!
الخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه
ويكفي أن سيبويه عالم النحو المشهور هو تلميذه، وبعضهم ينسب (كتاب) سيبويه المشهور في النحو باسم (الكتاب ) إلي وضع أستاذه الخليل بن أحمد . والواقع أن سيبويه كان يأخذ عنه وكان يعترف بذلك في "الكتاب" وهو يورد ذلك كثيرا ويقول : "وسألته" و"قال" ، وسيبويه يشير متحدثا عن أستاذه الخليل ، والأرجح أن الخليل هو الذى وضع المنهج الذى سار عليه تلميذه النجيب سيبويه ، وعلّمه كيف يسير علي المنهج . وكتاب سيبويه في النحو أهم ما كتب في هذا الباب. وقد كانت العلاقة بينهما علي أكمل ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين أستاذ وتلميذه ، يقولون إن الخليل كان إذا قدم عليه سيبويه يستقبله قائلا " مرحبا بزائر لا يمل".
ولم يكن سيبويه تلميذه الوحيد في النحو ، إذ كان معه الأصمعي والنضر بن شميل ، وهارون ابن موسي ووهب بن جرير وعلي بن نصر الجهضمي.
أخلاقه العالية ومفتاح شخصيته
وكما أشاد المؤرخون بعبقريته الفذة فإنهم أشادوا أيضا بأخلاقه الحسنة فقالوا : " كان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم نفسا وأشدهم تعففا" وقالوا : " كان الخليل رجلا صالحا عاقلا وقورا كاملا وكان متقللا من الدنيا جدا صبورا علي خشن العيش وضيقه، وكان ظريفا حسن الخلق".
ويبدو من تلك الصفات الإجمالية أنه جمع بين الزهد والعزة والصبر علي الفقر مع الصلاح والظُّرف وحسن الخلق . وقلما تجتمع هذه الصفات لشخص واحد.
إلا أنه يمكن العثور علي مفتاح لشخصية تلك العبقرية الفذة من خلال فحص تاريخه العلمي والإنساني، واعتقد أن مفتاح شخصيته يتضح في تقديره للعلم الذي وهب حياته له والذي أبدع في مجاله..
وتتجلي أحد نواحي العظمة في شخصية الخليل حين نعرف أن الصلة بالحكام كانت هي الطريق السريع أمام العلماء لكي يعيشوا حياة كريمة ، ولكن الخليل رفض هذا الطريق اعتزازا بما لديه من علم وحرصا علي أن يكون له استقلاله بعيدا عن تقلبات السياسة وأهوائها ، ورضي بأن يعيش في "خص" أي كوخ من " أخصاص" البصرة ، وكان يقول معبرا عن تفرغه للعلم " لا يجاوز همي ما وراء بابي" ولم يكن تلاميذه ليصبروا علي هذه الطريقة الخشنة الفريدة في الحياة.
وقد كان سليمان بن حبيب المهلبي واليا علي الأهواز وقد سمع بعلم الخليل وفقره بالبصرة فكتب إليه يستدعيه ليعلم أولاده ولينادمه بالليل ، وأرسل له بألف دينار وجاء الرسول إلي الخليل، فأخرج إليه الخليل بعض كسرات الخبز الجافة وقال له : " إني ما دمت أجد هذه الكسرات فإني عنه مستغن"! ، ورد إليه الألف دينار، وقال للرسول " اقرأ علي الأمير السلام وقل له إني ألفت قوما وألفوني، أجالسهم طوال نهاري وبعض ليلي وقبيح لمثلي أن يقطع عادة تعودها إخوانه"
وكتب إليه بهذه الأبيات:
ابلغ سليمان أني عنه في سعة
وفي غني غير أني لست ذا مال
وأن بين الغني والفقر منزلة
مقرونة بجديد ليس بالبالي
سخي بنفسي أني لا أري أحدا
يموت هزلا ولا يبقي علي حال
والفقر في النفس لا في المال نعرفه
ومثل ذاك الغني في النفس لا المال
وواضح مما سبق أنه بقدر أعراضه عن ذوى السلطان فأنه كان يحسن صحبة الإخوان ، وقد مر بنا كيف يحتفل بقدوم تلميذه سيبوبه عليه ويقول له : مرحبا بزائر لا يُمل..
وواضح أنه كان حسن الخلق مع أصحابه متواضعا معهم فى نفس الوقت الذى كان فيه عزيز النفس مع أصحاب الجاه والسلطان ، لذا وصفوه بأنه " كان خيرا متواضعا ذا زهد وعفاف ".
ويدل علي تواضعه الزائد مع طلبة العلم أن إبراهيم بن سيار النظام عالم المعتزلة دخل وهو صغير علي الخليل بن أحمد فأراد الخليل أن يختبره وكان في يده قدح زجاج فقال له الخليل: صف هذه الزجاجة ، فقال له النظام : أبمدح أم بذم؟" قال : "بمدح " ، قال " تريك القذى ولا تقبل الأذى ولا تستر ما وراءها" ، قال : " فذّمّها " فقال النظام " : يسرع إليه الكسر ولا تقبل الجبر".. قال : "فصف لي هذه النخلة" ، قال : "بمدح أم بذم؟" قال : " بمدح" قال : " حلو جناها باسق منتهاها ناضر أعلاها " ، قال : " فذُمّها " قال : " صعبة المرتقي بعيدة المجتبي محفوفة بالأذي " فقال له الخليل : " يا بني نحن إلي التعلم منك أحوج " !!
ولا شك أن كلمة تشجيع مثل هذه آتت أكلها مع إبراهيم النظام في صغره وشحذت همته للعلم وتحصيله ..
ويروي أن راهبا قال للخليل :" أنت الذي يزعم الناس إنك وحيد في العلم ؟ ، فقال له الخليل : " كذا يقولون ولست كذلك "..!!
مع جلسائه
ولو كان الخليل يباهي جلساءه ويغتر على الناس بعلمه لما كان له أصدقاء وأعوان ، ولكنه كان سعيدا بأصحابه ، وكان أصحابه أسعد بالجلوس إليه ، خصوصا وإنه كان لا يخلو مجلسه من ظرف وطرافة وشعر ونوادر .
ويحكون عنه أن شخصا كان يتردد عليه ليتعلم العروض ، إلا أنه لم يفهم منه شيئا ، وخجل الخليل أن يواجه بالأمر فأوصل إليه المعنى بصورة لطيفة ، قال له قطع هذا البيت :
إذا لم تستطع شيئا فدعه .. وجاوزه إلي ما تستطيع
ففهم الرجل مراده ولم يعد إليه ..
ويقولون أنه دخل علي مريض من أصحابه يعوده فقال اخو المريض له " افتح عيناك فإن أبا عبد الرحمن قد حضر" فقال له الخليل لأخ المريض : " ما داء أخيك إلا من كلامك " يعني إن خطأه في اللغة العربية أورث أخاه المرض!. إذ كان يجب أن يقول (افتح عينيك )
وكتب إليه بعض الثقلاء بيتا من الشعر طلب منه أن يحل لغزه وهو :
أنا إن لم أهواك .. فرأسي في حرامي ..
فكتب له الخليل تحته : وإن هويت أيضا
شعر الخليل
وكان للخليل شعر ينتمي إلي ( شعر العلماء) أى الشعر المصنوع الخالى من إبداع الشعراء الموهوبين ، لذا يغلب عليه المنطق و الاتيان بالحجة والرغبة فى الجدل واستخلاص المعانى. وكان الخليل ينطق به في المناسبات كما سبق في موضوع الوالي سليمان المهلبي .
ومع جفاف هذه النوعية من الشعر الذى يقول به العلماء والفقهاء إلا إن الخليل فى شعره كان يأتى بمعان دقيقة يأخذها عنه الشعراء الموهوبون المبدعون .
وقد حدث أن اتهمه أخوه بالجنون وهو يضرب بالعود علي الطست حين كان يخترع علم العروض ، فقال له الخليل :
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني
أو كنت تعلم ما تقول عذلتك
لكن جهلت مقالتي فعذلتني
وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
وهو كما نرى : نوع من الشعر (العقلى ) الذى يحتاج الى بعض التامل و التفكير ، ولكنه مع ذلك لا يخلو من البساطة ، كما لا يخلو من المحسنات البديعية التى استعمل فيها الجناس والمقابلة استعمالا بسيطا و مبدعا كما فى كلمتى ( عذر ) و(عذل ).
ولأنه معني دقيق جميل فقد أخذ هذا المعني عن الخليل شعراء آخرون مثل الناشيء وهارون.
ويقول الخليل بن أحمد في الحكم والمواعظ
وقبلك داوي المريض الطبيب
فعاش المريض ومات الطبيب
فكن مستعدا لدار البقاء
فإن الذي هو آت قريب.
وهنا يمكن أن نسجل أن الخليل وإن كان شعره ينتمى الى ما يعرف بشعر العلماء ، إلا أنه كان أيضا موهوبا فى الشعر ، ولم يكن مثل بقية من قال الشعر من الفقهاء و العلماء الذين صاغوا أو صنعوا شعرا جافا بلا دفء .
ولأنه شاعر موهوب فقد استخدم موهبته الشعرية في اتجاهه العلمي . ومن ذلك انه جمع حروف المعجم اللغوي في بيت واحد هو :
صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغت
يحظى الضجيع بها نجلاء معطار..
ويمكن القول أنه كان شاعرا موهوبا ولكن غلب عليه الاتجاه العلمى وذكاؤه النادر واندفاعه الى الاختراع و الابتداع ، فاستخدم كل مواهبه فى ذلك الاتجاه، وكان الشعر من أدواته تلك. أى استخدم ذكاءه كما استخدم شعره . وهو بهذا تفوق على غيره من الشعراء ومن العلماء .
وقالوا إن له شعرا كثيرا .. جمع فيه بين الحكمة والنوادر والعلم والردود الشعرية .
ما بقى من الخليل بن أحمد
تاجر تلامذة الخليل بعلمه فاكتسبوا به الأموال كما قال النضر بن شميل ، وحققوا الشهرة في البلاط العباسي ، وكان أبرزهم في ذلك الأصمعي. ولو وجدنا لهم بعض العذر فأننا نعجز عن تبرير سرقات بعضهم لمؤلفات الخليل بن أحمد خصوصا كتابه " العين".
وقد قال أحدهم يهجو بعض العلماء الذين سرقوا أفكار الخليل في كتاب العين:
ابن دريد بقرة
وفيه عجب وشره
ويدعي بجهله
وضع كتاب الجمهرة
وهو كتاب العين
إلا أنه قد غيره

الزهري وزغة
وحمقه حمق دغه
ويدعي بجهله
كتاب تهذيب اللغة
وهو كتاب العين
إلا أنه قد صبغه

في الخارزنجي بله
وفيه حمق ووله
ويدعي بجهله
وضع كتاب التكملة
وهو كتاب العين
إلا أنه قد بدله .

علي أية حال فإن الذين انتحلوا أفكار الخليل كانوا أقل منه ومنها فظهر عجزهم ، وقد وضع ابن دستورية كتابا أوضح فيه الخلل الذي وقعوا فيه ..
ويكفيه فخرا أنه حين أنشأ علم العروض فقد أثبت أن الشعر العربي قد قيل بأوزان وقواعد بالسليقة ، وتلك موهبة عظيمة لا يدانيها إلا عبقرية الخليل التي اكتشفت قوانين الشعر وأوزانه.
ونفس الحال مع قواعد اللغة العربية التى كان ينطق بها العرب بالسليقة دون ان يعرفوا ماهيتها وقواعدها، ولم يقم أحد قبل الخليل بن أحمد باستخلاص تلك القواعد من خلال استقراء لكل المنقول على العرب .
وإذا كان هناك تلاميذ للخليل جاءوا بعده وتخصصوا فيما عرف بعلم النحو وقاموا بتفصيله والزيادة عليه بعد الخليل إلا إن الخليل يظل وحده مخترع علم العروض ومكتشف أوزان الشعر العربى ، ولم يأت بعده من يدانيه أو يقترب من هامته وقامته فى هذا المجال. كان هو الرائد الذى لم يصل الى قامته أحد بعده.
وبعض من حسد الخليل قال ان اوزان الشعر العربى كانت موجودة قبل الخليل وهو مجرد مكتشف لها بنفس قواعد النحو ، وقد قال فى ذلك بعض الشعراء :
قد كان شعر الورى صحيحا .. من قبل أن يخلق الخليل ..
ولكن الخليل هو الذي اثبت صحة هذا الشعر .. ولولاه أيضا ما عرفنا قواعد اللغة.
اجمالي القراءات 3824