كشف المستور (الجزء الأول)

آية محمد في الخميس ٠٥ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لازال البعض يربط بين الإسلام كدين وبين شخصيات إسلامية سياسية؛ يربطون بين كون الإنسان مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر وبين تقديس تلك الشخصيات والإمتناع عن الكلام فى تاريخهم؛ وإلا أصبح المسلم كافرا لأنه تعدي خطا أحمر وراءه المستور. التاريخ الإسلامي ليس مستور وليس منطقة محظورة يمنع الخوض فيها حيث أن الكتب السلفية التاريخية تملأ المكتبات الإسلامية فى جميع البلدان العربية وتحتوي تلك الكتب على كل المستور الذي يرفض البعض كشفه. فلماذا لم يعتبر السلف تاريخ الخ&aacucute;فاء والصحابة رجساً وجب تجنبه؟ لقد نقلوه إلينا عبر عنعنات بنفس طريقة نقل الأحاديث المقدسة بحلوه ومره، وذلك لأنهم لم يقدسوا الشخصيات التاريخية السياسية مثل تقديسنا لهم. فهم كانوا أكثر وعي منا وأكثر فكرا منا حيث لم يوجد فى زمنهم كهنوت ديني يضع الخلفاء والصحابة كركن سادس من أركان الإسلام لإرهاب الباحثين فكريا وإتهامهم بالكفر والزندقة إذا ناقشوا تلك الحقبة الزمنية لإثبات إنعدام نظرية الإسلام السياسي.

"عاد العرب إلى بربريتهم بعد موت رسول الله (ص)"، هذه هي مقولتي التي اغضبت البعض وإعتبروها سبا فى الصحابة أجمعين. هل إفتريت أنا علي مسلمي الجزيرة العربية بقولي إنهم عادوا إلى أخلاق وصراعات الجاهلية بمجرد موت رسول الله ونبيه ؟ هل تكلمت من نسج خيالي وخيال المفكريين "المارقين"، أم تكلمت على اساس حقائق موثقة بالعنعنات المقدسة فى كتب السلف المقدس المعصوم (كما قال عنهم رجال الأزهر)؟ يصعب على الغالبية التفريق بين الإسلام وبين السياسة؛ فيرون أن السياسة التاريخية فى عصور الإسلام الأولي هي تتطبيق للشريعة الإسلامية التي أمرنا الله أن نحكم بها، ولهذا أي نقد يوجه لتلك الحقبة الزمنية يعتبرونه نقدا للإسلام ذاته. ولكن الإسلام دين حياة وليس دين دولة، ولو كان صحيحاً إنه دين دولة ما ساد الهرج والمرج الأمة الإسلامية فيما لا يزيد عن الثلاثون عاما الأولي من وفاة رسولنا الكريم – صلوات الله عليه وسلامه؛ الإسلام دين إنسانية، دين يحفز على العمل الصالح لآخرة صالحة، دين يُصْلح أخلاق الحاكم ولكنه لا يحكم شعبا.

ثلاثون عاما هي عمر الخلافة الراشدية، أول خلافة بعد وفاة رسول الله – صلوات الله عليه وسلامه –حيث نؤمن جميعا أن روح الإسلام والتقوي كانت ترفرف فى سماء الجزيرة. فعصر الخلفاء هو أقرب العصور التي عاصرت رسول الله ورأته حيا يمشي بينهم. وعندما نتكلم عن هذا العصر يقفز إلى مخيلتنا الحب والوئام والصلاح والتقوي بين المؤمنيين الذين عاصروا روح رسول الله وسمعوا أحاديثه وحفظوا آيات ربه. مؤكد، يحق للبعض الغضب من مقولتي "أنهم عادوا إلى البربرية بمجرد موت الرسول" فلا أحد يتخيل أم من عاشر رسول الله سيهدد أخا مؤمنا له بالقتل أو آخر مؤمنا يقتل صحابيا، أو أن يسفكوا دماء الآلاف من المسلميين، أو أن تسود الأطماع السياسية الدولة الإسلامية متناسيين اليوم الآخر. ثلاثون عاما يتخيلها المسلم شريعة تطبق يقابلها إزدهار إسلامي أخلاقي لا مثيل له. إذن فهم لم يعودوا إلي ما سبق إسلامهم من قبلية تعصبية، ولم يفرقوا الإسلام شيعا بسبب أطماع سياسية! فهل أنا بالغت وتعديت على الإسلام كدين عندما قلت هذا؟ سأنقل ما كتبه كل من "أبي جعفر محمد بن جرير الطبري" فى كتابه "تاريخ الأمم والملوك" و"الإمام جلال الدين السيوطي" فى كتابه "تاريخ الخلفاء" عن تلك الحقبة التاريخية ليتبين للجميع ما إذا كنت قد إفتريت وتعديت على حدود الله بالمقولة التي أغضبت أصحاب الثقافة السمعية أم إنها حقيقة تاريخية لا يجب النفاق حولها.

بعث رسول الله – عليه صلاة الله سلامه - ليعلم الأميين الكتاب والحكمة ليكونوا أهل كتاب وخير أمة مثل من سبقهم من ذرية إسحاق عليه السلام (أهل الكتاب). بعث النبي (ص) ليتمم مكارم الأخلاق وليحيي الحنيفية الإبراهيمية الموحدة بالله. كان رسول الله نبيا ومعلما وحكيما وقائدا، وقد إستطاع - بإذن ربه - فى سنوات قليلة أن يجمع حوله أمة موحدة بالله مُسٌلمة وجهها لله عز وجل، تتصف بسمو الأخلاق وعلو المقام الإنساني. هداهم الله لدين يحفز على العمل والإبداع ويخلق لهم حضارة من العدم. لم يبني رسول الله دولة أو ملكا إسلاميأً لأن ذلك لم يكن المراد أو الهدف، ولكن عرب الجزيرة بنوا وهم المُلك فى أدمغتهم؛ فنُقل أن أبو سفيان قال للعباس (رضى الله عنه) عند فتح مكة: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما . فقال له العباس: إنه ليس بملك ولكنها النبوة. هكذا رأي عرب قريش - متمثلين فى أبي سفيان - أن رسول الله أصبح ملِكاً عظيماً تزداد قوته وبئسه والدخول تحت مظلته فيه مصلحة لأهل مكة وسلطاناً كبيرا. روي في حديث أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن الله خيرك بين أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا، فنظر إلى جبريل كالمستشير له , فأشار إليه جبريل : أن تواضع، فقال: بل نبيا عبدا أجوع يوما وأشبع يوما. نبي الله لم يكن ملكا ولم يكن خليفة أول دولة إسلامية، ولم يرسي قواعد الخلافة والملك لمن بعده ولكنه أرسي قواعد الحياة ومكارم الأخلاق. الدين الإسلامي ليس دين دولة بل دين حياة ورسول الله كان أدري بأمته ولو أنه علم أن الإسلام دين دولة لأرسي قواعد الحكم ولكانت سُنة إختيار الحاكم أستخدمت فى إجتماع سقيفة بني ساعدة من قبل المهاجرين والأنصار لإختيار أو خليفة فى الإسلام. قال أبو داود الطيالسي فى مسنده: حدثنا سكين بن عبد العزيز عن سيار إبن سلامة عن أبي برزة أن النبي"ص" قال: الأئمة من قريش ما حكموا فعدلوا ووعدوا فوفوا وأسترحموا فرحموا - أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلي والطبراني. وهذا حديث غير صحيح لأن رسول الله لم يكن عنصريا ليفضل قريش على العالميين، ولم يُبعث رسول الله ليبني إمبراطورية لقريش وساداتها. كما لو أن هذا الحديث صحيحا لعمل به الصحابي الأنصاري سعد بن عبادة ولكان إمتنع عن مواجهة ومنافسة أبو بكر الصديق فى خلافة المسلميين؛ لكان أدرك أن الرسول أمر بالخلافة إلى قريش وبالتالي هو خارجها تماما ولا أمل له. وبهذا نصبح أمام إحتمالين، إما أن الصحابي سعد (الذي رضى الله، بما إنه من أوائل الأنصار) قد طمع فى الحكم وتناسي طاعة رسول الله، أو أن الأحاديث التي وضعت بعد موت رسول الله وموت الخلفاء الراشدين مكذوبة وملفقة، وبالتالي أصبح المحدثين مدلسين. فأيهما نختار؟

بعد الإجتماع الشهير فى سقيفة بني ساعدة فى المدينة لإختيار أول خليفة مسلم، أستقرت الجماعة على مبايعة أبو بكر (رضى الله عنه). ولكن على أي أساس تم أختيار أبو بكر الصديق خليفة للمسلميين ؟ هل كان الإختيار على اساس الشريعة الإسلامية التي يدعي البعض إنها شريعة دولة؟ أم كان هناك إختيار عشوائي علي حسب الأفضلية القبلية؟ سأنقل هنا أجزاء مما نقل أبو جعفر الطبري عن وقائع هذا الإجتماع: تاريخ الطبري – تاريخ الأمم والملوك – المجلد الثاني – ذكر الخبر عما جري بين المهاجرين والأنصار فى أمر الإمارة فى سقيفة بني ساعدة:
ص242: وأتي عمر الخبر، فاقبل إلي منزل النبي(ص)، فأرسل إلى أبي بكر وأبو بكر فى الدار وعلي بن أبي طالب عليه السلام دائب فى جهاز رسول الله (ص)، فأرسل إلى أبي بكر أن أخرج إلي، فأرسل إليه؛ إني مشتغل؛ فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لابد لك من حضوره، فخرج إليه، فقال: أما علمت أن الأنصار قد إجتمعت فى سقيفة بني ساعدة، يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة؛ وأحسنهم مقالة من يقول: منا أمير ومن قريش أمير! فمضيا مسرعين نحوهم؛...
وأثناء الإجتماع ص243: فقال عمر: هيهات لا يجتمع إثنان فى قرن! والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم؛ ولكن العرب لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم؛ ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين؛ من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، ومتورط فى هلكه!...
وبعد مبايعة أبو بكر الصديق ص244: قال هشام: عن أبي مخنف: قال عبد الله بن عبد الرحمن: فاقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطؤون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطؤوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله! ثم قام على رأسه، فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضدك، فأخذ سعد بلحية عمر، فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة؛ فقال أبو بكر: مهلا يا عمر! الرفق ها هنا أبلغ....

هكذا كانت البيعة الأولي للخلافة الإسلامية التي يطالب البعض بعودتها بحجة إستقامتها. المتصارعون هنا بشرا رضي الله عنهم، معصومين، ومقدسين، ولم يدفنوا رسول الله بعد. فعمر بن الخطاب صحابي جليل وسعد بن عبادة صحابي جليل أيضا، كلاهما مسلما جاهد فى سبيل الله؛ فعمر من أوائل المهاجرين وسعد من أوائل الأنصار، ولكن عمر بن الخطاب لم يجد حرجا من تهديد أخاه المسلم بقتله وسفك دمه المسلم. ولكني لا استعجب تلك التصرفات لإنها كانت طبيعة العرب القبلية والتي لازالت تجري فى عروقهم حتي الآن ، فمن عارضهم يقتل، بالرغم من سماحة الإسلام ودعوته للتعايش ومحاربته لعادتهم السيئة. ولكن السؤال: هل كان هذا ليرضي رسول الله؟ أهذه هي مكارم الاخلاق التي بعث رسول الله من أجلها؟ لمن غضبوا من مقولتي، بماذا تسمون هذا السلوك فى إجتماع السقيفة ولم يدفن الرسول بعد؟ أهو تقوي أم خشوع؟ أم جهادا فى سبيل الله يتقاتل عليه المسلمون؟ حتي أن الثلاثة أعوام التي حكم فيها أبو بكر كانت كلها حروب ضد المرتدين الذين عادوا إلى سابق عهدهم. فهل بالغت أنا عندما قلت أن العرب عادوا إلى طبيعتهم البربرية بعد وفاة الرسول أم أن أبو بكر كان يحارب مؤمنين مطيعين لرسول الله؟

يدعي الكثيرون من أصحاب راية "الإسلام هم الحل" أن الشريعة الإسلامية سياسة الدولة وحكمها. ولو صح هذا، لكان لدينا أسس إختيار الخليفة ولكان أبو بكر الصديق إتبع السنة الإسلامية عوضا عن كتابة كتابا بمقتضاه تمت مبايعة عمر بن الخطاب على الخلافة بلا شوري للجموع الإسلامية. أخرج أحمد والبيهقي فى دلائل النبوة بسند حسن عن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر علي يوم الجمل قال: أيها الناس، إن رسول الله (ص) لم يعهد إلينا فى هذه الإمارة شيئا، حتي رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر، فأقام وإستقام حتي مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر رأي من الرأي أن يستخلف عمر، فأقام وإستقام حتي ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها. وحكم عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) ما لا يزيد عن العشرة أعوام. وكان حكمه من أزهي عصور الأمة الإسلامية وأقواها وأخيرها. وقد وضع مجلس شوري مكون من ستة صحابة بينهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب للنظر فى شئون الأمة. هدأت الأمور فى عهد الفاروق عمر وأرسى قواعد الدولة الإسلامية القوية وكثرت حملاته الإسلامية. وبذلك نستطيع أن نقول أن عشر سنوات عمر بن الخطاب كانت من أرقي وأعدل وأرقى العهود الإسلامية. وإن كان لعثمان بن عفان راي آخر فى خلافة عمر أحب أن أنقله إليكم: تاريخ الطبري – المجلد الثاني - ص645: "الا فقد والله عبتم علي بما أقررتم لإبن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولنت لكم، وأوطأت لكم كتفي، وكففت يدي ولساني عنكم، فأجترأتم علي". لا تعليق لي، فلا يوجد أفضل وأخير من عثمان بن عفان الصحابي الجليل لتعليق علي عصر وليه عمر بن الخطاب بمصداقية وشفافية تامة!

وأغتيل عمر بن الخطاب على يد الغلام المجوسي، فجاء موته على يد كافر فبكته الأمة وأصبح شهيدها.و لم يكتب عمر رضى الله عنه كتاب مبايعة مثل وليه الصديق، ولكنه ترك لمجلس الشوري حرية إختيار خليفة من بين أعضاءه الستة. ووقع الإختيار على عثمان بن عفان، وفى عصره بدأ زمن إستباحة سفك الدماء الإسلامية بيد إسلامية بالرغم من مرور ما لا يزيد عن خمسة عشر عاما فقط على وفاة رسول الله، والذي لم يتوقف حتي الآن. ولكننا حاليا وجدنا شماعة المؤامرة لنعلق همجيتنا القبلية العنصرية عليها وتناسينا إن التفرق وسفك الدم بدأ بعد 15 عاما فقط من موت الرسول. فبدلا من أن يغضب أصحاب الثقافة السمعية من مقولتي، فليهبوا لوحدة الصف الإسلامي على أساس المنهاج الإسلامي لا علي أساس الشخصيات الإسلامية البشرية الغير معصومة!

اجمالي القراءات 22852