الاصلاح الديني بالمغرب بين الفاعل الامازيغي و الفاعل الاسلامي ؟

مهدي مالك في الخميس ٢٤ - سبتمبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الاصلاح الديني بالمغرب بين الفاعل الامازيغي و الفاعل الاسلامي ؟

مقدمة متواضعة                           

ان الاصلاح الديني هو وسيلة لتقدم الشعوب و الامم نحو تحقيق معاني الديمقراطية و معاني حقوق الانسان في مختلف دول العالم  لكن في عالمنا الاسلامي يشكل الاصلاح الديني ضرورة قصوى للانتقال من المفهوم السلفي للاسلام الى المفهوم الحداثي لهذا الدين القيم و الانتقال من دولة الخلافة القرشية كما اسميها في اغلب مقالاتي الى الدولة المدنية الاسلامية لان الاسلام كمرجعية عليا ليس ضد الديمقراطية او ضد المدنية او ضد العلمانية حتى  .

ان المفهوم السلفي للاسلام قد اصاب الكثير من المسلمين بامراض لا نهاية لها سواء في الماضي او في الحاضر او في المستقبل لا قدر الله حيث ان اغلب المسلمين المؤمنين بهذا المفهوم السلبي للاسلام لا يستطيعون الفصل النهائي بين الماضي المجيد بالنسبة لهم و الحاضر المليئ بالامال العريضة نحو تحسين الاوضاع العامة و تحسين رصيد حقوق الانسان عموما و حقوق المراة خصوصا باعتبارها الحلقة الاضعف في مجتمعاتنا الاسلامية بحكم موروثنا الفقهي البشري لان الملحدين يركزون على ان الاسلام قد ظلم المراة من خلال الاحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه  و التي تحقر من قيمة المراة من ولادتها الى وفاتها لكن هذا الاحتقار للمراة كان موجود في كل الحضارات و الثقافات بشكل متفاوت قبل الاسلام و بعده .

انني ارى ان هذه الاحاديث هي اولا نتاج لثقافة العرب قبل اسلامهم حيث نعرف جيدا من تولى امور المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدون اي حكم استدادي قد حول الاسلام من دين انساني الى سياسة الاغتصاب لاراضي الغير و نسائهم فاصبح الفقه الاسلامي يحلل النظر الى ملك اليمين و وطئهن دون عقد الزواج و هذا شيء معروف في قصور الخلافة الاسلامية الخ من هذه الوثائق السرية كما يسميها الباحث المصري السيد القمني اي ان المفهوم السلبي للاسلام قد حطم الاجتهاد داخل منظومتنا الاسلامية و جعلنا نرجع دائما الى تفاسير القدامى للقران الكريم الخ.

اذن فان الاصلاح الديني في اوطاننا الاسلامية هو فرض عين على الانظمة الحاكمة و على التيارات المسماة بالاسلام السياسي باعتبارها تدافع عن الاسلام كما تدعي حسب اعتقادي الشخصي لان هذه التيارات قد دافعت عن الاسلام فعلا لكن وفق اجتهادات الفقهاء منذ 1200 سنة الماضية اي دافعت عن اعدام الاسلام في قرننا الحالي بكل الموضوعية و الواقعية حيث يستحيل الرجوع الكلي الى دولة الخلافة بانظمتها الاستبدادية و الطامسة لرحمة الاسلام الذي حرم قتل النساء و الاطفال الخ في وقت الحروب .

اننا نواجه التطرف ببعده الوهابي الذي وجد اسباب موضوعية للانتشار في مجتمعاتنا الاسلامية من قبيل الفساد الاخلاقي و البعد عن التدين الاصيل لهذه المجتمعات حيث استغل هذا الوافد الجديد وجود هذه العوامل لترسيخ اقدامه و نفوذه الايديولوجي و السياسي في عموم دول شمال افريقيا و في دول الشرق الاوسط منذ منتصف السبعينات تحت ذرائع معروفة من قبيل الرجوع الى الاسلام عبر تطبيق الشريعة و الحدود ضمن اطار دولة الخلافة القرشية او ضمن اطار دولة مثل السعودية كنموذج كان يحلم به الاسلاميين في العقود الماضية.

الى صلب الموضوع                        

ان الاصلاح الديني بالمغرب لم يطرح للنقاش العمومي بشكل جدي و حقيقي اللهم بعض الاراء لرموز التنوير الاسلامي بالمغرب كالاستاذ احمد عصيد المحسوب على حركتنا الامازيغية و الاستاذ عبد الوهاب رفيقي و الاستاذ رشيد ايلال الخ من هؤلاء الرموز الذين ادركوا ان الاصلاح الديني هو قادم بعد 20 او 50 سنة لان المغرب هو بلد امازيغي اسلامي اي ان اغلبية سكانه هم مسلمون منذ 14 قرنا الماضية .

ان الفاعل الامازيغي منذ سنة 1967 يفكر بصوت خفي بالاصلاح الديني باعتباره ينتمي الى الثقافة الامازيغية و الحاملة لقيم العادلة و المساواة بين الرجال و النساء و الحاملة كذلك لقوانين وضعية لا تتعارض مع المقاصد الكبرى للدين الاسلامي اي ان اجدادنا الامازيغيين اجتهدوا كثيرا في الملائمة بين الهوية الامازيغية و الاسلام بمعنى ان الفاعل الامازيغي لم ينطلق من اوربا لمطالبة بتطبيق العلمانية او الغاء عقوبة الاعدام على الاطلاق بل انطلق من تاريخنا الاجتماعي المهمش في المقررات الدراسية او في مادة التربية الاسلامية منذ الاستقلال الشكلي الى الان .

ان الفاعل الاسلامي في المغرب منذ سبعينات القرن الماضي كان يخفي نزوعه نحو تكفير النظام المغربي الذي لا يطبق الشريعة الاسلامية و الحدود كما هو الحال بالنسبة للسعودية اي ان الفاعل الاسلامي منذ ذلك الوقت هو يساير الزمان حيث اصبح  يقبل الديمقراطية كطريق الوصول الى السلطة الحكومية فقط و ليس كقيم كونية توجد في كل الديانات و الثقافات لكن الخطاب الاسلامي المتطرف لا يعترف اصلا بالديمقراطية باعتبارها  كفر صريح بالله ثم بالدين الاسلامي .

يمكن القول ان الفاعل الاسلامي قد استغل المفهوم  الوهابي و الموجود في حقلنا الديني الرسمي منذ سنة 1979 ليفرض افكاره و تصوراته باسم المشترك الديني لاغلبية المغاربة حيث ان هذه الافكار هي دخيلة من السعودية او من قطر بمعنى انها ليست اصيلة في مجتمعنا المغربي المسلم و لهذا يصرخ الفاعل الامازيغي بصوته العالي مطالبا بالاجتهاد في الدين و الانطلاق من تاريخنا الاجتماعي الغني بالقيم الانسانية التي لا تتعارض مع المقاصد العليا للاسلام .

لقد قلت في مقال سابق  لقد كانت بدايات الحركة الثقافية الامازيغية في اواخر الستينات بشعار الدفاع عن الثقافة الشعبية عبر جمع التراث الشفوي الامازيغي و التراث الديني الامازيغي و المكتوب بالحرف العربي كرد فعل طبيعي تجاه ما قالته الحركة الوطنية وقتها ازاء الامازيغيين و اسلامهم السطحي كما يسمونه اي ان الحركة الوطنية قد قمعت الامازيغيين دينيا قبل دخول الوهابية الرسمي الى بلادنا سنة 1979 من خلال ايهام المغاربة انذاك ان الامازيغية بشموليتها هي مشروع تنصيري يعادي الاسلام عبر ترديد دعا اللطيف المعروف في كل مناسبة تطبيقا لمبادئ ايديولوجية الظهير البربري  .

في مارس 1999 تم الاعلان الرسمي عن ترجمة معاني القران الكريم الى اللغة الامازيغية من طرف استاذنا الجليل الحسين جهادي فقامت الدنيا على هذه الخبر لان وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية الى حدود الان لا تعترف بان الامازيغية هي ثقافة اسلامية مغربية بل تحاول اقبارها الى حدود يومنا هذا .

ثم قلت ان من بين ارائي الخاصة هي الاتجاه الامازيغي الاسلامي كاجتهاد شخصي خالص يهدف الى الجمع بين الامازيغية و الاسلام على مستوى السلطة بالمغرب عبر دخول الامازيغية و قيمها الانسانية الى الحقل الديني الرسمي كما هو الحال بالنسبة لايران و تركيا الخ من هذه الدول الاسلامية الغير عربية او وهابية ان صح التعبير .

ان اتجاهي الامازيغي الاسلامي ليس ضد احد داخل الحركة الامازيغية او بديل جديد لها لان الحركة الامازيغية ليست ضد الاسلام بصفة نهائية وفق ادبياتها الرسمية منذ سنة 1991 الى الان و بل اكثر من هذا ان الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي قد استلهم انظمته السياسية من الدولة الموحدية حسب تصريح الاستاذ احمد الخنبوبي في تكريم الاستاذ الدغرني بتزنيت في شتنبر 2018 و دعا هذا الحزب الذي ظلمه الجميع الى استرجاع اسلامنا الامازيغي و اكد عليه الاستاذ بوشطارت في الحوار الصحفي الذي اجريته معه في رمضان الماضي بموقع اهل القران الخ بمعنى ان اتجاهي ليس الا رد فعل طبيعي نحو فقهاء الاسلام السياسي الذين بداوا حربهم المقدسة ازاء الامازيغية كثقافة و كتقاليد و كفنون حيث ان هؤلاء هم ثمرة لتدبير الحقل الديني الرسمي منذ اكثر من 60 سنة .

و خلاصة القول ان الاصلاح الديني ببلادنا هو امر ضروري حدوثه طال الزمن او قصر لان هذا الاصلاح سينفع اولادنا و سينفع مجتمعنا الغارق في الازدواجية الخطيرة بين التشريق و التغريب دون اي تاصيل في ذاتنا الامازيغية الاسلامية كما اسميها .

تحرير المهدي مالك

اجمالي القراءات 2659