نقد كتاب ترجمة القرآن الكريم
المؤلف أحمد علي عبد الله من أهل نيجيريا وهو من أهل العصر وسبب تأليفه الكتاب كما جاء فى المقدمة:
"في حين أن موضوع ترجمة القرآن لا يأخذ حيزاً واسعًا ولا ضيقًا من الدارسين في البلاد العربية إلا أنه يستحوذ على قدر غير قليل من اهتمام الدارسين في البلاد الإسلامية غير العربية ومن المسلمين غير العرب وهذا بدوره يؤكد قواعد الشريعة الإسلامية الأصولية القائلة بأن الواقع المعاش في كل مكان وآن هو الذي يولد المشاكل والهموم الفقهية ومن ثم يسعى الفقهاء لتكييفها وحلها لمصادر الشرع الخالدة والمرنة مصداقا لقوله (ص)"تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" "ولقد تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي" "
والكاتب يقول أن هذا الموضوع طرح منذ القدم ويجب معالجته دون دفن الرءوس فى الرمال فقال:
"وموضوع ترجمة القرآن الذي نحن بصدده الآن ليس من الموضوعات ولا المسائل الفقهية الجديدة بل هو قديم قدم الفقه الإسلامي وحي كحياة الشريعة الإسلامية التي من أصولها مجابهة الواقع لا مداراته وتحاشيه تتعامل الشريعة بوضوح وجرأة مع كل مسألة تنشأ في ظل سلطانها فتضع لها الحل وتعطيها الحكم الشرعي الملائم والمتسق مع مبادئها العامة وأحكامها الجزئية على عكس ما آل إليه الأمر اليوم من دفن الرؤوس في الرمال أمام الواقع الذي تفلت بسبب ذلك من حكم الشرع مما صور الشريعة بصورة العاجز عن معالجة هذا الواقع وما العجز في حقيقة الأمر إلا أن المسلمين خاصة أولي الأمر من الحكام والعلماء
قلنا تتعامل الشريعة مع كل واقع جديد مهما عظم بإيجابية وجرأة لأن من طبيعتها الشمول ومن خصائصها المرونة التي تتسع بها لاستيعاب كل جديد ومن عقيدتها أن تحكم حتى تقوم الساعة
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلام} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} "
ويطالب الرجل بالاجتهاد فى المسألة فيقول:
"وليس هنالك رهبة أو وجل في أعمال الشريعة لأن المجتهد فيها مأجور ما خلصت نيته وأفرغ جهده "أجتهد رأيي ولا آلو " فلئن أصاب في اجتهاده أجر مرتين: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة وإن أخطأ في اجتهاده نال أجر الاجتهاد ولا يغرم شيئاً في الخطأ فعلام المهابة إذاً وإلام الاستكانة يا علماء المسلمين "
وقد بين الكاتب ما سيناقشه فى الكتاب فقال:
"والموضوع كما قدمنا قديم وأرى أن معالجته بشيء من الوضوح والواقعية تقتضي تقسيمه إلى قسمين:
القسم الأول: يعالج ما إذا كانت الترجمة قرآناً أم لا
القسم الثاني: يناقش الآراء الفقهية حول جواز الترجمة أو عدم جوازها باعتبارها تفسيراً لمعاني القرآن وأفضل أن أبدأ بالمسألة الأولى لأسباب منها:
1- من حيث الظرف التاريخي فإن المسألة الأولى طرحت نفسها أولا
2- ثم إنها أثرت سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الفكر الإسلامي في مجابهته للمسألة الثانية "
استهل الرجل كتابه بتعريف القرآن فقال:
"تعريف القرآن:
إن أجمع وأوضح ما قيل في القرآن هو قول الإمام الآمدي: "إن الكتاب: هو القرآن المنزل" وقلنا هو أجمع وأوضح لأن معظم التعريفات الأخرى تؤدي إلى متاهات لا حاجة للناس فيها في أمر جده معلوم لدى الكافة ومع ذلك، ومن أجل الدخول في الموضوع سنورد تعريف الإمام اليزدوي: "أما الكتاب فالقرآن المنزل على رسول الله المكتوب في المصاحف المنقول عن النبي (ص) نقلاً متواتراً بلا شبهة وهو النظم والمعنى جميعا في قول عامة العلماء، وهو الصحيح من قول أبي حنيفة عندنا إلا أنه لم يجعل النظم ركنا لازماً في حق جواز الصلاة خاصة وجعل المعنى ركنا لازماً والنظم ركناً يحتمل السقوط رخصة""
وقد أصاب الرجل باقتصاره على تعريف الآمدى وهو تعريف كتاب الله بكتابه وأما تعريف اليزدوى فسيجرنا إلى خلافات كالنظم والمعنى وعلى مذهب من وكذلك الأمر فى المصاحف لوجود مصاحف مختلفة
وناقش المؤلف تعريف اليزدوى فقال:
"القرآن نظمًا ومعنى:
وتعريف اليزدوي أعلاه يشير بوضوح إلى أن القرآن يتألف عند عامة العلماء من النظم العربي والمعنى معا تأليفاً لا تنفك فيه المعاني القرآنية عن ألفاظها العربية وأن النظم(العربي) المعجز جزء من ماهية القرآن والكل بدون الجزء مستحيل كما يقول النيسابورى ويدل النص من ناحية أخرى على ما نسب لأئمة الحنفية من خلاف حول المعنى السابق وما نسب للأحناف يصوره ما أورده النيسابوري قال:قال الشافعي: "ترجمة القرآن لا تكفي في صحة الصلاة لا في حق من يحسن القراءة ولا في حق من لا يحسنها"، وقال أبو حنيفة: "إنها كافية في حق القادر والعاجز" وقال أبو يوسف ومحمد: "كافية في حق العاجز لا القادر"2
وبناء على ما نقله النيسابوري يتضح أن أبا حنيفة: يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة وأن ذلك الجواز إنما هو للقادر على قراءته باللغة العربية وللعاجز معاً وإن الصاحبين خالفاه في هذا الإطلاق فرخصا للعاجز دون القادر وإن قراءة الترجمة في الصلاة تفيد أن المقروء قرآنٌ لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} والأجدر بنا أن نرجع إلى كتب الحنفية أنفسهم حتى نتعرف عن قرب على رأي الإمام وأصحابه في هذا الصدد ولكن قبل أن نشرع في ذلك ينبغي أن ننبه إلى أن أبا حنيفة ليسَ بعربي بل تربى وتأثر بالثقافة والحضارة الفارسية قبل الإسلام وعاش في منطقة العراق الحالية حيث كان يسكنها الفرس مع غيرهم من العرب والأجناس الأخرى لا غرو أن يجابه الإمام الأعظم وأي إمام في مكانته بمثل هذه المسألة الفقهية التي تعكس الواقع الذي كان يعيشه ذلك أن الناس يدخلون كل يوم في دين الإسلام وأنهم يعانون ويجابهون صعوبة في تعلم العربية لوقتها فهل من حاجة في أن يعرب لهم المعنى القرآني بلغتهم ليؤدوا الصلاة حتى حفظوا من السور القرآنية ما يغني عن ذلك أم أنه ليس هناك حاجة ابتداء لهذا التجوز؟؟ ولقد واجه هذا الواقع من قبل - ولكن بصورة أخف - سيدنا عبد الله بن مسعود قالوا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يعلم رجلاً أن شجرة الزقوم طعام الأثيم والرجل لا يحسنه، فقال: "قل طعام الفاجر، ثم قال عبد الله ليس الخطأ في القرآن أن نقرأ مكان العليم الحكيم إنما الخطأ بأن تضع مكان آية الرحمة آية العذاب" قلنا الظن بابن مسعود غير ذلك
تلكم كانت صورة من البيئة والظروف التي وجد فيها أبو حنيفة نفسه مضطرا لمجابهة مثل هذا الواقع الذي قلما يجابه إماماً كمالك بالمدينة أو الأوزاعي بالشام أو الشافعي بمصر"
وهاك موجزا لما جاء في كتب الحنفية في هذا الموضوع:
1- من حيث أن القرآن مؤلف من النظم العربي والمعنى معاً فمذهب أبي حنيفة ذلك كمذهب الجمهور حتى أن أبا حنيفة يعد كافرا كل من أنكر أن القرآن غير النظم العربي والمعنى معا
2- مع ذلك لم يجعل أبو حنيفة نظم القرآن ركناً لازماً بالنسبة للصلاة خاصة وذلك في تقديره لأن قراءة القرآن في الصلاة مبنية على شيء من التوسعة ومقصودها مناجاة الله وفوق ذلك فقد جعلت القراءة فيها على التيسير:
أ- لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (المزمل: 20)
ب- ولسقوط القراءة عن المأموم بتحمل الإمام وبسقوطها بخوف فوات الركعة في حين أن هذا لا يجوز في سائر أركانها
3- لكل ذلك جوز الإمام الاكتفاء في الصلاة بأداء الركن الأصلي من قراءة القرآن وهو المعنى الذي تتحقق به المناجاة ودليل ذلك أن القرآن نزل ابتداء بلغة قريش فلما شق على غير القرشيين من العرب رخص في قراءته باللغات السبع فقال رسول الله (ص)"أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف" فلما جاز للعربي أن يدع لغة قريش إلى لغته مع قلة الكلفة جاز من باب أولى لغير العربي أن يدع العربية لعجزه عنها والاكتفاء بالمعنى القرآني الذي هو المقصود
4- فالعدول إذن عن النظم العربي إلى الترجمة إنما هو رخصة كالمسح على الخفين والقصر في حال السفر
5- قصر الأحناف الرخصة على الصلاة خاصة ولا يصح عندهم تجاوزها إلى غيرها حتى أن أبا حنيفة حرم مداومة قراءة الترجمة في الصلاة نفسها
6- وفوق ذلك قيدت صحة الصلاة بالترجمة على اللغة الفارسية، لأنها كما يزعمون قريبة من فصاحة العربية
7- ورغم كل القيود السابقة فقد صح عن أبي حنيفة عدوله عن جواز القراءة في الصلاة بترجمة القرآن وبذلك يصبح الخلاف حول صحة الصلاة بالترجمة مجرد تاريخ يحكى على ما عليه الفتوى في المذهب الحنفي ويبسط الإمام عبد العزيز البخاري ثم يبرر ويوجه ما روي عن أبي حنيفة في هذا الخصوص ثم يقرر عدوله عن ذلك الرأي من خلال تعليقه على تعريف اليزدوي السابق للقرآن كالآتي:"ومنهم (أي من العلماء) من اعتقد أنه (أي القرآن) اسم للمعنى دون النظم وزعم الصلاة بغير عذر مع أن قراءة القرآن فيها فرض مقطوع به فرد الشيخ (يعني اليزدوي) ذلك وأشار إلى فساده بقوله وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة عندنا أي المختار عندي أن مذهبه مثل مذهب العامة في أنه اسم للنظم والمعنى جميعا، وأجاب عما استدل به الزاعم بقوله: لكن أبا حنيفة لم يجعل النظم ركناً لازماً له قال مبنى النظم على التوسعة لأنه غير مقصود خصوصاً في حالة الصلاة إذ هي حالة المناجاة وكذا بنى فرضية الصلاة على التيسير قال تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} ولهذا يسقط عن المقتدي بتحمل الإمام عندنا وبخوف فوات الركعة عند مخالفنا بخلاف سائر الأركان، فيجوز أن يكتفي فيه بالركن الأصلي وهو المعنى، يوضحه أنه نزل أولاً بلغة قريش لأنها أفصح اللغات فلما تعسر تلاوته بتلك اللغة على سائر العرب نزل التخفيف بسؤال الرسول (ص) وأذن بتلاوته بسائر لغات العرب وسقط وجوب رعاية تلك اللغة أصلاً واتسع الأمر حتى جاز لكل فريق منهم أن يقرءوا بلغتهم ولغة غيرهم وإليه أشار النبي (ص) بقوله: "أنزل القرآن بسبعة أحرف كلها كاف شاف" فلما جاز للعربي ترك لغته إلى لغة غيره من العرب حتى جاز للقرشي أن يقرأ بلغة تميم مثلاً مع كمال قدرته على لغة نفسه جاز لغير العربي أيضاً ترك لغة العرب مع قصور قدرته عنها والاكتفاء بالمعنى الذي هو المقصود فصار الحاصل أن سقوط لزوم النظم عنده رخصة كمسح الخف والسلم وسقوط شطر صلاة المسافر حتى لم يبق اللزوم أصلاً فتستوي فيه حال العجز والقدرة وفي قوله خاصة -تنصيص على أن فيما سواه من الأحكام من وجوب الاعتقاد حتى يكفر من أنكر كون النظم منزلاً وحرمة كتاب المصحف بالفارسية وحرمة المداومة على الاعتياد على القراءة بالفارسية وقيل الخلاف في الفارسية لأنها قربت من العربية فى الفصاحة فأما القراءة بغيرها فلا يجوز بالاتفاق وقد صح رجوعه إلى قول العامة رواه ابن أبي مريم عنه ذكره المصنف في شرح المبسوط وهو اختيار القاضي الإمام أبي زيد وعامة المحققين وعليه الفتوى"والصواب طبعاً ما ذهب إليه الكافة ورجع إليه أبو حنيفة من أن القرآن هو المعنى والنظم معاً والحاجة التي أدت بأبي حنيفة إلى أن يقول بعدم ركنية النظم في الصلاة خاصة قد اندفعت عند الجمهور بصورة تهمل فيها ركنية النظم وهو مذهب أولى بالاعتبار وادعى لبطلان ما ذهب إليه الأحناف ابتداء ولنا كما يقول النيسابوري: "أنه أي (ص) والخلفاء من بعده وجميع الصحابة ما قرءوا إلا هذا القرآن العربي فوجب علينا اتباعهم فكيف يجوز عاقل قيام الترجمة بأي لغة كانت وهي كلام البشر مقام كلام خالق القوى والقدر"
مما سبق يتبين أن تعريف كتاب الله بألفاظ البشر يجرنا إلى خلافات كثيرة فالرجل المختلف فيه هنا وهو أبو حنيفة اختلفوا فيما قاله
ومما سبق يتبين أن فى مسألة تغيير الألفاظ روايات تجوز الترجمة بمعنى التفسير وهو استبدال لفظ مكان لفظ كما روى عن عبد الله بن مسعود عن استبدال الأثيم بالفاجر وغيرهم وبناء عليها يجوز الترجمة من لغة إلى لغة كما فى فتوى أبو حنيفة والكلام هنا أنه لا يجوز استبدال لفظ مكان أخر حتى ولو كان له نفس المعنى كما لا يجوز أن يترجمه فرد من لغة إلى أخرى وهو ما طلبه الكفار من النبى(ص) بتبديل بعض ألفاظ القرآن فكان الرد الإلهى ان يقول :
"وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله"قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم"
فمهما بلغ علم الإنسان وحرصه على الترجمة الصحيحة فإن الخطأ سيقع فى الترجمة ومن ثم الوحيد القادر على الترجمة الصحيحة هو الخالق وحده وهى ترجمة حسب عقيدتى موجودة فى الكعبة الحقيقية فالقرآن مفسر فيها بكل اللغات القديمة والحديثة والتى ستحدث حتى لا يضل الناس بسبب ترجمات البشر الآخرين لهم
وناقش الرجل توسعة العلماء على الناس فقال:
"لقد وسع العلماء - وفقاً لقواعد الشريعة العامة - على الذين لم يتعلموا بعد ما يقيمون به الصلاة من القرآن
1- بالصلاة مع إمام يحسن أو يعرف ذلك
2- وإن لم تتيسر الصلاة في جماعة فيمكن له أن يؤديها بأي نوع من الذكر يعرفه
3- على أن يجد في حينه في تعليم القرآن وغيره من الأحكام التي يحتاجها في الصلاة
يقول الإمام ابن جوزي: "ومن لم يحسنها أي (أم القرآن) إن كان أبكم لم يجب عليه شيء، وإن كان يتعلمها وجب عليه تعلمها والصلاة وراء من يحسنها فإن لم يجد فقيل يذكر الله وقيل يسكت ولا يجوز ترجمتها خلافا لأبي حنيفة" وقال الحسن بن محمد: "إن لم يحفظ شيئاً من الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها من القرآن ثم ما ذكر من الأذكار ثم عليه بوقفة بقدرها فإن تعلم قرأ ما لم يفرغ منه"
وعن أبي هريرة قال:- كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله (ص)"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل" الآية يقول ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث قال ابن بطال: "استدل بهذا الحديث من قال تجوز قراءة القرآن بالفارسية وأيد ذلك بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء عليهم السلام كنوح (ص) وغيره ممن ليس عربياً بلسان القرآن وهو عربي مبين ويقول تعالى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ} والإنذار إنما يكون بما يفهمونه من لسانهم فقراءة أهل كل لغة بلسانهم حتى يقع لهم الإنذار به" وقال ابن حجر في أجزاء الصلاة من قرأ فيها بالفارسي: "والذي يظهر التفصيل، فإن كان القارئ قادراً على التلاوة باللسان العربي فلا يجوز له العدول عنه ولا تجزئ صلاته وإن كان عاجزاً وإن كان خارج الصلاة فلا يمتنع عليه القراءة بلسانه لأنه معذور، وبه حاجة إلى حفظها يجب فعلا وتركا، وإن كان داخل الصلاة فقد جعل الشارع له بدلا وهو الذكر وكل كلمة من الذكر لا يعجز عن النطق بها من ليس بعربي فيقولها ويكررها فتجزئ عن الذي يجب عليه قراءته في الصلاة حتى يتعلم، وعلى هذا فمن دخل في الإسلام أو أراد الدخول فيه فقرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يعرب له لتعريف أحكامه أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه"والقياس الذي عقده الأحناف لصحة القراءة بالترجمة في الصلاة على صحة القراءة بالأحرف السبعة هو قياس مع الفارق الكبير كما لا يخفى ذلك لأن العدول عن لغة قريش إلى أي لغة أخرى عربية لا يخرج القرآن عن عربيته ومع ذلك فهذه رخصة بموجب النص استثناء وما شرع رخصة واستثناء لا يصح القياس عليه كما هو مقرر في الأصول هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا أرى وجهاً لإلزام المرء بالصلاة من قبل أن يتعلم من القرآن والأحكام القدر الضروري لأداء الصلاة والصورة الوحيدة التي يمكن إلزامه بها إنما في الجماعة ما تيسر، ولا وجه لإلزامه بالصلاة لأنها كغيرها من الأحكام بنيت على أركان وشروط فما لم تكتمل الأركان وتحقق الشروط لا تتوفر لها أسباب الأداء بالأصالة ويقول تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} ويقول (ص)"لا صلاة لمن لا يقرأ فاتحة الكتاب " فما لم يستطع الإنسان أن يحفظ بفاتحة الكتاب أو أي جزء منها لا تلزمه الصلاة ما لم يفرط وإن فرط أثم على تفريطه
وبما أن الصلاة أصلا هي الصلة بين العبد وربه فللمرء مندوحة في أن يأتي بأسباب هذه الصلة الكثيرة والمتعددة الأوجه كالدعاء والذكر والتفكير دون الصلاة التي شرعت بكيفية وهيئة معلومتين فلا تؤدى إلا وفقا لتلك الهيئة أو وفقا للرخص المعلومة والتيسير الذي ذكره الله بالنسبة للقراءة في الصلاة هو متسق مع مبادئ الشريعة العامة في رفع الحرج عن العباد ولكن لا يمكن أن يستقل ذلك لإلغاء نظمه ركنية النظم العربي للقرآن وعلى المرء أن يحرص كل الحرص ويجند كل طاقاته لتعلم الفاتحة وغيرها من السور والأحكام حتى ينتظم في أداء هذا الركن الركين من الدين الإسلامي ألا وهي الصلاة "
وما سبق من توسعة هو خبل فأى إنسان لا يجيد العربية سيجيد فى يوم قراءة أى سورة صغيرة من خلال تقليد الإمام أو من يعلمه الإسلام أو من خلال القراءة خلف مذياع أو تلفاز أو مسجل ودعوى عدم حفظ شكر او سطرين أو خمسة من القرآن لغير القارىء بالعربية هى دعوى غير صادقة بدليل أن الناس يتعلمون اللغات المختلفة فلو كان تعلم تلك السطور محال فتعلم أى لغة محال
وعاد المؤلف لحيرة فقهاء المذهب الحنيفى فى رواية جواز الصلاة بالفارسية فقال:
"ويؤيد رأي الجمهور أن علماء الحنفية أنفسهم حاروا في توجيه المسألة المنسوبة لإمامهم قال عبد العزيز البخاري: "فإن قيل لما جاز الاكتفاء بالمعنى عنده في الصلاة من غير عذر لابد من أن يكون ذلك قرآناً إذ لا جواز للصلاة بدون قرآن وبالإجماع وحينئذ لا يكون الحد المذكور متناولاً له لعدم إمكان كتابة المعنى المجرد في المصحف ونقله بالتواتر وما تعلق المعنى به في العبارة الفارسية مثلاً ليس بمكتوب في المصحف ولا منقول بالتواتر أيضاً فلا يكون الحد جامعاً أولا يكون المعنى بدون النظم قرآنا فينبغي أن لا تجوز الصلاة قلنا إنما جاز الاكتفاء بالمعنى عنده إما لقيام المعنى المجرد في الصلاة مقام النظم والمعنى أو لقيام العبارة الفارسية الدالة على معنى القرآن مقام النظم المنقول كما قال أبو يوسف ومحمد في حالة العذر فيكون النظم المنقول المكتوب موجوداً تقديرا وحكما فيدخل تحته الحد ويكون الحد جامعاً ويفسر قوله المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلاً متواتراً بالكتابة والنقل حقيقة أو تقديراً أو نقول هو يسلم أن المعنى بدون النظم ليس بقرآن ولكن لا يسلم أن جواز الصلاة متعلق بقراءة القرآن المحدود بل هو متعلق بمعناه ويحمل قوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن} على أن المراد وجوب رعاية المعنى دون النظم لدليل لاح له فلا يرد الإشكال"
فبرجوع أبي حنيفة عما كان يقول به من اعتبار الترجمة قرآنا في الصلاة على الرأي المفتى به في المذهب الحنفي اجتمعت كلمة المسلمين في الجملة على أن القرآن إنما هو النظم العربي والمعنى معا سواء كان ذلك بالنسبة للصلاة أو غيرها من الأحكام الشرعية وقلنا في الجملة لأن فريقا من الأحناف ما يزال يعتقد أن الرأي ما ذهب إليه الإمام أولاً لأن رجوعه عن هذا الرأي لم يصح في تقديرهم وهذا رأي مرجوح في المذهب الحنفي "
وتحدث الكاتب عن الترجمة مبينا الأسباب التى قالها المحرمون لها فقال:
"ترجمة معاني القرآن:
إذا ثبت بالدليل القاطع أن الترجمة لا تعتبر قرآناً لأن أحداً لم يقل بذلك ولأن الرأي المقيد الذي كان يقول به أبو حنيفة قد صح رجوعه عنه بنفسه، مما يدل على فساده من ناحية أخرى فما حكم ترجمة القرآن على وعي تام بأن الترجمة ليست قرآنا
أحكامهم على القرآن من خلالها
وما دام الأمر قد استقر بين المسلمين على أن الترجمة لا تعتبر قرآناً وإنما يقصد بها نقل معاني القرآن بحيث يتسنى للإنسانية الإطلاع عليها والاهتداء بتعاليمها فما علينا إلا أن نعالج المسألة من ناحية موضوعية فنورد ما لها وما عليها في ضوء القواعد الأصولية العامة والمبادئ الشرعية الحاكمة والترجمة المقصودة هنا هي نقل لمعاني وأحكام القرآن إلى لغة أخرى أشبه ما يكون الأمر بالتفسير كل ما هناك أن التفسير يهتم بإبراز الأحكام بأنواعها بينما تسعى الترجمة لإبراز الأحكام والمعاني تبعا لنقل روح وأهداف وإيقاع العبارة القرآنية ما أمكن
بالرغم من هذا فقد انبرى كما قدمنا فريق من المسلمين وقالوا بعدم جواز ترجمة القرآن وساقوا الحجج الآتية لتأييد ما ذهبوا إليه
1- إن ترجمة القرآن تعتبر بدعة خطيرة، أما إنها بدعة فلأن الأولين لم يقدموا على مثل هذا العمل وهم أقدر ما يكون عليه وهي في المقام الثاني خطيرة لما يترتب عليها من مفاسد كهجران اللغة العربية من قبل المسلمين غير العرب بعد اكتفائهم بالترجمة في تعلم القرآن ودراسته وتلاوته
2- إن إحجام الصحابة ومن بعدهم من المسلمين عن ترجمة القرآن أدى إلى انتشار اللغة العربية فتحقق من أجل ذلك ما لا يحصى من الفوائد بالنسبة للإسلام والمسلمين
3- أما عن واجب تبليغ الدعوة للناس كافة فيقول أصحاب هذا الرأي: "الواجب هو تبليغ مجمل الدعوة فلا ينبغي كل ما جاء بالقرآن بل يجب على تلك الأمم أن تشرع في تعلم العربية فور إسلامها حتى تستكمل دينها"
4- ثم قالوا: "إن عدم جواز الترجمة مبني أيضاً على قصور الترجمة عن تحمل المعاني الكثيرة التي أودعها الله القرآن بنظم عربي معجز فلا يستطيع كائن ما أن يحيط بهذه المعاني أولاً وأن ينقلها في المقام الثاني بحيث يحافظ على إعجازها اللفظي والمعنوي " أو كما يقول الأستاذ إبراهيم أنيس: "وفي الحق أنه لا يكاد المرء ينتهي من تصفح هذه الكتب وأمثالها حتى يحس في قرارة نفسه أن الوقوف على دلالات الألفاظ القرآنية أمر عسير المنال دونه صعوبات جمة، فلا يكاد يسلم المترجم لها من الزلل أو القصور في إبراز تلك الدلالات، وتصويرها بالقدر الذي يقارب ما هي عليه في منبتها القرآني من جمال وروعة وإعجاز لأهل اللسن والفصاحة في كل زمان ومكان"
ثم بين الرجل وجهة نظر المبيحين للترجمة فقال:
"ومن ناحية أخرى ذهب الأكثرون إلى القول بجواز بل بضرورة ترجمة القرآن لنقل روح وأهداف القرآن - ما أمكن - لمن لا يحسنون أو لا يعرفون اللغة العربية وحيث أن الأحناف قالوا بصحة تلاوة ترجمة القرآن في الصلاة فهم ومن باب أولى يجوزون ترجمته باعتبارها تفسيرا ونقلا لمعاني وأحكام القرآن كذلك أورد الإمام البخاري في صحيحه ما يدل على صحة ترجمة القرآن قياساً على صحة ترجمة غيره من كتب الله، وقد بنى على ذلك الفهم الإمام ابن حجر - في شرحه لصحيح البخاري - جواز ترجمة القرآن تحت باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها لقوله تعالى: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أورد البخاري الآتي وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان بن حرب: أن هرقل دعا ترجمانه ثم دعا بكتاب النبي (ص) فقرأه فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" وعن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله (ص)"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل " الآية وعن ابن عمر "أتى النبي (ص) برجل وامرأة من اليهود قد زنيا فقال لليهود: ما تصنعون بهما؟ قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما قال: فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فجاءوا وقالوا لرجل ممن يرضون أعور: أقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه قال: ارفع يدك فإذا فيه آية الرجم تلوح فقال: يا محمد إن عليهما الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما، فرأيته يجافى عليهما الحجارة"
في تعليقاته على هذه الأحاديث يقول ابن حجر: والحاصل أن الذي بالعبرية يجوز التعبير عنه بالعربية وبالعكس، وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا؟ الأول قول الأكثر قوله: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وجه الدلالة أن التوراة بالعبرية وقد أمر تعالى أن
تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية فقضية ذلك الإذن بالتعبير عنها بالعربية ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث ابن عباس ووجه الدلالة فيه أن النبي (ص) كتب إلى هرقل باللسان العربي ولسان هرقل رومي ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه والمترجم المذكور هو الترجمان، والثاني حديث أبي هريرة ولقد أوردناه وما علق به ابن حجر من قبل
لقد أشار الإمام البخاري في هذا الباب إشارة كما أفصح ابن حجر في شرحه إفصاحاً على جواز الترجمة أخذاً من فعل الرسول (ص) وارتضائه ترجمة التوراة إلى العربية في حضرته وبإرساله الكتب التي تحمل الآيات القرآنية بلسان عربي إلى ملوك الأرض حينئذ إلى هرقل وكسرى والنجاشي وهم لا يفقهون اللسان العربي وهو يعلم أنها ستترجم لهم إلى لغاتهم المختلفة وذلك إقرار منه (ص) على جواز ترجمة القرآن إلى هذه اللغات وخبر إرساله بهذه الكتب إلى أولئك الملوك معلوم ومشهور
وقد نسب أيضا ابن الخطيب إلى ابن حجر قوله بجواز الترجمة في غير هذا المكان، إذ يقول: "وقد قرر الإمام ابن حجر وهو من كبار أئمة المحدثين وجوب الترجمة حيث يقول: إن الوحي متلو أو غير متلو إنما نزل بلغة العرب ولا يرد على هذا كونه (ص) قد بعث إلى الناس كافة عربا وعجماً وغيرهم، لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم"4
ويقول جار الله محمود الزمخشري تعليقاً على قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أي ليفهموا عنه ما يدعوهم إليه فلا يكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا لا نفهم ما خوطبنا به كما قال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } فإن قلت لم يبعث رسول الله (ص) إلى العرب وحدهم وإنما بعث إلى الناس جميعا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة، فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة، وإن لم تكن لغيرهم حجة، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضاً
قلت: لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو واحد منها ولا حاجة لنزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك، وتكفي التطويل فبقي أن ينزل بلسان واحد، فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول (ص) لأنهم أقرب إليه فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر قامت التراجم ببيانه وتفهيمه، كما نرى الحال ونشاهدها من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحد منها وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها ما كلم أمته التي هو منها، يتلوه عليهم معجزا لكان ذلك أمرا قريبا من الإلجاء وهذا نص واضح وقاطع ليس في جواز الترجمة وحسب بل هو قائل بوجوبها اعتماداً على أن الرسول (ص) مبعوث للناس كافة برسالة القرآن التي ينبغي أن تصل للكل مفهومة حتى تقوم بها الحجة ولا سبيل لذلك إلا بالترجمة وسيأتي بيان ذلك
وختاما يقول الأستاذ محمد صالح سمك: "واستدل الإمام الشاطبي في الموافقات على جواز ترجمة القرآن بالقياس على ما هو حاصل من إجماع الأمة على تفسيره للعامة، ومن ليس له من الفهم ما يقوى به على إدراك كل معانيه الدقيقة وما الترجمة إلا تفسير وإيضاح لغير العرب حتى يفقه القرآن وأحكامه ويتدبر معانيه ومقاصده"
وتلك الأدلة المعتمدة على روايات واهية فترجمة العهد القديم وهو الكتاب المذكور فى الرواية وليس التوراة جائزة عند القوم فالروايات لم تقل التوراة لأن التوراة كانت قد حرف الكثير منها وأخفى الكثير منها كما قص القرآن علينا
ثم ما هو الدليل على أن التوراة أو الإنجيل أو غيرهم من كتب الوحى نزلوا بالعبرية التى لا وجود لها لأن بنى إسرائيل كانوا عربا أى يتكلمون العربية ومن المعروف فى التاريخ أن سكان المنطقة كانوا يتكلمون بالآرامية ومن ثم فلو نزل كتاب فسيكون بها ؟
وحكاية رسائل النبى(ص) للملوك لو صحت فلن تكون ترجمة للقرآن وإنما رسالة عادية وكان على الرسول الذاهب بها أن يشرح للقوم الإسلام لأنه لا يمكن أن يقبل أيا كان دين مكون فى الرسالة من صفحة أو عدة صفحات لأنه لن يقهم الدين إلا من خلال شارح مرسل يغرفهم كل التفاصيل وهو ما طالب الله رسوله 0ص) أن يعلمه لطائفة الفقهاء فى قوله "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
إذا النبى(ص) كان يعلم من كل شعب أى قوم عدد من الدعاة الإسلام حتى يرجعوا لشعوبهم لإبلاغهم الإسلام وبالقطع الرسائل لو أرسلت فلن تكون كما فى الروايات وإنما طبقا للآية فالمرسل لهرقل لابد ان يكون روميا كصهيب والمرسل للفرس لابد ان يكون فارسيا كسلمان
وكما قلت من الجائز أن يكون الرسول(ص) أعطاه الله القرآن بكل لغة فعلمه لكل واحد من قوم وفى العهد الجديد نجد أن كل رسول أرسله المسيح(ص) تكلم بلغة من ذهب إليهم دون تعلم حتى يبلغ الرسالة
وناقش المؤلف الاعتراضات على تلك الأدلة فقال :
"هذه جملة الأدلة التي احتج بها المؤيدون لجواز ووجوب الترجمة وهي الأولى بالاعتبار في نظري لمنحاها الايجابي المتسق مع مقاصد الدين وأهداف الشرع الإسلامي غير أن ذلك لا يعفينا من مناقشة الاعتراضات والحجج الوجيهة التي أثارها أصحاب الرأي الأول
1- قالوا: إن الترجمة بدعة وأمر لم يقدم عليه الأوائل وهذه حجة قد اندفعت بحصول ترجمة القرآن إلى الرومية والفارسية والحبشية على أقل تقدير فى حياة الرسول (ص) وبإقراره وكما لا يخفى على دارس أصول السنة فإن إقراره (ص) كفعله وقوله من حيث الحجية ولما حصلت وقبلت الترجمة من الرسول (ص) من حيث المبدأ فلا يضيرها وإن كانت وقتئذ على مستوى بسيط واقتضت الحاجة إلى أن ترفعها الآن إلى مستوى أكبر وعلى نطاق أوسع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن البدعة المزعومة ليست في عمل كل شيء لم يفعله الرسول (ص) وإلا لكان مجرد جمع القرآن في مصحف وتفسيره في صحائف وجمع السنة وغير ذلك مما قصد به خدمة الشرع الإسلامي بدعة ولا أحسب أن عاقلا يقول بذلك خاصة وأن الرسول (ص) قد أرشد إلى أن: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجرمن عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" فالترجمة إذن من قبيل السنة المأجور فاعلها لا من قبيل البدعة ولا السنة السيئة المذمومفاعلها وعلى أي فإن العمل ينتقل من حكم العادة إلى درجات العبادة بنية ودوافع صاحبه فالترجمة التي قصد بها وجه الله وخدمة الإسلام والمسلمين هي التي من قبيل السنة الحسنة فالترجمة كغيرها من الأفعال تحمد وتذم وفقا لجهد وصدق أو سوء نية صاحبها "
الكلام هنا ألقاه الكاتب دون دليل فلا توجد رواية واحدة على الترجمة المزعومة للقرآن إلى الرومية والفارسية والحبشية ثم قال:
"2- قيل: إن الترجمة تؤدي إلى إحجام المسلمين غير العرب عن دراسة اللغة العربية التي هي لغة القرآن والاهتمام بها، وهذه بدورها حجة لا تستند إلى دليل، فمجرد الترجمة لا يؤدي إلى هذه النتيجة لأن الترجمة كما يقول محمد أكبر: مجرد محاولة لمساعدة الدارس لفهم وإدراك النص القرآني وليست بأي حال بديلا له ومعلوم أيضا أن اللغة العربية تنتشر تبعاً للإسلام وليس العكس فإذا كان ذلك كذلك وإذا كان الغرض من الترجمة هو - نقل معاني القرآن من ناحية وتبليغ دعوة الإسلام لغير العرب من ناحية أخرى فينتظر من هذا الجهد كما هو ملحوظ- إدخاله الناس في دين الله أفراداً وأفواجاً وهم من بعد دخولهم الإسلام سيدفعون بأكثر من دافع وحافز لتعليم العربية لأن الترجمة ليست قرآناً والقرآن هو أساس الإسلام وكل مسلم يحس في نفسه الحاجة الماسة لتعلم العربية حتى يأخذ الإسلام من مصادره الأصلية والمؤثرة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "
هذه الدليل الكلام فيه ليس واضحا فالمسلمون لابد أن تكون لهم لغة تواصل مع لغتهم الأصلية حتى يقدروا مثلا على السفر عبر بلاد المسلمين للحج أو للجهاد فالمجاهدون إن لم يكونوا يتواصلون بلغة واحدة سيكون الجهاد ضائع والهزيمة ستأتى بعدم الفهم وحتى يقدروا على الزواج المختلط اللغات ثم قال:
"3- ثم قالوا: إن الترجمة قاصرة عن تحمل المعاني الكثيرة التي أودعها الله القرآن في نظم معجز بحيث لا يستطيع امرؤ أن يحيط بهذا المعاني ولا أن ينقلها بعد المحافظة على إعجازها اللفظي والمعنوي هذه دعوى صحيحة على فرض أن الترجمة تعتبر قرآنا الشيء الذي قررنا فساده من قبل وقصور الترجمة عن نقل الإعجاز اللفظي والمعنوي كقصور التفسير تماما عن نقله بل إن قصور الأخير أشد ومع ذلك لم يقل أحد ببطلان التفاسير بل هي ضرورة عند الجميع ولقد نوهت من قبل إلى أن معظما آراء المعارضين للترجمة مبنية على فهم خاطئ ألا وهو اعتبار الترجمة قرآناً ولم يستطع كثير من المفكرين المسلمين أن يتجاوزوا هذا الشعور يقول الأستاذ محمد أكبر في مقدمته لترجمة الإمام المودودي للإنجليزية: "ويجب أن ألفت النظر إلى مسألة هامة ذلك أن الاتجاه العام لدى كثير من الناس هو اعتبار الترجمة إلى اللغة الإنجليزية قرآنا وهذا لعمرو الله من الخطأ البين الخطير إذ ليست هناك ترجمة مهما بلغت من الجودة يمكن أن تسمو وتبلغ درجة القرآن العظيم"
إنه ولإزالة هذا اللبس والفهم الخاطئ سمى الإمام المودودي ترجمته للقرآن بالأردية تفهيم القرآن وعند ترجمة ذلك إلى الإنجليزية سميت: (The Meaning of the Quran) أي معاني لقرآن ولنفس السبب سمى الشيخ أبو بكر غومي ترجمته للقرآن إلى لغة الهوسا: معاني للقرآن بلغة هوسا "
عاد الرجل هنا للقول أن الترجمة ليست للقرآن وإنما لمعانى القرآن وهو إقرار لعجز البشر عن الترجمة الصحيحة مئة فى المئة لأى لغة وبين الرجل أن السبب الرئيسى فى العجز هو كون إعجاز القرآن فى نظمه لفظا ومعنى فقال"
"وفي الحقيقة فإن القول بأن إعجاز القرآن إنما هو في لفظه فقط تقليل من شأن القرآن وانتقاص من قدره ذلك أن المعنى والموضوع عاملان مهمان بالنسبة لجمال أي عمل ورغم أن إعجاز القرآن اللفظي مع غيره كان التحدي المباشر للعرب إلا أن معانيه وأحكامه وقصصه وأهدافه وتعاليمه ونبوءاته كل هذه مع غيرها تكون الإعجاز القرآني وإليك هذه المقتطفات التي تبين أن الإعجاز ليس قاصرا على النظم وحده
يقول الإمام السيوطي: "اعلم أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة وهي:إما حسية وإما عقلية، وأكثر معجزات بني إسرائيل حسية، وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية، ولأن هذه الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزات العقلية الباقية ليراها ذووا البصائر كما قال (ص)"ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا" أخرجه البخاري
قيل: إن معناه إن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عمر من الأعمار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون دليلا على صحة دعواه وقيل: المعنى أن المعجزات الواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا" وقال الجاحظ: "بعث الله محمداً أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيباً وأحكم ما كانت لغة وأشد ما كانت عدة فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته ودعاهم بالحجة وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن ويدعوهم صباحاً ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذباً بسورة واحدة أو بآيات يسيرة وكلما ازداد تحدياً لهم بها لعجزهم عنها تكشف عن نقصهم ما كان مستورا وظهر منه ما كان خفياً فحين لم يجدوا حيلة قالوا: أنت تعرف من أخبار الأمم مالا نعرف فلذلك يمكنك مالا يمكننا قال: "فهاتوها مفتريات" فلم يرم ذلك خطيب ولا طمع فيه شاعر فدل ذلك على عجز القوم مع كثرة كلامهم واستحالة لغتهم وسهولة ذلك عليهم، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كان أنقص لقوله وأفسد لأمره وأبلغ في تكذيبه وأسرع في تفريق أصحابه من بذل النفوس والخروج من الأوطان وإنفاق الأموال، وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات ولهم القصيدة العجيب والرجز الفاخر والخطب الطوال البليغة والقصار الموجزة ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم فمحال أكرمك الله أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر والخطأ المكشوف البين مع التقريع بالنقص والتوقيف على العجز وهم أشد الخلق أنفة وأكثرهم مفاخرة والكلام سيد عملهم وقد احتاجوا إليه والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض فكيف بالظاهر الجليل المنفعة وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثاً وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه وقال ابن عطية: "الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاط بكل شيء علماً وأحاط بالكلام كله فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظه تصلح إن تلى الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر بعضهم يعمهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن أحداً من البشر لا يحيط بذلك فبهذا جاء نظم القرآن فما الغاية القصوى من الفصاحة والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ولهذا نرى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولاً ثم ينظر فيها وهلم جرا وكتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحر، وفي معجزة عيسى بالأطباء فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبدع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد انتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد (ص)"
ويقول الخطابي: إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفا وأشد تلاوة وتشاكلاً من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام فإما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير
فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعاني من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته ودعائه إلى طاعته وبيان لطريق عبادته من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها واضعا كل شيء منها موضع الذي لا يرى شيء أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق منه مودعاً أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعائد منهم منبئا عن الكوائن المستقبلية في الأعصار الآتية من الزمان جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا عليه وأدل عن وجوب ما أمر به ونهى عنه ومعلوم أن الإتيان بهذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر يعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله ومناقضته في شكله
ثم قال: وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس وهو صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ذوي الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقال: {نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم}
ومن ذلك ما روي عن ابن عباس قال: "جاء المغيرة بن شعبة إلى النبي (ص) فقرأ له القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوك لئلا تأتي محمداً لتعرض لما قاله قال: علمت قريش أني من أكثرها مالا قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك كاره له قال: فماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي نقول شيئاً من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإن لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: فدعني حتى أفكر فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر بأثره عن غيره"
المقتطفات أعلاه تؤكد أن هناك أكثر من وجه واحد للإعجاز القرآني، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يكون الإعجاز اللفظي مشتركاً في تصوير أي معنى أو جانباً عن معانيه السامية والمقصودة أصلاً بالتصديق والاتباع غير أن الإعجاز اللفظي ليس مقصودا لذاته وإنما أريد به نقل المعنى في أحسن صورة وأبلغها وأنجعها، حتى كان المعنى هو الغاية واللفظ هو الأداة والوسيلة، وكثير من الناس يعتقد أن القرآن أعجز العرب بفصاحته فحسب، ولكنه في الحقيقة أعجزهم بفصاحته وبمعانيه معا، فهم لم ينكروا أن الألفاظ والتعابير هي ألفاظهم وتعابيرهم وإن عجزوا عن نظم مثل نظمها ولكنهم قالوا إن هذه المعاني ليست مما عرفوا، وقالوا هي ليست من صنع البشر فنسبوها للكهنة وللجن، وعلى أي فمراد الله حتى من عجزهم عن بناء اللفظ إنما لينتبهوا ويعوا الحقيقة: إن هذا المعنى القرآني ليس من صنع البشر حتى يؤمنوا به ويعملوا بمقتضاه فيكتب لهم النجاح في الدنيا والنجاة والفلاح في الآخرة
والإعجاز القرآني جملة ومنه اللفظي إنما يتجلى للمسلمين على درجات متفاوتة وإن الذين يقفون على جل أسرار الإعجاز اللفظي فقط قلة حتى بين العرب فإذا غاب الإعجاز اللفظي على نسبة كبيرة من المسلمين العرب فهو على غيرهم من المسلمين أكثر غيابا، فلماذا والحال كذلك تضع العراقيل في وجه تبليغ الدعوة للناس كافة على أمر هو على أهميته وسيلة وليس غاية في حد ذاته، ليس ذلك فحسب بل إن هذه الوسيلة لا تدرك على أكمل وجه وأبلغه بمجرد تعلم اللغة العربية وإنما ببلوغ درجات عظيمة في علومها وفنونها، ومع ذلك فإن مفاتيح إدراك وجوه الإعجاز والمعاني القرآنية لا تكمن في اللغة فحسب وإن كانت اللغة أهم أدواتها، ولكن بشاشة الإيمان وصدقه وإخلاص القلب وصفاءه هي المصابيح التي تنير طريق المؤمن وتكشف خبايا هذا الكنز الميسر للمؤمنين إن شاء الله {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
وبشاشة الإيمان كما لا يخفى لا تدرك بكثير علم في الشرع ولا باللغة ولكن بنور الله الذي يعطاه من أصدق الله ونصره، فما سبق الناس أبو بكر بكثرة الصيام ولا قيام ولكن سبقهم بشيء في قلبه، وبالعبادة يرقى العبد إلى أعلى عليين فيدفعه ذلك إلى التعطش للمعرفة والتقرب إلى الله من خلال الحديث إليه مباشرة والأخذ من مأدبته: ألا إن مأدبة الله القرآن: فيجد المسلم - والحال كذلك - نفسه مدفوعاً إلى تعلم العربية وفنونها وهو الأفضل لأن الحاجة لتعلمها تأتي من خلال الحاجة لاستعمالها وذلك هو المحك الرئيسي للعلم وهذا"
إذا عاد الرجل ليقول بان ترجمة القرآن الصحيحة على يد البشر إلى لغة أخرى محالة وقد ناقشت فى كتب سابقة حكاية أن إعجاز القرآن هى مسالة من عمل البشر فالله لم يقل أن القرآن معجزة نظمية أو غير هذا وإنما هو اعتقاد الفقهاء
وبعد أن ناقش الرجل المسألة ووجدناه مرة يحرم ومرة يبيح عاد للإباحة الكاملة لترجمة القرآن وليس لمعانيه فقال:
"ما فعله ويفعله المسلمون الخلص كل يوم وبلغ به الأعاجم مكانة في اللغة بزوا فيها العرب وما كانوا ليبلغوها لولا هذا الحافز الديني
كان هذا القدر كافياً في الدلالة على أنه ليس ثمة ما يحرم ترجمة معاني القرآن لأي لغة أخرى بغرض تبليغ الدعوة الإسلامية إلى القاصي والداني، وما دامت الترجمة لم تحرم بالنص الشرعي ولم يجمع على تحريمها بناء على ذلك فقد أصبحت من الأمور الجائزة شرعا عملا بقاعدة: (إن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد الحظر)
ولكن الترجمة في نظري تتمتع بما هو أكثر من الجواز الشرعي فبينما انعدمت واندفعت النصوص والأدلة المانعة لها تضافرت الأدلة القوية المجوزة والموجبة لها، ابتداء من عمل وإقرار الرسول (ص) للترجمة وانتهاء بالشروح والتفسيرات والتخريجات المبنية على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وسبل الاجتهاد الأخرى
وفوق هذا وذاك هناك توجيه ثالث ينبغي أن لا يفوت على المسلمين: ذلك أن الرسول (ص) قد ابتعثه الله خاتما للنبيين وأرسله إلى الناس كافة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون أرسله بشيرا ونذيرا ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة فقال تعالى:
1- {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}
2- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}
3- {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}
وأمر الرسول (ص) بأداء هذه الرسالة وتبليغ الأمانة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقال (ص) في نهاية وصيته لأصحابه في حجة الوداع: "ألا هل بلغت" قالوا: بلى قال: "اللهم فاشهد ثلاثا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى ممن سمع" كما ينبغي أن يؤدى الواجب وأمر المسلمين أن يحملوا الراية من بعده إلى يوم الدين إذ لا نبي بعده
وكما يقول الإمام الشاطبي: "وذلك أن العالم وارث النبي (ص) فالبيان في حقه لابد منه من حيث هو عالم والدليل على ذلك أمران: أحدهما: ما ثبت من كون العلماء ورثة الأنبياء وهو معنى صحيح ثابت ويلزم من كونه وارثاً قيامه قيام مورثه في البيان وإذا كان البيان فرضاً على المورث لزم أن يكون فرضا على الوارث أيضاً، ولا فرق في البيان بين ما هو مشكل أومجمل من الأدلة وبين أصول الأدلة في الإتيان بها فأصل التبليغ بيان لحكم الشريعة وبيان المبلغ مثله بعد التبليغ
والثاني: ما جاء من الأدلة على ذلك بالنسبة إلى العلماء فقد قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}
{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} والآيات كثيرة وفي الحديث: "ألا يبلغ الشاهد منكم الغائب" وقال: "لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" وقال: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل" والأحاديث في هذا كثيرة ولا خلاف في وجوب البيان على العلماء والبيان يشمل البيان الابتدائي والبيان للنصوص الواردة والتكاليف المتوجهة فثبت أن العالم يلزمه البيان من حيث هو عالم"
ومعلوم لدى الكافة أن الرسالة الإسلامية لم تصل بل ولم تبلغ صحيحة لكثير من أمم العالم اليوم فما على المسلمين إلا أن يشمروا ساعد الجد وأن يسعوا في تبليغها حية وصحيحة بكل سبيل إلى الناس أجمعين وما الترجمة إلا واحد من هذه الوسائل التي يمكن أن يؤدي بها هذا الواجب الذي حملوه عن الرسول (ص) ومن الله من قبل حيث قال: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} 2
وصحيح ما أعرب عنه الكثيرون من أن الترجمة لا يمكن أن تنقل المعاني القرآنية بكل دلالاتها وإيقاعاتها، بكل سحرها وروعتها المؤثرة في النفوس الملينة للقلوب، إلا أنه ومن خلال التجارب والترقي في فنون الترجمة القرآنية سيصل المسلمون - ما أخلصوا النية - إلى مستوى من الترجمة معقول ومقبول، ولقد نشأت الآن بعض الدراسات ورصدت بعض الملاحظات التي من شأنها أن تهدي إلى إزالة كثير من القصور الذي صاحب التراجم الأولى وعلى كل فما يدرك كله لا يترك كله ويقرر ذلك في بساطة الأستاذ محمد أسد في مقدمة ترجمته للقرآن فيقول: دون سائر الكتب فإن معاني القرآن وتعبيراته اللغوية يكونان كلا لا ينفصل فيه أحدهما عن الآخر، ذلك أن مكان الكلمة من الجملة وموسيقى العبارات والتركيب العضوي للجمل القرآنية والهيئة المثلى التي تتدفق فيها العبارات القرآنية الرمزية إلى دلالات واقعية حية بإيقاعات ونبرات محكمة مؤثرة، كل هذا يجعل من القرآن عملاً فريداً يعجز البشر عن ترجمته وفقاً لهذه الخصائص إلى أي لغة أخرى إلا أنه من الممكن أن تترجم رسالته (معانيه) بلغة معبرة ومفهومة لقوم كالغربيين لا يعرفون العربية البتة وكمعظم المسلمين غير العرب الذين لا تسعفهم حصيلتهم من العربية إلى أن يجدوا سبيلهم إلى القرآن دون مساعدة
إن واجب المسلمين تجاه العالم اليوم لأكبر من أن يؤدى بمجرد ترجمة القرآن وإنما يحتاج لمجهود أكبر من ذلك، فهو عالم حائر يتخبط ذهبت به المادة مذاهب ليس فيه المزيد من القوى لتحملها كما لم يعد في المادة نفسها مزيدا من البريق والجاذبية لتلهيه وتجذبه فضل أيما ضلال فما على المسلمين إلا أن يقدموا له الإسلام حيا يسعى بأعمالهم قبل أقوالهم
ولكي يتسنى للمسلمين أن يضطلعوا بهذا الدور الكبير والخطير لابد من أن يحرروا له فكرهم من معتقلات عصر الجمود الطويل ومن شعاراته التي تقول: ليس في الإمكان أحسن مما كان هذا وأن التحرر الفكري للاجتهاد العصري لن يتم بمجرد الوعي بأهميته وإنما لابد له من فهم واسع وعميق للشريعة واستخدام صحيح للطبيعة على ضوئه، إذا لن يتأتى إسهام فكري وعلمي جديد ذو شأن في هذا العصر إلا كان ناتجه رائدا على ناتج المعدلات الفكرية والعلمية الحاضرة والمتصوِرة وحيث أن المعدلات الراهنة تتنافس في حيز ضيق في القمة، فدربها قد أصبح مسدودا لكل طامح ولا يلوح في الأفق فكر - سوى الإسلام - يمكن أن يأتي بمعدلات جديدة وذلك لما فيه من إمكانية التزاوج بين علوم الشريعة والطبيعة بما يحقق التكامل الفطري الذي يفتقده الإنسان المعاصر، لأن الحضارة المادية سلبته جل مقوماته الروحية، وأي تصحيح لها من داخَله سيقلب كفة الميزان على غير هدى كما نشاهده في حركات الرفض الغربية والتصوف الإسلامية والرهبنة النصرانية، وما يرشح الإسلام للقيام بهذا الدور هو قدرته على الاحتفاظ بكَفتي الميزان في اعتدال، ومن هنا يأتي الإسهام بمعدلاته الجديدة الكاسحة إن شاء الله - فقد يتطلب الأمر من المسلمين فهما للإسلام أكثر إحاطة وعمقاً لكل من علم الوحي المنزل – الشريعة - وعلم الكون المفتوح- الطبيعة- ومن ضمن ما ينبثق عن علم الوحي الاستخدام الصحيح لعلم الطبيعة حتى يتم التزواج بين العلمين في اتساق وانسجام ليعطي كفاية إنتاجية عالية، لأن تفجير طاقات الإنسان بواسطة هذا التزاوج الواعي يفوق كل أسباب الدفع والحوافز الحالية، بل إنها جميعا كسر صغير من أسباب الدفع الديني في الحياة تحت ظل العقيدة الإسلامية "
والرجل هنا يستشهد بكلام محمد أسد ولكن الاستشهاد لا يوافق ما ذهب إليه لأنه محمد أسد يقوا بترجمة معانى القرآن وليس القرآن نفسه فى قوله:
"كل هذا يجعل من القرآن عملاً فريداً يعجز البشر عن ترجمته وفقاً لهذه الخصائص إلى أي لغة أخرى إلا أنه من الممكن أن تترجم رسالته (معانيه) بلغة معبرة ومفهومة لقوم كالغربيين لا يعرفون العربية البتة"