ف 9 : حقوق النساء

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٤ - نوفمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً

ف 9 : حقوق النساء
كتاب ( ضعف البشر في رؤية قرآنية )
الباب الأول : ضعف البشر الجسدى
ف 9 : حقوق النساء
مقدمة
قلنا إن في الضعف قوة ، والبكاء أقوى علامة على الضعف ، وبه تُظهر المرأة ضعفها فتكون قوية . وهكذا يفعل الطفل بالغريزة ، ولكن تفعله المرأة عن دراية بتحويل ضعفها قوة . في الأغلب يتحكم الرجال ، أو هذا ما يبدو . لأن الأقوى في المجتمع هو المستبد سواء كان امبراطورا / سلطانا / خليفة / رئيسا ، ولكن قد يكون تابعا أو خاضعا لامرأة ، قد تكون زوجة أو محظية أو الأم . يختلف الأمر في تشريعات الأديان الأرضية ، فالمشرعون فيها ــ لا نقول ( رجالا ) بل ( ذكورا ) . يفرضون ذكوريتهم في تشريعاتهم ، فيظلمون المرأة ، خصوصا في التشريعات الخاصة بها في الزواج والطلاق والميراث والعمل . سيأتى لنا كتاب قادم بعون الرحمن جل وعلا عن تشريعات المرأة بين الإسلام والدين السُنّى . ولكن نعطى هنا لمحة عن تشريعات التي تحمى حقوق المرأة من ظُلم الأديان الأرضية .
أولا
هناك المقاصد التشريعية التي تدور في إطارها القواعد التشريعية والتي تخضع لها الأوامر والنواهى التشريعية . الخلط بين هذا وذاك يوقع في سوء الفهم . في تشريعات المرأة نرى المقاصد التشريعية في العدل ومنع الظلم . قد يكون الزوج ظالما وقد تكون الزوجة ظالمة ، وهذا معروف في الحياة . ونزلت تشريعات القرآن الكريم لتعالج هذا .
يقول جل وعلا فيما يجب أن يكون :
1 ـ ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم ). كلمة ( أزواج ) هنا تفيد الزوج الذكر والزوج الأنثى ، وهذا من مصطلحات القرآن الكريم ، إذ لم تأت فيه مطلقا كلمة ( زوجة ) . والمفهوم من الآية الكريمة أن الزوج الذكر مخلوق للزوج الأنثى ، وأن الزوج الأنثى مخلوقة للزوج الذكر ، وبالتساوى . وبالتساوى أيضا ( يسكن ) كل منهما للآخر ، وتكون بينهما مودة ورحمة . لكن تعبير ( لتسكنوا اليها ) غاية في الدلالة ، إذ أنه ليس ( سكن في ) كمن يسكن في بيت ، ولكن ( سكن الى ) بمعنى أن يكون كل منهما راحة للآخر ، يسكن اليه ويرتاح في قُربه ، ويأنس اليه .
2 ـ ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) 187 البقرة ). هنا المساواة أيضا بين الزوجين ، هي لباس له ، وهو لباس لها . أي هي وطن له ، وهو وطن لها .
3 ـ في وصف للزواج قال جل وعلا في بعض حقوق الزوجة :( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21) النساء ). الزواج ميثاق غليظ ، وبه أفضى هذا الى هذه ، وأفضت هذه الى هذا .
4 ـ وعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وحتى إن كرهها فليصبر عليها، وإن صبر عليها فإن الله تعالى يعده بأن يكون فيها خير كثير له في ماله وأولاده وحياته : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء). الى هذا الحدّ يبلغ الحرص من رب العزة جل وعلا على معاملة الزوجة بالمعروف !!
5 ـ وحتى في تشريع القوامة وتأديب الزوجة الظالمة يأتي التحذير الالهى من البغى على الزوجة إن لم تكن ظالمة . قال جل وعلا : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34) النساء ) . القوامة تعنى مسئولية الزوج على الزوجة لأنه الذى ينفق علي البيت وعليها وهو الذى يحمى أسرته ويدافع عنها، وعلى الزوجة الصالحة أن تحفظ بيتها وزوجها وأولادها. والله تعالى رقيب عليها. وله أن يؤدبها إذا كانت ناشزا ظالمة ، ولكنه جل وعلا يحذر من ظلمها . مع ملاحظة أنه في عقد الزواج يمكن أن تشترط أن تكون العصمة في يدها أو أن تكون لها القوامة على زوجها ، ولو رضى بذلك أصبح واجبا الوفاء بالعقود ، فالزواج ( ميثاق غليظ ) وعلاقة تعاهد يكون الله جل وعلا شهيدا عليها، ويتعين فيه الوفاء بالعقود والعهود . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) المائدة ). ( وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) الانعام ) ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) النحل ) ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) الاسراء ). أمّا تفاصيل ( وَاضْرِبُوهُنَّ ) وغيرها فستأتي في الكتاب المُشار اليه عن تشريعات المرأة .
ثانيا :
قبل نزول القرآن الكريم لم تكن للمرأة حقوق في الميراث ولا في الزواج . فرض لها رب العزة جل وعلا صداقا في الزواج ، وجعله باتفاق بين الطرفين عن تراض بينهما بعد فرض المهر ، وهذا مع النفقة . وجعل رب العزة حقا لها في الميراث .
قال جل وعلا :
1 ـ ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء )
2 ـ ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )
3 ـ ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء )
3 : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) النساء ).
4 ـ ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) البقرة ).
ونلاحظ :
1 ـ البدء بتقرير حق الرجال والنساء في التركة ، مهما قلّ أو كثُر : ( النساء 7 )
2 ـ قبل توزيع التركة يكون الآتى :
2 / 1 : إعطاء جزء من التركة لمن يحضر من الأقارب غير الورثة واليتامى والمساكين ، مع قول معروف . والنساء ضمن هؤلاء .
2 / 2 : قضاء الديون وتنفيذ الوصية : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) 11 النساء ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) 12 النساء )
3 ـ في توزيع التركة يكون للذكر مثل حظ الأنثيين بالنسبة للأولاد والزوج والزوجة ، ثم الأخوة والاخوات ( عند الكلالة وعدم وجود أولاد ). وهنا أيضا نلاحظ استعمال ( أولاد ) للذكور والاثاث: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) . الذكور هنا هم الذين يدفعون المهر في الزواج . فالولد عليه مسئولية الزواج من صداق ونفقة . أما البنت فهى التي تتلقى الصداق والنفقة . فالمساواة بينهما في الميراث ظلم .
4 ـ لا يكون هذا بالنسبة للوالدين . هما يتساويان في التركة . والتعبير عنهما بالمساوة في الاستحقاق وفى الوصف ، فهما ( أبوان ) الأم ( أب ) والوالد ( أب ) :( وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ )
5 ـ أنصبة الميراث محددة بالنصف والربع والثُمن والسُّدس . وتأتى الوصية للأقربين الورثة لتعالج ظروفا خاصة . قد تكون ظروف البنت تستدعى المساعدة أكثر ، فيمكن الوصية لها ، ولكن بدون ضرر . قال جل وعلا عن الوصية : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء ). ويلاحظ أن الوصية للأقربين ، أي الورثة ، ومنصوص فيها الوصية للوالدين . فلهما حق في الميراث ، وحق في الوصية تحديدا وتعيينا . أما عن الأقربين من الورثة فهو للمستحق منهم ، ولكن بالمعروف ، بدون ظلم .
6 ـ تشريعات المواريث من ( حدود ) الله جل وعلا. ومن يتعداها يتوعّده رب العزة بالخلود في النار . المُخاطب بهذا هم ( المؤمنون ) . يمكن أن يخلد بعضهم في النار بسبب ظلم في موضوع الميراث
أخيرا
لم يفهم هذا أصناف من الناس :
1 ـ أئمة الدين السُنّى الذى جعلوا في دينهم أنه: ( لا وصية لوارث ).
2 ـ بعض العلمانيين الذين يطالبون بالمساواة في الميراث بين الأبناء . لا يعرفون أن المساواة على إطلاقها قد تكون ظُلما .
3 ـ الأغلبية التي لا تعطى النساء حقوقهن في الميراث .

اجمالي القراءات 2977