السينما المغربية الناطقة بالامازيغية فقدت احد رموزها بسبب وباء كورونا المستجد في صمت رهيب
مقدمة متواضعة للغاية
يظن البعض ان العمل الثقافي و الفني الامازيغي لا قيمة له خصوصا في عصرنا الراهن بالرغم من جهود الدولة منذ سنة 2001 لرد الاعتبار للامازيغية كمكون ثقافي و لغوي له امتداداته التاريخية و الهوياتية داخل المجتمع المغربي و بالرغم من جهود مكونات الحركة الثقافية الامازيغية سواء ما قبل سنة 2001 او ما بعده في نشر الوعي باهمية هذه الثقافة و فنونها المختلفة .
لكن الان بعد فشل مقاربة السلطة في تدبير ملف الامازيغية بشموليته خصوصا منذ 2011 الى الان و بعد افشال كل المحاولات لتاسيس حزب سياسي بالمرجعية الامازيغية كما اقول دائما اصبحت الثقافة الامازيغية اليوم في عز كورونا مهددة في مكاسبها الرمزية التي حققتها منذ خطاب اجدير السامي و اصبحت مهددة اليوم من طرف شيوخ الوهابية الذين اخذوا يتحدثون للبسطاء من الناس بالامازيغية بغية اقناعهم ان فنوننا الاصيلة تعتبر حرام في الدين باعتبارها تعرف اختلاطا بين الرجال و النساء و تحريم عاداتنا الامازيغية الاسلامية كما اسميها دائما في جميع مقالاتي المتواضعة لان هذا الفكر الوهابي ليس حديث على مجتمعنا باعتباره قد دخل الى بلادنا رسميا سنة 1979 لخدمة اهداف النظام انذاك و الممثلة في محاربة اليسار القومي المعارض له و تقوية شرعية ايديولوجية الظهير البربري .
لكن منذ صعود الاسلاميين لتدبير الشان الحكومي و المحلي ظهر هؤلاء الشيوخ لوضع العديد من العراقيل امام تنمية الثقافة الامازيغية في عقر دارها و اقصد منطقة سوس المعروفة بالتدين المتعدل و الوسطي حيث ان قرى سوس تتوفر على انواع و اشكال من فن احواش و على فن الروايس و على فن المجموعات العصرية منذ خمسينات القرن الماضي بمدينة اكادير حسب شهادة احد اعضاء مجموعة لايارش للاستاذ محمد ولكاش في برنامج اذاعي .
انني عندما طرحت فكرة اعادة احياء حركة الحكم الذاتي لسوس الكبير في مقال منشور في اكتوبر الماضي فكنت اعي ما اقوله جيدا لان هناك تمييز صريح بين الثقافة الامازيغية بسوس و ثقافة المركز على مستوى الاعلام الرسمي فحينما ماتت الفنانة امينة رشيد رحمها الله في صيف 2019 فاخذ هذا الاعلام في استحضار سيرتها و مسارها الفني طيلة ايام عديدة و كذا هو الشان بالنسبة للفنانة ثريا جبران التي ماتت في غشت الماضي و كذا هو الشان بالنسبة للفنان عبد الجبار لوزير الذي مات هذه الايام .
لكن عندما يموت فنان من قيمة احمد بادوج هنا بسوس يمر جزء من هذا الاعلام الكبير خبر وفاته و كفى كانه ليس فنان مغربي على الاطلاق يستحق ان تذكر مساره و مناقبه في جميع وسائل اعلامنا الرسمي مثل قناة ميد1 تيفي الخ
ان مقاربة المخزن القديمة للهامش الامازيغي مازالت قائمة مع الاسف الشديد بوجود هذا التمييز الصريح بين المركز و الهامش على كل المستويات و الاصعدة حيث اقول هذا ليس لانني لا احب وطني الجامع الذي هو المغرب بل اقول هذا اظهارا لفشل نموذجنا التنموي الحالي في تدبير تعددنا الثقافي و اللغوي و ابراز شخصية الجهة وطنيا و تنمية الهوامش البعيدة عن المركز الخ من هذه النواقص الكثيرة التي جعلت منطقة الريف تثور على هذا النموذج بعد مقتل الشهيد محسن فكري في اكتوبر 2016 .
الى صلب الموضوع
ان السينما الناطقة بالامازيغية او افلام الفيديو الامازيغية هي اولا قبل كل شيء نضال ثقافي امازيغي في بدايات التسعينات من القرن الماضي بمنطقة سوس حيث اتذكر جيدا في سنة 1993 حيث كان عمري وقتها عشر سنوات قد احضر ابي فيلم يتيمة الامازيغي للمشاهدة على جهاز الفيديو و بعد ذلك احضر الوالد فيلم تامغارت ؤورغ اي امراة من الذهب للمشاهدة على جهاز الفيديو و وقتها مازلت صغيرا عن فهم رسائل هذا الفيلم العميقة بالنسبة لي و شاهدته عندما كبرت في سنة 2006 فوجدته يتعارض بشكل تام مع اسطورة الظهير البربري القائلة ان الامازيغيين قد تنصروا بحكم صدور ظهير 16 ماي 1930 من طرف الاستعمار الفرنسي الخ من هذه الاكاذيب السياسية و الدينية.
ان فيلم تامغارت ؤورغ يعد اول انطلاقة للسينما الناطقة بالامازيغية او افلام الفيديو الامازيغية في بدايات التسعينات من القرن الماضي حسب رايي المتواضع لان وقتها كان التلفزيون المغربي الرسمي اي القناة الاولى يبث المسلسلات المصرية و الدينية اي المشرق العربي .
و في نفس الوقت كان التلفزيون المغربي الرسمي يبث المسلسلات المكسيكية المترجمة الى العربية اي التغريب الثقافي و القيمي كما يقول دعاة الاسلام السياسي الان لمقاومة مطالبنا الحضارية اي ان التلفزيون المغربي الرسمي كان يجمع بين التشريق الى ابعد الحدود و التغريب الى ابعد الحدود.
و كان هذا الجهاز العجيب يبث المسلسلات المغربية الناطقة بالدارجة فقط لان الراحل الحسن الثاني كان لا يريد ان تظهر الامازيغية كلغة و كثقافة في تلفزيون الدولة الرسمي و حتى بعد خطابه في 20 غشت 1994 الذي اعترف بوجود ما يسمى باللهجات و ضرورة تدريسها في المدرسة المغربية لكن لم يتغير اي في التلفزيون المغربي الرسمي باستثناء انطلاقة بث نشرة اللهجات انذاك .
لقد انطلقت السينما الناطقة بالامازيغية او افلام الفيديو الامازيغية في تلك الظروف القاسية بفضل التضحية و النضال الثقافي الامازيغي عبر الجيل الاول من الممثلين و الممثلات و المخرجين و قواطم الصوت و الصورة و شركات الانتاج السمعي البصري الامازيغي الخ من هؤلاء المتدخلين في هذه الصناعة الابداعية .
يعتبر المرحوم الاستاذ احمد بادوج من هذا الجيل الاول حيث كان ممثل و كاتب السياريو و مخرج حيث بدا مساره الفني مع جمعية تيفاوين في منتصف الثمانينات حيث انذاك لا احد يتحدث عن فيلم ناطق بالامازيغية في سوس خصوصا و في المغرب عموما بمعنى ان انجاز فيلم امازيغي كان حلم مستحيل وقتها لكن الايمان بقضية ما و العمل من اجلها كان كفيلا بحقيق هذا الحلم الجميل فولد اول فيلم امازيغي في تاريخ المغرب الا و هو تامغارت ؤورغ في سنة 1993 من الاخراج الاستاذ الحسين بيزكارن و من البطولة المرحوم احمد بادوج و الممثلة امينة الهلالي و الممثل عبد اللطيف عاطف و احمد نصيح الخ.
لقد عرف هذا الفيلم نجاحا عظيما داخل المغرب و خارجه رغم منع التلفزيون المغربي لبثه لاسباب تتعلق بموقف السلطة تجاه الثقافة الامازيغية اولا .
ثانيا ان هذا الفيلم يتعارض بشكل تام مع اكذوبة الظهير البربري الغالبة على مختلف مناحي الحياة العامة انذاك بمعنى ان فيلم تامغارت ؤورغ يظهر تدين المجتمع الامازيغي بشكل صريح بينما ان التلفزيون المغربي الرسمي يظهر تدين اهل فاس وقتها بشكل طاغي من خلال بث الطرب الاندلسي عند افطار الناس في شهر رمضان و في صباح الاعياد الدينية الخ .
اذن ان هذا الفيلم قد خلق الحدث داخل الحركة الامازيغية ببعدها الثقافي بحكم رسائله العديدة حيث كانت الحركة الامازيغية وقتها مجرد جمعيات ثقافية هنا او هناك تناصل من اجل تحقيق مطالب ميثاق اكادير لسنة 1991 عبر ارسال الرسائل الى الجهات العليا و الى الاحزاب السياسية الخ بمعنى انها تساير ذلك السياق بحذر شديد لان الثقافة الامازيغية وقتها تعيش داخل المحيط العائلي سواء في المدن او في القرى حيث شكل جهاز الفيديو الوسيلة الوحيدة لمشاهدة مكونات ثقافتنا الاصيلة من الفنون و الافلام الامازيغية و ربما انشطة الحركة الامازيغية باعتباري لم اعاصر ذلك العقد بحكم صغر سني .
ان الحديث عن المرحوم احمد بادوج هو حديث طويل للغاية باعتباره فنان اعطى حياته لخدمة الثقافة الامازيغية كممثل و كمخرج و ككاتب السياريو قبل خطاب اجدير و بعده على اية حال بحكم انه صرح للاستاذ محمد ولكاش في ثلاث برامج اذاعية منذ الشتاء الماضي ان السينما الناطقة بالامازيغية بسوس مازالت تعاني من الكثير من المشاكل الجوهرية كغياب الدعم المادي من طرف الدولة لاتناج افلام امازيغية في المستوى و كان له ثلاث مشاريع قد ارسلها جهات المسؤولة مثل الشركة الوطنية للاذاعة و التلفزة و مثل القناة الثانية الخ بدون اي رد مهما كان و قالها صراحة انه اصبح يكره الفن الامازيغي باعتباره لا يضمن العيش الكريم لاصحابه و قال كذلك انه يعاني من عدة امراض مثل القلب و العيون الخ .
ان المرحوم قد صرح في اواخر حياته بحقائق صادمة في عز عصر نهضة الثقافة الامازيغية كما يقولون مرارا و تكرارا منذ خطاب اجدير التاريخي بطبيعة الحال حيث لا ينبغي ان يفهم انني ضد المقاربة الملكية لتدبير ملف الامازيغية لا سمح الله لان الملك محمد السادس قد اعطى اشارات قوية مثل ان الامازيغية هي صلب هويتنا الوطنية في خطاب 9 مارس 2011 التاريخي بكل المقاييس .
لكنني بالمقابل ضد عقلية المخزن المعادية لاي انتقال للامازيغية من الهامش الى السلطة الفعلية و لاي انتقال من دولة المركز المفرطة منذ سنة 1956 الى دولة الجهات كما هو الحال بالنسبة لاسبانيا و الولايات المتحدة الامريكية الخ من هذه الدول المتقدمة ديمقراطيا و حقوقيا و هذا ممكن تحقيقه على المدى القريب او المتوسط او البعيد لاننا نرفض هذا التمييز الصريح بين المركز و الهامش ..
ان المرحوم احمد بادوج لا يقل شانا من المرحوم الطيب الصديقي او المرحوم محمد بسطاوي او المرحومة امينة رشيد الخ لان احمد بادوج يعتبر احد مؤسسي للسينما المغربية الناطقة بالامازيغية بالمغرب لدى لا يستحق هذه المعاملة التمييزية من طرف الاعلام الرسمي او من طرف الجهات الرسمية التي مازالت تهمش الفنان الامازيغي فقط لانه امازيغي ينحذر من سوس او من الجنوب الشرقي او من الاطلس المتوسط او من الريف الجريح حيث انني لا اريد قول هذه الحقائق المؤلمة خصوصا في هذه الظرفية الاستثنائية بحكم تفشي وباء كورونا المستجد في بلادنا لكن رحيل احمد بادوج الى جوار ربه في هذا الصمت الرهيب جعلنني اكتب هذه السطور لعلها تساهم في استقاظ الجميع من نومهم العميق لاننا لا نتوفر على لا شيء في هذه البلاد السعيدة حيث انني اناضل بالقلم من اجل هذه الثقافة لكن لا احد يشعر بي ..
توقيع المهدي مالك