قراءة فى كتاب بر الوالدين
المؤلف خالد الشارخ والكتاب خطبة تحولت إلى كتاب وهو يدور عن عقوق الوالدين وبرهما وقد استهل الكتاب بالقول التالى:
"يجب على الأمة جميعها أن تتصدى لإصلاح هذا الخلل الذي بدأ ينتشر انتشار النار في الهشيم، ألا وهو عقوق الوالدين.
عقوق الوالدين أيها الإخوة من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، وكيف لا يكون كذلك وقد قرن الله برهما بالتوحيد فقال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ”
وقال تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا "بل هي من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا، وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا ""
والخطأ هو أن الله قرن البر بالتوحيد وهو خطأ فعدم الشرك وهو التوحيد يشمل البر بالوالدين وغيره مما ذكر فى الآيات فالتوحيد هو الشامل لكل حكم فى الإسلام
وبين الشارخ بعض مظاهر العقوق فقال :
"وها نحن نسمع بين الحين والآخر، وللأسف من أبناء الإسلام من يزجر أمه وأباه، أو يضربهما أو يقتل أمه أو أباه.
أقول ـ أيها الإخوة ـ: إن انتشار مثل هذه الجرائم البشعة ليست في الإسلام فحسب بل في عرف جميع بني آدم، أقول: إن انتشارها نذير شؤم وعلامة خذلان للأمة، ومن هنا وجب على جميع قنوات التربية والتوعية والإصلاح تنبيه الناس على خطر هذا الأمر، وإظهار هذه الصورة البشعة لمجتمعاتنا بأنها علامة ضياع وعنوان خسارة."
وتساءل عن سبب انتشار جريمة العقوق فقال ؟
"أيها الإخوة في الله: ما سبب انتشار أمثال هذه الجرائم؟ ولا أقول وجودها لأنها قد وجدت من قديم الزمان؟
وكان جوابه هو :
" لكن ما سبب انتشارها إلا انتشار الفساد والأفلام المقيتة بوجهها الكالح، وتشبه طبقة من طبقات المجتمع بصورة الشاب الغربي الذي يعيش وحده، وليست له أي صلة تربطه بذي رحم أو قريب، فيتأثر البعض بهذه المناظر فيحصل ما لا تحمد عقباه من العقوق."
وقطعا المؤلف هنا ينسب السبب لغير فاعليه فلا الأفلام ولا المسلسلات ...تؤثر بشىء طالما أن الإنسان ليس عنده استعداد للعقوق فالسبب هو كفر الناس
ثم قص علينا الآيات وبعض الروايات فى الموضوع فقال:
"أيها الأخوة المؤمنون:
قال تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، لا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما.
وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
قال الهيثمي عند قوله تعالى: وقل لهما قولا كريما أي اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة وموافقة مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن لا سيما عند الكبر، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ثم أمر تعالى بعد القول الكريم بأن يخفض لهما جناح الذل من القول، بأن لا يكلما إلا مع الاستكانة والذل والخضوع، وإظهار ذلك لهما، واحتمال ما يصدر منهما، ويريهما أنه في غاية التقصير في حقهما وبرهما.
ولا يزال على نحو ذلك حتى ينثلج خاطرهما، ويبرد قلبهما عليه، فينعطفا عليه بالرضا والدعاء، ومن ثم طلب منه بعد ذلك أن يدعو لهما، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.
وكان أبو هريرة إذا أراد أن يخرج من دار أمه وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول: ورحمك الله كما سررتني كبيرا، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك."
ونجد الفهم الخاطىء لقوله تعالى" واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" فهو لا يعنى إلانة القول فقط وهو يعنى غالبا عمل يستنكفه الفرد كغسل البول والبراز للوالدين وحملهما للقعود على الكنيف وإسنادهما وتحميمها وهو غسل أجسامهم وإزالة القذارة منها وحملها إن عجزا عن الحركة وقص أظفارهم وتسريح شعرهما وتهذيبه وإلباسهما الملابس كما كان يفعلان لنا ونحن رضع وصغار
وبين وجوب البر بالوالدين حتى ولو كانوا كفرة فقال :
"أيها الإخوة المسلون:
وحق الوالدين باق، ومصاحبتهما بالمعروف واجبة، حتى وإن كانا كافرين فلا يختص برهما بكونهما مسلمين، بل تبرهما وإن كانا كافرين، فعن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت النبي فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال: ((نعم، صلي أمك)).
ولم يقف حق الوالدين عند هذا الحد، بل تبرهما وتحسن إليهما حتى ولو أمراك بالكفر بالله، وألزماك بالشرك بالله، قال تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون.
فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين الوالدين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله، فما الظن بالوالدين المسلمين سيما إن كانا صالحين، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها، وإن القيام به على وجهه أصعب الأمور وأعظمها، فالموفق من هدي إليه، والمحروم كل المحروم من صرف عنه.
وهاهو رسول الله يجعل حق الوالدين مقدما على الجهاد في سبيل الله.
ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله))."
الحديث يخالف كتاب الله فالجهاد هو أفضل العمل لكونه يرفع المسلم درجة عن المسلمين الأخرين وفى هذا قال تعالى:
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وبر الوالدين والصلاة واجبين على المجاهدين والقاعدين وأما الجهاد فبعض المسلمين يختاره كعمل له
ثم قال :
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله قال لرجل استأذنه في الجهاد: ((أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)) [رواه البخاري]"
والحديث معناه صحيح وهو أن من كان له والد أو والدة أو الاثنين وهم فى حالة العجز لا يذهب للجهاد وإنما عليه البقاء لخدمتهم طالما يوجد مجاهدين غيره ثم قال :
وعنه أيضا أن النبي قال: ((رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)) [رواه الترمذي وصححه ابن حبان]."
الحديث الخطأ فيه هو رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد فلو كان الوالد كافرا فليس رضاه من رضا الله لأنه يريد لولده الكفر وكذلك سخطه ليس من سخط الله لأنه يغضب للكفر وليس لله
ثم قال :
"وعن معاوية بن جاهمة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال لرسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: ((هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها)) [رواه النسائي وابن ماجه بإسناد لا بأس به]."
الخطأ كون الجنة فى الأرض تحت أقدام الأمهات وهو ما يناقض كونها فى السماء كما قال تعالى"
" عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى"
وقال:
" وفى السماء رزقكم وما توعدون"
فالموعود وهو الجنة والنار حاليا فى السماء ثم قال
"وها هو رسول الله يدعو على من أدرك أبويه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة، فيقول كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: ((رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة))."
ثم قال :
"وبر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببرهما تتنزل الرحمات وتكشف الكربات.
وما قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا الخروج منه، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها فقال أحدهم: ((اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار، كنت أرعى عليهم، فإذا رجعت إليهم، فحلبت، بدأت بوالدي اسقيهما قبل ولدي، وإنه قد نأى بي الشجر (أي بعد علي المرعى) فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي (أي يبكون)، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ففرج الله لهم حتى يرون السماء))"
والحديث لا يصح لأن مثلا البار بوالديه يمنع ويجوع عياله حتى يطعم والديه النائمين أولا لأن اطعام أولاده واجب عليه كما قال تعالى" وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن" كما أن اطعام الوالدين واجب وهو ما يناقض ان ألأكل هو لمن جاع أولا فمثلا فماذا ذنب الرضيع حتى يمنع من اللبن وما ذنب من هو أكبر منه قليلا حتى يتم تجويعه ؟
ثم قال :
"وهل أتاك نبأ أويس بن عامر القرني؟ ذاك رجل أنبأ النبي بظهوره، وكشف عن سناء منزلته عند الله ورسوله، وأمر البررة الأخيار من آله وصحابته بالتماس دعوته وابتغاء القربى إلى الله بها، وما كانت آيته إلا بره بأمه، وذلك الحديث الذي أخرجه مسلم: كان عمر إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم، أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس بن عامر فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد؟ قال: نعم، قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به أثر برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بار بها، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)). فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.
وعن أصبغ بن زيد، قال: إنما منع أويسا أن يقدم على النبي بره بأمه."
وحديث أويس لا يصح لكونه من علم الغيب الذى لا يعلمه النبى(ص) أو غيره لأن الغيب لله وحده كما قال تعالى:
" قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
وقد نفى النبى(ص) علمه بالغيب فقال كما قص الله علينا:
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنة السوء"
ثم حكى لنا بعض الحكايات فقال :
"ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الوالدين، قاموا به حق قيام فهذا محمد بن سيرين إذا كلم أمه كأنه يتضرع وقال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئا؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
وهذا حيوة بن شريح، وهو أحد أئمة المسلمين والعلماء المشهورين، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
هذه بعض نماذج بر السلف لآبائهم وأمهاتهم، فما بال شبابنا اليوم يقصرون في بر آبائهم وأمهاتهم، وربما عق أحدهم والديه من أجل إرضاء صديق له، أو أبكى والديه وأغضبهما (وهذا من أشد العقوق) من أجل سفر هنا أو هناك أو متعة هنا أو هناك."
هذه النماذج التى ذكرها الشارخ بعضها لا بأس به والبعض الأخر من التقعر وهو عدم الأكل مع الأم بحجة عدم سبقها فى الأكل
وبعد ذلك أوصى الناس ببر الوالدين فقال :
"أوصيكم يا معشر الأبناء جميعا ونفسي ببر الوالدين، وأن نسعى لإرضائهما وإسعادهما في هذه الدنيا، أسألك بالله يا أخي ماذا يريد منك أبوك إلا أن تقف معه حين يحتاجك، وأن تسانده حين يحتاجك، بل ماذا تريد منك الأم إلا كلمة حانية، وعبارة صافية، تحمل في طياتها الحب والإجلال.
والله يا إخوان لا أظن أن أي أم أو أب يعلمان من ولديهما صدقا في المحبة ولينا في الخطاب ويدا حانية وكلمة طيبة ثم يكرهانه أو يؤذيانه في نفسه أو ولده.
اللهم إنا نسألك أن تعيننا جميعا على بر والدينا، اللهم قد قصرنا في ذلك وأخطأنا في حقهما، اللهم فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسرفنا وما أعلنا، واملأ قلبيهما بمحبتنا، وألسنتهما بالدعاء لنا، يا ذا الجلال والإكرام."
وبين الشارخ أن النصوص فى البر كثيرة والكل يعلمها وأما ما ينقص الناس فهو العمل بها فقال :
"أيها الإخوة المؤمنون:
لا أظن أنه تخفا علينا النصوص الواردة من الكتاب والسنة في فضل بر الوالدين، وحرمة عقوقهما وأن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب.
ولكن ينقصنا العمل بما نعلم، ونغفل أحيانا كثيرة عن مواضع البر مع زحمة الأعمال الدنيوية، كزيارة الوالدين وتفقد أخبارهما والسؤال عن أحوالهما وسؤالهما عن حاجتهما"
وبين الشارخ أن أكثر العقوق آت بسبب زوجات الأبناء فقال:
"وكم نجد ونسمع من يلتمس رضا زوجه ويقدمه على رضا والديه فربما لو غضبت الزوجة لأصبح طوال يومين حزينا كئيبا لا يفرح بابتسامة، ولا يسر بخبر، حتى ترضى زوجه الميمون، وربما لو غضب عليه والداه، ولا كأن شيئا قد حصل."
ثم حكى حكاية عن الأمر فقال :
"ذكر أحد بائعي الجواهر قصة غريبة وصورة من صور العقوق.
يقول: دخل علي رجل ومعه زوجته، ومعهم عجوز تحمل ابنهما الصغير، أخذ الزوج يضاحك زوجته ويعرض عليها أفخر أنواع المجوهرات يشتري ما تشتهي، فلما راق لها نوع من المجوهرات، دفع الزوج المبلغ، فقال له البائع: بقي ثمانون ريالا، وكانت الأم الرحيمة التي تحمل طفلهما قد رأت خاتما فأعجبها لكي تلبسه في هذا العيد، فقال: ولماذا الثمانون ريالا؟ قال: لهذه المرأة؛ قد أخذت خاتما، فصرخ بأعلى صوته وقال: العجوز لا تحتاج إلى الذهب، فألقت الأم الخاتم وانطلقت إلى السيارة تبكي من عقوق ولدها، فعاتبته الزوجة قائلة: لماذا أغضبت أمك، فمن يحمل ولدنا بعد اليوم؟ ذهب الابن إلى أمه، وعرض عليها الخاتم فقالت: والله ما ألبس الذهب حتى أموت، ولك يا بني مثله، ولك يا بني مثله.
هذه صورة من صور العقوق، يدخل الزوج وهو يعيش مع والديه أو أن والديه يعيشان عنده، يدخل البيت معبس الوجه مكفهر الجبين، فإذا دخل غرفة نومه سمعت الأم الضحكات تتعالى من وراء باب الحجرة، أو يدخل ومعه هدية لزوجه فيعطي زوجته، ويدع أمه، هذا نوع من العقوق."
ونصح الأبناء المتزوجين فقال :
"ويا أخي المسلم من أحق بالبر: المرأة التي هي سبب وجودك، والتي حملتك في بطنها تسعة أشهر، وتألمت من حملك، وكابدت آلام وضعك، بل وغذتك من لبنها، وسهرت ونمت، وتألمت لألمك، وسهرت لراحتك، وحملت أذاك وهي غير كارهة، وتحملت أذاك وهي راضية، فإذا عقلت ورجت منك البر عققتها، وبررت امرأة لم تعرفها إلا سنة أو سنتين أو شهرا أو شهرين."
ثم حكى لنا حكاية أخرى فقال :
"وهذه قصة حصلت في إحدى دول الخليج وقد تناقلتها الأخبار، قال راوي القصة: خرجت لنزهة مع أهلي على شاطئ البحر، ومنذ أن جئنا هناك، وامرأة عجوز جالسة على بساط صغير كأنها تنتظر أحدا، قال: فمكثنا طويلا، حتى إذا أردنا الرجوع إلى دارنا وفي ساعة متأخرة من الليل سألت العجوز، فقلت لها: ما أجلسك هنا يا خالة؟ فقالت: إن ولدي تركني هنا وسوف ينهي عملا له، وسوف يأتي، فقلت لها: لكن يا خالة الساعة متأخرة، ولن يأتي ولدك بعد هذه الساعة، قالت: دعني وشأني، وسأنتظر ولدي إلى أن يأتي، وبينما هي ترفض الذهاب إذا بها تحرك ورقة في يدها، فقال لها: يا خالة هل تسمحين لي بهذه الورقة؟ يقول في نفسه: علني أجد رقم الهاتف أو عنوان المنزل، اسمعوا يا إخوان ما وجد فيها، إذا هو مكتوب: إلى من يعثر على هذه العجوز نرجو تسليمها لدار العجزة عاجلا.
نعم أيها الإخوة، هكذا فليكن العقوق، الأم التي سهرت وتعبت وتألمت وأرضعت هذا جزاؤها؟!! من يعثر على هذه العجوز فليسلمها إلى دار العجزة عاجلا.
هذا جزاء الأم التي تحمل في جنباتها قلبا يشع بالرحمة والشفقة على أبنائها"
ثم نقل قصيدة عن حنان الأم فقال :
"وقد صدق الشاعر حين وصف حنان قلب الأم بمقطوعة شعرية فقال:
أغرى أمرؤ يوما غلاما جاهلا ... بنقوده كي ما يحيق به الضرر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى ... ولك الجواهر والدراهم والدرر
فأتى فأغرز خنجرا في قلبها ... والقلب أخرجه وعاد على الأثر
ولكنه من فرط سرعة هوى ... فتدحرج القلب المعفر بالأثر
ناداه قلب الأم وهو معفر ... ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر"
ثم نصح الشارخ الحاضرين بعقد النية على بر الوالدين فقال :
"إني أدعوكم جميعا أيها الإخوان ألا تخرجوا من هذا المسجد المبارك إلا وقد عاهدتم الله أنه من كان بينه وبين والديه شنآن أو خلاف أن يصلح ما بينه وبينهم، ومن كان مقصرا في بر والديه، فعاهدوا الله من هذا المكان أن تبذلوا وسعكم في بر والديكم.
ومن كان برا بهما فليحافظ على ذلك، وإذا كانا ميتين فليتصدق لهما ويبرهما بدعوة صالحة أو عمل صالح يهدي ثوابه لهما."
وبعد ذلك حدثنا عن كون العاق لوالديه تعجل له العقوبة فى الدنيا فقال :
"وأما أنت أيها العاق فاعلم أنك مجزي بعملك في الدنيا والآخرة يقول العلماء: كل معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق، فإنه يعجل له في الدنيا، وكما تدين تدان.
ذكر العلماء أن رجلا حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحن أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بد فاعلا فاذبحني هنا عند هذه الحجرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان."
وقطعا حكاية كما تدين تدان فى الدنيا فكم من عاق رزقه الله بمن يبره كإبراهيم(ص) وآباه وكم من بار رزقه الله بمن عقه كابن نوح (ص) فالعاق ليس من الضرورى عقابه بالعقوق وإنما هو ما قدر الله وكتب عنده فى لوح القدر
وأنهى الرجل الكتاب بالدعاء للوالدين فقال :
"اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم وفق الأحياء منهما، واعمر قلوبهما بطاعتك، ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا، اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم، فنور قبره، واغفر خطأه ومعصيته، اللهم اجزهما عنا خيرا، اللهم اجزهما عنا خيرا، اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك ودار كرامتك، اللهم اجعلنا وإياهم على سرر متقابلين يسقون فيها من رحيق مختوم ختامه مسك.
اللهم أصلحنا وأصلح شبابنا وبناتنا، اللهم أعل همتهم، وارزقهم العمل لما خلقوا من أجله، واحمهم من الاشتغال بتوافه الأمور، وأيقظهم من سباتهم ونومهم العميق وغفلتهم الهوجاء والسعي وراء السراب."