قراءة فى كتاب حجاب المرأة ولباسها في الصلاة
المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 78هـ)
يبدو أنه لا يوجد كتاب بهذا الاسم لابن تيمية وإنما قام الألبانى محقق الكتاب بانتزاع بعض الفصول من كتب اخرى وضمها إلى بعضها وأطلق عليها اسم الكتاب الذى نتناوله وقد استهل الكتاب بفصل فى لباس الصلاة فقال :
"فصل في "اللباس في الصلاة"
وهو أخذ الزينة عند كل مسجد: الذي يسميه الفقهاء: "باب ستر العورة في الصلاة" فإن طائفة من الفقهاء ظنوا أن الذي يستر في الصلاة هو الذي يستر عن أعين الناظرين وهو العورة وأخذ ما يستر في الصلاة من قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن} ثم قال {ولا يبدين زينتهن} يعني الباطنة {إلا لبعولتهن} الآية، فقالوا: يجوز لها في الصلاة أن تبدي الزينة الظاهرة دون الباطنة
والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين:
- فقال: ابن مسعود ومن وافقه هي الثياب
- وقال ابن عباس ومن وافقه: هو ما في الوجه واليدين،
مثل الكحل والخاتم وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية
فقيل: يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وقول في مذهب أحمد
وقيل: لا يجوز وهو ظاهر مذهب أحمد قال: كل شيء منها عورة حتى ظفرها وهو قول مالك
وحقيقة الأمر: أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم وأما الباطنة فلا تبديها إلا للزوج وذوي المحارم"
فى الفقرة أخطاء عديدة:
الأول كون الزينة عند كل مسجد اللباس ونص الآية "يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"هنا خاطب الله بنى آدم(ص) وهم أولاد الإنسان الأول فيقول :خذوا زينتكم عند كل مسجد والمراد افعلوا واجبكم لدى كل حكم وأخذ الزينة هو أخذ ما أتاهم الرسول(ص) وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الحشر"وما أتاكم الرسول فخذوه"وهذا يعنى طاعة كل حكم يأتى به ويطلب منهم فيقول كلوا أى اطعموا الطعام واشربوا أى ارتووا من الأشربة ولا يسرفوا أى لا يفرطوا فى طاعة حكم الله ويبين لهم أنه لا يحب المسرفين وهم الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين"والمراد أنه لا يرحم من يفرط فى طاعتهولو اعتبرنا الزينة اللباس لكان هذا محالا لأن الإنسان لا يحمل ملابسه عندما يذهب إلى منطقة أو بلد مخالفة لمنطقة سكنه كما أن هذا معناه إباحة العرى والقذارة خارج المساجد وهو ما لم يقل به أحد
الثانى أن المرأة وحدها كلها عورة والحق أن المرأة والرجل كلاهما عورة بعضها مورى أى مخفى وبعضها ظاهر كما قال تعالى" فوسوس لهما الشيطان ليبدى ما ورى عنهما من سوءاتهما" وقال "فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سواءتهما" وقال "ينزع عنهما لباسهما ليريهما سواءتهما"
فهنا الرجل والمرأة على حد سواء كلاهما سوءة أى عورة وكل منهما من سوءته ما يغطيه الملابس ومنها ما هو معرى من الملابس
الثالث أن الزينة هى الثياب والكحل والخاتم وأشباههم أو الوجه واليدين
والزينة تطلق على جسم المرأة كله كما قال تعالى" ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن" فنتيجة ضرب أى رفع الأرجل هو انكشاف الزينة والزينة هى التى يظهرها رفع الرجل هى السيقان والأفخاذ وما علاهما فلو قلنا أنها الملابس وما شاكلها فلا معنى بضرب الأرجل لأن الملابس ظاهرة فوقهما رفعت الأرجل أم لا
الرابع أن ما يبدى فى الصلاة يبدى للناظرين المباح لهم النظر وبالقطع ليس كل ما يخفى الصلاة يظهر للناظرين المذكورين فمثلا أثداء الأم واجب كشفها لرضاعة اطفالها وعورة الأطفال كلها تكشف للأبوين أو الاخوة والأخوات عند الطفولة المبكرة لغسل مكان البول والبراز من قبل الرضع وأحيانا من يكبرونهم بسنة أو أكثر وبالمقابل فإن كشف العورتين للأبوين عند الكبر فى حالة العجز أو النسيان واجبة لغسلهما من البول والبراز ومن ثم فليست عورة الصلاة المغطاة هى العورة التى ينظر لها المباح لهم النظر فهناك لكل حالة حكم والمتعارف عليه للكل هو :
أن النساء فى البيت يلبسن ثوبا واحدا ويعرين بعض أيديهن أو أرجلهن وشعرهن ولكنهن لا يكن عاريات تماما أو مظهرات للأثداء مثلا أو المهابل أو السوءات وهذا هو المباح النظر له للكل وأما الزوج فيباح له التعرى التام والأطفال الرضع والأبناء والأبوين والنساء يباح لهم النظر عند الرضاعة وأما غيرهم فلا
ثم قال خبلا وهو أن النساء كانت تخرج بلا جلباب :
"وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره"
وهذا معناه أنهن يخرجن عرايا لأنهن بلا جلابيب ومن ثم فقوله لظهور الوجوه واليدين هو تناقض لأنهن فى تلك الحال مكشوفات تماما لكونهن بلا جلابيب
وفى الفقرة التالية نجد القول :
"ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} حجب النساء عن الرجال وكان ذلك لما تزوج النبي (ص) زينب بنت جحش فأرخى النبي (ص) الستر ومنع أنسا أن ينظر ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر قالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإلا فهي ملكت يمينه فحجبها فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن و"الجلباب" هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره: الرداء وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها وقد حكى عبيدة وغيره: أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنسه النقاب فكن النساء ينتقبن وفي الصحيح: "أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين" فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب: كان حينئذ الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب فما بقي يحل للأجانب النظر إلا الثياب الظاهرة فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين"
الخطأ هنا هو أن آية الجلابيب تعنى الحجاب وهو الفصل بين الرجال والنساء وهو خبل فى الفهم فالآية تقول "يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما"
فهنا لا ذكر للرجال حتى يكون هناك فصل والمطلوب واضح وهو إطالة الجلابيب والسبب أن يعلمن حكم الله بإطالته فينفذنه حتى لا يؤذين أى لا يعاقبن فمن تخالف حكم ارتداء الجلباب الطويل فى الأماكن العامة يجب ضربها وهو عقابها حتى لا تعود لذلك
ثم بين أن المرأة تظهر لمملوكها الزينة الباطنة فقال :
"وعلى هذا فقوله: {أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن} يدل على أن لها أن تبدي الزينة الباطنة لمملوكها وفيه قولان:
- قيل المراد الإماء والإماء الكتابيات كما قاله ابن المسيب ورجحه أحمد وغيره
- وقيل: هو المملوك الرجل: كما قاله ابن عباس وغيره وهذا مذهب الشافعي وغيره وهو الرواية الأخرى عن أحمد فهذا يقتضي جواز نظر العبد إلى مولاته
وقد جاءت بذلك أحاديث وهذا لأجل الحاجة لأنها محتاجة إلى مخاطبة عبدها أكثر من حاجتها إلى رؤية الشاهد والعامل والخاطب فإذا جاز نظر أولئك فنظر العبد أولى وليس في هذا ما يوجب أن يكون محرما يسافر بها كغير أولي الإربة فإنهم يجوز لهم النظر وليسوا محارم يسافرون بها
فليس كل من جاز له النظر جاز له السفر بها ولا الخلوة بها بل عبدها ينظر إليها للحاجة وإن كان لا يخلو بها ولا يسافر بها فإنه لم يدخل في قوله (ص): "لا تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم" فإنه يجوز له أن يتزوجها إذا عتق كما يجوز لزوج أختها أن يتزوجها إذا طلق أختها والمحرم: من تحرم عليه على التأبيد ولهذا قال ابن عمر: سفر المرأة مع عبدها ضيعة
فالآية رخصت في إبداء الزينة لذوي المحارم وغيرهم وحديث السفر ليس فيه إلا ذوو المحارم وذكر في الآية {أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن} و {غير أولي الأربة} وهي لا تسافر معهم وقوله: {أو نسائهن} قال: احتراز عن النساء المشركات فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل معهن الحمام لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها بخلاف الرجال فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات وليس للذميات أن يطلعن على الزينة الباطنة ويكون الظهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره ولهذا كان أقاربها تبدي لهن الباطنة وللزوج خاصة ليست للأقارب وقوله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} دليل على أنها تغطي العنق فيكون من الباطن لا الظاهر ما فيه من القلادة وغيرها"
والفقرة بها اخطاء هى :
الأول ابداء الزينة الباطنة للمملوك وهو ما يخالف أن مماليك المرأة الرجال لا يجوز لهم الاطلاع على كامل عورة المرأة وإنما لهم الاطلاع على المتعارف عليه عموما وهو رؤية بعض ذراع المرأة وبعض رجلها حتى الركبة وشعرها باعتبارهم من أهل البيت
الثانى أن نسائهن تعنى المسلمات دون غيرهن والخطأ أن نسائهن كلمة على اطلاقها سواء كن مسلمات او كافرات خاصة أن فى أيام الدعوة الأولى كان كثير من الأمهات والخالات والعمات والبنات كافرات وهؤلاء يجوز لهن رؤية ما لا يراه غيرهم
ثم عقد فصلافي ستر النساء والرجالفقال :
"فصل في ستر النساء والرجال:
فهذا ستر النساء عن الرجال وستر الرجال عن الرجال والنساء عن النساء في العورة الخاصة كما قال (ص): "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة" وكما قال: "احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك"قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله أحق أن يستحيا منه"
نجد هنا فهم خاطىء للرواية الأولى والثانية فالرواية الأولى "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة" تعنى عدم نظرة الرجل لعورة الرجل والمرأة لعورة المرأة وهو ما يخالف قوله فى أول الفقرة "فهذا ستر النساء عن الرجال"
ونجد الخبل فى الاستحياء من الله بعدم رؤية الله للعورة فالاستحياء من الله يكون فى عدم عمل الذنوب وأما التعرى الجزئى أو الكامل المباح فليس هذا استحياء من الله وإنما عصيان لله لأن الله أباح التعرى عند الاغتسال وعند جماع المرأة وعند الجلوس فى البيت مع المباح لهم النظر
ثم نجد الاستدلال الخاطىء فى القول التالى:
"ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد" وقال عن الأولاد: " مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع"
فهذا نهي عن النظر والمس لعورة النظير لما في ذلك من القبح والفحش وأما الرجال مع النساء فلأجل شهوة النكاح فهذان نوعان وفي الصلاة نوع ثالث فإن المرأة لو صلت وحدها كانت مأمورة بالاختمار وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها فأخذ الزينة في الصلاة لحق الله فليس لأحد أن يطوف بالبيت عريانا ولو كان وحده بالليل ولا يصلي عريانا ولو كان وحده فعلم أن أخذ الزينة في الصلاة لم يكن ليحتجب عن الناس فهذا نوع وهذا نوع"
والاستدلال الخاطىء هنا هو أن التفرقة فى المضاجع تعنى عدم مشاهدة الاخوة والأخوات لأجزاء من عورات بعضهم المتعارف عليها فى البيوت
ثم بين أن ما يستر فى الصلاة يجوز كشفه فى غيرها فقال :
"وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال فالأول: مثل المنكبين فإن النبي (ص) نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء فهذا لحق الصلاة ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة, وكذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة كما قال النبي (ص): " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وهي لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء ولا لغيرهم وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها كشف الوجه بالإجماع وإن كان من الزينة الباطنة وكذلك اليدان يجوز إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد وكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة وهو الأقوى فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة قالت: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قالت: "الفتخ" حلق من فضة تكون في أصابع الرجلين رواه ابن أبي حاتم فهذا دليل على أن النساء كن يظهرن أقدامهن أولا كما يظهرن الوجه واليدين فإنهن كن يرخين ذيولهن فهي إذا مشت قد يظهر قدمها ولم يكن يمشين في خفاف وأحذية وتغطية هذا في الصلاة فيه حرج عظيم وأم سلمة قالت: "تصلي المرأة في ثوب سابغ يغطي ظهور قدميها " فهي إذا سجدت قد يبدو باطن القدم وبالجملة: قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها وإنما ذلك إذا خرجت وحينئذ فتصلي في بيتها وإن بدا وجهها ويداها وقدماها كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا وابن مسعود رضي الله عنه لما قال: الزينة الظاهرة هي الثياب لم يقل إنها كلها عورة حتى ظفرها بل هذا قول أحمد يعني به أنها تستره في الصلاة فإن الفقهاء يسمون ذلك: "باب ستر العورة" وليس هذا من ألفاظ الرسول ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلي فهو عورة بل قال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} ونهى النبي (ص) أن يطوف بالبيت عريانا فالصلاة أولى وسئل عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: "أو لكلكم ثوبان؟ " وقال في الثوب الواحد: "إن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به" ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء5 فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة: الفخذ وغيره وإن جوزنا للرجل النظر إلى ذلك فإذا قلنا على أحد القولين وهو إحدى الروايتين عن أحمد: أن العورة هي السوءتان وأن الفخذ ليست بعورة فهذا في جواز نظر الرجل إليها ليس هو في الصلاة والطواف فلا يجوز أن يصلي الرجل مكشوف الفخذين سواء قيل هما عورة أو لا ولا يطوف عريانا بل عليه أن يصلي في ثوب واحد ولا بد من ذلك إن كان ضيقا اتزر به وإن كان واسعا التحف به كما أنه لو صلى وحده في بيت كان عليه تغطية ذلك باتفاق العلماء
وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار فهذا لا يجوز ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف ومن بنى هذا على الروايتين في العورة كما فعله طائفة فقد غلطوا ولم يقل أحمد ولا غيره: أن المصلي يصلي على هذه الحال كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين؟ فكيف يبيح له كشف الفخذ؟ فهذا هذا وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خاليا ولم يختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس وأنه لا تجوز الصلاة عريانا مع القدرة على اللباس باتفاق العلماء ولهذا جوز أحمد وغيره للعراة أن يصلوا قعودا ويكون إمامهم وسطهم بخلاف خارج الصلاة هذا الستر لحرمة الصلاة لا لأجل النظر وقد قال النبي (ص) في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لما قال: يا رسول الله، فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" فإذا كان هذا خارج الصلاة فهو في الصلاة أحق أن يستحيا منه فتؤخذ الزينة لمناجاته سبحانه وتعالى ولهذا قال ابن عمر لغلامه نافع لما رآه يصلي حاسرا: أرأيت لو خرجت إلى الناس كنت تخرج هكذا؟ قال: لا قال: فالله أحق من يتجمل له
وفي الحديث الصحيح لما قيل له (ص) الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال: "إن الله جميل يحب الجمال" وهذا كما أمر المصلي بالطهارة والنظافة والطيب فقد أمر النبي (ص) "أن تتخذ المساجد في البيوت وتنظف وتطيب" وعلى هذا فيستتر في الصلاة أبلغ مما يستتر الرجل من الرجل والمرأة من المرأة ولهذا أمرت المرأة أن تختمر في الصلاة وأما وجهها ويداها وقدماها فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب لم تنه عن إبدائه للنساء ولا لذوي المحارم، فعلم أنه ليس من جنس عورة الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة التي نهي عنها لأجل الفحش وقبح كشف العورة بل هذا من مقدمات الفاحشة فكان النهي عن إبدائها نهيا عن مقدمات الفاحشة كما قال في الآية: {ذلك أزكى لهم} وقال في آية الحجاب: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} فنهى عن هذا سدا للذريعة لا أنه عورة مطلقة لا في الصلاة ولا غيرها فهذا هذا وأمر المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيد جدا واليدان يسجدان كما يسجد الوجه والنساء على عهد النبي (ص) إنما كان لهن قمص وكن يصنعن الصنائع والقمص عليهن فتبدي المرأة يديها إذا عجنت وطحنت وخبزت ولو كان ستر اليدين في الصلاة واجبا لبينه النبي (ص) وكذلك القدمان وإنما أمر بالخمار فقط مع القميص فكن وأما الثوب التي كانت المرأة ترخيه وسألت عن ذلك النبي (ص) فقال: "شبرا" فقلن: إذن تبدو سوقهن؟ فقال: "ذراع لا يزدن عليه" وقول عمر بن أبي ربيعة:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول فهذا كان إذا خرجن من البيوت ولهذا سئل عن المرأة تجر ذيلها على المكان القذر فقال: "يطهره ما بعده" وأما في نفس البيت فلم تكن تلبس ذلك كما أن الخفاف اتخذها النساء بعد ذلك لستر السوق إذا خرجن وهن لا يلبسنها في البيوت ولهذا قلن: إذن تبدوا سوقهن وكان المقصود تغطية الساق لأن الثوب إذا كان فوق الكعبين بدا الساق عند المشي
وقد روي: "أعروا النساء يلزمن الحجال" يعني إذا لم يكن لها ما تلبسه في الخروج لزمت بيتها وكن نساء المسلمين يصلين في بيوتهن وقد قال النبي (ص): "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن" ولم يؤمرن مع القمص إلا بالخمر لم تؤمر بما يغطي رجليها لا خف ولا جورب ولا بما يغطي يديها لا بقفازين ولا غير ذلك
فدل على أنه لا يجب عليها في الصلاة ستر ذلك إذا لم يكن عندها رجال أجانب وقد روي: "أن الملائكة لا تنظر إلى الزينة الباطنة فإذا وضعت خمارها وقميصها لم ينظر إليها" وروي في ذلك حديث عن خديجة فهذا القدر للقميص والخمار هو المأمور به لحق الصلاة كما يؤمر الرجل إذا صلى في ثوب واسع أن يلتحف به فيغطي عورته ومنكبيه والمنكبان في حقه كالرأس في حق المرأة لأنه يصلي في قميص أو ما يقوم مقام القميص وهو في الإحرام لا يلبس على بدنه ما يقدر له كالقميص والجبة كما أن المرأة لا تنتقب ولا تلبس القفازين وأما رأسه فلا يخمره"
والفقرات السابقة بها أخطاء تتمثل فى التالى :
الأول حرمة حسر الرجل رأسه فى الصلاة وهو قولهم ولهذا قال ابن عمر لغلامه نافع لما رآه يصلي حاسرا: أرأيت لو خرجت إلى الناس كنت تخرج هكذا؟ قال: لا قال: فالله أحق من يتجمل له" وهو كلام يناقض قوله فى أخر الفقرات"وأما رأسه فلا يخمره"
الثانى أن من حق الرجل اظهار بعض العورة فى الحج وهو كلام فارغ فالله حرم التعرى فى الصلاة فكيف يأمر بتعرية الكتف والمنكب فى الحج حيث المكان اعظم حرمة من أى مكان أخر كما قال تعالى " اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" فهنا المخلوع فقط النعال وليس الملابس التى تروى الروايات بلبسها وهو ملابس تكشف العورة فى أعظم مكان فأى كفر أكبر من ارتكاب ذنب رؤية العورة المغلظة وغير المغلظة عند السجود المعروف حيث يظهر لكل حاج خلف حاج عورة الأخر بسبب هذا اللباس غير المخيط
الثالث حرمة تنقب المرأة فى الحج وحرمة لبسها القفازين وهو كلام يمكن تحويره لو أخذنا أن كلمة المحرمة فأعطيناها معنى المحرمة على أهلها فساعتها يكون المعنى أن المرأة تكشف وجهها ويديها لأقاربها
وبالقطع لا يوجد نص فى النقاب غير هذا ولا يمكن استنباط حكم وجوب النقاب فى غير الحج من هذا النص لأن نصوص القرآن تقول برؤية الرجال لحسن النساء مثل " ولو أعجبك حسنهن" وقوله " ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم" وحسن النساء لا يمكن ظهوره إلا من خلال أشياء مكشوفة كالوجوه واليدين فلو قلنا أن المسلمات منتقبات فكيف بحسن المشركات هنا؟
ثم تناول وجه المرأة فقال :
"ووجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره:
- قيل: إنه كرأس الرجل فلا يغطى
- وقيل: إنه كيديه فلا يغطى بالنقاب والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره وهذا هو الصحيح فإن النبي (ص) لم ينه إلا عن القفازين والنقاب
وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه فعلم أن وجهها كيدي الرجل ويديها وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدم فلها أن تغطي وجهها ويديها لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار والله سبحانه وتعالى أعلم
وعليه ففي الحديث دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة وإلا لأمرها (ص) أن تستره وهذا لا ينافي أن التغطية أفضل كما شرحته في "الحجاب" وإنما الكلام في الوجوب فتنبه"
الخطأ هنا ان وجه المرأة ليس بعورةوهو ما يخالف كون العورة منها ما ورى أى أخفى من السوءة ومنها ما ظهر وهما معا العورة فى قوله تعالى "فوسوس لهما الشيطان ليبدى ما ورى عنهما من سوءاتهما"
ثم ذكر الألبانى استنباطات لابن تيمية فى حديث عن سورة النور وهو تقريبا نفس الكلام المذكور فى الفصلين السابقين فقال:
"معاني الاستنباط من سورة النور:
ومن كلامه رحمه الله تعالى في جوابه واستنباطه من معاني سورة النور في معنى ما تقدم قوله المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل ولهذا خصت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة وترك التبرج فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل لأن ظهور النساء سبب الفتنة والرجال قوامون عليهن وقال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم} الآية إلى قوله: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} فأمر الله سبحانه الرجال والنساء بالغض من البصر وحفظ الفرج كما أمرهم جميعا بالتوبة
وأمر النساء خصوصا بالاستتار وأن لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ومن استثناه الله تعالى في الآية فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة فهذا لا جناح عليها في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محذور آخر فإن هذه لا بد من إبدائها وهذا قول ابن مسعود وغيره وهو المشهور عن أحمد
وقال ابن عباس: الوجه واليدان من الزينة الظاهرة وهي الرواية الثانية عن أحمد وهو قول طائفة من العلماء كالشافعي وغيره وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب لئلا يعرفن ولا يؤذين وهذا دليل على القول الأول وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره: أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق وثبت في الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن وقد نهى الله تعالى عما يوجب العلم بالزينة الخفية بالسمع أو غيره فقال: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} وقال: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنهن وأرخينها على أعناقهن و"الجيب": هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها وأمرت بعد ذلك أن ترخي من جلبابها والإرخاء إنما يكون إذا خرجت من البيت فأما إذا كانت في البيت فلا تؤمر بذلك
وقد ثبت في الصحيح: أن النبي (ص) لما دخل بصفية قال أصحابه: إن أرخى عليها الحجاب فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يضرب عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه فضرب عليها الحجاب وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي (ص) وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها وقال تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن} فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم في عدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب غض البصر عنها ومنها وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر
الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجابا واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيهن شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له فالخطاب خرج عاما على العادة فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء: لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء
قال المروذي: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل - الرجل ينظر إلى المملوك؟ قال: إذا خاف الفتنة لم ينظر إليه كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله: رجل تاب وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية إلا أنه لا يدع النظر فقال: أي توبة هذه؟ قال جرير سألت رسول الله (ص) عن نظرة الفجأة فقال: "اصرف بصرك" وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي وسويد قالا: حدثني إبراهيم بن هراسة عن عثمان بن صالح عن الحسن بن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى وهذا الاستدلال والقياس والتنبيه بالأدنى على الأعلى إلى أن قال: وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب
وهذه المواضع التي أمر الله تعالى بالاحتجاب فيها مظنة الفتنة ولهذا قال تعالى: {ذلك أزكى لهم} فقد تحصل الزكاة والطهارة بدون ذلك لكن هذا أزكى وإذا كان النظر والبروز قد انتفى فيه الزكاة والطهارة لما يوجد في ذلك من شهوة القلب واللذة بالنظر كان ترك النظر والاحتجاب أولى بالوجوب
وروى الجماعة إلا مسلما أن النبي (ص) لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: "أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا": يعني المخنثين وقد ذكر بعضهم أنهم كانوا ثلاثة: - بيم وهيت وماتع - على عهد رسول الله (ص) ولم يكونوا يرمون بالفاحشة الكبرى إنما كان تخنثهم وتأنيثهم لينا في القول وخضابا في الأيدي والأرجل كخضاب النساء ولعبا كلعبهن
وفي سنن أبي داود عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي (ص) أتي بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء فقال: "ما بال هذا؟ " فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل: يا رسول الله ألا نقتله فقال: " إني نهيت عن قتل المصلين"
فإذا كان النبي (ص) قد أمر بإخراج مثل هؤلاء من البيوت فمعلوم أن الذي يمكن الرجال من نفسه والاستمتاع به وبما يشاهدونه من محاسنه وفعل الفاحشة الكبرى به شر من هؤلاء وهو أحق بالنفي من بين أظهر المسلمين وإخراجه عنهم فإن المخنث فيه إفساد للرجال والنساء لأنه تشبه بالنساء فقد تعاشره النساء ويتعلمن منه وهو رجل فيفسدهن ولأن الرجال إذا مالوا إليه فقد يعرضون عن النساء ولأن المرأة إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل هي وتتشبه بالرجال فتعاشر الصنفين وتختار هي مجامعة النساء كما يختار هو مجامعة الرجال والله سبحانه قد أمر في كتابه بغض البصر وهو نوعان: غض البصر عن العورة وغضه عن محل الشهوة
فالأول: كغض الرجل بصره عن عورة غيره كما قال النبي (ص): "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة" ويجب على الإنسان أن يستر عورته كما قال لمعاوية بن حيدة: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قلت: فإذا كان أحدنا مع قومه؟ قال: "إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا يرينها"قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله أحق أن يستحيا منه من الناس" ويجوز كشفها بقدر الحاجة كما تكشف عند التخلي ولهذا إذا اغتسل الرجل وحده - بحيث يجد ما يستره - فله أن يغتسل عريانا كما اغتسل موسى عريانا وأيوب وكما في اغتسال النبي (ص) يوم الفتح واغتساله في حديث ميمونة
وأما النوع الثاني من النظر - كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية - فهذا أشد من الأول كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير وعلى صاحبها الحد وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلا لها5 كان عليه التعزير لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر وكذلك النظر إلى عورة الرجل لا يشتهى كما يشتهى النظر إلى النساء ونحوهن وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة إلى أن قال: فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق
والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه الحسنة فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ومتى اقترنت به الشهوة حرم
وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة فإن الواحد من هؤلاء لا يفرق من هذا الوجه بين نظره إلى ابنه وابن جاره وصبي أجنبي لا يخطر بقلبه شيء من الشهوة لأنه لم يعتد ذلك وهو سليم القلب من قبل ذلك وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرءوس ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك الإماء يمشين كان هذا من باب الفساد وكذلك المردان الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم إلا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب ولا من رقصه بين الرجال ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس والنظر إليه كذلك وإنما وقع النزاع بين العلماء في القسم الثالث من النظر وهو النظر إليه بغير شهوة لكن مع خوف ثورانها ففيه وجهان في مذهب أحمد أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره أنه لا يجوز والثاني: يجوز لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره والأول هو الراجح كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز وإن كانت الشهوة منتفية لكن لأنه يخاف ثورانها ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية لأنه مظنة الفتنة، والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لحاجة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز
وأما الأبصار فلا بد من فتحها والنظر بها وقد يفجأ الإنسان ما ينظر إليه بغير قصد فلا يمكن غضها مطلقا ولهذا أمر تعالى عباده بالغض منها كما أمر لقمان ابنه بالغض من صوته وأما قوله تعالى: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله}[الحجرات: ] الآية فإنه مدحهم على غض الصوت عند رسوله مطلقا فهم مأمورون بذلك في مثل ذلك ينهون عن رفع الصوت عنده (ص) وأما غض الصوت مطلقا عند رسول الله (ص) فهو غض خاص ممدوح ويمكن العبد أن يغض صوته مطلقا في كل حال ولم يؤمر العبد به بل يؤمر برفع الصوت في مواضع: إما أمر إيجاب أو استحباب فلهذا قال: {واغضض من صوتك} [لقمان] ، فإن الغض في الصوت والبصر جماع ما يدخل إلى القلب ويخرج منه فبالسمع يدخل القلب وبالصوت يخرج منه كما جمع العضوين في قوله: {ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين} [البلد] ، فبالعين والنظر يعرف القلب الأمور واللسان والصوت يخرجان من عند القلب الأمور هذا رائد القلب وصاحب خبره وجاسوسه وهذا ترجمانه
ثم قال تعالى: {ذلك أزكى لهم} [النور] ، وقال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: ] ، وقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب: ] ، وقال في آية الاستئذان: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} [النور] ، وقال: {فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} [الأحزاب] ، وقال: {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر} [المجادلة ]
وقال النبي (ص): "اللهم طهر قلبي من خطاياي بالماء والثلج والبرد" وقال في دعاء الجنازة: "واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس"
فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب ومعنى النماء بالأعمال الصالحة: مثل المغفرة والرحمة ومثل النجاة من العذاب والفوز بالثواب ومثل عدم الشر وحصول الخير وأما نظر الفجأة فهو عفو إذا صرف بصره كما ثبت في "الصحاح" عن جرير قال سألت رسول الله (ص) عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك"وفي السنن أنه قال لعلي رضي الله عنه: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية" وفي الحديث الذي في المسند وغيره: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس" وفيه: " من نظر إلى محاسن امرأة ثم غض بصره عنها أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة" أو كما قال ولهذا يقال: إن غض البصر عن الصورة التي ينهى عن النظر إليها: كالمرأة والأمرد الحسن يورث ذلك ثلاث فوائد جليلة القدر:
إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله " فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه"
وأما الفائدة الثانية من غض البصر: فهو يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} [الحجر] ، فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه
وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال: {الله نور السماوات والأرض} [النور] وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول:
من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب
الفائدة الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه
وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال الله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 8] ، وقال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 9] ولهذا كان في كلام الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله
وكان الحسن البصري يقول: وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه وفي دعاء القنوت: "إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت"
وأما أهل الفواحش الذين لا يغضون أبصارهم ولا يحفظون فروجهم فقد وصفهم الله بضد ذلك: من السكرة والعمه والجهالة وعدم العقل وعدم الرشد والبغض وطمس الأبصار هذا مع ما وصفهم به من الخبث والفسوق والعدوان والإسراف والسوء والفحش والفساد والإجرام فقال عن قوم لوط: {بل أنتم قوم تجهلون} فوصفهم بالجهل وقال: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وقال: {أليس منكم رجل رشيد} وقال: {لطمسنا على أعينهم} وقال: {بل أنتم قوم مسرفون} وقال: {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} وقال: {إنهم كانوا قوم سوء فاسقين} وقال: {أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر} [العنكبوت]
إلى قوله: {انصرني على القوم المفسدين} إلى قوله: {بما كانوا يفسقون} وقوله: {مسومة عند ربك للمسرفين}
بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} [البقرة]
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط المشركين والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له"
الأخطاء فى الفقرات السابقة هى :
الأول أن ظهور النساء سبب الفتنة وهو كلام يخالف ان كل الأشياء خيرا أو شرا فتنة أى ابتلاء كما قال تعالى " ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
الثانى: ذكر عبيدة السلماني وغيره: أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق وقال: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنهن وأرخينها على أعناقهن و"الجيب": هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها "
نجد هنا تناقض بين القول كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رءوسهنفالجلابيب ترمى من فوق الرءوس وهو ما يناقض تغطية الأعناق بقوله وأرخينها على أعناقهن" والجنون فى الفقرة أن النساء لو رفعت الجلابيب من الخلف على رءوسهن فإن سيقاهن وظهورهن من الخلف ستكون عارية فأى كلام هذا؟
الثالث النص طوكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها "
عقاب المسلمة الأمة على طاعتها أمر الله فالله قال " ونساء المؤمنين " والإماء المسلمات هن من ضمن نساء المؤمنين فالآية لم تذكر حرات ولا عبدات والجنون أن الآية ذكرت الجلابيب ومع هذا يتحدث عن الأخمرة
الرابع قال تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن} فرخص للعجوز التي لا تطمع في النكاح أن تضع ثيابها فلا تلقي عليها جلبابها ولا تحتجب وإن كانت مستثناة من الحرائر لزوال المفسدة الموجودة في غيرها كما استثنى التابعين غير أولي الإربة من الرجال في إظهار الزينة لهم في عدم الشهوة التي تتولد منها الفتنة "
الجنون هنا هو كون القواعد العجائز وهو تفسير خاطىء وإنما المراد النساء اللاتى لا يردن الزواج بعد طلاقهن أو ترملهن لقوله "اللاتي لا يرجون نكاحا"
والجنون ألا ترتدى المرأة الجلباب وهذا معناه أن تسبر وتجلس فى المجتمع عارية فأى كلام هذا عذا تركب المرأة ثوبها دون أن ترتديه ولو فهم القوم لعرفوا أن المرأة ترتدى جلبابين فى الأماكن العامة فالتاركة الزواج ترتدى جلباب واحد يغطى عورتها تماما كاللابسات اثنين وإنما جعل جلباب واحد للتفرقة بين مريدات الزواج وبين المتعففات عنه
الخامس القول "وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ووجب وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء" فهنا يطلب الرجل من الأمة لبس الجلباب والحجاب مع أن ابن عمر فى فقرة سابقة كان يضرب الإماء على هذا وهو تناقض لا وجود له لأن ابن عمر لم يفعل شىء من هذا
السادس القول لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجها كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تخشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء ومثله :
"عن الحسن بن ذكوان قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى " ومثله:
"وكذلك المرأة مع المرأة وكذلك محارم المرأة مع ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب" وأيضا قولهم :
"وفي سنن أبي داود عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي (ص) أتي بمخنث وقد خضب رجليه ويديه بالحناء فقال: "ما بال هذا؟ " فقيل: يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقيل: يا رسول الله ألا نقتله فقال: " إني نهيت عن قتل المصلين"
وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة إلى أن قال: فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقترن به الشهوة فهو محرم بالاتفاق
والثاني: ما يجزم أنه لا شهوة معه كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن وابنته الحسنة وأمه الحسنة فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ومتى اقترنت به الشهوة حرم "
وما سبق من تحريم نظر من أباح الله لهم النظر بدعوى الخوف من الفتنة هو جنون لأن كل شىء فى حياتنا دعوة للفتنة خيرا أو شرا كما قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" ومن ثم فطبقا لأقوالهم تلك فكل شىء فى حياتنا حرام طالما خفنا من فتنته وهو كلام لا يقوله مسلم فالحلال ما اخل الله والحرام ما حرم الله وأما اصحاب النفوس المريضة فليذهبوا إلى جهنم طالما يريدون ويرتكبون تلك الذنوب
الشريعة للكل حسب امر ونهى الله وليس حسب أصحاب النفوس المريضة
السابع القول :من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال: لم تخطئ له فراسة "
بالقطع الفراسة ليست أمر لازم لكل مسلم بدليل أن داود (ص) نفسه أخطأت فراسته فى قصة الغنم والحرث فالفراسة المذكورة هى ظنون قد تصدق وقد تكذب