نقد كتاب المسائل العشر في الغيبة
الكتاب تأليف الشيخ المفيد وفى موضوع الكتاب قال :
"وبعد، فإني قد خلدت من الكلام في وجوب الإمامة، واختصاص مستحقيها عليهم السلام بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل بمحاسن الأفعال والأعلام الدالة على الصدق منهم في الدعوى إلى ما دعوا إليه من الاعتقادات والأعمال، والنصوص الثابتة عليهم من الله تعالى، بجلي المقال وأوضحت عن فساد مذاهب المخالفين في ذلك والذاهبين بالجهل والضلال، بما قد ظهر في الخاص من الناس والعام، واشتهرت بين الجمهور من الأنام وبينت عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدين، وصمت المتقين عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبارين، والإشفاق على مهجهم من المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلاف قتله النبيين والمرسلين فيما استحلوه من ذلك بما ضمه الفرقان والقرآن المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمة المهديين ، واستتاره من دولة الظالمين، ما دل على إيجابه إلى ذلك وضرورته إليه مثمر العلم به واليقين وتجدد بعد الذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحت معانيه على وجه السؤال فيه والجواب، وشواهد الحق فيه بحجة العقل والسنة والكتاب، رغبة ممن أجب له حقا، وأعظم له محلا وقدرا، وأعتقد في قضاء حقه ووفاق مشربه لازما وفرضا، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في مواضع ذكرها، يختص القول فيها بإمامة صاحب الزمان ، وآثر أن يكون القول فيها على ترتيب عينه وميزه من جملة ما في بابه وبينه فاستخرت الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول فيها بما تعم معرفته ذوي العقول، ولا يحتاج معه إلى فكر يمتد زمانه ويطول، ويستغني به عن الرجوع إلى العمد التي أودعتها كتبي السالفة في ذلك ومهذبه فيها من الأصول"
وقد قسم المفيد الكتاب لعشر فصول ذكرهم مجملين كل فصل فى عدة سطور ثم بعد ذلك تناول الكلام فى كل فصل بالتفصيل ومن ثم فقد حذفت المجمل لعدم وجود أدلة أو مناقشة فيه والآن لمناقشة ما حاء فى تلك الفصول وأولها:
"الكلام في الفصل الأول:
وأقول: إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا مخالفا لحكم العادات، بل العلم محيط بتمام مثله في أولاد الملوك والسوقة، لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء
فمنها: أن يكون للإنسان ولد من جارية قد أسترت ملكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره ويستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها، ويتم الفساد به ضرر عليه يضعف عن دفاعه عنه، وينشؤ الولد وليس أحد من أهل الرجل وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه، ويمرعلى ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرف به إذ ذاك،
وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته، فيعرف به عند حضورها، وتحرجا من تضييع نسبه، وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه وقد يولد للملك ولد يؤذن به حتى ينشأ ويترعرع، فإن رآه على الصورة التي تعجبه … وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم والهند في الدولتين معا، فسطروا أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس، الذي جمع ملك بابل والمشرق،وما كان من ستر أمه حملها وإخفاء ولادتها لكي خسرو، وأمه هذه المسماة بوسفا فريدبنت فراسياب ملك الترك، فخفي أمره مع الجد كان من كيقاوس ـ جده الملك الأعظم ـ في البحث عن أمره والطلب له، فلم يظفر بذلك حينا طويلا
والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره علماء الفرس، وأثبته محمد بن جرير الطبري في كتابه التاريخ
وملخص القصة: أنه ولد لكيقاوس ابن، لم ير مثله في عصره في جماله وكماله وتمام خلقه، فسماه أبوه سياوخش … ورباه أحسن تربية إلى أن كبر، وكان كيقاوس تزوج ابنة فراسياب ملك الترك، وكانت ساحرة، فهويت ابن زوجها سياوخش ودعته إلى نفسها، وأنه امتنع عليها، فلما رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على أبيه، فتغير كيقاوس على ابنه، وتوجه سياوخش لحرب فراسياب ـ لسبب منع فراسياب بعض ما كان ضمن لكيقاوس عند انكاحه ابنته إياه ـ مريدا بذلك البعد عن والده والتنحي عما تكيده به زوجة والده، فلما صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح، وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح، فكتب إليه والده بمناهضة فراسياب ومناجزته الحرب، فرأى سياوخش أن في فعله ما كتب به إليه أبوه عارا عليه، فمتنع من انفاذ أمر أبيه وأرسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، فأجابه فراسياب، فلما صار سياوخش إلى فراسياب بوأه وأكرمه وزوجه ابنة له يقال لها وسفافريد ثم لم يزل له مكرما حتى ظهر له أدب سياوخش وعقله وكماله ما اشفق على ملكه منه وسعى على سياوخش إلى فراسياب ابنين لفراسياب واخ، حتى قتل فراسياب سياوخش ومثل به، وامرأته ـ أبنة فراسياب ـ حامل منه، فطلبوا الحيلة لإسقاطها ما في بطنها فلم يسقط، فوضعوها تحت رقابة فيران إلى ان تضع ليقتل الطفل، فلما وضعت فراسياب حملها: كيخسرو، رق فيران لها وللمولود، فترك قتله وستر أمره حتى بلغ المولود فوجه كيقاوس إلى بلاد الترك بى ليبحث عن المولود ليأتي به إليه مع أمه، وان بي لم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكرا حينا من الزمان فلا يعرف له خبرا ولا يدله عليه أحد ثم وقف بعد ذلك على خبره، فاحتال فيه وفي أمه حتى أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس …
إلى آخر القصة، وهي طويلة جدا اقتصرنا على محل الشاهد منها، من أرادها فليراجعها وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن علي، واستتار شخصه، ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب
ومن الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من
إظهار على أمان منه عليه ممن سميناه ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس، فيتم له في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره، والتظاهر بأنه لم يتعرض بنكاح من قبل ولا له ولد من حرة ولا أمة، وقد شاهدنا من فعل ذلك، والخبر عن النساء به أظهر منه عن الرجال واشتهر من الملوك من ستر ولد وإخفاء شخصه من رعيته لضرب من التدبير، وفي إقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته، إذ كانوا يرون انه لا يجوز في التدبير استخلاف من ليس له بنسيب مع وجود ولده ثم يظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكن من إظهاره برضى القوم، وصرف الأمر عن الولد إلى غيره، أو لعزل مستخلف عن المقام، على وجه ينتظم للملك أمور لم يكن يتمكن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم، واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك، وأغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات وكم وجدنا من نسيب ثبت بعد موت أبيه بدهر طويل، ولم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتى شهد له بذلك رجلان مسلمان، وذلك لداع دعا الأب إلى ستر ولادته عن كل أحد من قريب وبعيد، إلا من شهد به من بعد عليه بإقراره به على الستر لذلك والوصية بكتمانه، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده
فصل:
وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي إبراهيم الخليل وأمه لذلك، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه وبستر ولادة موسى بن عمران ، وبمجيء القرآن بشرح ذلك على البيان، والخبر بأن أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل وعلا لمصالح العباد
فما الذي ينكر خصوم الإمامية من قولهم في ستر الحسن ولادة ابنه المهدي عن أهله وبني عمه وغيرهم من الناس، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله
والخبر بصحة ولد الحسن قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت: بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهم عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي: أنه اعترف بولده المهدي ، وآذنهم بوجوده، ونص لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلا، وبعضهم له يافعا وشابا كاملا، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمة من أصحابه
وقد ذكرت أسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي عليهما السلام وخاصته المعروفين بخدمته والتحقيق به، وأثبت ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده وسماعهم النص بالإمامة عليه
وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصة في كتابي المعروف أحدهما: بـ الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، والثاني: بـ الايضاح في الإمامة والغيبة ووجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلف إثباته في هذا الكتاب"
ما ذكره المفيد من أن المهدى المزعوم أخفى والده خبر وجوده وحمله ومن قبله زواجه بأمه مخالف للشرع فى التالى:
-وجوب إعلان أى زواج للمسلمين لقوله تعالى "أنكحوهن بإذن أهلهن"وقوله تعالى "ولا تواعدوهن سرا"
- وجوب إعلان نسب أى طفل لقوله تعالى "ادعوهم لآباءهم فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم"
- ما حكاه عن موسى(ص) فهذا أمر كان بالوحى وليس رجل عادى حتى ولو نسبوه للنبى(ص)او ابن عمه والمفترض أنه لو كان إماما مطلوبا عند الله لذكره الله فى الوحى حتى يمكن أن يصدق الناس فيما بعد هذه الغيبة المزعومة وفى هذا قال تعالى "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "
وأما استدلاله على أن الملوك والسوقة يقومون بإخفاء أولادهم وزوجاتهم عن زوجاتهم المعروفات وأقاربهم وأعداءهم لأهداف في نفوسهم فلا يصلح للاستدلال به على أمر هو أساس في المذهب الشيعى فلو أردنا الاستدلال على أمر كهذا فلابد من آية وهى غير موجودة أو رواية حتى يخترعها البعض حتى تكون برهان وإن كان باطلا
وتكلم فى الفصل التالى عن إنكار جعفر بن على ولادة المهدى ابن أخيه فقال:
"الكلام في الفصل الثاني:
وأما المتعلق بإنكار جعفر بن علي شهادة الإمامية بولد لأخيه الحسن ابن علي ولد في حياته بعده، والحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلا دون ولد له، وما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري الحسن واستبذالهن بالاستبراء لهن من الحمل ليتأكد بقية لولد أخيه، إباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفا من بعده كان أحق بمقامه من بعده من غيره وأولى بميراثه ممن حواه فليس بشبهة يعتمدها عاقل في ذلك، فضلا عن حجة، لاتفاق الأمة على أن جعفرا لم تكن له عصمة الأنبياء فيمتنع عليه لذلك إنكار حق ودعوى باطل، بل كان من جملة الرعية التي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو، ويقع منها الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل، ويتوقع منها الضلال
وقد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ـ عليه وعلى ولده الأنبياء وآبائه المنتجبين الأصفياء وكافة المرسلين الصلاة الدائمة والتحية والسلام ـ في ظلم أخيهم يوسف ، وإلقائهم له في غيابة الجب، وتغريرهم بدمه بذلك، وبيعهم إياه بالثمن البخس، ونقضهم عهده في حراسته، وتعمدهم معصيته في ذلك وعقوقه، وإدخال الهم عليه بما صنعوه بأحب ولده إليه وأوصلوه إلى قلبه من الغم بذلك، وتمويههم على دعواهم على الذئب أنه أكله بما جاءوا به على قميصه من الدم، ويمينهم بالله العظيم على براءتهم مما اقترفوه في ظلمه من الإثم، وهم لما أنكروه متحققون، وببطلان ما ادعوه في أمر يوسف عارفون هذا وهو أسباط النبيين، وأقرب الخلق نسبا بنبي الله وخليله إبراهيم فما الذي ينكر ممن هو دونهم في الدنيا والدين: أن اعتمد باطلا يعلم خطؤه فيه على اليقين، ويدفع حقا قد قامت عليه الحجج الواضحة والبراهين"
لا يهمنا إنكار العم ولادة هذا الابن مع أنه أثبت ذلك بالوسائل الشرعية وهو استبراء أرحام الزوجات والجوارى ولا يهمنا أنه ورث أخيه ميراثا شرعيا
ولكن القول أنه غير معصوم طبقا للمذهب كلام ينفيه أنه وارث أخيه ولا أحد بعده يقوم بالإمامة سواه فحتى مع وجود الطفل فهو الإمام حتى يشب الولد
كلامه هذا هو تطبيق للمذهب ولكنه ليس حجة فى غير المذهب الشيعة
وأما استدلاله على انه غير معصوم بفعل اخوة يوسف(ص) فهو استدلال خاطىء فلا أحد معصوم حتى الرسل (ص)بدليل قتل موسى للرجل من قوم فرعون واقراره بذلك واستغفاره لهذا الذنب فى قوله تعالى "قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل"
وقال"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين "
فلا يمكن إنكار ذنب القتل كما لا يمكن إنكار وجود ذنوب لمحمد(ص) نفسه بقوله تعالى" إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
فمن يقولون بالعصمة يريدون منا أن نكذب كلام الله وهونصوص واضحة جلية قاطعة لا يمكن تأويلها أى تأويل غير ما فيها
ثم قال المفيد:
"فصل:
وما أرى المتعلق في إنكار وجود ولد الحسن بن علي بن محمد وقد قامت بينة العقل والسمع به، ودل الاعتبار الصحيح على صواب معتقده، بدفع عمه لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت إليه، بحوز تركة أخيه دونه، مع جلالتها وكثرتها وعظم خطرها، لتعجل المنافع بها، والنهضة بمآربه عند تملكها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحوزها، ودعوى مقامه الذي جل قدره عند الكافة، باستحقاقه له دون من عداه من الناس، وبخعت الشيعة كلها بالطاعة له بما انطوت عليه من اعتقادها ولوجوبه له دون من سواه، وطمعه بذلك في مثل ما كان يصل إليه من خمس الغنائم التي كانت تحملها شيعته إلى وكلائه في حياته، واستمرارها على ذلك بعد وفاته، وزكوات الأموال، لتصل إلى مستحقها من فقراء أصحابه إلا كتعلق أهل الغفلة من الكفار في إبطال عمه أبي لهب صدق دعوته، وجحد الحق في نبوته، والكفر بما جاء به، ودفع رسالته، ومشاركة أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني أمية لعمه في ذلك، واجتماعهم على عداوته، وتجريدهم السيف في حربه، واجتهادهم في استئصاله ومتبعيه على ملته هذا مع ظهور حجته، ووضوح برهانه في نبوته، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجة بن الحسن على جعفر وأمثاله من البعداء عن علم حقيقته
ومن صار في إنكار شيء أو إثباته أو صحته وفساده إلى مثل التعلق بجعفر بن علي في جحد وجود خلف لأخيه، وما كان من أبي جهل وشركائه من أقارب النبي (ص)وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه في زمانه والعارفين بأكثر سر أمره وجهره وأحواله في دفع نبوته وإنكاره صدقه في دعوته سقط كلامه عند العلماء ولم يعد في جملة الفقهاء، وكان في أعداد ذوي الجهل والسفهاء"
اعتبار المفيد عمل جعفر كعمل أبى لهب هو كلام رغم أن ما قام به كان إثباتا شرعيا هو
مغالطة فالعم كذب الإسلام وجعفر طبقا لرواية الشيعة طبق الأحكام باستبراء رحم نساء أخيه مدة الحمل كما أن الشيعة الكثير منهم أدوا له الخمس وجعلوه إماما
وأما حكاية الابن المخفى فلا يوجد إثبات لها حتى لو شهد مع الأم وابنها العشرات لأن الأب مات وهو الوحيد الذى يمكن تصديقه فى الحكاية فى زواجه وإنجابه
ثم قال المفيد عن أحوال جعفر بن علي:
"فصل:
وبعد، فإن الشيعة وغيرهم ممن عني بأخبار الناس والجواد من الآراء وأسبابها، والأغراض كانت له فيها، قد ذكروا أخبارا عن أحوال جعفر بن علي في حياة أخيه أبي محمد الحسن بن علي ، وأسباب إنكاره خلفا له من بعده، وجحد ولد كان له في حياته، وحمل السلطان على ما سار به في مخلفيه وشيعته، لو أوردتها على وجهها لتصور الأمر في ذلك على حقيقته، ولم يخف على متأمل بحاله، وعرفه على خطيئته
لكنه يمنعني عن ذلك موانع ظاهرة:
أحدها: كثرة من يعترف بالحق من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا، ويظهر التدين بوجود ولد الحسن بن علي في حياته، ومقامه بعد وفاته في الأمر مقامه، ويكره إضافة خلافه لمعتقده فيه إلى جده ، بل لا أعلم أحدا من ولد جعفر بن علي في وقتنا هذا يظهر خلاف الإمامية في وجود ابن الحسن والتدين بحياته والانتظار لقيامه والعشرة الجميلة لهؤلاء السادة أيدهم الله بترك إثبات ما سبق به من سميت في الأخبار التي خلدوها فيما وصفت أولى مع غناي عن ذلك بما أثبت من موجز القول في بطلان الشبهة، لتعلق ضعفاء المعتزلة والحشوية والزيدية و الخوارج والمرجئة في إنكار جعفر بن علي لوجود ابن الحسن بن علي، حسب ما أورده السائل عنهم فيما سأل في الشبهات في ذلك"
هنا المفيد يذكر نقيض ما قاله فى الفصل السابق وهو أن جعفر أنكر الولد بعد موت أخيه وكلامه فى هذا الفصل أن الإنكار كان فى حياة أخيه وهذا التناقض يدل على أن الحكاية من الأصل لم تقع
ثم تناول وصية الحسن بن على الذى يسمونه المهدى لأمه فقال :
"الكلام في الفصل الثالث:
وأما تعلقهم بوصية أبي محمد الحسن بن علي بن محمد في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المسماة بحديث المكناة بأم الحسن ، بوقوفه وصدقاته، وإسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها فليس بشيء يعتمد في إنكار ولد له قائم من بعده مقامه، من قبل أنه أمر بذلك تمام ما كان من غرضه في إخفاء ولادته وستر حاله عن متملك الأمر في زمانه ومن يسلك سبيله في إباحة دم داع إلى الله تعالى منتظر لدولة الحق
ولو ذكر في وصيته ولدا له وأسندها إليه، لناقض ذلك الغرض منه فيما ذكرناه، ونافى مقصده في تدبير أمره له على ما وصفناه، وعدل عن النظر بولده وأهله ونسبه، ولا سيما مع اضطراره كان إلى شهادة خواص الدولة العباسية عليه في الوصية وثبوت خطوطهم فيهما ـ كالمعروف بتدبر مولى الواثق وعسكر الخادم مولى محمد بن المأمون والفتح بن عبد ربه وغيرهم من شهود قضاة سلطان الوقت وحكامه ـ لما قصد بذلك من حراسة قومه، وحفظ صدقاته، وثبوت وصيته عند قاضي الزمان، وإرادته مع ذلك الستر على ولده، وإهمال ذكره، والحراسة لمهجته بترك التنبيه على وجوده، والكف لأعدائه بذلك عن الجد والاجتهاد في طلبه، والتبريد عن شيعته لما يشنع به عليهم من اعتقاد وجوده وإمامته ومن اشتبه عليه الأمر فيما ذكرناه، حتى ظن أنه دليل على بطلان مقال الإمامية في وجود ولد للحسن مستور عن جمهور الأنام، كان بعيدا من الفهم والفطنة، بائنا عن الذكاء والمعرفة، عاجزا بالجهل عن التصور أحوال العقلاء وتدبيرهم في المصالح وما يعتمدونه في ذلك من صواب الرأي وبشاهد الحال، ودليله من العرف والعادات
فصل:
وقد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد ، وحراسته ابنه موسى بن جعفر بعد وفاته من ضرر يلحقه: بوصيته إليه، وأـشاع الخبر عن الشيعة إذا ذاك باعتقاد إمامته من بعده، والاعتماد في حجتهم على إفراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته، وجعلها إلى خمسة نفر: أولهم المنصور ـ وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ـ ثم صاحبه الربيع من بعده، ثم قاضي وقته، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر ، يستر أمره ويحرس بذلك نفسه وفي هذه المصادر أنه أوصى إلى خمسة: أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله بن جعفر، وموسى بن جعفر، وحميدة ولم يذكر مع ولده موسى أحدا من أولاده، لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده، ويتعلق بادخاله في وصيته ولو لم يكن موسى ظاهرا مشهورا في أولاده معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله، بل كان مثل ستر الحسن ولده، لما ذكره في وصيته، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه وهذا شاهد لما وصفناه من غرض أبي محمد في وصيته إلى والدته دون غيرها، وإهمال ذكر ولد له، ونظر له في معناه على ما بيناه"
ادخلنا المفيد فى متاهة فبعد أن ذكر وصية المهدى لأمه خوفا على ولده المخفى هو الأخر وهذه الوصية إن كان لها وجود فهى تقضى على مقولة المهدى لأنه طالما كان هناك وريث للمهدى المزعوم فلا يمكن أن يكون هناك مهدى لأنه يكون فى أخر الزمان وبعهده تأتى القيامة كما معروف فى الأخباروهو ما قاله فى الفصل الرابع حيث قال:
طوالذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه، والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الاشارة إليه، وحظر تسميته، ونشر الخبر بالنص عليه شيء ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه ، فيدعونه من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد الشمس عند زوالها، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر ائمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل ط
وبدلا من أن ينفى ولدية الوريث المخفى حتى لا يقضى على مقولة المهدوية نجده يثبت الوريث الخفى بأمر سبق أن فعله فى الرواية واحد من الأئمة هو جعفر بن محمد عندما جعل وريثه موسى واحد من ضمن خمسة ليسوا من أولاده خوفا عليه من أن يقتل
ثم تناول فى الفصل الرابع حكاية السرية فى أمر المهدى فقال :
"الكلام في الفصل الرابع:
فأما الكلام في الفصل الرابع، وهو: الاستبعاد الداع (كذا) للحسن إلى ستر ولده، وتدبير الأمر في إخفاء شخصه، والنهي لشيعته عن البينونة بتسميته وذكره، مع كثرة الشيعة في زمانه وانتشارهم في البلاد وثروتهم بالأموال وحسن الأحوال، وصعوبة الزمان فيما سلف على آبائه واعتقاد ملوكه فيهم، وشد غلظهم على الدائنين بإمامتهم، واستحلالهم الدماء والأموال، ولم يدعهم ذلك إلى ستر ولدهم ولا مؤهل الأمر من بعدهم وقول الخصوم: إن هذا متناقض في أحوال العقلاء فليس الأمر كما ظنوه، ولا كان على ما استبعدوه والذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه، والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الاشارة إليه، وحظر تسميته، ونشر الخبر بالنص عليه شيء ظاهر، لم يكن في أوقات آبائه ، فيدعونه من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد الشمس عند زوالها، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر أئمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل
وكانوا لا يكبرون بوجود من يوجد منهم، ولا بظهور شخصه، ولا بدعوة من يدعو إلى إمام، لأمانهم مع ذلك من فتق يكون عليهم به، ولاعتقادهم قلة عدد من يصغي إليهم في دعوى الإمامة لهم، أو يصدقهم فيما يخبرون به من منتظر يكون لهم فلما جاز وقت وجود المترقب لذلك، المخوف منه القيام بالسيف، ووجدنا الشيعة الإمامية مطبقة على تحقيق أمره وتعيينه والاشارة إليه دون غيره، بعثهم ذلك على طلبه وسفك دمه، ولتزول الشبهة في التعلق به، ويحصل الأمان في الفتنة بالاشارة إليه والدعوة إلى نصرته ولو لم يكن ما ذكرناه شيئا ظاهرا وعلة صحيحة وجهة ثابتة، لكان غير منكر أن يكون في معلوم الله جل اسمه أن من سلف من آبائه يأمن مع ظهوره، وأنه هو لو ظهر لم يأمن على دمه، وأنه متى قتل أحد من آبائه عند ظهوره لم تمنع الحكمة من إقامة خليفة يقوم مقامه وأن ابن الحسن لو يظهر لسفك القوم دمه، ولم تقتض الحكمة التخلية بينهم وبينه، ولو كان في المعلوم للحق صلاح بإقامة إمام من بعده لكفى في الحجة وأقنع في إيضاح المحجة، فكيف وقد بينا عن سبب ذلك بما لايحيل على ناظر"
الكلام عن كون الإمام أخفى أمر ابنه تماما يتناقض أساسا مع أن إمامة الب ظاهرة فلماذا خاف على ابنه ولم يخف على نفسه ؟وأيضا المشكلة تكمن ان ملوك الزمان قادرين على دس جواسيسهم داخل بيت الإمام ومعرفة كل ما يفعله فى ليله ونهاره وحكاية الجوارى هى أسهل طريق لذلك ومن ثم لا يمكن اخفاء أمر كهذا مهما كان حرص الرجل وحكاية الاخفاء التام تجعل تصديق الشيعة فيما بهد امر صعب جدا لجهلهم كما أن رواية من لم يعرف إمامه عصره فقد كفر أو دخل النار تجعل الإمام المخفى لابنه يدخل شيعته كلهم النار لأنهم لا يعرفون بامر هذا الإمام الخفى الذى لا يعرف له اسم ولا مكان
ثم تناول حكاية استتار الإمام مع طول مدة الاستتار حتى عدت بمئات السنين فقال:
"الفصل الخامس:
وأما الكلام في الفصل الخامس، وهو قول الخصوم: إن دعوى الإمامية لصاحبهم أنه منذ ولد إلى وقتنا هذا مع طول المدة وتجاوزها الحد مستتر لا يعرف أحد مكانه ولا يعلم مستقره، ولا يدعي عدل من الناس لقاءه ولا يأتي بخبر عنه ولا يعرف له أثرا خارجة عن العرف، إذ لم تجر العادة لأحد من الناس بذلك، إذ كان كل من اتفق له الاستتار عن الظالم لخوف منه على نفسه ولغير ذلك من الأغراض، تكون مدة استتاره مرتبة، ولا تبلغ عشرين سنة فضلا عما زاد عليها، ولا يخفى أيضا على الكل في مدة استتاره مكانه، بل لابد من أن يعرف ذلك بعض أهله وأوليائه بلقائه، وبخبر منه يأتي إليهم عنه وإذا خرج قول الإمامية في استتار صاحبهم وغيبته عن حكم العادات بطل ولم يرج قيام حجة
فصل:
وليس الأمر كما توهمه الخصوم في هذا الباب، والإمامية بأجمعها تدفعهم عن دعواهم وتقول:
إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد قد شاهدوا خلفه في حياته، وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته دهرا طويلا في استتاره: ينقلون إليهم عن معالم الدين، ويخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه لديهم
وهم جماعة كان الحسن بن علي عدلهم في حياته، واختصهم أمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه، معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم كأبي عمر وعثمان بن سعيد السمان ، وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان، وبني الرحبا من نصيبين، وبني سعيد، وبني مهزيار بالأهواز، وبني الركولي بالكوفة، وبني نوبخت ببغداد،وجماعة من أهل قزوين وقم وغيرها من الجبال، مشهورون بذلك عند الإماميه والزيدية، معروفون بالإشارة إليه به عند كثير من العامة ومن الكوفة: العاصمي ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق ومن أهل همدان: محمد بن صالحومن أهل الري: البسامي، والأسدي، يعني: نفسه ومن أهل آذربايجان: القاسم بن العلاءومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان ومن غير الوكلاء:من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبدالله الكندي، وأبو عبدالله الجنيدي، وهارون القزاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبدالله بن فروخ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن ، وأحمد ومحمد ابنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت، وصاحب النواء، وصاحب الصرة المختومة ومن همدان: محمد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمد بن هارون بن عمرانومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن اخية، وأبو الحسن ومن اصفهان: ابن باذشالة ومن الصيمرة: زيدان ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمد بن محمد، وعلي بن محمد بن اسحاق، وابوه، والحسن بن يعقوب ومن أهل الري: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعلي بن محمد، ومحمد بن محمد الكليني، وأبو جعفر الرفاء ومن قزوين: مرداس، وعلي بن أحمد ومن فاقتر: رجلان ومن شهرزور: ابن الخال ومن فارس: المحروجومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكة، وأبو رجاء ومن نصيبين: أبو محمد بن الوجناء ومن الأهواز: الحصيني وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة، وكان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا، ويكرمهم الظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتى أنه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم، ضنا بهم واعتقادا لبطلان قذفهم به، وذلك لما كان من شدة تحرزهم، وستر حالهم، واعتقادهم، وجودة آرائهم، وصواب تدبيرهم
وهذا يسقط دعوى الخصوم وفاق الإمامية لهم: أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته، ولا عرف له مكان، ولا خبر أحد بلقائه فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه ، فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد متناصرة: بأنه لابد للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، يعرف خبره الخاص في القصرى ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى، إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الامامية قبل مولد أبي محمد وأبيه وجده ، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم ، وبإن صدق رواتها بالغيبة الطولى، فكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه
وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبة بشر لله تعالى، في استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو، وامتحان لهم بذلك في عبادته، مع أنا لم نحط علما بأن كل غائب عن الخلق مستترا بأمر دينه لأمر يؤمه عنهم ـ كما ادعاه الخصوم ـ يعرف جماعة من الناس مكانه ويخبرون عن مستقره وكم ولي لله تعالى، يقطع الأرض بعبادة ربه تعالى والتفرد من الظالمين بعمله، ونأى بذلك عن دار المجرمين وتبعد بدينه عن محل الفاسقين، لا يعرف أحد من الخلق له مكانا ولا يدعي انسان له لقاء ولا معه اجتماعا وهو الخضر ، موجود قبل زمان موسى إلى وقتنا هذا، بإجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار، سائحا في الأرض، لا يعرف له أحد مستقرا ولا يدعي له اصطحابا، إلا ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى ، وما يذكره بعض الناس من أنه يظهر أحيانا ولا يعرف، ويظن بعض من رآه أنه بعض الزهاد فإذا فارق مكانه توهمه المسمى بالخضر، وإن لم يكن يعرف بعينه في الحال ولا ظنه، بل اعتقد أنه بعض أهل الزمان وقد كان من غيبة موسى بن عمران عن وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب، ولم يظهر عليه أحد مدة غيبته عنهم فيعرف له مكانا، حتى ناجاه الله عز وجل وبعثه نبيا، فدعا إليه وعرفه الولي والعدو إذ ذاك وكان من قصة يوسف بن يعقوب ما جاءت به سورة كاملة بمعناه، وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحا ومساء، وأمره مطوي عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه، حتى مضت على ذلك السنون وانقضت فيه الأزمان، وبلغ من حزن أبيه عليه ـ لفقده، ويأسه من لقائه، وظنه خروجه من الدنيا بوفاته ـ ما انحنى له ظهره، وأنهك به جسمه، وذهب لبكائه عليه بصره وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه وكان من أمر يونس نبي الله مع قومه وفراره عنهم عند تطاوله المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كل أحد من الناس حتى لم يعلم بشر من الخلق مستقره ومكانه إلا الله تعالى، إذ كان المتولي لحبسه في جوف الحوت في قرار بحر، وقد أمسك عليه رمقه حتى بقي حيا، ثم أخرجه من ذلك إلى تحت شجرة من يقطين، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض ولم يخطر له ببال سكناه وهذا أيضا خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، وقد نطق به القرآن وأجمع عليه أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان
وأمر أصحاب الكهف نظير لما ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم: في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناء عن بلدهم، فأماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد، ودبر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغير، فكان يقلبهم ذات اليمين وذات شمال كالحي الذي يتقلب في منامه بالطبع والأختيار، ويقيهم حر الشمس التي تغير الألوان، والرياح التي تمزق الأجساد فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم ثم أحياهم فعادوا إلى معاملة قومهم ومبايعتهم، وأنفذوا إليهم بورقهم ليبتاعوا منهم أحل الطعام وأطيبه وأزكاه بحسب ما تضمن القرآن من شرح قصتهم، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم عنهم وخفاء أمرهم عليهم وليس في عادتنا مثل ذلك ولا عرفناه، ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به، وقد تقول: لن يكون في المقدور وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصته القرآن، وأهل الكتاب يزعمون أنه نبي الله تعالى، وقد كان (مر على قرية وهي خاوية على عروشها) فاستبعد عمارتها وعودها إلى ما كانت عليه ورجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة، فـ (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) وبقي طعامه وشرابه بحاله لم يغيره تغيير طبائع الزمان كل طعام وشراب عن حاله، فجرت بذلك العادة في طعام صاحب الحمار وشرابه، وبقي حماره قائما في مكانه لم ينفق ولم يتغير عن حاله حي يأكل ويشرب، لم يضره طول عمره ولا أضعف ولا غير له صفة من صفاته فلما أحياه الله تعالى ـ المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام ـ قال له: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه)، يريد به: لم يتغير بطول مدة بقائه، (وانظر إلى العظام كيف ننشزها)، يعني: عظام الأموات من الناس كيف نخرجها من تحت التراب (ثم نكسوها لحما) فتعود حيوانا كما كانت بعد تفرق أجزائها واندراسها بالموت (فلما تبين له) ذلك وشاهد الأعجوبة فيه (قال اعلم أن الله على كل شيء قدير) وهذا منصوص في القرآن مشروح في الذكر والبيان لا يختلف فيه المسلمون وأهل الكتاب، وهو خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، منكر عند الملحدين ومستحيل على مذهب الدهريين والمنجمين وأصحاب الطبائع من اليونانيين وغيرهم من المدعين الفلسفة والمتطببين على أن ما يذهب إليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدته أقرب في العقول والعادات مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن فأي الطريق للمقر بالاسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك، لولا أنهم بعداء من التوفيق مستمالون بالخذلان
وأمثال ما ذكرناه ـ وإن لم يكن قد جاء به القرآن ـ كثير، قد رواه أصحاب الأخبار وسطره في الصحف أصحاب السير والآثار: من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهرا طويلا لضروب من التدبيرات، لم يعرف أحد لهم فيها مستقرا ولا عثر لهم على موضع ولا مكان، ثم ظهروا بعد ذلك وعادوا إلى ملكهم بأحسن حال، وكذلك جماعة من حكماء الروم والهند وملوكهم فكم كانت لهم غيبات وأخبار بأحوال تخرج عن العادات
لم نتعرض لذكر شيء من ذلك، لعلمنا بتسرع الخصوم إلى إنكاره، لجهلهم ودفعهم صحة الاخبار به وتعويلهم في إبطاله على بعده من عاداتهم وعرفهم فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه، وإجماع أهل الاسلام، الإقرار الخصم بصحة ذلك وأنه من عند الله تعالى، واعترافهم بحجة الاجماع وإن كنا نعرف من كثير منهم نفاقهم بذلك، ونتحقق استبطانهم بخلافه، لعلمنا بإلحادهم في الدين واستهزائهم به، وأنهم كانوا ينحلون بظاهره خوفا من السيف وتصنعا أيضا، لا كتساب الحطام به من الدنيا، ولولا ذلك لصرحوا بما ينتمون وظاهروا بمذاهب الزنادقة التي بها يدينون ولها يعتقدون "
المفيد هنا يزعم ان الغيبة حدثت لبعض الأنبياء(ص)ومن ثم فطبقا لذلك يمكن حدوثها للمهدى المزعوم وهو ليس صحيحا فقد أخطأ فى التالى :
1-وجود نبى اسمه الخضر كان فى زمان موسى(ص) وما زال حيا حتى الآن وهذا كذب مخالف لقوله تعالى " ولكن رسول الله وخاتم النبيين" فلو كان الخضر حيا حتى ألآن ما كان محمد(ص) أخر الأنبياء كما يناقض لأنه الخضر كما يزعم المفيد عاش بعده
كما أنه لو كان حيا فما هى الحاجة للأئمة المزعومين جميعا بما فيهم المهدى فالنبى أعظم من الوصى ومن ثم سيكون هو الإمام ولا إمامة لوصى فى وجود نبى
2- اعتبر يوسف(ص) كان فى غيبة وهو خبل فالغيبة أن لا يعرفه أحد باسمه ولكنه كان يعيش فى مصر حياة علنية بنفس الاسم ويعلم اسم أبيه وجده الأول والثانى بدليل قوله تعالى " ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمنى ربى إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس"
3-اعتبر أن يونس(ص) كانت له غيبة بفراره من قومه وهو لم يهرب من قومه وإنما ظن ظن خاطىء فى الله وهو ما قاله الله فى قوله " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه"
ومن ثم فلم تكن هناك غيبة فحتى الثلاث ايام كان الناس في السفينة يعرفونه بغرقه في البحر وهو ما حدث أمامهم ومن ثم فلا توجد غيبة
4- اعتبر موسى (ص) كان في غيبة مع أنه أخبر القوم بذهابه للميقات وولى هارون(ص)عليهم وفى هذا قال تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين"وقال "وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون"
ومن ثم فالأمر كان معلنا باختيار هارون(ص) خليفة له أمامهم ومن ثم فلم تكن غيبة للجهل بها
5- اعتبر أهل الكهف والرجل المار على قرية كانوا في غيبة والموت ليس غيبة بالإرادة فحتى لو قارنا بينه وبين غيبة المهدى فلا وجه لأنه حى وكانوا هم موتى كما أن موت القوم كان لهدف أوضحه الله في كل قصة ففى أهل الكهف قال "فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا"فالهدف " لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" والهدف في قصة المار قال تعالى "أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحى هذه الله بعد موتها فأماته مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شىء قدير" فالهدف " قال أعلم أن الله على كل شىء قدير"
وتناول طول العمر أى كثرة مدى الغيبة فقال :
"الكلام في الفصل السادس:
تعلق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره، وبقائه على تكامل أدواته منذ ولد على قول الإمامية في سني عشر الستين والمائتين وإلى يومنا هذا وهو سنة أحد عشر وأربعمائة، وفي حملهم في بقائه وحاله وصفته التي يدعونها له بخلاف حكم العادات، وأنه يدل على فساد معتقدهم فيه
فصل:
والذي تخيله الخصوم هو: فساد قول الإمامية بدعواهم لصاحبهم طول العمر، وتكامل أدواته فيه، وبقائه إلى يومنا هذا وإلى وقت ظهوره بالأمة، على حال الشبيبة، ووفارة العقل والقوة والمعارف بأحوال الدين والدنيا
وإن خرج عما نعهده نحن الآن من أحوال البشر، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشرية وأمثالهم في الإنسانية وما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان ولو لم تجر عادة بذلك جملة لكانت الأدلة على أن الله تعالى قادر على فعل ذلك تبطل توهم المخالفين للحق فساد القول به وتكذبهم في دعواهم وقد أطلق العلماء من أهل الملل وغيرهم أن آدم أبا البشرعمر نحو الألف، لم يتغير له خلق، ولا انتقل من طفولية إلى شبيبة، ولا عنها إلى هرم، ولا عن قوة إلى عجز، ولا عن علم إلى جهل، وأنه لم يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله عز وجل إليه
هذا مع الأعجوبة في حدوثه من غير نكاح، واختراعه من التراب من غير بدو وانتقاله من طين لازب إلى طبيعة الانسانية، ولا واسطة في صنعته على اتفاق من ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيناه
والقرآن في ذلك ناطق ببقاء نوح نبي الله في قومه تسعمائة سنة وخمسين سنة للإنذار لهم خاصة، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بعث نبيا من غير ضعف كان به ولا هرم ولا عجز ولا جهل، مع امتداد بقائه وتطاول عمره في الدنيا وسلامة حواسه
وأن الشيب أيضا لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل بإجماع من سميناه من أهل العلم من المسلمين خاصة كما ذكرناه وهذا ما لا يدفعه إلا الملحدة من المنجمين وشركاؤهم في الزندقة من الدهريين، فأما أهل الملل كلها فعلى اتفاق منهم على ما وصفناه
والأخبار متناصرة بامتداد أيام المعمرين من العرب والعجم والهند، وأصناف البشر أحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك، والمحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم، والمأثور من تفصيل قصاتهم من أهل أعصارهم وخطبهم وأشعارهم، لا يختلف أهل النقل في صحة الأخبار عنهم بما ذكرناه
وصدق الروايات في أعمارهم وأحولهم كما وصفناه وقد أثبت أسماء جماعة منهم في كتابي المعروف بـ الإيضاح في الإمامة، وأخبار كافتهم مجموعة مؤلفة حاصلة في خزائن الملوك وكثير من الرؤساء وكثير من أهل العلم وحوانيت الوراقين، فمن أحب الوقوف على ذلك فليلتمسه من الجهات المذكورة، يجدها على ما يثلج صدره ويقطع بتأمل أسانيدها في الصحة له عذره، إن شاء الله تعالى
وأنا أثبت من ذكر بعضهم ها هنا جملة تقنع، وإن كان الوقوف على أخبار كافتهم أنجع فيما نؤمه بذكر البعض إن شاء الله
فمنهم:
لقمان بن عاد الكبير وكان أطول الناس عمرا بعد الخضر ، وذكر أنه عاش على رواية العلماء بالأخبار ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة، وقيل: إنه وهو غير لقمان الذي عاصر النبي داود ، وكان من بقية عاد الأولى، وكان وفد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم، واعطي من السمع والبصر على قدر ذلك، وله أحاديث كثيرة
عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فرباه، حتى كان آخرها لبد، وكان أطولها عمرا، فقيل: طال الأمد على لبد
وفيه يقول الأعشى:
لنفسك إذ تختار سبعة أنسر * إذا ما مضى نسر خلدت إلى نسر
فعمر حتى خال أن نسوره * خلود وهل تبقى النفوس على الدهر
وقال لأدناهن إذ حل ريشه * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري
ومنهم:
ربيع بن ضبيع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم يسلم وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة:
أصبح مني الشباب قد حسرا * إن ينأ عني فقد ثرى عصرا
والأبيات معروفة وهو الذي يقول أيضا منه:
إذا كان الشتاء فأدفئوني * فإن الشيخ يهدمه الشتاء
وأما حين يذهب كل قر * فسربال خفيف أو رادء
إذا عشا الفتى مأتين عاما * فقد أودى المسرة والفتاء
ومنهم:
المستوغر بن ربيعة بن كعبعاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة
وهو الذي يقول:
ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مائتان لي * وعمرت من عدد الشهور سنينا
ومنهم:
أكثم بن صيفي الأسدي
عاش ثلاثمائة سنة وثمانين سنة، وكان ممن أدرك النبي صلى الله عليه وآله وآمن به ومات قبل أن يلقاه، وله أحاديث كثيرة وحكم وبلاغات وأمثال
وهو القائل:
وإن امرأ قد عاش تسعين حجة * إلى مأة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان بعد عشر وفائها * وذلك من عدى ليال قلائل وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم أيضا من المعمرين
عاش مائتين وستة وسبعين سنة، ولا ينكر من عقله شيء، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الانسان إلا ليعلما
ومنهم:
ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمر وعاش مائتي سنة وعشرين سنة، فلم يشب قط، وأدرك الاسلام ولم يسلم وروى أبو حاتم و الرياشي، عن العتبي، عن أبيه أنه قال: مات ضبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر صحيح الأسنان
ورثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال:
من يأمن الحدثان بعـ * ـد ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيته المشيـ * ـب وكان ميتته افتلاتا
فتزودوا لا تهلكوا * من دون أهلكم خفاتا
ومنهم:
دريد بن الصمة الجشمي عاش مائتي سنة، وأدرك الاسلام فلم يسلم، وكان أحد قواد المشركين يوم حنين ومقدمهم، حضر حرب النبي صلى الله عليه وآله فقتل يومئذ ومنهم:محصن بن عتبان بن ظالم الزبيدي عاش مائتي سنة وخمسة وخمسين سنة ومنهم:عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة وهو الذي يقول:
كبرت وطال العمر حتى كأنني * سليم أفاع ليله غير مودع
فما الموت أفناني ولكن تتابعت * علي سنون من مصيف ومربع
ثلاث مئات قد مررن كواملا * وها أنا هذا أرتجي نيل اربع
ومنهم:الحرث بن مضاض الجرهمي عاش أربعمائة سنة
وهو القائل:
كأن لم يكن بين الحج ونإلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر
وفي غير من ذكرت يطول بإثباته جزء الكتاب والفرس تزعم أن قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدت وزادت في الطول على أعمار من أثبتنا اسمه من العرب، ويذكرون أن من جملتهم الملك الذي استحدث المهرجان، عاش الفي سنة وخمسمائة سنة لم نتعرض لشرح أخبارهم، لظهور ما قصصته من أمر العرب من أعمارهم على ما تدعيه الفرس، ولقرب عهدها منا وبعد عهد أولئك، وثبوت أخبار معمري العرب في صحف أهل الإسلام وعند علمائهم وقد أسلفت القول بأن المنكر لتطاول الأعمار إنما هم طائفة من المنجمين وجماعة من الملحدين، فأما أهل الكتب والملل فلا يختلفون في صحة ذلك وثبوته
فلو لم يكن من جملة المعمرين إلا من التنازع في طول عمره مرتفع، وهو سلمان الفارسي ، وأكثر أهل العلم يقولون: بأنه رآى المسيح، وأدرك النبي (ص) وعاش بعده، وكانت وفاته في وسط أيام عمر بن الخطاب، وهو يومئذ القاضي بين المسلمين في المدائن، ويقال: إنه كان عاملها وجابي خراجها، وهذا أصح"
الرجل هنا يقول أن عمر المهدى قد يكون طويلا وذكر أمثلة كثيرة من ألمم المختلفة وبعضهم أمثلة كانت لأنبياء كآدم(ص) ونوح(ص) ولا يجوز الاستشهاد بأى إنسان قبل البعثة نظرا لوجود اختلاف فى سنن الحياة قبل بعثة محمد (ص) بما بعده وإذا كان الكتاب يتحدث عن غيبته قرن أو أكثر فقد مرت أكثر من عشرة قرون على الغيبة ومات أعداء المهدى العباسيين والأمويين ولم يعد لأى منهم سلطة ومع هذا لم يظهر المهدى
ولوعاد المفيد لكتب الأخبار أى الحديث الشيعية لوجد حديث يقول أعمار أمتى ما بين الستين إلى السبعين ومن ثم طبقا للرواية فلابد أن يكون قد مات منذ زمن بعيد
ثم تحدث عن ابطال حجة وجود المهدى بعدم اقامة الشرع فقال :
"الكلام في الفصل السابع
فأما قول الخصوم: إنه إذا استمرت غيبة الإمام على الوجه الذي تعتقده الإمامية ـ فلم يظهر له شخص، ولا تولى إقامة حد، ولا إنقاذ حكم، ولا دعوة إلى حق، ولا جهاد العدو ـ بطلت الحاجة إليه في حفظ الشرع والملة، وكان وجوده في العالم كعدمه
فصل:
فإنا نقول فيه: إن الأمر بخلاف ما ظنوه، وذلك أن غيبته لا تخل بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملة، واستيداعها له، وتكليفها التعرف في كل وقت لأحوال الأمة، وتمسكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره كافة رعيته ألا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته وتقوم الحجة بهم في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء (ص) تظهر نايبا عنهم والمقرين بحقهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتى عن علتهم (كذا) ومستقرهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت أيضا نايبا عنهم بعد وفاتهم، وتثبت الحجة لهم في ثبوتهم بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وقد يتولاها أمراء الأئمة وعمالهم دونهم، كما كان يتولى ذلك أمراء الأنبياء (ص) وولاتهم ولا يخرجونهم إلى تولى ذلك بأنفسهم، وكذلك القول في الجهاد، ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمة دونهم، ويستغنون بذلك عن توليه بأنفسهم فعلم بما ذكرناه أن الذي أحوج إلى وجود الإمام ومنع من عدمه ما اختص به من حفظ الشرع، الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه ومراعاة الخلق في أداء ما كلفوه من أدائه (آدابه) فمن وجد منهم قائما بذلك فهو في سعة من الإستتار والصموت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه وضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله ظهر لتولي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه وهذا بين لمن تدبره وشيء آخر، وهو: أنه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت لذلك الحدود وانهملت به الأحكام ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز أسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه فلوا أماته الله تعالى وأعدم ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع ما يرفع الصلاح فوضح بذلك الفرق بين موت الإمام وغيبته واستتاره وثبوته، وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات"
بالقطع حجة ساقطة فلا الإمام أقام الدين ولا نوابه فى حالة استتاره وما زال الكفار يحكمون بلاد الأرض قاطبة بغير شرع الله ثم أين الحق الذى أوصله نوابه والدين ما زال فيه الخلاف فيه حتى بين الشيعة أنفسهم فمنهم من يعترف به ومنهم من لا يعترف به
ثم ما الحاجة أساسا له وللأئمة والله تعهد بحفظ دينه فقال " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "؟
فالإمام يكون موجودا إذا كان دين الله غير محفوظ فهو يبين عن طريق الوحى الدين الصحيح بعد أن حرفه البشر
ثم تحدث عن الفرق التى لديها غيبة فى أصحابها فقال :
"الكلام في الفصل الثامن
فأما قول المخالفين: إنا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا السبائية في قولهم: إن أمير المؤمنين لم يقتل وأنه حي موجود، وقول الكيسانية: في محمد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أن الصادق جعفر بن محمد لم يمت، وقول الممطورة: في موسى بن جعفر أنه لم يمت وأنه حي إلى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الإسماعيلية وأسلافها: أن إسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنه حي لم يمت، وقول بعضهم: مثل ذلك في محمد بن إسماعيل، وقول الزيدية: مثل ذلك فيمن قتل من أئمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر المقتول بشاهي وإذا كانت هذه الأقاويل باطلة عند الإمامية، وقولها في غيبة صاحبها نظيرها، فقد بطلت أيضا ووضح فسادها
فصل:
فإنا نقول: إن هذا توهم من الخصوم لو تيقظوا لفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحق وظنوه نظيرا لمقالهم: وذلك أن قتل من سموه قد كان محسوسا مدركا بالعيان، وشهد به أئمة قاموا بعدهم ثبتت إمامتهم بالشيء الذي به ثبتت إمامة من تقدمهم، والانكار للمحسوسات باطل عند كافة العقلاء، وشهادة الأئمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة، فبطلت الشبهة فيه ما بيناه ليس كذلك قول الإمامية في دعوى وجود صاحبهم ، لأن دعوى وجود صاحبهم لا تتضمن دفع المشاهد، ولا له إنكار المحسوس، ولا قام بعد الثاني عشر من أئمة الهدى إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الإمامية أو وجود إمامها وغيبته
فأي نسبة بين الأمرين، لولا التحريف في الكلام، والعمل على أول خاطر يخطر للإنسان من غير فكر فيه ولا إثبات
فصل:
ونحن فلم ننكر غيبة من سماه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون ذلك حجة علينا في تطاول مدة غيبة صاحبنا، وإنما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت من مات من جملتهم، وحصول العلم بذلك من جهة الإدراك بالحواس ولأن في جملة من ذكروه من لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقها على حال، فلا يضر لذلك دعوى من ادعى له الغيبة والاستتار ومن تأمل ما ذكرناه عرف الحق منه، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالة من المنتسبين إلى الإمامية والزيدية ولم يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه"
المفيد هنا يدافع عن غيبة صاحبه وينكر دفاع القوم عن غيبة أصحابهم مع أن معظم الفرق إن لم يكن كلها القائلة بالغيبة كلها شيعية ولكن كل واحد منهم يدعى غائبا مختلفا والغريب أن الكثير من الغائبين لهم نفس الحجة وهى أنه إمام بن إمام وكان لديه نفس الحكاية وهو الخوف عليه من الأعداء
و حكاية الغيبة لا يقول بها إلا كل مستفيد من الغيبة بمعنى أن النواب استحلوا الخمس لأنفسهم وكدسوا الأموال عندهم كما ضمنوا بحكاية النيابة التى لم يشهد عليها أحد سوى النواب المزعومين طاعة الشيعة لهم باعتبارهم المعروفين وهذا ما حدث فى أثناء وجود موسى(ص) فى الميقات حيث استغل السامرى طول فترة الميقات عن الثلاثين يوما ليستولى على الذهب مع بنى لإسرائيل فيصنع ببعض منه العجل ويستفيد ببقية الذهب وأيضا بكونه كاهن العجل الذى يتولى النذور والقرابين وما شابه هذا من المنافع التى تصب عنده
هذا هو الهدف من اختراع الغيبة
وتحدث عن تناقض المذهب الإمامى باختفاء الإمام مع وجوده الخفى المزعوم فقال :
"وأما الكلام في الفصل التاسع وهو قول الخصوم: إن الإمامية تناقض مذهبها في إيجابهم الإمامة، وقولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكنه من البلاد والعباد وقولهم مع ذلك: إن الله تعالى قد أباح للإمام الغيبة عن الخلق وسوغ له الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء
فصل:
وأقول: إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجوه الصلاح وأسباب الفساد، وذلك أن المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادها، بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغير آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبر ولده وأحبته وأهله وعبيده وحشمه بما يكسبهم المعرفة والآداب، ويحثهم على الأعمال الحسنات، ليستثمروا بذلك المدح وحسن الثناء والإعظام من كل أحد والإكرام، ويمكنوهم من المتاجر والمكاسب للأموال، لتتصل مسارهم بذلك، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات، وذلك هو الأصلح لهم، مع توفرهم على ما دبرهم به من أسباب ما ذكرناه فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجد فيه، أداموا لهم ما يتمكنون به منه، وسهلوا عليهم سبيله، وكان ذلك هو الصلاح العام، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبوه منهم وأبروه لهم وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة، واللهو واللعب، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد، كانت المصلحة لهم قطع مواد السعة عنهم في الأموال، والاستخفاف بهم، والإهانة والعقاب وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضاد في صواب التدبير والاستصلاح وعلى الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلفهم الأعمال الصالحات، ليكسبهم بذلك حالا في العاجلة، ومدحا وثناء حسنا وإكراما وإعظاما وثوابا في الآجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام فان تمسكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه، وسهل عليهم سبيله، ويسره لهم وإن خالفوا ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه، وتغيرت الحال فيما يكون فيه استصلاحهم، وصواب التدبير لهم، يوجب قطع مواد التوفيق عنهم، وحسن منه وذمهم وحربهم، ووجب عليهم به العقاب، وكان ذلك هو الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد
فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضاد في قول أهل العدل، بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق"
فى رد المفيد" وعلى الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلفهم الأعمال الصالحات" عدم لمقولة المهدوية فما دامت العقول كاملة فما هى الحاجة للمهدى ؟
إنما يحتاج الناقص للكمال او بتعبير العهد الجديد المرضى من يحتاجون للعلاج والجملة هى "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى لم أت لأدعوا أبرارا بل خاطئين"
المفيد فى الرد يقول ان الإمام علمهم من بعيد ثم تركهم لينفذوا تعليمه مثل الحكيم الذى علم أهل بيته وسبب لهم أسباب السعادة ثم تركهم وهو كلام ما زال يخالف الواقع فالنواب نهبة المال لم يسعدوا تلك الرعية وزادوا الخلافات بينها لأن كل واحد يقول على هواه ومن ثم وجد اختلاف الآراء داخل المذهب الإمامى وغيره فى المسائل المختلفة بعد الغيبة ولو كان المعلم واحد فلن يكون هناك اختلاف فى التعليم
وأكمل المفيد رده فقال:
"فصل:
ألا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به وإظهار التوحيد والإيمان برسله (ص) لمصلحتهم، وأنه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك، فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالكفر بالرسل، وإنما تغيرت المصلحة بتغير الأحوال، وكان في تغير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين، وإن كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحا منهم ومفسدة يستحقون به العقاب الأليم وقد فرض الله تعالى الحج والجهاد وجعلهما صلاحا للعباد، فإذا تمكنوا منه عمت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكف عنه، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين فهذا نظير لمصلحة الخلق بظهور الأئمة وتدبيرهم إياهم متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة، وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم هو المسبب له بإفساده وسوء اعتقاده ولم يمنع كون الصلاح باستتاره وجوب وجوده وظهوره، مع العلم ببقائه وسلامته وكون ذلك هو الأصلح والأولى في التدبير، وأنه الأصل الذي أجرى بخلق العباد إليه وكلفوا من أجله حسبما ذكرناه"
المفيد يقول أن مصلحة الرعية ان تكفر كفرا ظاهرا إذا خافت على معتقدها وحتى الأئمة إن خافوا من قتلهم من مصلحتهم الكفر الظاهر وهو كلام يتعارض مع إبلاغ الرسالة كما قال تعالى "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله"
فالإمام ليس كالرعية حتى يخاف على دمه ولو كانت هذه الحجة لتوجب على كل الرسل (ص) ألا يلبفوا الرسالة لأحد لأن لديهم حجتهم وهى الخوف من القتل ولكن الحادث كان هو أن أبلغوا الرسالة فمنهم من قتل شهيدا بسبب الإبلاغ كما قال تعالى" أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون"
ثم بين أن تسليم أهل المذهب بالتناقض يحدث من العميان فقط فقال :
"فصل:
فإن الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب، واعتقادها أن مذهب الإمامية في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإمامة متناقض، حسبما ظنوه في ذلك وتخيلوه، لا يدخل إلا على عمى منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الإمامة، ولا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم به: وذلك أنهم بين رجلين: أحدهما: يوجب الإمامة عقلا وسمعا، وهم البغداديون والمعنى: أن الصلاح الالهي الذي اقتضى غيبة الإمام هو الأصل الذي كان خلق العباد للتوصل إليه ومن أجله
المعتزلة وكثير من المرجئة والآخر: يعتقد وجوبها سمعا وينكر أن تكون العقول توجبها، وهم البصريون من المعتزلة وجماعة المجبرة وجمهور الزيدية وكلهم وإن خالف الإمامية في وجوب النص على الأئمة بأعيانهم، وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد، فإنهم يقولون: إن وجوب اختيار الأئمة إنما هو لمصالح الخلق، والبغداديون من المعتزلة خاصة يزعمون أنه الأصلح في الدين والدنيا معا، ويعترفون بأن وقوع الاختيار وثبوت الإمامة هو المصلحة العامة، لكنه متى تعذر ذلك بمنع الظالمين منه كان الذين إليهم العقد والنهوض بالدعوة في سعة من ترك ذلك وفي غير حرج من الكف عنه، وأن تركهم له حينئذ يكون هو الأصلح، وإباحة الله تعالى لهم التقية في العدول عنه هو الأولى في الحكمة وصواب التدبير في الدنيا والدين وهذا هو القول الذي أنكره المستضعفون منهم على الإمامية: في ظهور الإمام وغيبته، والقيام بالسيف وكفه عنه وتقيته، وإباحة شيعته عند الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الإعلان، والإعراض عن ذلك للضرورة إليه، والإمساك عن الذكر له باللسان فيكف خفي الأمر فيه على الجهال من خصومنا، حتى ظنوا بنا المناقضة وبمذهبنا في معناه التضاد، وهو قولهم بعينه على السواء، لولا عدم التوفيق لهم وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان"
المفيد بعد أن أنكر على بعض المعارضين كلامهم فى الغيبة عاد واعترف بصحة رأيهم فى اثبات الإمام والتقية فى امره إن خيف من إعلانه
وتناول فى الفصل الأخير الرد على قول المعارضين أن المهدى المزعوم لا احد يعرفه لأنه من يوم ولادته وهو غائب وقد كبر وتغير منظره ومات من حوله فكيف يعرفه الناس وهم لم يشاهدوه فقال:
" الكلام في الفصل العاشر:
فأما قول الخصوم: إنه إذا كان الإمام غائبا منذ ولد وإلى أن يظهر داعيا إلى الله تعالى، ولم يكن رآه على قول أصحابه أحد إلا من مات قبل ظهوره، فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته وإذا لم يكن الله تعالى يظهر الأعلام والمعجزات على يده ليدل بها على أنه الإمام المنتظر، دون من ادعى مقامه في ذلك النبوة له، إذ كانت المعجزات دلائل النبوة والوحي والرسالة، وهذا نقض مذهبهم وخروج عن قول الأمة كلها أنه لا نبي بعد نبينا (ص)
فصل:
فإنا نقول: إن الأخبار قد جاءت عن أئمة الهدى من آباء الامام المنتظر بعلامات تدل عليه قبل ظهوره وتؤذن بقيامه بالسيف قبل سنته: منها:
خروج السفياني، وظهور الدجال، وقتل رجل من ولد الحسن بن علي يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان، وخسف بالبيداء وقد شاركت العامة الخاصة في الحديث عن النبي (ص) بأكثر هذه العلامات، وأنها كائنة لا محالة على القطع بذلك والثبات، وهذا بعينه معجز يظهر على يده، يبرهن به عن صحة نسبه ودعواه"
المفيد يقول أن الروايات بينت علامات ما قبل المهدى مثل خروج السفياني، وظهور الدجال، وقتل رجل من ولد الحسن بن علي يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان، وخسف بالبيداء
حتى لو سلمنا بهذه التخاريف فتلك العلامات حدثت اكثر من مرة فكم من سفيانى خرج وأقام دولة فى كتب التاريخ وكم من دجالين ظهروا وكم من رجال من ولد الحسن خرجوا وقتلوا وكم من خسوفات حدثت بالصحارى ومع هذا لم يخرج المهدى المزعوم مع أن عدد المهديين الذين أعلنوا المهدوية وقتلوا أو سجنوا أو تراجعوا عن الادعاء يعدون بالعشرات والمئات فى كتب التاريخ
تلك العلامات وضعها النواب حتى يأكلوا مال الناس عبر العصور باسم رجل لا وجود له وهذا الرجل وصفه أن يهدم دول الكفر ويقيم دولة العدل ورجل بهذه الصفة يقدر على الخروج فى أى وقت لو كان له وجود لأنه مؤيد كما يقولون بآيات الله ومع هذا لم يخرج لأنه مجرد خرافة لكى تظل دول الكفر موجود ويظل الكافرون يحكمون بلاد الأرض بكفرهم حتى يأتى الرجل الذى لا يأتى لأنه ليس له وجود ولكنه خرافة وضعها الكفار الذين هدموا دولة العدل الأخيرة فى معظم الأديان إلا لم يكن كلها حتى يظل الناس مستسلمين للمجرمين الذين يحكمونهم
وبقول المفيد أن ألائمة لهم آيات معجزات حالا يصدقهم الناس فيقول:
"فصل:
مع أن ظهور الآيات على الأئمة لا توجب لهم الحكم بالنبوة، لأنها ليست بأدلة تختص بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوتهم، لكنها أدلة على صدق الداعي إلى ما دعا إلى تصديقه فيه على الجملة دون التفصيل فإن دعا إلى اعتقاد نبوتهم كانت دليلا على صدقه في دعوته، وإن دعا الإمام إلى اعتقاد إمامته كانت برهانا له في صدقه في ذلك، وإن دعا المؤمن الصالح إلى تصديق دعوته إلى نبوة نبي أو إمامة إمام أو حكم سمعه من نبي أو إمام كان المعجزة على صحة دعواه وليس يختص ذلك بدعوة النبوة دون ما ذكرناه، وإن كان مختصا بذوي العصمة من الضلال وارتكاب كبائر الآثام، وذلك مما يصح اشتراك أصحابه مع الأنبياء (ص) في صحيح النظر والاعتبار وقد أجرى الله تعالى آية إلى مريم ابنة عمران، الآية الباهرة برزقها من السماء، وهو خرق للعادة وعلم باهر من أعلام النبوة فقال جل من قائل: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)ولم يكن لمريم نبوة ولا رسالة، لكنها كانت من عباد الله الصالحين المعصومين من الزلات وأخبر سبحانه أنه أوحي إلى أم موسى: (أن أرضعيه فإذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)والوحي معجز من جملة معجزات الأنبياء (ص) ولم تكن أم موسى عليها السلام نبية ولا رسولة، بل كانت من عباد الله البررة الأتقياء فما الذي ينكر من إظهار علم يدل على عين الإمام ليتميز به عمن سواه، ولولا أن مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم الشبهات المضمحلات"
بداية فى عهد النبى(ص) منع الله الآيات وهى المعجزات بسبب أن الأقوام قبله كذبت بها ومن ثم لا يمكن أن توجد معجزة لإمام أيا كان لقوله تعالى "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثانيا أن الله لم يعط مريم رزقا من السماء ومن يراجع الاية لن يجد فيها اللفظ لا صراحة ولا تلميحا" كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء"
ثالثا نزول وحى على بعض النساء هو لأسباب محددة وهو لا يتكرر لأنه متعلق بحدث مستقبلى فسبب الوحى لأم موسى(ص) هو أن يحقق الله الوحى الذى قاله من قبل عن رسولية الوليد فى قوله تعالى "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"
وتحقق هلاك فرعون ومن معه والذى حاولوه منعه بشتى الطرق ما عدا الطريقة الوحيدة التى تنجيهم وهى توقفهم عن الظلم وإسلامهم كما قال تعالى "ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون"
والأئمة المزعومون لا حاجة للناس بهم لأن الدين محفوظ ومن يؤمن به هو من يقيمه والغريب أن الأئمة الإثنا عشر المزعومين لم يتسن لأى واحد منهم ان يكون إماما حقيقيا سوى واحد بضع سنين وبقية عمره قضاه حسب التاريخ فى صراعات وبقيتهم لم يحكموا بلادا ولم يقيموا دين الله فى التاريخ المعروف وإنما كانوا رعية لغيرهم