( المال / الغنائم ) بين الجهاد الاسلامى والقتال الشيطانى
أولا :
الحروب في الإسلام تعنى بذل المال وليس في سبيل المال
الأصل التشريعى
1 ـ فيتشريع القتال الدفاعى قال جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة )
2 ـ عن الفوارق بينهما :
2 / 1 : القتال فيسبيل الله جل وعلا يكون دفاعيا فقط . القتال فيسبيل الشيطان هو الاعتداء على قوم لم يعتدوا . قال جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) (76) النساء )
2 / 2 : القتال فيسبيل الله جل وعلا يستلزم التضحية بالمال ، هو جهاد وقتال بالنفس والمال إبتغاء مرضاة الرحمن . فيتشريعات القتال الدفاعى قال جل وعلا : ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) . بعدها قال جل وعلا عن الإنفاق فيسبيله : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة ). أما القتال فيسبيل الشيطان فالمال هو الإله الأعظم عندهم ، والهدف منه السّلب والنهب والسبى ، كما حدث فيالفتوحات الشيطانية للخلفاء الفاسقين الذين مردوا على النفاق . هم لم يكتفوا بظلم الناس وإنّما ظلموا ربّ الناس جل وعلا إذ زعموا أن هذا هو الإسلاموأن فتوحاتهم الشيطانية هي( فتوحات إسلامية ) .
3 ـ الدولة الإسلامية دولة مُسالمة ، ولكن لا بد أن تكون قوية حتى لا يُغرى ضعفها المعتدين على غزوها والاعتداء عليها . قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) الانفال )
ويترتب على ذلك :
3 / 1 : الاستعداد الحربى ليس للاعتداء وبدء حرب ولكن لردع المعتدى مقدما حتى لا يعتدى . وهذا معنى ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ). لأنه عدو معتدى فهو عدو لله جل وعلا وعدو للمؤمنين المسالمين ، وهناك أخرون معتدون سيأتون في المستقبل يعلمهم الله جل وعلا ، لذا لزم الاستمرار في الاستعداد القتالى .
3 / 2 : هذا الردع ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) يعنى مقدما حقن دماء المؤمنين وحقن دماء العدو أيضا . وبالتالي فالاستعداد الحربى للدولة الإسلامية هو من ملامح السلام .
3 / 3 : هذا الاستعداد الحربى يستلزم أموالا ، بالضبط كما ان الحرب الدفاعية تستلزم أموالا ، قال جل وعلا : (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) . الله جل وعلا هو الذى يعد بأن يوفيهم ما أنفقوه ( في سبيل الله ). بالتالى فالإنفاق في سبيل الله هو في الاستعداد الحربى في سبيل الله ، وفى الحرب الدفاعية في سبيل الله.
3 / 4 : العدو المعتدى إذا جنح للسلام فعلى الدولة الإسلامية الاستجابة وبالتوكل على الله جل وعلا ، فإن كان العدو مخادعا في رغبته في السلام فإن الله جل وعلا هو الذى يتكفّل به : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) .
الدعوة للتبرع بالمال في سبيل الرحمن :
1 ـ جعلها رب العزة تجارة مع الله جل وعلا . قال جل وعلا :
1 / 1 :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة )
1 / 2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف )
2 ـ جعلها قرضا حسنا لرب العزة جل وعلا : ( وهو تعبير شديد الدلالة ). قال جل وعلا :
2 / 1 : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٤٤﴾ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢٤٥﴾ البقرة )
2 / 2 ( آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿٧﴾ الحديد ) هذا أمر بالإنفاق في الجهاد :( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿١٠﴾ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴿١١﴾ الحديد )
3 ـ واضح هنا التفاضل بين المؤمنين في موضوع القتال والانفاق ، وجاء هذا أيضا في قوله جل وعلا : ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) النساء ). وجاء فضلهم عن غيرهم في قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) التوبة )
4 ـ وفى سياق الدعوة للإنفاق في سبيل الله جاء أسلوب التهديد . قال جل وعلا : ( هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّـهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴿٣٨﴾ محمد )
5 ـ وجاء بأسلوب العتاب ( أي لا يصح ولا يجوز ) قال جل وعلا : ( مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) التوبة )
تاريخيا :
جاءت في سورة التوبة تفصيلات عن موقعة ذات العسرة ( تبوك ). يتّضح فيها موقف المنافقين والمؤمنين من القتال الدفاعى والإنفاق في سبيل الله جل وعلا . ندعو لتدبر هذه الآيات الكريمة قال جل وعلا :
1 ـ : ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٤٢﴾ عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴿٤٣﴾ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴿٤٤﴾ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴿٤٥﴾
2 ـ ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
3 ـ ( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة )
4 ـ ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92). إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٩٣﴾.
ثانيا :
عن توزيع الغنائم الحربية :
1 ـ في حالة النصر يحوز المؤمنون على غنائم في أرض المعركة . أوضح الله جل وعلا توزيعها في سورة الأنفال ، قال جل وعلا : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿الأنفال: ٤١﴾.
الخُمس يتم توزيعه على : ( المجهود الحربى والدعوى : لله جل وعلا ورسوله ) ( ذوى القربى : أقارب المقاتلين ) ( اليتامى ) ( المساكين ) ( ابن السبيل ) . الأربعة أخماس الباقية يتم توزيعها على المقاتلين ، هذا يشمل فداء الأسرى بالمال .
كان خطأ أن يفتدى الأسرى أنفسهم بالمال ، عفا الله جل وعلا عن هذا ، وجعل الفداء ضمن الغنائم ، وأباح للمقاتلين هذا وذاك . قال جل وعلا : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٦٧﴾ لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٦٨﴾ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٦٩﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّـهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٧٠﴾ الانفال )
ذوو القربى :
لهم حق في الإنفاق الفردى ، جاء في السور المكية الآتية : ( النحل 90 ) ( الاسراء 26 ) ( الروم 38 ) ( الشورى23 ) . وجاء في السورة المدنية : ( النور 22 ) ( البقرة 177 ، 215 ) ( النساء 8 ، 36 ) . وهذا غير توزيع الصدقات الرسمية في قوله جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة )
ذوو القربى لهم حق في الغنائم التي تنتج عن قتال فعلى ، وهم أقارب المقاتلين ( الأنفال 41 ). المقاتل المؤمن لا يقلق على أهله . هو يشعر بأن دولته الإسلامية مسئولة عن أهله وأقاربه إذا كان حيا أو قُتل.
ولهم حق في الفىء الذى لم يأت بالقتال ضمن مستحقين آخرين . وجاء هذا في أوائل سورة الحشر ، ومنها نفهم أن الله جل وعلا ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) ) وأن المؤمنين لم يخوضوا حربا ، إذ ترك المعتدون ديارهم وخرّبوها وورثها المؤمنون فيئا . قال جل وعلا : ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6). وجاء الحكم بتوزيع الفىء في قوله جل وعلا : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ). هذا حدث بعد معركة الأحزاب ، وقد حققنا هذا في بحث سابق.
المقاتل المؤمن لا يقلق على أهله . هو يشعر بأن دولته الإسلامية مسئولة عن أهله وأقاربه إذا كان حيا أو قُتل.
الله جل وعلا أنبأ مسبقا بأن المؤمنين سيرثون أرضا لم يطئوها ، أي لم يخوضوا حربا فيها ، قال جل وعلا عن القتال الحربى مع أهل الكتاب المعتدين بعد موقعة الأحزاب : ( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) الاحزاب ). توزيع الغنائم هنا هو مثل ما جاء في سورة الأنفال ( 41 ).
في حالة هزيمة المعتدين يجب فرضة غرامة عليهم جزاء ما سببوه في هجومهم على المؤمنين . قال جل وعلا : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) التوبة ). هذا لا يتضمن إحتلال بلادهم ، مجرد غرامة حربية . وهو أمر معترف به الآن . بل يتضمن الاحتلال لبلاد المعتدين . وهذا مرفوض إسلاميا . توزيع هذه الجزية يكون حسب ما جاء في سورة الأنفال ( 41 ) .
أخيرا : في عصرنا الحالي
1 ـ نستنتج مما سبق أن الدولة الإسلامية ليس من مواردها المالية التكسُّب بالحرب ، بل إنها تتحمل مسئولية الدفاع جهادا في سبيل الله بالنفس والمال . ولو جاءت الحرب بنصر وغنائم فأربعة أخماسها للمقاتلين ، ومن الخمس الباقى جزء لأقاربهم .
2 ـ هذا كان مخالفا لثقافة العصور القديمة وحتى مطلع العصر الحديث . فالحروب تنشأ بسبب الثروة ، وينتج عنها إحتلال وسبى واسترقاق ونهب للطرف المغلوب ، لا فارق بين الفراعنة والفرس والرومان والخلفاء الفاسقين والاستعمار الأوربي واليابانى والأمريكى . بهذا كانت الدولة الإسلامية في عصر النبى محمد عليه السلام جُملة اعتراضية في التاريخ . تبدّل الحال جُزئيا بعد الحرب العالمية الثانية ، ونشوء دول مؤسّسة على الديمقراطية الاجتماعية والسلام ، مثل كندا ودول اسكندنافيا وهولندا والنمسا ..وهى الأقرب الى دولة النبى محمد عليه السلام .
3 ـ في دول الغزو والاحتلال كان الجنود يتعيشون من السلب والنهب ، لذا كانوا يتحمّسون في القتال . وهذا ما سار عليه الخلفاء الفاسقون . كان مٌباحا للجيش أن ينهب ، وأن يأخذ نصيبه فيما نهب . مع تكوين الدولة الحديثة ( دولة قومية أو دولة ايدلوجية شيوعية أو عنصرية ) كان يتم حشد الجنود خلف الشعار المُعلن . مع تكوين الدولة الديمقراطية وتكريس شعار المواطنة أصبح الجندى يشعر أنه يدافع عن بلده التي تعطيه حقوقه ، لذا تنتصر الدول الديمقراطية وتنهزم النظم الاستبدادية . الجندى المصرى ينتمى لشعب مقهور يملكه الفرعون ، وهو مُطالب أن يضحى بحياته في سبيل هذا الفرعون الذى يقهر أهله ، بل هو مقهور تحت سُلطة الضابط . يختلف الحال مع الجندى الاسرائيلى ، فإسرائيل دولة ديمقراطية وتعتنى أشد العناية بمقاتليها ، وهم الأكثر إخلاصا في الدفاع عن دولتهم . المستبد لا يستطيع أن ينتصر إلا على مستبد أضعف منه . المستبد يمارس نوعا كريها من الاسترقاق ، يسترق شباب الوطن يسخرهم في الحرب تبعا لأهوائه باسم الوطنية والقومية والدين الأرضى . ما أتعس جيش المستبد ، لا دنيا يكسبها ولا آخرة !!.
4 ـ الدولة الإسلامية ليست تاريخا انقضى . هي نموذج حىّ نراه في دول شمال أوربا وكندا . قد يقال بأن الأمور تعقدت ولم تعد بالبساطة التي كانت عليها دولة النبى محمد ، ونقول : إن من حق الدولة الإسلامية أن تُشرّع لها قوانين تتفق مع القيم العليا الإسلامية من العدل والحرية والرحمة والسلام وحقوق الانسان . ويقوم بالتشريع متخصصون . وسبق أن قلنا إن المواثيق الدولية هي أقرب الكتابات البشرية للتشريع الاسلامى .