نظرات فى كتاب الوطن والمواطنة

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ١٣ - سبتمبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

نظرات فى كتاب الوطن والمواطنة

مؤلف الكتاب هو حسن الصفار من أهل عصرنا وموضوع الكتاب هو خرافة اخترعها الكفار اسمها المواطن والمواطنة  وهو أمر ليس جديد بل كانت ديدن الحكام الكفرة الظلمة لاخضاع الناس لحكمهم حيث أصبحت كلمة الوطن لا تعنى سوى الحاكم وأما كونها تعنى البلد أى أهل البلد فهذا ضرب من المحال فى عرف الحكام فمعنى أن تضحى من أجل وطنك فى الحرب أن تضحى من اجل بقاء الرئيس أو الملك على كرسيه ومعنى أن تضحى بمالك معناه أن تعطيه للحكام أو هم يأخذونه دون إرادتك  من راتبك أو معاشك بينما هم لا يدفعون هم ومن معهم أى الحاشية شيئا مثلك  ومعنى أن نشد كلنا الحزام هو أن يشد الجوعى الحزام على بطونهم الجائعة أكثر حتى يأكل الحاكم ومن معه  ومعنى أن ندفع الخراج والجزية والضرائب هو أن ندفعها للحكام كى يوزعوها على أنفسهم وليس على المواطنين

هذا هو معنى نحن فدى المليك  بالروح بالدم نفديك يا الله الملك الوطن  تحيا 

وأما الوطن للجميع والمواطنون سواء فى الحقوق والواجبات وهى ما يسمى المبادىء الحاكمة للدساتير فيهدمها مباشرة فى الدساتير انتخاب رئيس او وجود ملك سلطاته كذا وكذا ومجالس نواب أو شيوخ مهمها وسلطاتها كذا وكذا وجهاز مهمته كذا فكلها هدم للمبادىء الحاكمة فهى تكرس حكم النخبة حكم المجرمين  أى لا تجعل المواطنين سواء قهى تخص طائفة قليلة جدا من الناس بحقوق ليست لهم فى الرواتب والحوافز وفرض الضرائب على من يريدون

حسب الوطن والمواطنون نحن أولاد الأراذل لا نستحق سوى حياة العبيد وأما أولاد الأكابر وهم المجرمون حقا وصدقا فهم يستحقون حياة السادة ينتهكون أعراضنا يأخذون أموالنا  يفتلوننا يسجوننا باعتبارنا الإرهابيين أو المعتدين عند المطالبة بالحقوق

 الصفار هنا كعادة فقهاء السلطة إما رغبة أو رهبة يكتب الكتاب ليكرس المصيبة وفى المقدمة قال :

"مقدمة:
أودع الله تعالى في هذا الإنسان غرائز وميول ورغبات، وبهذه الغرائز والميول يشق الإنسان طريقه في هذه الحياة، وهذه الغرائز إنما تحتاج إلى توجيه وتقنين، ولذا فوجودها ضروري للإنسان مثلاً غريزة حب الذات هذه الغريزة وجودها ضروري لحياة الإنسان لأنه بهذه الغريزة يحمي الإنسان نفسه، وبها يدافع عن وجوده، كما يطور من خلالها ذاته ويرتقي بها نحو التقدموالنجاح، إذاً لا بد من غريزة حب الذات أن تكون حاضرة في حياة الإنسان، لكنها تحتاج إلى توجيه وإرشاد وتقنين لكي لا يتجاوز الإنسان بها الحدود مثال آخر الغريزة الجنسية، والتي بها يكون استمرار التناسل البشري، وبقاء النوع الإنساني، فهذه أيضاً غريزة أخرى لا بد من وجودها في حياة الإنسان، لكنها تحتاج إلى توجيه وإرشاد وتقنين لكي تكون في مسارها الصحيح والطبيعي وهكذا سائر الغرائز والميول ومن الغرائز المودعة في نفس الإنسان حب الإنسان لوطنه وبلاده، وهي موجودة في نفس كل إنسان، انه يحب بلده، يحب وطنه، يحب الأرض التي ولد فيها ونشأ عليها وتربى وترعرع في ربوعها، هذه الغريزة الطبيعية في حب البشر لأوطانهم، لاحظها العلماء أيضاً بالنسبة لكثير من أنواع الحيوانات، وهي من ضروريات هذا الوجود الإنساني على هذه الأرض يقول الإمام علي (عمّرت البلدان بحب الأوطان) فلولا هذه الغريزة ووجودها في نفس الإنسان لما عمرت وازدهرت البلدان ولما ارتقى هذا الإنسان إلى كمالاته الحضارية التي شهدتها هذه الأرض والتي لا تزال تشهدها، وسيبقى إعمار الإنسان لهذه الأرض تبعاً لوجود هذه الغريزة في نفس الإنسان وحياته، والتي بسببها نرى هذا الميل والانشداد الواضح والقوي لبلد هذا الإنسان ووطنه"

أول الأخطاء هنا هو وجود غرائز فى النفس منها حب الوطن فالإنسان يولد بلا أى شىء فى نفسه فنفسه كما نسب لعلى بن أبى طالب صفحة بيضاء أى يولد بلا أى علم وفى هذا قال تعالى "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"

فالغريزة التى يسميها  الجنسية لا وجود لها حتى أكثر من عشر سنوات فلو كانت موجودة فى النفس كغريزة لظهرت من أول يوم ولكنها تتأخر سنوات حتى يبلغ الإنسان أى تظهر علامات الرجولة أو الأنوثة كما قال تعالى "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح"

 وأما نسبة القول لعلى عمّرت البلدان بحب الأوطان فيخالفه أن تعمر بحب متاع الدنيا من قبل  الناس ومنه حب الشهرة أو لمنع الموت وهو الخلود كما فعلت عاد   "أتبنون بكل آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون"

العمار الاقتصادى فى صوره المختلفة يكون فيما عدا حالة المسلمين يكون سببه دنيوى فأوتاد فرعون بنيت باضطهاد بنى إسرائيل الذين استعبدهم ليبنوا له ما يريد ومن ثم فالعمار الكفرى قال الله تعالى فيه" "أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"

هل كان المظلومون الجائعون يبنون تلك البلاد عن طريق الحب قارنوا بناء ما يسمى العاصمة الإدارية فى بلد كمصر هل هو ناتج من الحب أم من الإكراه موظفون يمثلون سبعين فى المئة من جملة موظفى الشعب يقبضون رواتبهم على أساسى2014 بينما نحن فى 2020 م تخصم نصف حوافزهم ومكافأتهم وغيرها منذ ذلك التاريخ وهم لا يقدرون على الحياة إلا بالديون وظلم بعضهم البعض بالدروس الخصوصية والكشوف الخصوصية ورفع أسعار العمالة والمنتجات فى دورة لا تنتهى من المعاناة حتى الآن  غير الموظفين خفض الدعم لهم والعديد منهم منعت معاشاته بحجج مختلفة مواطنون يبنون وتهدم بيوتهم حاليا المساجد التى كان على الدولة أن تبنيها وبناها المواطنون تهدم الآن بحجة أنها مخالفة للبناء  ؟ لماذا لم تبنوها أنتم أم أنت لا ترحمون ولا تتركون رحمة الله تنزل ؟

 تحدث الصفار عن ماهية الوطن والمواطنة فقال:

 "ما هو الوطن ؟ ما هي المواطنة ؟

جاء في تعريف مسمى (وطن) في لسان العرب لأبن منظور القول بأن وطن: الوطن: المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله، والجمع أوطان وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها، وطن بالمكان وأوطن أقام، وأوطنه اتخذه وطناً يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها، وأوطنت الأرض ووطنتها توطيناً وأستوطنها أي اتخذتها وطناً أما في الاصطلاح السياسي المعاصر فيقصد بالوطن " الجهة التي يقيم فيها الشخص دائماً أو التي له بها مصلحة أو فيها مقر عائلته  والمواطنة - المواطنية: هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماءه إلى وطنه في القرآن الكريم لم يستعمل لفظ (وطن)، ولكن قد يستعمل لفظ (بلد)وهناك سورة في القرآن باسم سورة (البلد) وهي السورة رقم (90) في المصحف الشريف، يقول تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ  وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ } ومنها ] بلدة وبلاد [ كقوله تعالى: { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } وقوله تعالى: { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ } كما استعملت لفظة (ديار) يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا }ومن الحديث الشريف يمكننا الاستشهاد بالحديث المتداول والمشهور وهو: "حب الوطن من الإيمان"فمن المظاهر الإيمانية للإنسان أن يحب وطنه – وبلده"

كل ما استشهد به الصفار من الوحى ليس فيه أى كلمة عن حب الوطن ولا عن المواطنين وأما الرواية التى تنسب للنبى(ص) فلم يقلها أبدا لأن حسب القرآن الرجل ترك وطنه ولم يعد إليه حتى بعد أن عاد إليه فاتحا فلو كان الحب معناه العودة لمكان المولد والعيش فيه لعاد وبقى فيها فلو كان الحب واجبا لعاد إليها  فحب مكة واجب على كل مسلم لوجود البيت الحرام ولكن ليس واجبا أن يعيش فيها  ومن ثم لا ارتباط بين حب مكة والعيش فيها ومن ثم لا رابط بين مكان المولد وبين الحياة فيه  وإنما الرابط الذى يحكم المسلمين فهو حبل الله كما قال تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"

ثم تكلم الصفار عن حب الوطن مستشهدا لخب الناس لأوطانهم وليس بكلام الله الذى هو كلمة الفصل فيما بيننا فقال:

 "حب الوطن:

حينما نطالع التاريخ الإنساني للشعوب والمجتمعات، نجد في صميم ثقافتها وآدابها مساحة واسعة عبرت من خلالها تلك الشعوب والمجتمعات عن حبها وعشقها لبلدانها وأوطانها، وعن تعلقهم بتراب الأرض الذي نشأوا منه وتربوا فيه وكانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه وتطرحه في الماء إذا شربته وكذلك كانت فلاسفة اليونان تفعل ذلك وقال الشاعر في هذا المعنى :
بعفة زاد في بطون المزْاود
نسير على علم بكنه مسيرنا
من الترب نسقاها لحب الموالد
ولا بد في اسفارنا من قبيصة
كما أن حب الإنسان لبلده ليس له علاقة بتلك الميزات الخاصة لكل بلد من البلدان، فلربما تكون ميزات بعض البلدان من المنظور الاقتصادي أو الموقع الجغرافي أو حتى الجمالي الطبيعي أو غير ذلك أكثر من بعض، وربما يكون لهذا البلد أو ذاك أقل الحظ من هذه الميزات، ولكن البلد كبلد يحبه مواطنوه ويتعلقون به وينشدون إليه وكما يقول الشاعر:
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

وكنا الفناها ولم تك مألفاً
هواء ولا ماء ولكنها وطن
كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها
فحتى لو كان مناخ هذا الوطن وتضاريسه ليس بأحسن من غيره من البلدان بل حتى لو كان أسوأ من غيره لهذه أو تلك من الأسباب، حتى لو كان كذلك، لكفى أن يعشقها الإنسان لمجرد أنها مسقط رأسه، ولأن جذوره ضاربة في أعماقها، فهو في حالة انشداد دائم نحوها، وهو يميل إليها كل الميل دون سواها قال الشاعر :
إلى وسلمى أن يصوب سحابها
احب بلاد الله ما بين منعج
وأول أرض مس جلدي ترابها
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وقال ابن عباس: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى أحد الرزق ومن الكلام القديم: لولا الوطن وحبه لخرب بلد السوء
والوطن يرتبط في وجدان الإنسان بذكريات طفولته ومرحلة صباه وفترة شبابه وهي ذكريات عزيزة غالية، يقول ابن الرومي :
مآرب قضاها الشباب هنالكا
وحبب أوطان الرجال اليهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم"
الاستشهاد بكلام الشعراء وحب الكفار أماكن ولادتهم لا قيمة له فنحن كمسلمين ليس لنا شىء نستشهد إلا وحى الله ومن ثم فمن يدافعون عن الوطن والمواطن يعرفون أنها يدافعون عن خرافة عن أكذوبة ليست فى صالح الناس لأن الله لم يأمر بها

ثم تحدث الصفار عن أن سبب الجهاد كات الطرد من الظن فقال :

"الإخراج من الوطن وتشريع الجهاد:

أن يعيش الإنسان في ربوع وطنه، وأن يتمتع بالحياة في بلده ومسقط رأسه فذلك حق طبيعي، لا يحق لجهة أن تصادره ويندد الله تعالى بالمتسلطين الكافرين الذين يُلجئون المؤمنين المواطنين إلى ترك أوطانهم لا لشيء إلا لتميزهم العقيدي والديني فاختلاف العقيدة والدين لا يبرر الحرمان من الوطن ومصادرة حق الإنسان في العيش في وطنه فقوم نبي الله لوط (ص) توعدوه والمؤمنين به بأن يخرجوهم من بلادهم نكاية بهم لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله وخالفوا السلوك المنحرف الشاذ لقومهم: { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } ونبي الله شعيب (ص) كذلك شهر أمامه المتسلطون سلاح الإبعاد عن الوطن لإخضاعه لآرائهم الفاسدة بالإكراه { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }ويبدو أن هذا هو منهج جميع المتسلطين الكافرين تجاه الأنبياء والمؤمنين يقول تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } وهنا يشرع الإسلام الجهاد والقتال للإنسان دفاعاً عن هذا الحق الطبيعي: حق العيش في الوطن، ويدعو إلى إعلان الحرب على المتسلطين الذين يحرمون المواطنين الأبرياء من نعمة الحياة في بلادهم وديارهم يقول تعالى: { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا } ويقول تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } وهذه الآيات الكريمة من سورة الحج تعتبر أول تشريع للجهاد في الإسلام"

بالقطع لم يقل الله أن سبب الجهاد هو الإخراج فقط وإنما قال " بأنهم ظلموا "فشمل الظلم هنا أى فعل جرمه الله كالتعذيب وانتهاك الأعراض والإخراج من البيوت وقتل الناس وحرقهم ... ولذا فسر الله الآية بأنه العدوان بكافة أشكاله فقال " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه لمثل ما اعتدى عليكم"

وبين الصفار أن العلاقة بين الدين وحب الوطن وثيقة فقال :

"الدين وحب الوطن:

هناك علاقة وثيقة بين التدين وحب الوطن، لأن الدين الحقيقي ينعكس أثره على علاقات الإنسان مع الأشياء من حوله، فتصبح تلك العلاقات قويمة واضحة، لذلك يكون حب الوطن جزءاً من الإيمان ومظهراً من مظاهره وفقاً للحديث الشريف ((حب الوطن من الإيمان))

ولماذا لا يحب الإنسان وطنه ولا ينشد إليه ؟ وقد ابتنى جسمه من غذائه وارتوى من مائه، واستنشق عبير هوائه ؟ إن في ذلك دلالة على حالة من اللؤم وعدم الإنصاف بينما يكون التعلق بالوطن والمحبة له أثر لتجذر الكرامة في نفس الإنسان يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ((من كرم المرء حنينه إلى أوطانه)) وهذا رسول الله (ص) حينما اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه مكة المكرمة والهجرة إلى المدينة المنورة، عبر عن مشاعره الجيّاشه تجاه موطنه، وأبرز مدى تعلقه به، وألمه لفراقه كما عن ابن عباس أن رسول الله (ص) عند خروجه من مكة وقف على الحَزوَرَة (سوق بمكة) فقال:((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك))
وذكر ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري في كتابه تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام في باب بعنوان (الشوق والحنين إلى الأوطان والوله إلى الأهل): أنه قدم أبان بن سعيد على رسول الله (ص) فقال: يا أبان كيف تركت أهل مكة ؟
- فقال تركتهم وقد جيدوا، تركت الإذخر وقد اعذق، تركت الثمام وقد خالص، فاغرورقت عينا رسول الله (ص) وكان يقال: ((ميلك إلى مولدك من كرم محتدك)) وحينما يتحدث الإمام زين العابدين علي بن الحسين عن جهاد جده المصطفى (ص) وجهوده يشير إلى فراق الوطن والغربة عنه كمفردةٍ بارزةٍ في معاناة الرسول الكريم (ص) يقول في الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجادية: ((وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النأي عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه لإعزاز دينك))وأيضاً في دعائه لصحابة رسول الله ((ص) يطلب الإمام زين العابدين لهم من الله الأجر والشكر لتحملهم عناء الهجرة عن أوطانهم فيقول: ((واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم)) ويعلق أحد العلماء الأعلام على هاتين الفقرتين من دعاء زين العابدين بقوله: مع أن النبي (ص) والصحابة هاجروا إلى المدينة قاعدة الإسلام ومركز دولته وعبر عنها الإمام بأنها (بلاد الغربة)  وروي انه ((ص) لما خرج منها (مكة) مهاجراً التفت إليها وظن انه لا يعود إليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبرائيل وتلا عليه قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}، وقيل نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجرته وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم فنزل جبرائيل فقال له: أتشتاق إلى مكة ؟ قال: نعم فأوحاها إليه "

كما قلنا إن حب الوطن موضوع لا أساس له فالله لم يأمر به ومن ثم يحاول علماء الحكام أن يلتمسوا أى شىء للضحك به على الناس ومن ثم يستندون لروايات تعارض القرآن وهى:

"حب الوطن من الإيمان" الرواية تعارض عدم وجود نص بهذا فلو كان الحب واجب لعاد المسلمون المهاجرون لبلادهم جميعا وتركوا دولة المسلمين مع كفر أهل بلادهم ولكن الواجب على المسلمين كان هو ترك أوطانهم التى اضطهدوا فيه والسكن فى بلد المسلمين حتى ينالوا ولاية الله والمسلمين وهو قوله تعالى " والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا"

وأما القول " من كرم المرء حنينه إلى أوطانه " فهو خبل لنفس السبب فهو تخريب لدولة المسلمين التى بنيت على هجرة المضطهدين فلو حن كل واحد منهم  وعاد لبلده الكافر وترك دولة المسلمين لكفر لنفس السلل االذى أمر الله به وهو الهجرة لدولة المسلمين

وأما القول "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك" فليس فيه دليل على ارتباط الدين بحب الوطن فالقائل ربط حبه لها بحب الله لها ولو كانت دليل على وجوب البقاء فيها لكان عاد إليها بعد الهجرة وأقام فيها ولكن المسلم دولته حيث يوجد المسلمين

 بعد هذا تكلم الصفار عن حدود البلد فقال :

 "حدود الوطن:

تقع حدود الوطن في وعي الإنسان المسلم بين ثلاث دوائر متداخلة:
الدائرة الأولى: الانتماء العقيدي، فالأمة الإسلامية أمة واحدة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي } وبلادهم وطن للمسلمين جميعاً ،وكل أرض تحت سلطة المسلمين فهي دار الإسلام وكان المسلمون سابقاً يعيشون هذا المفهوم العقيدي للوطن كواقع فعلي، حيث لم تكن هناك كيانات سياسية متعددة، ولا حدود جغرافية فاصلة، ولا تمايزات إقليمية تعوق حركة المسلم في بلاد المسلمين، وكان المسلم يتنقل من طنجة في الشمال الإفريقي إلى جاكرتا في جنوب شرق آسيا دون جواز سفر، أو تأشيرة دخول، ولا يقف عند حدود جمركية، ولا يحتاج إلى تبديل عملة نقديةلكن الدولة الإسلامية قد تجزأت اليوم إلى خمسين دولة، بسبب الانحراف والابتعاد عن تعاليم الإسلام، ولسيطرة التخلف ومؤامرات الأعداء وأصبحت الحدود المفتعلة بين الدول الإسلامية حاجزاً ضخماً يحول دون وحدة هذه الأمة وتكاملها السياسي والاقتصادي
بل أصبحت ألغاماً متفجرة تنشب بسببها الحروب الطاحنة والصراعات الدامية بين فترة وأخرى وقريب جداً ما حصل من حرب ضروس بين العراق وإيران استمرت ...ويمكن القول بكل مرارة وألم أن الوطن الإسلامي بحدوده العقائدية أصبح الآن مجرد ذكريات عزيزة من تاريخنا الماضي وحلم وأمنية نتطلع إلى تحقيقها في المستقبل...

الدائرة الثانية: الكيان السياسي: حيث يعيش كل إنسان ضمن دولة يحمل جنسيتها، وترتبط قضايا حياته ومستقبله ومصيره بهذا الكيان، وإذا كان الإنسان المسلم يتمنى أن تندمج هذه الكيانات الإقليمية ضمن كيان إسلامي واحد كبير، فإن ذلك لا يعني أن لا يتحمل مسئولية تجاه هذا الكيان الذي يعيش ضمنه، ويتأثر بواقعه وأوضاعه ويشترك مع سائر المواطنين فيه سلباً وإيجاباًإنه المصداق الأبرز والأقرب للوطن حسب الواقع المعاش
الدائرة الثالثة: الوطن العرفي: وتعني البلد والمنطقة التي ولد الإنسان ونشأ فيها مدينة كانت أو قرية، وإليها عادة تنشد مشاعر الإنسان ويتركز حنينه وشوقه، فحتى لو انطلق ضمن الدائرة الثانية يبقى منجذباً إلى هذه الدائرة فنرى مثلاً أن المواطن عندنا قد يعيش ضمن أي منطقة من مناطق الوطن بداعي الدراسة أو الوظيفة أو أي سبب آخر لكنه يظل يتحين الفرصة للعودة إلى مدينته أو قريته والتي قد تكون أقل تطوراً وعمراناً من المنطقة التي أقام فيها
وهذه الدوائر الثلاث متداخلة والانتماء والولاء لكل دائرة منها لا يتناقض مع الولاء والانتماء للدائرة الأخرى بل يتكامل
بيد أن بعض التوجهات السطحية والمتطرفة قد تدفع باتجاه التناقض والتعارض بين هذه الدوائر، لكن الوعي السليم، والنظرة الواقعية تجعل الإنسان مواطناً صالحاً وفياً ضمن هذه الدوائر جميعاً
وكما يقول أحد المفكرين: " إن الانتماء الأكبر لا يعني إنكار وجود انتماءات ثانية وصغرى وفرعية فتلك حقيقة تشهد عليها الفطرة السليمة لدى الإنسان، فلدى المسلم السوي، الذي يمثل الانتماء الإسلامي هويته الأولى وجامعته العظمى، إحساس فطري بأن له انتماءات وولاءات صغرى وفرعية، تلي الانتماء الإسلامي، ولا تتعارض معه فالأمة الإسلامية كالجسد
الواحد، لكن لهذا الجسد أعضاء، لا ينفي تميزها وتفاوتها وحدة هذا الجسد
والفطرة الإنسانية تشهد على أن للإنسان منا ولاء وانتماء إلى "الأهل" بمعنى الأسرة والعشيرة وإلى "الشعب" في الوطن والإقليم الذي تربى ونشأ فيه وإلى "الأمة" -الجماعة- التي يتكلم لسانها ويشترك معها في الاعتقاد الديني ثم إلى الإنسانية التي خلقه الله وإياها من نفس واحدةتشهد الفطرة السليمة لدى الإنسان السوي على ذلك دونما تناقض أو تعارض بين هذه "الدوائر" في الولاء والانتماء " فهي أشبه ما تكون بدرجات سلم واحد، يفضي بعضها إلى بعض، وتدعم إحداها الأخرى، بشرط أن تخلو مضامينها من الشطحات العنصرية ونزعات الغلو في التعصب، التي تقطع الروابط بين هذه الدوائر فلا مشكلة في تعدد دوائر الانتماء، طالما قام وربط بينها الانتماء الأكبر وهو الانتماء إلى الإسلام فالإنسان إذا عاد إلى فطرته السليمة فإنه سيجد حنيناً خاصاً إلى المكان الذي ولد فيه، وولاءاً للوطن الذي ضمن له الرعاية والحماية والخدمات، وانتماءاً للوطن الأكبر الذي كونت ذكريات انتصاراته وطموحاته وآماله وآلامه مخزون التاريخ والتراث "

يقول الصفار ان انتماء المسلم حاليا متوزع على الأمة الإسلامية وعلى الدولة التى يعيش فيها  وعلى أسرته وهو كلام يخالف كلام الله فالانتماء لله وحده أى لدين الله وليس فى دين الله أن يكون للمسلم انتماء لدولة كافرة تحكم بدين غير دين الله إلا  أن يكون المسلمون عاجزون عن الهجرة لعدم وجود دولة لهم أو عاجزون عن الهجرة فى حال وجودها وفى هذا قال تعالى  "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراإلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا"

هنا مكان من أقام فى دولة أخرى حتى لو ولد وعاش فيها وهو قادر على الهجرة لدولة المسلمين جهنم

وأما الانتماءات الفرعية  فهى انتماءات داخلة فى احكام الإسلام فالأسرة انتماء لقوله تعالى " ادعوهم لآباءهم"  والانتماء مثلا لوزارة أو مؤسسة ما طلب الله وجودها موجود لقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى" وهذه الانتماءات ليست انتماءات خارج الإسلام ولكنها توجب على المسلم واجبات  وتجعل له حقوق على هذه الدوائر المتعددة ولكنها كلها داخل الإسلام

وكما قلنا فأحكام الإسلام قد تجعل المسلم يعادى أهله الكفار  ويقاتلهم إن قاتلوا المسلمين كما قال تعالى :

 "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين"

وقال :

"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم"

إذا كل شىء مفصل فى القرآن عن هذه العلاقة ومن ثم لا يوجد دوائر ولا خبل كمما قاله فى الفقرة فالمسلم محكوم بدين الله وحده فإن عارضته قوانين البلد التى يهيش فيها وجب عليها أن يبعد عن طاعتها وإن عارضه حبه لأهله الكفار الذين يعتدون على المسلمين وجب عليه أن يقاتلهم ردا  على العدوان

بعد ذلك تكلم عن الواجبات تجاه الوطن المزعوم فقال :

"واجبات تجاه الوطن:

أولاً: إعلاء كلمة الله في بلدك: يطمح الإنسان إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى فوق كل الأرض، وفي جميع أنحاء العالم ولكن الأرض التي يعيش فيها هي أقرب إليه، وهو الأقدر على أن يمارس هذا الدور فيها، صحيح أن واجب الدعوة والهداية هو واجب الإنسان المسلم تجاه العالم كله، ولكنه يجب أن يبدأ بالأقرب إليه، { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } { قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } فواجب الإنسان المسلم أن يحاول في إعلاء كلمة الله، أول ما يحاول في بلده ووطنه، فينشر فيه الخير والمعروف، ويدعو إلى الصلاح و الإصلاح

ثانياً: الدفاع عن الوطن أمام المعتدين: يجب على الإنسان إذا ما تعرض وطنه وبلده إلى الاعتداء، أن يتحمل كامل المسئولية في الدفاع عن أرضه، والذود عن حياضه، وإذا لم يدافع عن بلده ووطنه فمن الذي يدافع عنه، هل سيدعو الآخرين إلى أن يدافعوا عنه ويحموه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يخاطب أولئك المتخاذلين عن الدفاع عن ديارهم وبلدانهم فيقول: ((أي دار بعد داركم تمنعون)) ، ويقول (ص): ((فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا))
ثالثاً: التعاون مع المشاركين لك والمشتركين معك في وطنك: لا يعيش الإنسان منا في وطنه وعلى أرضه وحيداً كفرد، ولكن هناك آخرون يعيشون ويشتركون معنا في ظلال هذا الوطن، لنا ما لهم، وعلينا ما عليهم، وهم يحبون الوطن كما نحب، وينشدون إليه كما نحن منشدون إليه، وعلاقتنا بأرض الوطن هي علاقتهم به أيضاً، وهي القاسم المشترك بيننا وبينهم، وأن كانت العقيدة هي القاسم الأكبر والأعظم في إطار علاقتنا جميعاً، ولكن حتى لو لم تكن العقيدة واحدة، فالاشتراك معهم في العيش على أرض واحدة ووطن واحد، يوجد علاقة معينة، وارتباطاً إنسانياً لا بد منه، مع اختلاف العقيدة والدين و لذلك نرى النبي محمد (ص) حينما هاجر إلى المدينة، وأقام المجتمع الإسلامي هناك، عمل صحيفة معروفة في السير والتاريخ (بصحيفة المدينة)، الصحيفة التي تحدثت عن علاقة المسلمين فيما بينهم ثم عن علاقتهم مع بطون اليهود المقيمين آنذاك في المدينة"

من يتكلم فى مسألة متعلقة بحكم الله ليس المطلوب منه أن يقول كلاما عاما مبهما لأنه فى تلك الحالة يعمل فى صالح الفساد فهنا المفروض أن يفصل الكلام فيقول ان هناك نوعين من الدولة دولة المسلمين وحاليا لا دولة لهم ودول الكفار وكل دول العالم تعتبر كافرة لقوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"  ومن ثم فالدفاع عن الوطن ضد المعتدين يعنى وجوب  أن يتبين المسلم من يتهمهم الوطن بالعدوان فغن كانوا جماعة من المسلمين فلا ينبغى عليه أن يحاربهم لأنهم دوما معتدى عليهم  ومن أمثلة هذا ما حدث ويحدث فى روسيا الوطن المزعوم حيث يقوم الجيش الروسى بضرب الشيشان فالمسلم الذى يعيش فى روسيا سواء داخل الجيش أو خارجه لا يجب أن يوجه سلاحه ضدهم أو يقوم بعمل ضدهم وأيضا ما يحدث فى الهند من ضرب كشمير فالمسلم الذى يعيش فى الهند لا يجب أن يقاتل أهل كشمير  أو يدهم حكومة الهند بأى شك   وهناك مثل جنونى فى السياسة الدولية وهو أن معظم ما يسمى البلاد العربية بحكامها  تدعم اليونان فى قضية قبرص وتدين تركيا  مع أن تركيا العلمانية تدافع عن مسلمى قبرص بينما يقف فى صف اليونان النصرانية حكام يتسمون بأسماء المسلمين ويزعمون تطبيق الشريعة

وأما حكاية التشارك فى الوطن فالمسلم مرتبط فيها بقوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"  ومن ثم لا ينبغى له ان يؤيد المظاهرات التى تطالب بحقوق الزناة المسمين المثليين فى ممارسة الزنى ومثلا لا ينبغى أن يؤيد المظاهرات أو المطالبات بإلغاء قانون الإعدام لتعارضه مع الشرع وبالقطع الكلام هنا دولة الكفر التى يعيش فيها المسلم  لأن دولة الإسلام ليست لحاجة للكلام عما جاء فى الفقرة

واستشهد الصفار بصحيفة المدينة المزعومة الصحيفة التى لا وجود لها فى كتب الحديث السنية وكتب الأخبار الشيعية كما انه لا وجود لها فى القرآن لأنها لم تكن موجودة لأنها تعارض كتاب الله فى الكثير من الأمور وبها تناقضات عديدة وقد قال الصفار:

 "ومما جاء في تلك الوثيقة الصحيفة
قال ابن اسحاق: وكتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم:((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس وانه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جُشَم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم))
قال الدكتور وليم سليمان قلادة المحامي ونائب رئيس مجلس الدولة المصري سابقاً في محاضرة ألقاها في مركز اتحاد المحامين العرب للبحوث والدراسات القانونية في القاهرة وطبعت ضمن كتاب (التسامح الديني والتفاهم بين المعتقدات) سنة 1986 م قال تعليقاً على صحيفة المدينة :
((هذا نص اعتقد أنه لا يختلف مطلقاً عن النص الذي يقول أن هناك وحدة وطنية مع تعدد الأديان)) ( )
وللعلامة المعاصر الشيخ محمد مهدي شمس الدين دراسة قيمة حول هذه الصحيفة تناولها فيها من حيث السند والمصادر ومن حيث المتن والفقرات ومن حيث المعاني والدلالات ضمن كتابه القيم (في الاجتماع السياسي الإسلامي) فمع كونهم يهوداً ولكن الرسول أجرى معهم عقداً وطنياً ملزماً لماذا ؟ لأنهم يشتركون مع المسلمين في وطن واحد يريد الرسول (ص) أن يجعل من هذا العيش المشترك على أرض المدينة محمياً من أي تصدع وخلاف، فألزم الجميع بتلك الوثيقة النموذج، للعيش المشترك على أرض المدينة لأنها وطن الجميع من مسلمين وغيرهم"

عهد المدينة المزعوم يهدم وجوده ما يلى:

أولا لا وجود للصحيفة أو العهد فيما يسمى كتب الأحاديث ومن قبلها القرآن وهم عند الناس مصادر الأحكام
ثانيا الصحيفة أو العهد موجودة فى كتب السيرة وهى كتب لا يعتمد عليها فى أخذ الأحكام بل إن ابن اسحاق وابن هشام والواقدى عند أهل الحديث من المجروحين
روى أهل التراجم أن الامام مالك بن أنس (ت: 179هـ ) رحمه الله تعالى، إمام دار أهل الهجرة كان يقدح في توثيق ابن إسحاق وعدالته ، ومثله هشام بن عروة ابن الزبير(ت: 146هـ )رحمه الله تعالى ، اضافة الى تهم التدليس، والتشيع ،والقول بالقدر، وانتحال الشعر، والخطأ في الأنساب ،والرواية عن المجهولين.
قال الذهبي(ت: 748هـ ) رحمه الله تعالى : " كان في العلم بحرا عُجاجا ، ولكنه ليس بالمجوِّد كما ينبغي " ، وقال ايضا : " يروي الغرائب ، ويحدِّث عن المجهولين بأحاديث باطلة
ثالثا أخطاء الوثيقة:
1-
وجود مؤمنين ومسلمين وهم هكذا فريقين" هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّr، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ "وهو ما يناقض قول الوثيقة "إنهم أمة واحدة من دون الناس" فالنبى(ص)لا يخطىء فالمؤمنين هم المسلمين ومن ثم لو قال فسيقول واحدة منهم أو يقول المؤمنين المسلمين من غير الواو
2-التناقض بين القول "إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ" ومثله"وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ"فهنا الأمة كلها تفدى أو تعقل عن بعضها البعض وهو ما يناقض أن كال عائلة او قبيلة تفدى وتعقل عن أفرادها فقط فى النص التالى:
المهاجرون من قريش على رِبعتهم ( حالهم، من وردوا المدينة ) يتعاقلون بينهم، ويفْدون عانيَهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عَوْف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الحرث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وينو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين."
3-
التناقض بين كون الإنسان يجنى على نفسه واهله بذنبه فى قول الوثيقة "وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ" ومثله قولها"وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ" وهو ما يناقض كون الإنسان فقط من يحاسب على ذنبه فى قول أخر الوثيقة"وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ"
4-
التناقض بين وجوب الاستئذان من النبى(ص) عند الخروج من المدينة فى قول الوثيقة "وَإِنّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِإِذْنِ مُحَمّدٍ"وبين القول فى أخرها أن من خرج من المدينة حر ومن قعد فيها حر لا يحتاج لإذن أحد "وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ" هذا عن تناقضات الوثيقة وإن كان من الممكن ان يكون فيها تناقضات أكثر وأما الأخطاء فمنها التالى:
1-
المبدأ الإنسانى صاحب الجريمة يعاقب وحده وللتذكرة هو مبدأ من الوحى "ولا تزر وازرة وزر أخرى "والوثيقة تحمل أهل المجرم وهو قولها "إِنّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ" وقولها أيضا "وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ"فالعقل وهو الدية يدفعها هنا غير القاتل
2-التفرقة بين الناس بسبب دينهم فى جريمة القتل وللتذكرة هو مبدأ من الوحى "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس"وهو قول الوثيقة "وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ "فالمؤمن الذى قتل كافر من كفار المدينة لا يقتل كما هو عقاب الجريمة وأعلم أنك قرأت فيما يسمى الأحاديث أن النبى(ص) منع هذا التفرقة بين حيين من اليهود كان القاتل من إحداهما لا يقتل إذا قتل واحد من الفريق الأخر وإنما يأخذ أهله الديمة بينما لو كان القاتل من الفريق الأخر فإنه يقتل فهل تظن أن النبى(ص) الذى عدل بين الفريقين كما تقول الرواية يفرق بين المؤمنين وغيرهم فى جريمة واحدة ؟
كما نلاحظ أن البطون المذكورة فى الوثيقة تتعارض مع ما جاء فيما ترويه الأحاديث فالوثيقة جعلت الأوس بطن واحد بينما هى قبيلة تضم مثلا بنو النبيت وهم من قبيلة الأوس كما نلاحظ أنه لا ذكر للقبيلة الأخرى الخزرج التى ذكرت بطونها كبنى النجار وبعيدا عن القرآن كما طلبت فالمصادر متناقضة فأى منها سنصدق ؟

ثم تناول الصفار قضية الجوار فقال:

"وفي مثال آخر نجد قضية الجوار فحق الجار وحسن الجوار الذي هي في التشريع الإسلامي ليست مقيدة بالاتفاق في الدين، ويعني ذلك أن الجار له حقوق علينا بغض النظر إن كان مسلماً أو غير مسلم، فليس ضرورياً أن يكون جارنا يدين بنفس الدين لكي يصدق عليه ذلك العنوان، فحتى لو كان لنا جار غير مسلم فنحن ملزمون بعلاقة حسن الجوار وبكامل الحقوق له من قبلنا، فقد روي أن غلاماً لابن عباس ذبح شاة، فقال له ابن عباس: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي ثم كررها حتى قال له الغلام: كم تقول هذا ؟ فقال: أن رسول الله (ص) لم يزل يوصينا بالجار، حتى خشينا أنه سيورثه فابن عباس بنص هذا الخبر كان مجاوراً ليهودي، وكان يهتم بالإهداء إليه، كما يهتم بسواه، مراعاة لحرمة الجوار، ومعنى هذا أن الإسلام لا يفرق في مكارم الأخلاق وحقوق الاجتماع بين مسلم وأي مخالف آخر فالكل في نظره سواء

فحتى لو خالفنا جارنا في الدين، إلا أن ذلك لا يمنع أن يكون له نفس الحقوق التي للجار المسلم، إذ العيش المشترك على أرض واحدة، وفي جوار واحد، يوجب تلك العلاقة المشتركة في طبيعة التعاون والحقوق المتبادلة، وكلما كان الشعور بهذه العلاقة أكثر نضجاً، كان المواطنون أقدر على تحقيق الوحدة الوطنية، وبالتالي يكونون أكثر فاعلية في خدمة وبناء وطنهم، فبين أبناء الوطن الواحد تكون الآمال والآلام مشتركة ومتوحدة لذا نجد الإمام علي ابن أبي طالب يتألم للمرآة غير المسلمة -المعاهدة- كما يتألم للمرأة المسلمة على حد سواء وذلك حينما بلغه غزو جيش معاوية للأنبار واعتدائه على أهاليها يقول (ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعشها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام "
فالإمام علي يذكر آلام المرآة المسلمة إلى جانب المرآة المعاهدة من غير المسلمين، لأن الإمام علي يريد أن يبين أن اشتراكهم في أرض واحدة ووقوعهم تحت نير ظلم وغزو واحد من قبل جيش معاوية، جعل مصير الآلام واحدة أيضاً، وإحساس الإمام تجاههم واحداً أيضاً، فالازم أن يكون شعورنا واحداً تجاه من يشتركون معنا في وطن واحد، مبنياً على التعاون الذي من شأنه أن يرفع عزة أوطاننا وبلداننا فالوطن للجميع، المصالح واحدة، والخطر مشترك، والوطن كالسفينة الواحدة التي إذا تعرضت لأي خطر فالخطر على الجميع والنجاة للجميع

إذاً ما دام الوطن للجميع والخطر والخير للجميع أيضاً، فهذا الشعور المشترك بالخير والخطر، يجب أن يجعل الجميع في حالة تعاون دائم لدرء الخطر والعمل من أجل حصد الخير والمكاسب الحسنة، ومن السخف بمكان أن يؤدي اختلاف الرأي أو اختلاف المذهب أو اختلاف التوجه، للانقسام والصراع داخل البلد الواحد، هذا غير صحيح وهو خلاف للدين والعقل، فالدين والعقل يدعوان للتعاون ولتظافر الجهود من أجل الخير، كما يدعوان أيضاً إلى التوحد والوحدة، ما دام هناك سبب مشترك، وحتى لو لم يكن هناك عقيدة كاملة مشتركة في كل التفاصيل، فالاشتراك في الأرض الواحدة والوطن الواحد لابد أن يخلق علاقة طيبة
وإيجابية، والحكومات الواعية المخلصة لمصلحة الوطن ووحدته، هي التي يجب أن تعزز من شأن التعاون والوحدة بين المواطنين، تدعيما لأمن الوطن من الخلافات الداخلية، ولاستقراره الدائم، الذي ينعكس على عزة ونمو البلد ورفعته وتقدمه، ورد في الحديث (خير الولاة من جمع المختلف، وشر الولاة من فرق المؤتلف)"

قضية الجوار قضية لحاجة بنا إلى ضرب أمثلة عليها لأن الله هو من أنزل الأحكام فيها  كقوله تعالى ""لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين" وقوله "وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب"

وتحدث الصفار عن عمل الإنسان في سبيل تقدم وطنه ورفعة شأنه فقال:

"رابعاً: أن يعمل الإنسان في سبيل تقدم وطنه ورفعة شأنه:

الأوطان تعز بأبنائها، وتتقدم بهممهم وسواعدهم، فإذا ما تحرك أبناء الوطن وتفجرت طاقاتهم المبدعة، وكفاءاتهم العالية وخدموا وطنهم فلابد أن يتقدم الوطن ويعلو شأنه، أما إذا بخل أبناء الوطن، وتخلفوا عن ذلك، فسيؤدي ذلك التخلف، إلى التأخر والانحدار على المستويين الخاص والعام فالواجب يحتم أن يتقدم الإنسان بعمله، لأجل أن يتقدم بلده ووطنه في شتى المجالات، فالعالم لا بد أن يظهر علمه ويعمل به من أجل خدمة وطنه وأبناء وطنه، والتاجر وصاحب المال لا بد وأن يستثمر أمواله وثروته لصالح بلده ووطنه، فإنشاء المشاريع وسد الاحتياجات الاقتصادية التي يحتاج إليها الوطن من تصنيع وإقامة الأعمال الناجحة والفاعلة كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى خير الوطن اقتصادياً وصناعياً، أما إذا تكدست الأموال وتجمدت في المصارف والبنوك، فسيؤدي ذلك إلى تخلف وتأخر هذا الوطن، إذاً فعلينا جميعاً أن نسعى كأفراد وجماعات لإجادة العمل وإتقانه، ورفع كفاءتنا المتخصصة علمياً وفنياً في جميع المجالات، من أجل ذلك الهدف النبيل السامي وهو خدمة الوطن والمساهمة الحقيقية والناضجة في رفعته وتقدمه"

 وهذا الكلام كما قلنا مبهم فالمسلم يعمل ما يطيع به الله وليس ما يجعل الوطن المزعوم متقدم فالمسلم لا يجب عليه أن يدعم الوطن الكافر باختراع أسلحة يستخدمها ضد المسلمين أو اختراع أجهزة أو أمور تستخدم فى إضرار الناس فيما بعد

وأما دولة المسلمين فالمسلم يعمل فيها بنفس الأمر وهو طاعة الله ومنها أن يخترع الأسلحة لاستخدامها ضد المعتدين

وتكلم الصفار عن حقوق المواطن فقال:

   "حقوق المواطن:

أولاً: الكرامة: إذا توفرت للإنسان أسباب ومدارك الكرامة، وشعر بأن كرامته محظية بالاحترام، يكون ذلك سبباً في انشداده إلى تراب وطنه ويعمق إحساسه بالانتماء إليه والولاء للجماعة فيه إذ يقر لهم بالاحترام مقابل احترامهم له، القرآن الحكيم يتحدث عن أولئك الناس الذين تصادر كرامتهم في أوطانهم، ولا يكونون قادرين على الدفاع عن حرياتهم الأساسية في بلادهم، فهم مخيرون بين العيش في الوطن أذلاء مهانين أو الهجرة عنه طلباً لأجواء الحرية والكرامة، وحينئذ فالخيار الثاني هو المطلوب يقول تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
فالإنسان يجب أن لا يرضى لنفسه الإذلال والاستضعاف، وأن تصادر كرامته، إنما ينشد إلى وطنه، حينما تتوفر له الكرامة فيه، واحترام الآخرين له
ثانياً: الأمن: كلما شعر الإنسان بالأمن على نفسه وماله وعرضه، كلما زاد ذلك في حبه وانشداده وتعلقه بوطنه بل وأصبح أعمق وأكثر، وروي عن رسول الله (ص): (لا خير في الوطن إلا مع الأمن والسرور)
والإمام علي يؤكد ذلك بالقول: (شر الأوطان ما لم يأمن فيه القطان) فإذا لم يشعر الإنسان بالأمن في هذا الوطن ومع كل انشداده النفسي والطبيعي، سيكون مضطراً إلى الخروج منه، لأن عدم الأمن يحرمه نعمة الاستقرار المكفولة لإنسانيته فالمسلمون الأوائل لماذا اضطروا للهجرة إلى الحبشة، لأنهم افتقدوا الأمن في مكة، فإيذاء قريش بلغ حداً كبيراً جعلهم يهاجرون إلى الحبشة، ولذلك أيضاً هاجر رسول الله (ص) من مكة بعد أن فقد الأمن على نفسهإن هذا المثال في فقدان الأمن في الأوطان لا زال يتكرر في كل زمان ومكان مادام الصراع بين الحق والباطل قائماً، وكما نرى في عالمنا المعاصر كم من الناس يعيشون مشكلة اللجوء في بلدان أخرى غير بلدانهم، بسبب عدم توفر الأمن والسلامة على أنفسهم وأموالهم أهلهم، وذلك إما لسيطرة عدو ظالم أو وجود فتن ومظالم فيضطرهم ذلك إلى ترك أوطانهم والبعد عنها ... فنعمة الأمن في الوطن نعمة كبيرة يطمح إليها لإنسان ويطلبها ويحافظ عليها، ولذلك يبتهل المؤمن إلى ربه طالباً منه توفير نعمة الأمن له في وطنه كما نقرأ في دعاء سحر رمضان المبارك للإمام زين العابدين علي ابن الحسين (اللهم واعطني السعة في الرزق والأمن في الوطن)
ثالثاً: الكفاية الاقتصادية: للإنسان في حياته متطلبات واحتياجات مادية، والمفروض أن تتوفر له كفاية المعاش في بلاده لينعم بالعيش فيها وليصرف جهده وطاقته في عمرانها وتقدمها، لكنه حينما يفتقد ذلك في بلاده لأسباب مختلفة فهو إما أن يعيش الفقر والحاجة، وإما أن يغادر وطنه بحثاً عن لقمة العيش ومتطلبات الحياة إن توفر فرص العمل للمواطن، وقدرته على تحصيل متطلبات الحياة في بلده مظهر من مظاهر السعادة كما يقول الحديث الشريف عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده)

بينما حياة الفقر في الوطن فيها من القسوة والعناء، ما يوازي ألم الغربة عن الوطن يقول الإمام علي (عليه السلام): (المقل غريب في بلدته)
وقال (الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة) فإذا ما ضاق على الإنسان رزقه في بلده فسيعيش كأنه غريب، وفي المقابل إذا ما توفرت له كفاية المعاش في بلد آخر فسيكون له ذلك البلد الذي اغترب إليه وطناً بديلاً، ونحن نرى الآن كم أيدٍ عاملة وخبرات علمية تضطر إلى الاغتراب عن أوطانها بحثاً عن رزقها وكفايتها الاقتصادية انهم كأي بشر يعشقون أوطانهم ولا يرغبون في فراق ذويهم لكن الحاجة تضطرهم إلى ذلك
من هنا كانت دعوة نبي الله إبراهيم لمكة المكرمة بعد بنائه البيت الحرام تنص على مطلبي الأمن وكفاية المعاش كما ينقلها القرآن الكريم (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) "

الحقوق التى تكلم عنها الصفار لا يعرف المرء فى أى دولة تكون فهذه الحقوق موجودة فى المبادىء الحاكمة للدساتير فى كل الدول الكافرة ولكن من يطبقها؟

 لا أحد فكل دولة تطبقها على هوى حكامها فالدستور مجرد حبر على ورق فى كل الدول الكافرة بدليل أن الفقراء يشكلون
 حوالى  تسعين فى المئة من سكان العالم سواء كانت دولا تسمى متقدمة أو متخلفة أو متوسطة فكما قلنا النظام واحد فى كل تلك الدول وهى وجود النخبة التى تحكم وتملك

اجمالي القراءات 2781