أيوب عليه السلام
جاء ذكر أيوب عليه السلام في 4 آيات ، وهي سورة النساء أية 163 وسورة الإنعام أية 34 وسورة الأنبياء أية 83 وسورة ص أية 41 ، على أن تفصيل قصته جاء في الآيات 83 و 41 من سورة الأنبياء وسورة ص في قوله تعالى :
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ
في البداية ، يجد المتدبر للآيتين أن صيغة الدعاء على لسان أيوب مختلفة في كلتا الآيتين ، مما يشير ربما أيوب علية السلام ،دعا الله أكثر من مره ، والملاحظ أن الدعاء الذي استجاب الله فيه لأيوب هو قوله :أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
لأنه مباشرة جاءت الاستجابة ، بقوله " فاستجبنا له " في حين لأنجد هذا في الآية الثانية ، بل تأتي الآيات في سياق المديح لأيوب عندما دعي الله ب ارحم الراحمين من خلال قوله "وذكرى للعابدين "في حين انتهت الآية الأخرى بقوله:" وذكرى لأولي الألباب" .. إذا لابد لنا عند الدعاء أن يكون في دعاءنا تضرعا على غرار وأنت ارحم الراحمين.
ألان نثير التساؤلات التالية:
ما هو الضر الذي أصاب النبي أيوب؟
ما معنى وهبنا له أهلة ومثلهم معهم ؟
ما الذي ضربة أيوب حتى لا يحنث ؟
القصة جاءت في سورتين بموضعين مختلفين ،ففي سورة الأنبياء جاءت في سياق الثناء على الأنبياء ومنهم أيوب أما في سورة ص فجاءت في سياق الابتلاء ، إذا هناك ثناء وابتلاء في قصة أيوب عليه السلام .
في الآيات في سورة الأنبياء ، نجد قول أيوب علية السلام ، انه مسه الضر .ثم في الموضوع الأخر يقول : مسني الشيطان بنصب وعذاب ، إذا نزعم إن إجابة السؤال الأول ، هي أن الضر الذي مس أيوب عليه السلام هو مس الشيطان بنصب وعذاب ، ولكن ما الذي أصابه هذا المس ، لمعرفة هذا المس لابد أن نعود للآيات التالية :
وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يونس أية 12
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ يوسف أية 88
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ .سورة النحل أية 53
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا سورة الإسراء أية 67
الملاحظ في هذه الآيات هو أنها جميعها ورد فيها مفردة المس مع الضر مع ملاحظة أل التعريف في مفردة الضر إي أن نوع الضر معروف.
من سياق الآيات السابقة نتبين أن الضر يأتي بأشكال مختلفة قد يكون بشكل حالة الفقر والجوع كما في الآية 88 من سورة يوسف ، أو يكون ما يصيب الإنسان من نعمة وعافية في بدنه وصحته ورزقه . كما في الآية 53 من سورة النحل، والآية 12 من سورة يونس أو أن يكون الضر على شكل حالة نفسية من الخوف والعصبية والهلع كم في الآية 67 من سورة الإسراء.
أيوب عليه السلام مسه احد أشكال الضر السابقة واعتقد انه ربما إصابة الضر الصحي في احد رجليه مما جعله عاجز .ونتج عن الضر الصحي ضر نفسي أخر ،وكان يعزي هذا الضر الذي أصابه للشيطان .
حتى نستطيع أن نكون أكثر دقة ومعرفة تحديد نوع الضر، لابد أن نرجع إلى الدواء الذي كان للخلاص من هذا الضر.
الله تعالي أمر عبده أيوب أن يركض برجله. ومن المعلوم أن الركض يكون بالأرجل ! فما الفائدة من قوله اركض برجلك ؟
بما أن الله خص رجلة فهذا يشير إلى مكان الضر الذي أصاب أيوب عليه السلام وبما أن علاجه كان أن يركض فان العلة في الرجل كانت عدم المقدرة على الركض ،و الله تعالى أشار إلى رجله مفردة ،فنفهم انه ربما كان أعرج ،ولم يكن العجز عن الحركة بشكل كامل وإلا كيف يأمره الله أن يركض ! لكن الأعرج يمكنه أن يركض برجلة . ولكن إلى أين يركض برجله ؟ إلى المغتسل البارد والشراب ومن المعلوم أن الماء هو ما يغتسل به ، أي أن الله أمر نبيه أن يغسل رجلة المصابة ويشرب من الماء البارد وهذا الماء كان معروف لأيوب عليه السلام لان الله أشار إليه ب هذا ..
ربما هذا المغتسل هو ما يعرف ألان بماء زمزم - هذا يحتاج للإثبات مجرد زعم لا املك عليه دليل إلا أن أيوب من ذرية إبراهيم عليه السلام-
وكثير من البشر الذين يعانون من عارض صحي لفترة طويلة. يولد لديهم حالة مرضية نفسية تحتاج لعلاج أيضا ، وازعم أن علاج الحالة النفسية التي أصابت أيوب عليه السلام هو أن تلتف حوله أسرته بما يعرف ألان العلاج الأسري وقد بنيت زعمي هذا من قوله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ
ثم لان الله أعطى أيوب أكثر مما سأله فكانت الآية الأخرى بقولة أتيناه بدل وهبنا وهذا لان الإتيان اشمل من الوهب .
وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
مفردة وهبنا في الحديث عن الأنبياء جاءت في الأهل (الزوجة) و الذرية .
أمثلة:
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا
وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
نلاحظ أن الوهب ارتبط بالأهل والذرية وعلى الأغلب يكون مع الفقدان الطبيعي للشيء الموهوب أو عجز وعدم قدرة المتلقي على فعلة بنفسه ، فمثلا إبراهيم وهبة الله تعالى الذرية بعدما فقد الأهلية لها من كبر سنه وزوجة العاقر
وزكريا وهبة الله يحيا بعدما اشتعل الرأس شيبا وكانت امرأته عاقرا
موسى وهبة الله أخاه هارون نبيا من بعدما كانت النبوة لموسى وحده
ثم أن الله يهب بعد الدعاء، فكل الأنبياء دعوا الله بعدما وصلوا لمرحلة العجز الطبيعي من تحقيق ما يطلبونه.
الذين تناولوا قصة أيوب ،اجمعوا على حقيقة تخص زوجة أيوب وهي انه في فترة محنته كان متزوج واقترفت معه ذنب اقسم أن يضربها لأجله ، ولكن ماذا لو أن الأمر مختلف تماما ,نحن إذا ما علمنا أن أهلة في القرآن الكريم تشير إلى الزوجة أو الزوجات ويدخل في هذا الذرية والأقرباء والانسباء وافترضنا أن الوهب يأتي مع العجز أو فقدان الأمل في تحقيقه ، هذا يدعوني للافتراض -من عند نفسي- إن أيوب ربما لم يكن متزوج أساسا في فترة محنته ربما إن عجز رجلة والحالة النفسية التي رافقتها جعلت النساء ترفض الزواج منه لدرجة فقدانه الأمل تماما من العثور على زوجة تقبل بوضعه فلما كشف الله عنه هذا الضر وهبة امرأة تقبل الزواج منه ومع الزوجة سيصبح لأيوب صهر وانسباء وأقرباء ،ومن الزوجة أبناء وربما هذا معنى قوله ومثلهم معهم أي أهله وأهل زوجته. ،السيناريو الثاني: أن يكون تركته زوجته ، وفقد الأمل في رجوعها ثم وهبه الله أن عادت له ، وهذا سيناريو ضعيف لا أصدقة .لو افترضنا أن زوجته تركته عند ابتلاءه فلن يكون عودتها له بمثابة الوهب فقد تخلت عنه في فترة محنته ولا اتخيلة قد يفرح و يرغب بعودتها ، السيناريو الثالث: أن يكون هو تركها وهي كارهه لتركه إلا أن وضعة النفسي جعله يطلب منها تركه، فعودتها له كان سيفرحه. أما السيناريو الرابع: أن يكون الله وهبه أهلة ومثلهم معه أي انه تزوج من غير أن يكلف بدفع مهر التي وهبها الله له ومعها عادت كذلك زوجته الأولى وهذا معنى ومثلهم معه . والسيناريو الأخير: الذي أميل إليه أن أيوب عليه السلام لم يكن أهلة معه في فترة محنته وكان متزوج ولدية ذرية ولكن لعلة غير معروفة بالتحديد لم يكن أهلة معه ، قد يكون الضر اصابة في أثناء انتقاله من مكان لأخر مما أقعده في مكان بعيدا عن أهلة ، لان كلمة أهلة لا تشير فقط للزوجة بل تشمل الأبناء والأقرباء والانسباء
يقول تعالي: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
أليس أهل الزوج هم والده، والدته، إخوانه، جدة، جدته
يقول تعالى : فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
هذا الآية تشير صراحة أن أهلة لا تعني الزوجة فقط
إذا وهبة الله أهلة وقد يكون أهلة امة وأبية وأخوة وأخته ومثلهم معهم وهم أهل زوجته والدها ووالدتها وإخوانها وأخواتها ..
المهم أن الوهب جاءه في وقت لم يكن يتوقعه أو يأمل فيه ، ولم يكن محصورا بالزوجة فقط كما جرى لأهل التراث أن يقولوا ،ولكن شملت أهلة جميعا . وهذا الوهب كان ضروريا من اجل العلاج النفسي المرافق للعلاج البدني ،لانه سيدخل البهجة والسرور والراحة النفسية لأيوب علية السلام .
يبقى لنا أن نعرف الإجابة للاستفسار الثالث، الذي طرحناه وهو مالذي ضربة أيوب عليه السلام حتى لا يحنث ؟.
· اضرب تأتي بمعناها الفعلي المادي للضرب وبالمعنى المعنوي
أما المعنوي مثل قوله "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا" فالمقصود بالضرب هنا أي إعطاء مثل أو قصة أو حادثة معينه
الذي أحاول بحثه في مقالتي هذه هو الضرب الفعلي المادي لمعنى الضرب
الافتراء الذي اقدمة يأتي بعد تدبر قوله تعالى :
وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ
مفردة " اضرب "
في الآيات السابقة كلها جاءت بالمعنى المادي للضرب ولتحقيق منفعة معينة ، أي أن موسى عليه السلام كان واجب عليه أن يضرب الحجر بالعصا حتى يخرج الماء ومن غير ذلك لن يخرج الماء ،وكان واجب عليه أن يضرب البحر لينفلق كالطود العظيم ويعبر بني اسرائيل ، وكذلك كان واجب على بني إسرائيل أن يضربوا المقتول بجزء من البقرة ، والتي تصر على النشوز لابد من ضربها فعليا. - سنعرج لكيفية هذا الضرب لاحقا في هذه المقالة-، من هنا نستنتج أن أيوب عليه السلام كان واجب عليه أن يضرب بيده ، وإذا ما علمنا أن موسى احتاج أن يضرب البحر ليعبروا ، والحجر ليشربوا ، وضرب المقتول ليحيا من جديد وضرب الناشز لتعود عن نشوزها .فإن أيوب عليه السلام كان أيضا لابد أن يضرب بيده شيء لتحقيق منفعة . ولكن هل كان حقا مأمور أن يأخذ ضغث من الحشائش والأعشاب ويضرب به زوجته ؟ ما المنفعة التي كان سيحققها ؟ لقد قلنا ان الضرب يأتي معه منفعة ،دعونا نركز على مفردة ضغث قليلا .
أيوب علية السلام كان مأمور أن يأخذ ضغثا بيده ويضرب والضغث هل هي جمع ام مفرد ؟ في سورة يوسف جاءت بصيغة الجمع أضغاث ،في قوله تعالى: : قالوا َأضغاث أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بتأويل الأَحلامِ بِعالِمينَ
ومن سياق الآيات نفهم أنهم قصدوا أن ما يراه الملك في نومه مجرد أحلام متداخلة غير واقعيه وغير حقيقية ،وليس لها تفسير ، وفي اللغة أن الضغث ما اختلط من الأعشاب ، اليابس والطري ،الطويل والقصير ، وبما أن أيوب عليه السلام كان مأمور أن يأخذ بيده ضغث وليس أضغاث ،هذا يعني انه فقط يمسك بيده ما يستطيع من الأضغاث التي تحيط به من حشيش أو أعشاب ، أي يأخذ ضغث ولمره واحده ولا يوجد عدد محدد أو بوزن لهذا الضغث ، فقط المطلوب منه أن يأخذ ضغث بيده ويضرب به .. ولكن ماذا يضرب ؟ هل حقا يضرب زوجته التي تركته ؟ ام يضرب شيء آخر ليحقق منفعة ؟
الذي افترضه ، بما أن الآيات تتكلم عن الضر الذي أصاب أيوب ودعاءه واستجابة الله وكشف الضر عنه بان يركض برجلة ويغتسل بماء بارد ويشرب منه فاني ازعم أن الله أمره أن يضرب بيده رجلة المصابة حتى يحقق المنفعة من الضرب وهي أن تدب في رجلة الحياة مره أخرى وهذه ليست المرة الأولى التي يأمر الله بها استعمال الضرب لتدب الحياة بالمضروب. فقد أمر به الله بني إسرائيل في قوله : فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
بعد أن ذبحوا البقرة فقد أمرهم أن يضربوا المقتول بجزء من البقرة ليحيا مره أخرى ،وقد جاء الأمر محدد بان يأخذ ضغث ويضرب مع انه بالإمكان أن يستخدم يده للضرب بدون أن يأخذ فيها شيء ، وكذلك كان يمكن لبني إسرائيل أن يفعلوا. ولكن الله أمرهم بان يضربوه ببعض أجزاء البقرة لان العبرة هو ان يروا آيات الله وقدرته " وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ" ، كيف يجعل الله جزء ميت سبب في إحياء ميت. وهكذا الحشائش الميتة اليابسة كيف تكون سبب في إحياء رجل النبي أيوب عليه السلام مرة أخرى ..
نتيجة : عندما يأمر الله بالضرب ، يكون هذا لتحقيق منفعة ، في قصة أيوب المنفعة تكمن في علاج رجلة المصابة .
ولكن ما معنى قوله " ولا تحنث " .
قبل أن نخوض في معنى ولا تحنث لابد أن نورد الحقائق التالية:
1- لو كان فعلا اقسم أن يضرب زوجته ، فهذا يعني انه عقد الإيمان فيكون كفارته إطعام عشر مساكين او كسوتهم أو تحرير رقبة أو صيام ثلاثة أيام ، وقد يقول قائل هذا لم يكن في شريعة أيوب ، ولكن الم يكن أيوب على ملة إبراهيم التي نحن عليها ، وعلى الأقل يصوم ككفارة ، الم يكتب الصيام علينا كما كتب على الذين من قبلنا ؟
2- لو كان اقسم أن يضرب زوجته لغو أو بغير حقه لآمرة الله بالتوبة .
3- الأمر منافي لا يناسب سياق الآيات ، كيف يهبه الله الأهل ثم يأمره أن يضرب زوجته الموهوبة له.
نقول : جاء لفظ الحنث بوصفه بالعظيم في قوله تعالى : وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ
في سياق الآيات التي تتحدث عن أصحاب الشمال وأفعالهم التي استحقوا عليها أن يكونوا من أصحاب الشمال الخالدين في النار ، هذه الأفعال هي ذنوبهم التي اقترفوها في حياتهم الدنيا وجاء وصف هذه الذنوب بالحنث العظيم ، أي أن الحنث هو الذنب ، وغير مقتصر على الحلفان .
لهذا اعتقد أن قوله تعالى " لا تحنث " تعني أن يفعل ويستجيب أي أن يضرب بيده القدم المصابة ولا يحنث أي لا يمتنع عن ضربها حتى تبرأ ، لأنه لو كانت قدمك تؤلمك وجاءك من يقول لك اضربها لتبرأ ما كنت لتفعل . ولكنه الله تعالى من يأمر فهي بصيغة التحفيز لا التهديد ..انتهي
أخيرا:
دعونا نفترض أن زوجته لم تكن من أهلة التي وهبهم الله له ، ونفترض أنها كانت موجودة معه ولكنها فعلا تركته واقسم أن يضربها .
فهذا يقودنا للاعتقاد أنها زوج ناشز . خرجت عن أمر زوجها وحاول معها نبي الله كل الطرق التي تسبق الضرب ولكنها أصرت على نشوزها. فكان لابد من ضربها ولكن بما أن الله أمره أن يأخذ ضغثا ويضرب به وبعد أن أدركنا أن الضغث هو أن يمسك مرة واحده بيده ما حوله من العشب والحشائش ويضرب به مره واحده .
في هذا يكون الله تعالى قد بين لنا كيف يكون الضرب للمرأة الناشز, فعند استنفاذ كل الطرق يحق للزوج أن يأخذ ضغث ويضرب به والضغث هو ما يستطيع مسكه من الحشائش بيده مره واحده لأنه ضغث وليس أضغاث.ثم بهذا يضرب به الزوجة ..
كل ما طرحته مجرد رأي مفترض قد يحتمل الصواب..