ابن السبيل (أقصوصة):
رُمت زيارة صديق يقيم بقرية (بني ورتلان) وكنت يومها ببحاية، فركبت قاصدا، لكن المركبة تعطلت عند مدخل قرية (صادوق)، وكان الليل قد خيم على المكان المقفر حيث لا مطعم ولا مرقد ولا من يكلمك، إلإ رياح الظلمة الحالكة والبرودة المهلكة، فهرعت إلى المسجد مستغيثا، وما إن نزلت درج السور المحيط بالمصلى حتى أٌصبت بخيبة ما بعدها خيبة: باب المصلى من حديد ومقفل بإحكام، وكل النوافد محصنة بقضبان، بيد أني لم استسلم لحكم القفر الموحش، بل رحت أفتش وأنشنش حتى عثرت على تابوت مَخْبوء تحت الدرج الاسمنتي المذكور آنفا، فانقبرت في الصندوق الخشبي وجعلت حقيبتي وسادة تحضن رأسي، وهكذا قضيت ليلتي مصندقا أصغي لدردشة منكر ونكير، حتى إذا نفخ في الصور نفخة التجريب المخشخشة ورفع آذان الفجر خرجت من قبري، خرجت حيا سالما مع تخشب قليل بعضلات الظهر، وما زلت إلي يومنا هذا حيا أَضْحَكُ، وشر البلية ما يُضحك.