نظرات فى كتاب تصديق القرآن الكريم للكتب السماوية وهيمنته عليها

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ١٨ - أكتوبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

نظرات فى كتاب تصديق القرآن الكريم للكتب السماوية وهيمنته عليها
الكتاب تأليف إبراهيم عبد الحميد سلامة وهو من أهل العصر وقد بين الكاتب غرضه من الكتاب وهو الرد على شبهة أن القرآن يصدق العهدين القديم والجديد وما إلى ذلك وفى هذا قال :
"لقد اشتمل القرآن الكريم على كثير من الآيات التي تفيد أنه تصديق أو مصدق لما تقدمه من كتب الله.ولقد تعلق بهذه الآيات أعداء الإسلام وخصومه من غلاة المستشرقين والمبشرين فراحوا يزعمون أنها تعني سلامة الكتب السابقة من التحريف والنسخ، وأن ذلك يستتبع وجوب العمل بهذه الكتب كالقرآن سواء بسواء، وقد وضعوا في هذا المعنى بعض الكتب والرسائل كرسالة "أبحاث المجتهدين في الخلاف بين النصارى والمسلمين".
ومن هنا يتحتم علينا أن نبين المعنى الصحيح لهذا التصديق حتى يتبين كل منصف أن هؤلاء قد حملوا آيات الله ما لا تحتمل، وزاغوا بها عن معناها الحق، ومرادها الصدق، وأرادوا بذلك تحريف كلام الله عن مواضعه كما فعلوا في كتبهم، ليتعللوا بذلك في عدم إيمانهم بخاتم الرسل (ص)، وبما أنزل الله عليه من كتاب"

وقد بين المؤلف الآيات المتعلقة بموضوع الكتاب فقال:
"من هذه الآيات، قوله تعالى: {ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان..}
وقوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}
وقوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين}
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي وصف فيها القرآن الكريم بأنه مصدق لما بين يديه من كتب الله "

وقد شرح الرجل معنى الآيات الحقيقى فقال:
"فقوله -جل وعلا- {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه} أي مبينا صدق ما تقدمه من الكتب المنزلة على رسل الله (ص)
وبيان القرآن الكريم لصدق ما سبقه من كتب الله، من جهات متعددة:
الأولى: أنه أثبت الوحي، وقرر إمكانه ووقوعه فعلا، حيث أخبر في كثير من آياته أن الله أرسل رسلا كثيرين قبل محمد (ص) وأوحى إليهم، يشهد لذلك قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده …} .
فهذا تصديق لأصل الوحي وللرسالات السابقة، وبذلك يكون القرآن مصدقا لما بين يديه، ويكون محمد (ص) كذلك مصدقا لمن سبقه من رسل الله.
الثانية: أن القرآن الكريم جاء حسب وصفه الموجود في تلك الكتب، حيث اشتمل على وصف خاتم الرسل، وأنه يأتي بكتاب من عند الله، فنزول القرآن على وفق هذه النعوت تصديق لهذه الكتب.
قال الإمام ابن كثير في معنى قوله: {مصدقا لما بين يديه} أي من الكتب المتضمنة ذكره ومدحه، وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله، فكان نزوله كما أخبرت به مما زادها صدقا عند حامليها من ذوي البصائر الذين انقادوا لأمر الله واتبعوا شرائع الله.
الثالثة: أن القرآن الكريم قد وافق هذه الكتب في مقاصد الدين الإلهي وأصوله التي لا تختلف باختلاف الشرائع والرسالات، وفي هذا الصدد نلاحظ اتفاق القرآن مع غيره من كتب الله فيما يلي:
- الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما يتصل بذلك من تنزيه الله تعالى عن النقائص، ووصفه بكل كمال يليق بذاته المقدسة.
- وتتفق الكتب المنزلة كذلك في أصول الشرائع كالصلاة والصيام والزكاة… حيث أخبر القرآن الكريم أن الله تعبد بها من قبلنا فقال في الصوم: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} وقال في الصلاة والزكاة: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة..} .
فأصول الشرائع قدر مشترك بين كتب الله، أما تفاصيلها وهيئاتها، وما يتصل بذلك من تفاريع أخرى، فتختلف فيها الكتب اختلافا يتناسب مع أحوال الناس في كل الأزمنة ويتفق مع مصالحهم.
فأصول العقيدة والشريعة إذا واحدة في جميع الكتب السماوية، لا يختلف في ذلك كتاب لاحق عن كتاب سابق، فلا يعقل أن يعرفنا الله على لسان نوح مثلا أن وجوده حقيقة من الحقائق التي يجب الإيمان بها، ثم يبلغنا على لسان غيره من الرسل أنها ليست كذلك؛ لأن الحقائق الثابتة لا تتغير، ولا يمكن أن يحصل فيها اختلاف، تبعا لاختلاف الزمان أو المكان أو المبلغ، وكذلك ما جاءت به كل كتب الله من بعث الناس بعد موتهم، فتلك حقيقة يقررها كل رسل الله فلا تختلف باختلاف الكتب أو الرسل."

ونقل الكاتب عن أحد الكتب ما يوافق قوله فقال:
"يقول صاحب كتاب (الإسرائيليات في التفسير والحديث) : "تقوم جميع الكتب السماوية على أساس واحد هو الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى، والأخذ بما جاء عنه من تعاليم تقود الإنسانية إلى طريق الخير والرشاد.
فأصول العقيدة والشريعة واحدة في جميع الأديان، كما يصرح بذلك قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..} .
أما تفصيلات الشرائع العملية فتختلف فيها الكتب السماوية اختلافا يتلاءم مع زمان كل منها، ويتفق مع مصالح أتباعها، فما يصلح لزمان قد لا يصلح لآخر، وما يلائم طبيعة قوم قد لا يلائم طبيعة قوم آخرين. مصداق ذلك قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} .
والقرآن باعتباره خاتم الكتب جاء يجدد دعوة الكتب السماوية السابقة إلى أصول العقيدة والشريعة، ويؤكد وحدتها في جوهر الدعوة إلى الله لتحقق الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ثم هو بعد ذلك يخالف كل ما سواه من الكتب المنزلة بما ينفرد به من نظم التشريع وألوان العبادات وكيفيات المعاملات التي تلائم عصره وتتفق وصالح الإنسانية في مرحلتها الأخيرة؛ مرحلة النضج والكمال".
- وتتفق الكتب المنزلة كذلك في الدعوة إلى الفضائل والترغيب فيها، والترهيب من الرذائل والتنفير منها، فكل كتب الله أمرت بالعدل والإحسان، والصدق والصبر والأمانة والوفاء والرحمة، وما إلى ذلك من الفضائل ومكارم الأخلاق التي تسعد بها البشرية في كل زمان ومكان، وكل كتب الله كذلك قد نهت عن الظلم والخيانة والكذب والغدر والقسوة وما إلى ذلك من الرذائل التي تورد البشرية موارد الهلاك، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} .
قال الإمام ابن كثير في قوله: {وقولوا للناس حسنا} أي: كلموهم طيبا، ولينوا لهم جانبا، ويدخل في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر…".
وقوله تعالى أيضا في حق إبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويعقوب: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} ، فالنص القرآني صريح في أن الله أوحى إلى هؤلاء الرسل الكرام فعل الخيرات، وفعل الخيرات يشمل كل الفضائل التي تسعد بها البشرية، وتأخذ بيدها إلى ما فيه عزها وصلاحها.
وقال كذلك في سياق قصة زكريا عليه السلام: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} .
الجهة الرابعة: من جهات تصديق القرآن الكريم لما سبقه من كتب الله، أن الله قد جمع فيه ما توزع في هذه الكتب من فضائل، وصاغها في قوالب جديدة، فأنقذ بذلك أصول من سبقه من كتب الله وحفظه وصدقه، ولولا القرآن الكريم ما بقي لهذا التراث وجود.
فالقرآن الكريم لذلك خلاصة كاملة للرسالات الأولى وللنصائح التي بذلت للإنسانية من فجر وجودها، وهو ملتقى رائع للحكم البالغة التي قرعت آذان الأمم في شتى العصور، واستعراض دقيق للأشفية السماوية التي احتاجت إليها البشرية جيلا بعد جيل.
إن القرآن الكريم -بهذه الاعتبارات- مجمع حقائق الثابتة، ومجلى عناية الله بعباده، وإظهارا لهذا المعنى، يقول الله عز وجل وصفا لبعض عظات القرآن: {إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} .
ويقول بعد سرد لتاريخ الأمم والمرسلين، أحصى هذا السرد عددا كبيرا من تلك الأمم، وهؤلاء الرسل: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين} .
فالمراد بالزبر ها هنا الكتب المنزلة على الرسل المتقدمين.
فالنبي الخاتم مجدد لدين الله، ومقيم لما انهدم من أركانه ومن ثم يقول (ص): "لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو أن موسى حي ما وسعه إلا اتباعي".
وكذلك يطرد الحكم مع سائر الأنبياء، فإن الرسول الخاتم جاء بالأصول التي جاؤوا بها وبانيا على قواعدها، وكتابه أدق تعبير وأصدقه في بيان ما هدى به كل نبي في الأولين أمته"

والخطأ فى الفقرة الأخيرة أن النبى(ص) من بنى الإسلام على قواعد الكتب السابقة ووصف القرآن بأنه كتابه أى كتاب النبى(ص) فالمعروف أن الكتاب كتاب الله والنبى0ص) لم يخترع شىء من عنده فالوحى كل منزل من عند الله كما قال تعالى على لسانه "قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم"
فالنبى(ص) لا يقدر على أن يغير حرف من الوحى وإلا كان مصيره العذاب الأليم وفكرة الشرعة والمنهاج فهمت خطأ فالشريعة المنزلة من الله واحدة كما قال تعالى : "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى"ولذا قال تعالى " إن الدين عند الله الإسلام"وقال "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"
فلو كانت الشريعة مختلفة ما سميت باسم واحد والفروق فى أحكام الوحى المنزل على الرسل(ص) لا تتعدى عشرة أحكام ذكر منها فى سورة يوسف جزاء السارق وتحريم بعض الطعام على بنى إسرائيل فى سورتى المائدة والنساء
والآية تتكلم عن كون الناس الكفار لهم شرائع مختلفة فهى بمثابة قوله تعالى "إن سعيكم لشتى"
الآية تقول :
"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"
دعونا نسير خطوة خطوة والخطوة الأولى أن الكتاب المنزل على النبى الأخير(ص) مصدق للكتاب وليس للكتب "مصدقا لما بين يديه من الكتاب" والمصدق لما بين يديه هو الله أى الوحى وهو القرآن مطابق لما عند الله كما قال تعالى" الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه"
والخطوة الثانية أن المطلوب الحكم بما أنزل الله فلو كان الموجود فى الآية عدة كتب لاحتار النبى(ص) لأن كلها منزلة والخطوة الثالثة أن المخاطبين ليس منهم متبع للكتب المنزلة لقوله "ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق" ومن ثم فكل منهم لكل شرعة أى دين مخالف أى منهاج مختلف عن الأخر وهى الخطوة الرابعة والخطوة الخامسة اختلاف الناس لأمم متعددة "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"
وأمة المسلمين واحدة فى كل العصور كما قال تعالى " "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون "
وبعد ما سبق انتهى الكاتب للنتيجة التالية:
"ومما تقدم يتبين لنا معنى تصديق القرآن الكريم لما تقدمه من كتب الله، ومنه نرى أن هذا التصديق لا يفيد -من قريب أو من بعيد- أعداء الإسلام وخصومه فيما زعموه من بقاء كتبهم سليمة من التحريف والنسخ، وبطلان ما رتبوه على ذلك من وجوب عمل المسلمين بهذه الكتب كعملهم بالقرآن سواء بسواء لأن غاية ما يفيده هذا التصديق أن القرآن قرر إمكان الوحي ووقوعه وجاء حسب وصفه الموجود في تلك الكتب، ووافقها في مقاصد الدين وكلياته إلى آخر المعاني التي قررناها، وليس في ذلك ما يدل على عدم تحريفها، أو عدم نسخها، لا سيما وقد اشتمل القرآن الكريم نفسه على ما يفيد هذا التحريف وذلك النسخ فدعوى ما يخالف ذلك باطلة من أساسها، لأنها معارضة لصريح القرآن الكريم الذي أخبر أن هذه الكتب قد حرفت، وتناولتها أيدي أصحابها بالتفسير والتبديل، مصداقا لقوله في حق اليهود: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه …} ، وفي حق النصارى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به …} .
يقول صاحب (الفارق بين المخلوق والخالق) في الرد على صاحب رسالة (أبحاث مجتهدين) الذي حاول أن يستدل بالآيات القرآنية التي تصفه بأنه مصدق لما بين يديه على سلامة هذه الكتب من التحريف والنسخ يقول: "ثم إني لا أتردد في أن هذا المصنف إما أن يكون جاهلا أو متجاهلا؛ إذ لا يلزم من تصديق القرآن للكتب المنزلة قبله براءة هذه التوراة والأناجيل الأربعة والرسائل الموجودة الآن بأيديهم من التحريف والتبديل والنسخ، ولا يلزم أيضا وجوب اتباعها، فقوله هذا مغالطة على ضعفة العقول، وهو خلاف الظاهر، والحق أن المفهوم من سياق هذه الآيات أن التصديق كان لثبوت صحة نزولها من الله فقط لا لبراءة هذه الكتب، ولو لزم من التصديق وجود مصدق به للزم من تصديق الرسل وجودهم حين التصديق، وهذا فاسد".
وكما جاء القرآن الكريم مصدقا لما سبقه من كتب الله، فقد جاء كذلك مهيمنا عليها، كما صرح بذلك قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه …} "

إلى هنا والكلام صحيح وهو أن القرآن يثبت أن الكتب فى عهده كانت محرفة عند الفرق المختلفة وأما النسخ الحقيقية التى عرفها النبى(ص) فكانت سليمة لأن الله أوحاها له حتى يقدر على تعريف القوم ما حرفوه وما كتموه
وتحدث الكاتب عن الهيمنة فقال:
"فما المقصود بهذه الهيمنة، وما الفرق بين تصديق القرآن الكريم لكتب الله وهيمنته عليها؟ وما الذي يترتب على كون القرآن مصدقا ومهيمنا على ما سبقه من كتب الله؟
ذلك ما سنعرض لبيانه فيما يلي:
هيمنة القرآن على الكتب السماوية:
تبين لنا مما سبق أن القرآن مصدق لما بين يديه من كتب الله، كما كان شأن غيره من هذه الكتب، يصدق اللاحق منها ما سابقه ويؤيده، فالإنجيل مصدق ومؤيد للتوراة، والقرآن الكريم مصدق ومؤيد للتوراة والإنجيل، ولكل ما بين يديه من كتب الله بالمعنى الذي قررناه آنفا، فليس المراد إذا بهذا التصديق الشهادة بحقية كل ما انتهى إليه من هذه الكتب، كما زعم ذلك خصوم الإسلام وأعداؤه، لأن هذه الكتب قد تناولتها الأيدي الآثمة بالتحريف والتبديل، والحذف والإضافة، فزالت الثقة بها، وانقطعت أو كادت تنقطع صلتها بالوحي السماوي، والتبس الحق النازل من عند الله بباطل أهل الكتاب وزيفهم مصداقا لقوله تعالى:
{يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} .
ومن أجل ذلك جاء هذا الكتاب العزيز مهيمنا على تلك الكتب، فيقر منها ما هو حق وينفي ما عداه، وفي ذلك يقول ربنا -جل في علاه-: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه..} .
أي أن القرآن أمين وشهيد ورقيب على تلك الكتب، فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل.
قال صاحب المنار: "وأما قوله: {ومهيمنا عليه} فمعناه أنه رقيب عليها وشهيد بما بينه من حقيقة حالها في أصل إنزالها، وما كان من شأن من خوطبوا بها من نسيان حظ عظيم منها وإضاعته، وتحريف كثير مما بقي منها وتأويله والإعراض عن الحكم والعمل بها، فهو يحكم عليها؛ لأنه جاء بعدها.
ويقول ابن كثير: "…وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله، فالقرآن أمين وحاكم وشاهد على كل كتاب قبله، وجعل الله هذا الكتاب العظيم آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله وزاده من الكمالات كمالا ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها وتكفل بحفظه بنفسه".

علاقة الهيمنة بالتصديق:
لعلنا - في ضوء ما تقدم - نستطيع أن نقرر أن مفهوم الهيمنة أتم وأشمل من مفهوم التصديق، لأن الهيمنة لا تقتصر على مجرد الشهادة لهذه الكتب بصحة إنزال أصولها، وتقرير أصول شرائعها، بل تتعدى ذلك فتبين ما اعتراها من نسخ أو تحريف وما عرض لها من زيف وفساد، فالقرآن بذلك مهيمن على المعاني الصحيحة التي كانت في تلك الكتب وشاهد بكونها من عند الله، وبذلك تتلاقى الهيمنة مع التصديق، ولكنه كذلك يشهد على هذه الكتب بما أصابها من تحريف، وتسرب إليها من باطل، وبه تنفرد الهيمنة عن التصديق، فمفهومها إذا أتم وأشمل من مفهوم التصديق.
ولقد نقل القرطبي في تفسيره: أن بعض العلماء قد فسروا الهيمنة بالتصديق، ونقل الآلوسي مثله، واستدل هؤلاء على ما ذكروه من تفسير الهيمنة بالتصديق، بقول الشاعر:
إن الكتاب مهيمن لنبينا ... والحق يعرفه ذوو الألباب
ثم قال الآلوسي: والعطف حينئذ للتأكيد أي عطف (مهيمنا) على (مصدقا) .
ولكني أرجح ما ذكرته أولا: لأن تفسير الهيمنة بالتصديق وإن كان مسلما لغة إلا أن قصر الهيمنة على مجرد التصديق تحكم محض إذ هي -على ما بينا- ليست تصديقا فقط، ولا شهادة لهذه الكتب فحسب، بل هي تصديق لما بقي من أصلها، وتكذيب لما عداه، وشهادة لها بصحة إنزال أصولها، وعليها بالتحريف والتبديل وبذلك يكون العطف للتأسيس لا للتأكيد.
يقول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- بعد أن فسر الهيمنة بالحراسة الأمينة: "ومن قضية الحراسة الأمينة على تلك الكتب أن لا يكتفي الحارس بتأييد ما خلده التاريخ فيها من حق وخير، بل عليه -فوق ذلك- أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه الحاجة من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها، وهكذا كان من مهمة القرآن أن ينفى عنها الزوائد، وأن يتحدى من يدعي وجودها في تلك الكتب..
{قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} كما كان من مهمته أن يبين ما ينبغي تبيينه مما كتموه منها".

مظاهر هيمنة القرآن على الكتب السماوية:
لهيمنة القرآن على كتب الله المنزلة قبله -فوق ما تقدم من تصديقه لها- مظاهر متعددة منها ما يلي:
- أن القرآن الكريم أخبر بتحريف هذه الكتب وتبديلها، وأنها لم تبق على ما كان مفروضا فيها من الثقة بها وحقية كل ما فيها، بل تناولتها أيدي أهل الكتاب الآثمة بالتحريف والتبديل، وتناولوا ما بقي منها بالتأويل الفاسد، طبقا للأهواء والشهوات، أو متابعة لذوي السلطان، أو محاولة لكسب الجدل على أعدائهم وخصومهم، بل أخبر القرآن كذلك أنهم كتبوا الكتب بأيديهم ونسبوها إلى الله زورا وبهتانا: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} .
- بين القرآن الكريم من المسائل الكبرى التي خالفوا فيها الحق واختلفوا فيها.
ففي جانب العقائد -على سبيل المثال– نفى ما صرحت به الأناجيل من قتل عيسى عليه السلام وصلبه فقال: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} وحكم على النصارى بالكفر لقولهم.بالتثليث وألوهية المسيح فقال: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم} .
أما التوراة فإنها تنسب إلى الله -تعالى- كثيرا من النقائص التي جاء القرآن بدحضها وإبطالها، وتصوره المراجع الإسرائيلية الحالية كالتوراة والتلمود بصورة بشرية محضة، فهو: "يحب ريح الشواء، ويتمشى في ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها، ويصارع عباده ويصارعونه، ويندم على خلق الإنسان، ويمشي على رجليه حتى يصيبه التعب والكلال، فيجلس للراحة في ظل شجرة"، يحدث سفر التكوين: "أن إبراهيم رأى الرب ومعه ملكان فاستضافهم وأطعمهم وسقاهم وغسل أرجلهم ثم رحلوا من عنده".
وتقول التوراة الحالية: "فأكملت السموات والأرض وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله".
إلى غير ذلك من المثل الكثيرة الموجودة في التوراة الحالية، تعالى الله عن كل ما قالوا علوا كبيرا، ولقد تكفل القرآن بدحض هذه الأباطيل حيث وصف الحق -جل وعلا- بكل كمال يليق بذاته ونزهه عن كل نقص.
قال تعالى: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب} فكيف تصفه كتبهم بالتعب والكلال؟ ‍‍‍‍!!.
ولقد أخبر القرآن أنهم نسبوا إلى الله الولد، كما وصفه اليهود المعاصرون للنبي (ص) بالفقر والبخل وغل اليد ثم كر على ذلك بالإبطال والدحض، قال تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} .
وقال: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق} 6.
وقال: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ... }.

- كما بين القرآن كثيرا من المسائل التي أخفوها، أو حاولوا إخفاءها، فمن ذلك أن الدارس لأسفار العهد القديم يرى أنها (قد خلت من ذكر اليوم الآخر ونعيمه وجحيمه -وإذا كانت اليهودية في أصلها تقرر البعث والنشور والحساب والجنة والنار، كما ينبئ بذلك القرآن- فإن ذلك يدل على أن اليوم الآخر وما فيه وما يتصل به من المسائل التي أخفاها أهل الكتاب) .
ومن ذلك أيضا إخفاؤهم ما يتصل بخاتم الرسل من بشائر ونعوت وتحريفهم لها بالحذف أو بالتأويل الفاسد، فجاء القرآن بالحق في ذلك كله: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} .
- ومن مظاهر هيمنة القرآن على ما سبقه من كتب، أنه أنهى العمل بها فلا اعتبار لها بجانبه، لأنه شغل الفراغ كله بتشريعه الجديد وليس لأحد أن يركن إلى ما جاء بها بعد أن تسرب الباطل إليها، ولعبت الأيدي الأثيمة بها.
ولا ينافي ما تقدم من أن القرآن الكريم قد أنهى العمل بما سبقه من كتب الله، أنه أقر كثير من أحكامها ولم يتناوله بنسخ، لأنه أمر بهذه الأحكام وأقرها من جديد، فعملنا بها ليس متابعة لهذه الكتب بل لإقرار القرآن لها وأمره بها (لأن هيمنة القرآن على غيره واستئنافه للتشريع، لا يكون بالتقليد لغيره، بل بالإقرار الجديد وإن كان موافقا أحيانا لما سبقه، وهذا معنى قوله تعالى لرسوله: {فاحكم بينهم بما أنزل الله} ، بمعنى بما أنزل عليك، وقد أنزل عليه كل ما في شريعة الإسلام ونسخ به كل ما سبقه {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} .
وطريق الجمع بين الآيات أن يقال: "إن كل آية دلت على اتحاد الشرائع فهي محمولة على مقاصد الدين وأصول العبادات، وأما الآيات الدالة على اختلافها فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبادات، فجائز أن يتعبد الله عباده في كل وقت بما شاء"وبذلك يزول ما قد يبدو من تعارض بين آيات القرآن الكريم الذي لا يختلف ولا يتعارض ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه {تنزيل من حكيم حميد} ."

الكثير مما قاله الكاتب هو صحيح من حيث إثبات القرآن تحريف القوم الكتب السابقة ولكن الخطأ فيما قاله هو الحديث عن هيمنة القرآن على الكتب السابقة بمعنى أنها هو القاضى عليها أى أنهى العمل بما سبقه من كتب الله وهو معنى باطل فهو لا يمكن أن ينهى أعمال الصلاة والصوم والحج ووحدانية الله وغير هذا
معنى الهيمنة ليس السيطرة والإنهاء على الطرف الأخر وإنما الهيمنة تعنى التشابه فالقرآن مشابه لما سبقه كما قال تعالى " ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك" وقال ""كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك"
فالوحى واحد والرسالة واحدة كما قال تعالى "ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون"وقال ""ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"
ومن ثم فالبحث أصله صحيح وهو أن الكتب السابقة حرفت ولكن غير الصحيح هو معنى هيمنة القرآن على الكتب السابقة بمعنى أنه نسخها أى قضى على ما فيها فالقرآن يصدق كتب الوحى فقط المنزلة على الرسل (ص)

اجمالي القراءات 3008