Oslo26.10. 2004
حاولت ما وسعني الجهد أن أعثر على قواسم مشتركة بين الله، العزيز الوهاب، الذي أعبده، وأحبه، وأثق في رحمته، ويغمرني نوره، ويصفح عن أخطائي، ويغفر لي ذنوبي، ويُعِدّ لي مكانا في ملكوته، وبين إله آخر يعبدونه، ويقولون بأنه يُعِدّ لكل منهم اثنتين وسبعين حورية في الجنة إذا فجّر سيارة في مدرسة للتلاميذ، أو ذبح أطفالا في صالة للألعاب الرياضية، أو قتل رجال أمن في الرياض أو بغداد أو جدة أو وهران أو الدار te;دار البيضاء.أو قام بتكفير مسلم لأنه يختلف معه فكريا وثقافيا، أو يطالب بتفريق مسلم عن زوجته، أو لا يَرُدّ السلامَ على جاره غير المسلم، أو يدعو الله بأن يُهلك وينزّل غضبه وسخطه وعذابه على الآخرين.
إلهي يقول لي على لسان نبيه الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، والله لو لم تذنبوا لذهب اللهُ بكم وأتى بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون الله فيغفر لهم، وهو، جل شأنه، يجد لي سبعين عذرا لذنب واحد، أما إلههم فيجد لهم سبعين ذنبا لهفوة صغيرة سقطت سهوا، ويعد عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة، فهو لا ينتظر يوم الحشر، ويرسل ثعبانا أقرع يدُسّ نابه السام في المُذنب، ويظل ابن آدم يتلقى كل صنوف العذاب قبل أن يُعْرَض على نار تلظّىَ، لكن إلهي، الغفور الرحيم المتسامح الجميل فيؤكد لي في كتابه العزيز بأن ( كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
إلهي يعلمني بأن المدخل إلى عبادته يبدأ بفهم عميق، واستيعاب للقيمة التي تحملها كلمة ( الله أكبر )، فهو، الغفور الرحيم، أكبر من كل الصغائر، وما خلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا، وأن حساب يوم القيامة يتناسب ويتوازن ويتناغم ويتلائم مع القيمة العظيمة للايمان بأنه، تعالى عما يصفون، أكبر من كل التصورات البشرية التي تحَوّل عن جهل وحماقة وغباء وتخلف التعامل مع خالق الكون من منظور لا يُقَدّر ولا يحترم مفهوم العبودية لإلَه أكبر من كل شيء.أما إلههم فغريب عني تماما، ينتظر بصبر نافد كل صغيرة وهفوة وخطأ غير منظور ليكبّرَه،ويضخّمه، وينفخ فيه فيتحول إلى كارثة، ويصبح ذنبا لا قِبَل لبشر على محوه، وهو إلَه يكره الحرية، ويحدّد للبشر كل خطوة وكلمة وعبادة، وهو يبغض المرأة ويؤكد لهم أن أكثر أهل النار من النساء، ويطلب منهم تغطية وجهها، وقبْرِها في البيت، ورفض كل حقوقها الانسانية أو أكثرها فهي لا تشهد، ولا تحكم، ولا يستشيرها رجال الأمة، وهي عورة كلها لا يراها الرجل أو يسمعها أو يشم رائحتها إلا تحسب له عند هذا الإله ذنوب تتكاثر كتكاثر الجراد في أفريقيا.
إلهي يحب أن يراني سعيدا، مبتهجا، مغتبطا، متأملا في قطعة موسيقية رقيقة تدلف إلى مشاعر راقية فهو، جل شأنه، خالق تلك المشاعر، وصانع الأحاسيس، ويحب أن يراني متمتعا بها، مُقَدّرا عظمة خلقه.
أما إلههم فلا يبتسم، ويغضب ليلا ونهارا، ويحاسبهم على أُذُنٍ التقطت نغمةً موسيقية، وأرسلتْ للقلب اشارات مبهجةً، وانتعش الفؤادُ لها ، واستقبل العقلُ كل تلك الأشياء الرائعة ليتأمل بعد ذلك في خلق الله، ويفهم قوله، عز وجل، هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه.
وهو، أي إلههم، يتوعد رجالهم بنار تقول هل من مزيد إذا رأى الرجل وجه امرأة قد تكون ابنة عمه أو جارته أو زميلته أو رفيقه نضاله في الدفاع عن حقوق البشر، وهو لا يكتفي باخفاء معجزة المعجزات، أي الوجه الذي وضع الله فيه العينين والأذن والفم، وجعله مرآة عاكسة لمشاعر تبين الحزن والفرح والغضب والكراهية والمحبة والطيبة والشر والرفض والتمرد والقبول والايمان والكذب والصدق وآلافا أخرى مما لا يستطيع قلم وصفه، أو ريشة رسمه، أما إلهي فأكبر من هذا، وربما يغضب علي إذا ربطت ايماني بيقيني أن خالق الكون العظيم ليس أكبر، لكنه أصغر فاتخيله وأتصوره في ملكوته الأعلى يضع في ميزان سيئاتي رؤية وجه امرأة.
إلهي خلق الناس شعوبا وقبائل لنتعارف، وأرسل أنبياء ورسلا، وقال لي ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ). إنه إلَه لا يقبل عبادةً تحت السيف، ولا صلاة من الخائفين من حبل المشنقة، ولا دعاء من غير الأحرار القادرين على الذهاب بمفردهم، والتوجه لوجه الله العلي القدير، يعبدونه أحرارا، ويشهدونه أنهم لم يذهبوا إلى المسجد خوفا من عصا المطاوعة، أو تكفير زملاء العمل لهم، أو احتقار المعارف والجيران، أو الضغوطات الشديدة من المجتمع.قيمة العبادة تكمن في الحرية ( فألهمها فجورها وتقواها )، وأنا أعبد الله لأنني حر، أما إلههم فلا مفر من السوط فوق الظهر، والخوف من الناس، والطمع في النجاة من جحيم سَعَر، لواحة للبشر، وهو يرهقهم في مئات الصور من العبادة اليومية والأدعية الاكليشية المُعَدّة سلفا، وهم يتقربون إليه بترك العمل والأسرة والأطفال لأداء الصلاة والسُنّة والنوافل والقيام والأحاديث والخُطب والانتظار في المسجد حتى يؤذَن لصلاة أخرى، أما إلهي فيطلب مني الصلاة خمس مرات وما زاد على ذلك فهو مني شريطة أن لا أسرق من وقت زوجتي وأولادي دقيقة واحدة، وهو لا يقبل صلاتي إن كنت في العمل وتركت عجوزا أو أرملة أو صاحب حاجة ملحة ينتظر مرهقا ومتعبا حتى أعود إليه من صلاتي.
إلههم لا يرحم، وهم لا يثقون به، وقد قرأت لفتاة مسلمة سؤالا تطلب فيه فتوى عن بعض الصلوات التي فاتتها وهي صغيرة في العمر، ومرت سنوات وهي ملتزمة، لكنها تريد أن تعرف كيفية حسابها عدّاً .. وحسابها عند الله!
إنها نموذج لنفس الفكر الذي فرّخ أناسا لا يثقون برحمة ربهم، ويتصورونه منتظرا إياهم ليحاسب حساب السيّافين وقاطعي الرؤوس، وإلا فكيف لمسلمة تعبد الله سنوات طويلة ثم تداخلها شكوك بأن هذا المعبود ينتظر حقه في عدة ركعات فاتتها وهي صغيرة.
أما إلهي فبسيط غاية البساطة، ولو أخطأت وأذنبت مئة مرة في اليوم ومثلهم في الليل، واستغفرته فأجده غفورا رحيما قبل أن انتهي من دعائي، وهو, عز وجل، يمنحني إيمانا به وبعزته وجلاله ورحمته التي وسعت كل شيء.
إلههم يميز بين البشر، ويطلب منهم، أو هم يتخيلون أنه يطلب منهم، مقاتلة غير المسلمين، واحتقارهم، وعدم الرد على تحيتهم بالسلام، وجعلهم أقل قيمة ومنصبا ومركزا ووظيفة من المسلم، بل أكثرهم يعتبرون غير المسلمين نجسا قد يلوث طهارتهم، وأرسل أحدهم يستفتي في صديق مسيحي زاره في منزله عندما كان مريضا، وجلس على طرف الفراش يشدّ من أزر المسلم، فما كان من المريض إلا أن أرسل يستفتي في نجاسة الفراش.
أما إلهي فيجعلني على قدم المساواة مع خلقه كلهم، وهو يقول لي ( ولقد كرمنا بين آدم )، ولا يجعلني رقيبا أو حسيبا أو سيفا يقطع رؤوس المخالفين.
إلههم منشغل بقضايا المسلمين، وسيحاسبهم على اللحية، وطول الحلباب، وأدعية الشيطان، أي الموسيقى، وسيُدخل قاعَ الجحيم من لا يمسح على عقبيه جيدا بالماء عندما يتوضأ، وسيحسب عليهم سيئة بعشر أمثالها لمن لا يدخل بيته بقدمه اليمنى، ويأكل بها، ويغمز الذبابة في طعامه.
أما إلهي فهو رب كل الكون، وهو يحب الطيبين والمسالمين الذين يساعدون الآخرين، ويتأملون في الكون، ويتألمون لعذابات غيرهم، ويبحثون عن الحقيقة، وهو مع المسلمين والمسيحيين والبوذيين والكونفشيوس ومن لا دين لهم، ومن يسيرون في الأرض في رحلة البحث عن الله حتى لو استغرقت العمر كله فلم يجدوه، فربما يشرق عليهم نور الله يوم القيامة.
إلههم يَعِدْهُم ببيت لكل منهم، وحريم وحور عين وفحولة جنسية وكسل في الجنة وأكل وشراب ونوم في مقابل كراهية وبغضاء وقتل وتدمير وتكفير ورفع دعاوى ضد الآخرين وتحريم الموسيقى والجمال والفنون والعقل والاجتهاد والغناء والفلسفة وقص اللحية واطالة الثوب والفصل التام بين أبناء وبنات آدم وحواء!
أما إلهي فيطلب مني الثقة بأن ( الله أكبر )، ويحَرّم الكراهية والبغضاء وقتل الأبرياء واختطاف الضعفاء واعتبار المسلمين أرفع خلق الله، لكنه، تعالى عما يصفون، يقول لي بأن ( أكرمكم عند الله أتقاكم) و التقوى كما شرحها نبيه الكريم مشيرا إلى قلبه التقوى ها هنا .
أكثر الناس يظنون أنها قضية فهم أعوج للاسلام، وأن المطلوب إعادة شرح مفاهيم الدين بأسلوب حديث ومنطق سليم، لكن الحقيقة غير ذلك تماما فقد فهم المسلمون في كل العصور الاسلام وطبقوا تعاليمه وحفظوا كتاب الله العزيز، ومع ذلك تم رفع المصاحف فوق السيوف، وجاء طواغيت ومستبدون وقتلة يحكمون باسم الدين وكل منهم يدّعي فهمه للاسلام وسيظل هذا التجاوز قائما ما لم نتوجه جميعا إلى إلَهٍ واحد مشتركين في تصور جماعي بعيدا عن أي تفسيرات أخرى يتم لي عنقها من النص المقدس، وبسطها في خدمة التخلف الذهني والقسوة البالغة والكراهية البغيضة والغاء الآخر.
عندما تكتظ أحد السجون في عالمنا العربي بآلاف من البشر المسحوقين ويخضعون لصنوف من التعذيب لا يتحملها إنس ولا جان، فإن الدين هنا لن يخفف من قسوّة السجّان، ولن يقنع الطاغية بأنه ارهابي، ولكن شيئا واحدا يمنح الناس السكينة والسلام، ولا يقبل تأويلا أو سيفا داخل نص مقدس، أو دماء بين شفتي فتوى عالم، إنه التصور المشترك لإلَهٍ واحد متسامح جميل مشرق لا يقبل قربانا من البشر، ولا يُدخل في رحمته قتلة وسفاكي دماء وخاطفى أطفال.
سيقول قائل بأننا وإياهم نعبد نفس الإلَهِ لكن من زوايا مختلفة، وأن الحق متعدد الجوانب، وأن الفكر الاسلامي مليء بالتيارات المتصارعة والمتصالحة ولا ينبغي تضخيم قضية الألوهية على حساب القاسم المشترك .. أي الدين الإسلامي.
وهنا أجدني على الطرف النقيض الآخر لهذا الفهم الذي يحاول المصالحة بين القاتل والقتيل مُساوياً بينهما في لغة عبثية غير قادرة على مواجهة الواقع الأليم.
الله .. جل شأنه تحدد صورتَه في الذهن أفكارٌ وثقافةٌ وإيمانٌ وممارسات حياتية وقناعة شخصية واستجابة لما يظن المؤمن أنها أوامر وتوجيهات ومُسَلّمَات لا تخرج كلها عن نطاق التصور الانساني لذلك الإلَه.
قالت لي إحداهن بأنها تقاطع غير المسلمين، ولو احتاجت لدواء عاجل لابنها وكان الصيدلي مسيحيا فهي لن تتنازل عن طاعة الله من أجل شفاء ابنها( أي فليمت ابنها في سبيل طاعة هذا الإلَه)!
هل هذا فهم سقيم للاسلام؟
إنني أعترض على مصالحة الوردة والسيف، أو عبق الزهور مع رائحة الموت، أو ابتسامة طفل مع أشلاء مبعثرة لجسد تلميذ، فهذا ليس اجتهادا أو فهما مخالفا أو رؤية من زاوية مضادة، لكنه تصور حقيقي وواقعي وملموس وممارس لإلَهٍ آخر لا أعرفه، ولا أتوجه إليه في صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي. إنهم أوفياء مطيعون لإلههم، ومؤمنون بأن القتل وسفك الدماء وقطع فروة الرأس وتكفير المخالفين وتكبيل الحريات وايقاف الاجتهاد ومعاداة العقل ومخاصمة الجمال واستعداء الآخرين على الموسيقى والغناء والفكر والمنطق وحقوق الانسان وقبول الآخر كلها تَسُرّ وتُسْعِد وتغبط هذا الإلَهَ الذي سيمنح أدناهم مرتبة عشرات من الحور العين تعود لكل منهن عذريتها فور الانتهاء من ممارسة الجماع.
إنه الوفاء للتصور الكامل لهذا الإلَه الذي لا أعرفه، لذا لم يكن غريبا أن يتوجه الانتقام للضعاف والنساء والأطفال، أما إلهي فهو إله الأحرار البررة الذي يقبل مني العبادة في عشرات الصور والمشاهد اليومية ولو كانت خروجا في مظاهرة للدفاع عن حقوق الآخرين، أو رفض الطغيان والاستبداد، واعتبار قيم التسامح والقبول والمحبة والرحمة والمودة بغير تمييز هي التي تحدد مُسْبَقاً المنتهى الأخروي للمؤمن.
إلههم يكمم الأفواه، ويسجن المشاعر الجميلة، ويكبت الأحاسيس، ويكره الحب، ولا يرى الكون كله إلا من خلال تعليمات صارمة تصب كلها أو أكثرها لصالح الذكور في مواجهة ضعف الإناث، وهو يتدخل في أدق خصوصيات البشر الذين خلقهم، ولا يستطيع أي منهم أن يفلت بحريته في مأكل أو ملبس أو جِماع أو قضاء حاجة أو ابتسامة أو عبادة أو لهو بريء أو تعلم وتعليم أو حُكم وشهادة، وهو يصنع الإنسان الدُمْيّة المتبلد المشاعر والكاره للآخرين والباحث عن المتعة والشهوة واللذة والكسل وبيت طوله ألف عام في جنة لا يدخلها إلا ملتح أو منقبة أو من يبغض ويمقت الحياة الدنيا وزينتها.
وإلههم يغلق العقل بالأصفاد والأقفال والطقوس ومن يرى أن له حقا في الاجتهاد والحرية فروحه أقل قيمة من روح حشرة، وسيخرج مجاهد يطلق عليه رصاصة أو يفجر سيارة أمام بيته أو يذبحه كما يذبح الجزار الشاة الضعيفة وهي تتلوى فلا يدري المرء إن كانت بين أنياب ذئب أو مخالب أسد جائع.
أما إلهي فيمنحني أقصى درجات الحرية ليصبح ركوعي وسجودي اختيارا صادقا وعميقا ويقينيا متحديا كل وساوس الشيطان، فإبليس يخشى الأحرار، ويخاف انفتاح العقل، وينهزم أمام عشاق التسامح والمحبة.
وإلهي يؤكد لي بأن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، وهو إله لا يحب المعتدين، ويرى أن نوره العلوي القدسي سيشرق في عيون المتسامحين فقط.
أما الارهاب والتطرف والتزمت والتشدد وعالم الخوف الذي صنعه الطغاة الصغار القادمون من نتن رائحة القبور وعفن النفوس فهو لم يكن ولن يكون نتيجة توصل إليها مثقفون وقراء وعلماء ومجتهدون يقارنون بين نصوص مقدسة وأحاديث نبوية وتراث ديني وفتاوى علماء، لكنه نتيجة طبيعية للتوجه لإلَهٍ آخر صنعوه، فعبدوه، وهو في مخيلتهم وتصورهم ويقينهم يكافيء على الضغينة، ويُسْكِن جنته القتلة والكذّابين والمنافقين والأشرار، ويكدسها باللذة والمتعة والشهوات.
إلههم مزيف، غير طبيعي، يماثلهم في كراهية العقل، وعشق القبح، والنفور من الجمال، والتلذذ بالقيود الصارمة، وهو يصنع الصراعات والحروب وأدوات الفتك والقتل، ولم يكن يوما واحدا في أدبياتهم مهموما بالسجون والمعتقلات وعذابات الأبرياء واغتصاب السلطة وتزوير الانتخابات وتزييف إرادة الأمة واستعباد أفراد الشعب، أما إلهي فهو معي، يشد من أزري، ويمنحني القوة والايمان والثقة به، ويغفر لي أخطاء وذنوبا لو حملها جبل لرأيته متصدعا ومتشققا.
إننا وَهُمّ في خطين متوازين لا يلتقيان ما لم نعبد إلَهَاً واحدا، أكبر من كل الصغائر، وأعظم من التصورات الساذجة والحمقاء والعمياء التي صنعت كل صنوف الشر، ورفضت قبول اجتهاد العقل، وحصرت جنة الخلد في الملذات لقاتلي الأبرياء وجعلت العزيز الوهاب لا يغادر عالم المسلمين إلى كل خلقه من البشر.
التفسيرات الدينية والخطب والكتب ومحاولات التقريب بين الأفكار في مصالحة وقتية لن تضع حلا لعالَمٍ يتخبط في حيرته، ويسقط صرعى التعصب الديني عشرات الالاف من أكرم خلق الله.. الانسان.
عندما يكتشف المهووسون بالجنس والعنف والقتل والحَجْر على العقل وعشاق النصوص الصفراء وعَبَدة الموتى من علماء القرون الأولى أنهم يعبدون إلَهاً آخر صنعته تصوراتهم المريضة فإن اشراقة نور سلام قادم تكون قد ظهرت في الأفق.
ولن يكتشف المسلم طريقه إلى الإلَه الحق إلا أنْ يستخدم رخصة منحها له الواحد الأحد مع الروح التي أودعها جسده، أعني العقل والاجتهاد والحرية المطلقة التي تبحث عن الحقيقة في رحلة الحياة.
لست على استعداد للمقايضة أو المصالحة أو الالتقاء في وسط الطريق لعلي أوفّق بين إلَهي وإلههم، فهم سيّافون، مصاصو دماء، قتلة ولو لم يزهق أحدهم روح آخر، أما إلهي .. ذلك الرب العظيم فهو كان وسيظل دائما الأكبر.
إنه يمنحني السكينة، ويغفر لي، ويقبل اجتهادي في فهم الاسلام الحنيف، ويرضى عن عبادتي إياه كما توصل إليها عقلي واطمأن فؤادي.
ومن خلال الصورة الرائعة الجميلة المتسامحة انشرح صدري لكلمات القرآن المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أحببت الاسلامَ الحنيف وتعاليمه السمحاء وكلماته المقدسة في كتاب الله العزيز، وميّزت في سُنّة نبيه، صلوات الله وسلامه عليه، بين ما وافق الوحي وما يشك عقلي أنه صادر عن خاتم المرسلين والأنبياء.
والله لن ينحاز يوم القيامة للمسلمين فقط، لكنه سينظر في القلوب التي هي في الصدور، وسُيدخل ملكوته أكثر خلقه الذين أكرمهم ونعمهم وفضّلهم على كثير ممن خلق تفضيلا.
الله أكبر ليست صيحة تكبير أمام بريء تم اختطافه عنوة وهو في طريق العودة لأولاده، وهي ليست تبريرا للاعتداء على حريات الآخرين، وليست مفتاحا لجنة الخلد يمنحه أمراء الدم لشاربيه أو سافكيه، لكنها أعظم وأشرف وأطهر وأجمل كلمة ارتبط بها تاريخ الايمان.
مرة أخيرة .. فأنا لا أعرف هذا الإلَهَ الذي يتحدثون عنه، وينتظر على ناصية شارع يشاهد عباده يقتلون الأبرياء، ويحرّض على الكراهية والبغضاء، ويصادر الدين لحساب جهلة وأميين ومستبدين وحمقى، لكنني أعبد الغفور الرحيم السلام العزيز الوهاب.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج