نقد كتاب رسالة المسترشدين

رضا البطاوى البطاوى في السبت ٢٦ - سبتمبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب رسالة المسترشدين
الكتاب تأليف عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الولي الإخميمي وهو يدور حول اعتقاد نسب لابن تيمية وهو قدم نوع الحوادث من الأفعال والمفاعيل وقد قال فى مقدمته :
" بعد أن صار الناس حثالة كحثالة التمر والشعير وكان من شرط الكتاب المذكور التنبيه على مواضع الزلل وكيفية دخوله على أهله وكان من جملة الزلل اعتقاد ذات قديمة غير الله عز وجل سواء كانت معينة كما يزعمه القائلون بقدم العقول الفعالة ومادة هذه الأفلاك أو غير معينة كمن يجوز أن يكون قبل هذه المفاعيل المعينة مفاعيل غيرها وقبل مادة هذه الأفلاك مادة أخرى وأفلاك غيرها ولما كان الشيخ الإمام العلامة تقي الدين المعروف بابن تيمية قد دخل عليه اعتقاد قدم نوع الحوادث من الأفعال والمفاعيل الذي لا ينفك عن قدم فرد من المفاعيل كما لا تنفك الأربعة عن الزوجية والثلاثة عن الفردية والشمس عن شعاعها اقتضى الحال التنبيه على ذلك وعلى كيفية دخوله على معتقده فنبهت عليه وعلى سببه وعلى ما يلزمه من المحذور وكان ذلك رحمة من الله عز وجل وتصديقا لقوله (ص) " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " ووجه الرحمة في ذلك أن لا يقع فيه الغر الكريم فيدخل في مذهب الدهرية اللئيم ويعسر خلاصه منه "
وقد أخبرنا الإخميمى انقسام أصحاب ابن تيمية فى معتقده هذا إلى فرق فقال :
فلما بلغت هذه الرحمة أصحاب هذا الرجل صاروا طوائف فطائفة فقهت قلوبهم ففهموا وقبلوا الرحمة لبقائهم على فطرهم وفهموا غيرهم وحمدوا الله الرحمن الرحيم وقالوا لم يقم دليل على عصمة ابن تيمية ونحن أيضا نقول كما قال هذا الرجل إن أراد ابن تيمية قدم ذات غير الله تعالى لزمه المحذور المذكور ونحن وجميع المسلمين بريئون ممن يعتقد ذاتا قديمة غير الله وإن أراد غير ذلك فله حكم آخر وهذه الطائفة مثلهم كمثل أرض طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وزعمت طائفة أن الشيخ قبل أن يموت رجع عن هذا الاعتقاد وطائفة لم ترفع بذلك رأسا وهذه ثلاثة أقسام قسم لم يفهموا ولم يستعدوا للفهم وأظهروا العداوة بعد أن كانوا أصدقاء فشبهوا أنفسهم بقوم بهت وقسم أسوء حالا من هؤلاء قالوا لهؤلاء عادوه وانصروا ما أنتم عليه إن كنتم فاعلين وزينوا لهم هذا الشأن فشبهوا أنفسهم بالمردة من أصحاب نمرود بن كنعان والقسم الثالث صعد منبر الجهل وخطب خطبة تدل على عدم العقل وقلة الفضل ظن صاحبها أنها تطفئ نارا في قلبه فإذا هي مشعلة لإشعارها بحمقه وكذبه وكذلك لما فرغ من خطبته أنشأ بعضهم يقول ( قولوا له قولوا له قولوا له قولوا له يا ذا الخطيب العيلم ) ( إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم )"
فالسبب فى كتابة الكتاب إذا دفاع البعض عن معتقد ابن تيمية بجهل أو دفاعه بدون حجة جعل البعض يطلب من الإخميمى الكتابة فى الموضوع لبيان الحق فقال :
" ثم إن بعض من يعز علي التمس مني الجواب فامتنعت من ذلك لأمور منها أني لا أعرف قائلها لأعامله بما يليق به من الآداب فلح علي وأقسم فأجبت بما يليق بمقام هذا الخطيب تحلة القسم وقلت متجنبا للفحش أما هذا الرجل التميمي فجوابه من وجهين أما إجمالا فأن أقول سلاما وأما تفصيلا فقوله ولا يلزم من كونه فاعلا بالاختيار قدم العالم جوابا عن المدعى دليل على أنه لا يعي ما يسمع ولا يفهم ما يقول فإن المدعى ليس أن الفعل بالاختيار يستلزم القدم فإن هذا لا يخطر ببال أحد لا مسلم ولا كافر وإنما المدعى أنه يلزم من قدم المفعول نفي الاختيار والكفر لأن القصد إلى إيجاد الموجود الدائم الوجود محال فمن قال بقدم شيء من العالم لزمه نفي الاختيار لا سيما إذا كان مقصود هذا القائل بلزوم الفعل للرب وبقدم فرد من العالم الرد على الأشعري وعلى من يقول كان الله ولا شيء ثم خلق الشيء كالإمام أحمد وسائر المسلمين أئمتهم وعامتهم فإن هؤلاء إنما قالوا ذلك ليخالفوا به من قال بلزوم الفعل والمفعول له بالأزل فقالوا إذا كان فعله ومفعوله لازمين له في الأزل كانا دائمي الوجود أزلا لوجوب دوام اللازم بدوام وجود الملزوم ويلزم أن لا يكون الفاعل فاعلا في ذلك المفعول فإن القصد إلى إيجاد الموجود محال ويلزم تعطيل الرب عن الفعل وهو محال وكفر فيجب أن الرب كان ولا شيء ثم بدأ فخلق الشيء بمشيئته في الوقت الذي أراد خلقه فيه والذي اقتضت الحكمة خلقه فيه وبهذا يظهر أنه فاعل بالاختيار لا موجب بالذات وذلك الشيء الذي ابتدأ الله الخلق به هو أول الحوادث فالقول بأنه ليس لها أول محال وتلبيس على الجهال وإذا كان هذا هو قصد هؤلاء الأئمة أعني مخالفة من عطل الرب عن الفعل لا مخالفة من أثبت لله الفعل الاختياري واعتقد لازمه وهو وجوب تأخره عن وجود فاعله وعن مشيئته فمن قصد مخالفة هؤلاء الأئمة وقال بلزوم الفعل والمفعول أو بقدم شيء من العالم لزمه موافقة أولئك في التعطيل ونفي الاختيار والكفر وإلا لكان موافقا لهؤلاء الأئمة لا مخالفا وإذا صرح بالاختيار قيل إنما قال ذلك خوفا وتقية فينبغي للعاقل إذا لم يوافق المعطلة في عقيدتهم أن لا يصرح بلفظ يدل على عقيدتهم ولذلك لم يصرح أحد من المسلمين من الصحابة فمن بعدهم إلى أواخر المئة السابعة بقدم شيء من العالم ومن نقل عن أحد منهم أنه صرح بقدم شيء من العالم فقد أعظم الفرية وإنما نقل التصريح بقدم شيء من العالم عن المعطلة إما للموجودات عن الرب أو للرب عن الفعل فلهذا نرجو أن لا يكون ابن تيمية عفا الله عنه أراد هذا المعنى ( ب ) الخبيث"
إذا كل المسألة متمثلة فى التالى :
1-وجود شىء من المخلوقات قديم مع الله وهذا ينفيه قوله تعالى " ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم "
فلم يكن أحد مع الله عند خلق العالم لأن أحدا منهم لم يشهد عملية الخلق وهذا معنى القول كان الله ولا شىء معه
2- لزوم الفعل والمفعول لله بالأزل وهو ما يعنى أن الله كان يفعل أى يخلق قبل أن يخلق الكون لكان هذا تعطيلا له عن الفعل وهو كلام يدل على الجهل بأن الله لا يشبه الخلق وعلى الجهل بقوله تعالى " كل يوم هو فى شأن" فالشأن هو عمل الله سواء كان قولا أو فعلا وبألفاظ تعبر عن البشر ليفهموا عمل الله نقول أنه كان يخطط ويدبر قبل التنفيذ ثم نفذ وبألفاظ تعبر عن الله أنه قضى وقدر ثم خلق كما قال تعالى :
"ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير"
فالله كتب فى الكتاب المبين قبل الخلق كل ما سيحدثه من مخلوقاته وأفعالها وأقوالها وكل شىء يجرى لها وهذا هو فعله قبل الخلق
وناقش الاخميمى ما تناوله الرجل المدافع عن ابن تيمية من عقيدة ابن سينا فقال:
"وقولي في المنقذ من الزلل إن أراد كذا كان كذا كذا لا يدل على أني حكمت عليه بأنه أراده حتى يغتاظ الحمق من أصحابه وأما الفروق التي فرق بها بين مذهب ابن تيمية وبين مذهب ابن سينا فلا يفيده في دفع المحذورعنه شيئا لأن غايته أنه أثبت لابن سينا أمورا لم يكفره أحد بمجموعها فقط بل كل من كفره كفره بمجموعها ولكل واحد منها فمن وافقه في شيء منها لزمه من ذلك الواحد ولهذا نرجو أن لا يكون ابن تيمية قد وافقه في شيء منها أصلا وأن الخطأ وقع في اللفظ فقط خلاف ما يوهمه كلام هذا التيمي المسكين الذي يضر بجهله شيخه ولا ينفعه فإن الفرق إنما يكون بعد الجمع فكأنه سلم أنه وافقه في هذا وخالفه في غيره وأما قوله إنه يلزم من كونه فاعلا بالاختيار قدم النوع وأن ابن تيمية قائل به كما ذهب إليه جمهور الأمة من الأولين والآخرين فكذب صريح على ابن تيمية وعلى الأولين من الأمة والآخرين أما الأولون والآخرون فإنه لم يصرح أحد منهم بقدم نوع أو شخص ومن نقل عن أحد منهم شيئا من ذلك فقد كذب عليهم وأما ابن تيمية فإنه لم يقل بقدم النوع لكون الرب فاعلا بالاختيار بل لأن دوام الفعل عنده أكمل من لا دوامه فانظروا إلى هذا الرجل التيمي الجاهل بمذهب شيخه كيف حمله الهوى على أن يتكلم فيما لا يعنيه"
بين الإخميمى فيما سبق أن عقيدة ابن تيمية التى يتهم بها غير عقيدة ابن سينا والتى تناولها المدافع عن ابن تيمية ظنا منه انه يدافع عن الرجل فنسب له اتهامات جديدة هو برىء منها
التيمى والإخميمى والكثيرون ممن تناولوا مسألة هذه العقيدة لم يذكر أحد منهم النص الذى قاله ابن تيمية فى المسألة وكانت المشكلة التى ألفت فيه عشرات الكتب لا أساس لها
ويطلب الإخميمى من تلامذة التيمى أن ينهوه عن الكلام فى المسألة فيقول:
"فيا أصحاب الشيخ أسألكم بالأخوة أن تزجروه رحمة منكم له لئلا يجري له ما جرى للقرد مع النشار وأما نقل الشيخ تقي الدين فهو من المؤكدات لبعض ما نسب إلى الشيخ وهو مما يدل على أن هذا التيمي لا يفهم ولا يعي وأما قوله أتريد بالنوع كذا أو كذا فسؤال من لم يجتمع بأهل العلم أو اجتمع بهم ولم تكن له قابلية للعلم يظهر ذلك بالتأمل في كلامه وأيضا فالمسئول عن ذلك إنما هو ابن تيمية لا أنا لأنه القائل بقدم نوع الحوادث فيقال له ما تريد بالنوع السؤال على كل حال لا يستحق جوابا ولكن للضرورات أحكام فأقول النوع في اللغة الضرب من الشيء والصنف منه فنوع الحوادث ضرب منها فإن كان هذا معناه عند الشيخ لزمه المحذور قطعا وأما في الاصطلاح فهو ما صدق على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو فإن أراد الشيخ بنوع الحوادث مجردا عن المشخصات فهو قول بوجود الكلي في الخارج لأن القدم فرع الوجود وذلك باطل عند كل عاقل وإن أراد أنه قديم لقدم فرد منه لزمه المحذور وإن أراد بالنوع ما لا يحتمله اللفظ لا لغة ولا اصطلاحا فالحمد لله على سلامته من هذا المحذور وإن كان هذا الجواب عند أهل النظر غير مسموع لكونه عندهم من جنس اللعب وأما قوله إنا نقلنا عن علماء المسلمين أنهم عابوا على المتكلمين القول بامتناع حوادث لا أول لها فكذب وكيف وجميع المسلمين أئمتهم وعامتهم يمنعون حوادث لا أول لها بل لا يعرف ذلك إلا عن بعض الدهرية كما سنشير إلى ذلك في هذا الفصل إن شاء الله تعالى والذي نقلناه عن علماء المسلمين هو أنهم عابوا على المتكلمين الاستدلال بامتناع حوادث لا أول لها على إثبات حدوث العالم لكونها قضية غير جلية لا لكونها باطلة فكم من حق هو خفي ولو كان كل حق جليا لما جهلنا شيئا وكان قصدنا بذلك أن لا يستدل على حدوث العالم بالطرق التي استدلوا بها وكذلك فعلنا ومن قال إنا تمسكنا في إثبات حدوث العالم بشيء من تلك الطرق فقد كذب ويحقق ذلك النظر في المنقذ من الزلل وإنما تعرضنا بعد ذلك لامتناع حوادث لا أول لها للرد على القائل بأن الرب موجب بالذات لا فاعل بالاختيار الجامع بين كونه موجبا بالذات وحدوث العالم والمشككين على قدم للصانع القديم القائلون بأن كل حادث فهو مسبوق بحادث آخر وهؤلاء لما كان مذهبهما مبنيا على جواز حوادث لا أول لها احتجنا إلى أن نقيم الدليل على امتناع حوادث لا أول لها فنحن في هذا المقام مستدلون عليه لا به وإن كان يلزم منه إبطال قولهم "
مما سبق من كلام المؤلف يتضح أن أصل المسألة هو استخدام اصطلاحات الفلاسفة فلو أن القوم تحدثوا بالكلام العادى كلام الوحى ما نشأت مشكلة ولكن اصطلاحات الفلسفة موجب بالذات والنوع هى اصطلاحات غالبا اصطلاحات لفظية تقيم بناء من غير أساس على أساس الألفاظ وليس على أساس الحقائق
لفظ موجب بالذات هو لفظ عسير المعنى وأيضا الفهم لأنه يعنى أن الله مضطر لخلق الكون وعند استعمال لغة الوحى نجد أن الله قضى على نفسه أن يخلق الخلق أى كتب على نفسه خلق الكون ومن يكتب معناه انه كان يقدر على الكتابة وعدمها أى بلفظ الوحى "فعال لما يريد"
وناقش المؤلف حكاية الهلاك فقال :
"وأما خبر الآحاد الذي لم يوافق كتاب الله ولا المعلوم من سنة رسول الله ولا إجماع أمته ولا دليلا عقليا مقدماته ضرورية أو تنتهي إلى ضرورية فإنما توقفنا فيه فيما طلب منا العلم به لنهي ربنا عز وجل عن اتباع الظن وأما قوله إنا صرحنا بفناء الأجسام عموما فإنا إنما صرحنا بهلاكها عموما موافقة لقول ربنا عز وجل " كل شيء هالك إلا وجهه " فمرادنا بالهلاك والعموم هو الهلاك والعموم المذكوران في كلام ربنا على مراد ربنا باستدلالنا على ذلك بالآية المذكورة فقوله في عمومه الجنة والنار وأجساد الأنبياء وأرواح الشهداء والحور العين وعجب الذنب جوابه إن دخولها في كلامنا هو كدخولها في الآية فما كان جوابا عن الآية فهو جوابنا لأن مرادنا مراد ربنا عز وجل فإذ قام دليل على تخصيص الآية فهو مخصص لكلامنا هذا مع أن المعروف عند أهل العلم أن ابن تيمية كان يقول بفناء النار فكيف ساغ لهذا القائل أن يظن أن مقصودنا بذكر الهلاك على العموم هو الرد على من قال ببقاء بعض أفراد العالم على العموم فليس مقصودنا هو التنصيص على ذلك القول الذي ظنه وذلك إنما غاظ هذا الرجل لما بينه وبين الكرامة من المناسبة "
القوم فهموا الهلاك خطأ فالهلاك لا يعنى أبدا الفناء نهائيا فوجه الله هنا هو جزء الله أى جنته وناره ومن فيهم فهم باقون دون أن ينتهوا لأنه القوم لا يصيبهم سوى موتة واحدة كما قال تعالى إن المتقين فى مقام أمين فى جنات وعيون يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم" فإذا لا يوجد موت فى الجنة لأنها موتة واحدة ومن ثم حياة مستمرة للجزاء ومن فيه
زد على هذا قوله "ورزق ربك خير وأبقى" معناه بقاء الرزق الأخروى بلا انتهاء وهناك عشرات الآيات الدالة على عدم فناء الناس والجزاء وهو الجنة والنار
ثم اتهم التيمى الإخميمى بكونه ينفى رؤية الله فى ألاخرة والإخميمى ينكر هذا النفى فيقول:
"أما قوله بأنا ننفي رؤية ربنا في الآخرة فقد كذب قبحه الله يحقق ذلك النظر في المنقذ من الزلل في العلم والعمل بل أثبتنا حقيقة الرواية المعلومة وسكتنا عن الكيفية المجهولة عادة أهل السنة والجماعة ولعل هذا هو السبب الذي لأجله نقم الشخص منا حيث آمنا بالله وبما يليق بجلال الله وبجماله إجمالا وبها علم منه تفصيلا وسكتنا عما ليس لنا به علم ولم نفعل ما يفعله المتبعون للظن وما تهوى الأنفس وأما ذمه الاتحادية والحلولية فحق كما بسطناه مبرهنا في المنقذ من الزلل وكان ينبغي له أن يضم إليهم المشبهة والممثلة كما فعلنا إلا أن نفسه كأنها لم تطاوعه"
والمسألة كمسألة الهلاك خارجة عن نطاق موضوع الكتاب وإجابة الإخميمى تدل على تحير المثبتين للرؤية فى كيفيتها لعدم وجودها أساسا لكونها مبنية على أخبار آحاد ثم تحدث عن ذك علم الكلام وأول ذم الشافعى له فقال:
" وأما ذم الشافعي وغيره علم الكلام فمرادهم بعلم الكلام بإجماع المسلمين هو الكلام النافي عن الله ما علم ثبوته له بكتابه عز وجل أو بسنة نبيه(ص)أو بإجماع أمته أو بدليل عقلي تنتهي مقدماته إلى الضروريات أو المثبت لله ما لم يعلم بواحد من هذه الطرق الأربعة وأما الكلام المثبت لما يجب لله النافي لما يستحيل على الله المتوقف على ما لم يعلم امتثالا لنهيه عز وجل عن اتباع الظن ولقوله(ص)( إن الله سكت ) عن أشياء رحمة بكم ( غير نسيان ) فلا تبحثوا عنها فلم يدع تحريمه المطلق إلا مبتدع يخاف أن تبطل شبهته وأن ترد عليه أهل القرآن الكفر عند تقريرها جاز في تأويلها وجوه تجدها في المنقذ من الزلل في العلم والعمل فلا يقدح فيه بل ذلك من قبيل قول الشاعر
( وإذا أتتك مذمتي من جاهل فهي الشهادة لي بأني كامل )
وقد قال أبو لهب الأحول في ذم القرآن ومدحه هبلا أضعاف أضعاف ما قال هذا الرجل وكانت العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين"
استشهاد الرجل بالرواية عن سكوت الله عن أشياء ينافى قوله تعالى "وكل شىء فصلناه تفصيلا" فلا يوجد شىء سكت الله عنه طبقا لعبارة القرآن السابقة وأيضا التالية " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شسىء" فالله قال لكل شىء فلم يستثن شىء من الأشياء فى أنه بينه وهو ما يعنى أنه لم يسكت عن حكم أى شىء
ونجد الإخميمى يقع فى الذنوب فيتهم الرجل بكونه ابن زنا بلا شهود ويكيل له الذم حقا وباطلا لمجرد أنه أتعبه فى الرد عليه فيقول :
" وأما سفاهة هذا الرجل فاعلم يا أخي أن بعض المتزعمين لهذه القضية المتبعين للهوى اعترف عندي بأنه يعتقد قدم ذات غير الله عز وجل فخطر ببالي أن أرفعه إلى قاضي القضاة الحنبلي أو إلى نائبه ثم إني رأيت المصلحة في ترك ذلك فتركته فإن كان هو هذا السفيه فذلك من أظهر الأدلة على أنه ولد زنا فيا فراش أحرقت نفسك ولا جزيت عن شيخك ولا عني خيرا فقد أتعبتني بجهلك وما نفعت شيخك وأهلكت نفسك فإن السفيه يعطي باللسان ويأخذ بالقفار ومثل المغضب كمثل من تردى له بعير فهو ينزع بذنبه نيته إذا وقفت أيها المنصف على هذه الأجوبة علمت أن هذا الرجل التيمي لم يحصل له إلا الخيبة واسوداد الوجه وإعلام الناس أن هواه أصمه وأعماه وأن جميع كلامه لم يفده شيئا في دفع ما أحرق قلبه بل هو كالذين أرسل عليهم صيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق فجعلوا أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين "
ثم كرر كلاما كان قد سبق قوله عن العقيدة السابقة فقال :
"فبعد ظهور ذلك لا يسع أصحابه إلا أن يرجعوا عن القول بقدم نوع الفعل والمفعول الذي لم يأت به كتاب ولا سنة ولا صحابي ولا تابعي ولا تابع تابعي حتى أواخر المئة السابعة المستلزم لأن الرب موجب بالذات لا فاعل بالاختيار بل اعتقدوا أن الله عز وجل كان ولا شيء معه"
ثم قال كلاما جيدا فى الموضوع نقلا عن الآخرين فقال :
" فليس الأمر منقولا عنهم كذلك أعني القول بقدم نوع الفعل والمفعول كما قال أحمد في الرد على الجهمي قال: إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له أليس كان الله ولا شيء فيقول نعم فقل له حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه إلى آخره فهذا الكلام من الإمام تصريح بأن الله كان ولا شيء معه وهو مذهب الأشعري وهو مدلول قوله عز وجل " خالق كل شيء " فإن خلق الشيء يقتضي سبق عدمه على وجوده فحالة عدمه لا فعل ومن جعل الفعل أو المفعول لازما للفاعل فقد قال بأنه موجب بالذات لا فاعل بالاختيار ولا يفيده مع هذا الاعتقاد التصريح بأنه فاعل بالاختيار لجواز أن يقوله تقية كما يفعل ذلك ابن سينا وأمثاله فإنهم يصرحون بأن الله مريد قادر ويريدون بالإرادة والقدرة معنى غير ما تفهم العرب خوفا وتقية فمن جعل الفعل والمفعول لازما للفاعل لزمه ما لزم هؤلاء من أن الفاعل موجب بالذات لا فاعل بالاختيار فإن ذلك لها بين اللزوم والأمر في ذلك جلي فإن الاختيار يقتضي سبق عدم المفعول على وجوده لأن القصد إلى إيجاد الموجود محال ولزوم الفعل والمفعول للفاعل المختار يفضي إلى القول بدوام وجود المفعول المنافي للقصد والاختيار وعليه إذا فلا تصح لصاحب هذا المذهب مخالفة للأشعري في قوله إن الله عز وجل كان ولا شيء معه ثم خلق الخلق فإن الأشعري إنما قال ذلك لأن الرب عنده فاعل بالاختيار والفاعل بالاختيار يجب بالضرورة أن يكون سابقا بالوجود على مفعوله فمن قصد مخالفة هذا كان الرب عنده موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار كابن سينا وأتباعه وإلا لكان مذهبه و مذهب الأشعري سواء والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "
مما سبق يتضح التالى:
أن من أسباب الخلاف فى المسألة استعمال اصطلاحات الفلسفة
أن الكلام المتهم به ابن تيمية فى قدم شىء مع الله غير موجود

اجمالي القراءات 2667