الديكساميثازون ليس علاجاً للفيروس، وليس للوقاية، وليس الحل النهائى للكورونا، بداية لا بد من ذكر تلك الثلاثية حتى تتضح الأمور.
وقبل أن نبدأ الحديث عنه، فبعد ثمانية ملايين حالة إيجابية منذ تفشى جائحة COVID-19 فى ووهان، أعلن العلماء ما أطلقوا عليه فى إنجلترا أول اختراق كبير فى البحث عن دواء لمحاربة المرض، وجد فريق بحثى فى جامعة أكسفورد أن الأدوية الرخيصة والمتوفرة على نطاق واسع والمعروفة باسم الديكساميثازون يمكن أن تكون فعالة فى الأشكال شديدة الخطورة من COVID-19، كان ديكساميثازون موجوداً منذ أوائل الستينات، غالباً ما يتم إعطاء الستيرويد أو الكورتيزون بجرعات منخفضة كمضاد للالتهابات، يتم استخدامه على نطاق واسع للربو الشديد والحساسية ووجع المفاصل، كما أنه يُستخدم فى حالات أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء والروماتويد.. إلخ، هذا التأثير على الالتهاب وجهاز المناعة لدينا هو الذى يجعله مفيداً فى محاربة أسوأ آثار COVID-19، لكن ما هو دوره فى علاج الكورونا؟ لدى الأقلية الصغيرة من المرضى والتى نسبتها ٥٪، تكون الأعراض أسوأ من مجرد الحرارة والسعال الجاف، ويحتاج المرضى إلى علاج بالأكسجين عن طريق ما يسمى بالـ«سيباب» ثم الـ«ventilator»، هؤلاء هم الأشخاص الذين ثبت أن ديكساميثازون من الممكن أن يكون فعالاً بالنسبة لهم.
وقال البحث إن الديكساميثازون يقلل من خطر الوفاة بنسبة الثلث للأشخاص على أجهزة التنفس الصناعى، والسبب أنه فى الحالات الشديدة يتفاعل الجهاز المناعى فى الجسم مع الفيروس ويصب هجوماً على الخلايا التى تحتوى عليه. يُعرف هذا باسم عاصفة السيتوكين، حيث تطلق خلايا الجهاز المناعى مواد كيميائية تسمى السيتوكينات، مما يسبب التهاباً مفرطاً، وهنا يعمل ديكساميثازون على جهاز المناعة لتثبيط الاستجابة وتقليل عاصفة السيتوكين، ويمنع الالتهاب الهائل الذى يظهر فى الرئتين والقلب، وهو المسئول عن مشكلات الجهاز التنفسى الحادة فى المرضى.
تم اختبار ديكساميثازون فى أكبر تجربة دواء لـ«COVID-19» حتى الآن، درس الباحثون تأثير الدواء فى 2000 مريض وقارنوا ذلك بنتائج 4000 مريض لم يتلقوه، تُظهر نتائج التجربة، التى لم تُنشر بعد فى مجلة محكمة، أن أكبر فائدة كانت فى هؤلاء المرضى على أجهزة التنفس الصناعى، حيث قلل ديكساميثازون من خطر الوفاة بنسبة 12٪، انخفضت من 40٪ إلى 28٪. وبالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إلى الأكسجين، كان هناك انخفاض بنسبة 5٪، انخفضت من 25٪ إلى 20٪.
وكما هو الحال مع أى دواء، هناك آثار جانبية، وتشمل هذه: القلق، واضطراب النوم، وزيادة الوزن واحتباس السوائل، بالنسبة للمرضى فى العناية المركزة، يمكن إدارة هذه الآثار البسيطة نسبياً بسهولة، لذا فإن فوائد ديكساميثازون فى علاج COVID-19 تفوق بكثير الآثار السلبية.
الدواء ليس للوقاية حتى لا يسحبه المصريون من الصيدليات، وهو غير فعال فى أولئك الذين يعانون من أعراض خفيفة الذين لا يحتاجون إلى دعم فى الجهاز التنفسى ويجب عدم استخدامه من قبَل أولئك فى المنزل.
ما أهمية تلك الدراسة التى أصبحت مثار اهتمام العالم؟ أهميتها أن نتائج ديكساميثازون تم العثور عليها فى تجربة سريرية عشوائية، حيث تتم مقارنة المرضى الذين تناولوا الدواء مع أولئك الذين لم يفعلوا ذلك، لم تخضع الأدوية السابقة التى أشيد بها على أنها «علاجات» محتملة للفيروس إلى هذا النوع من الدراسة الدقيقة قبل الإعلان عن فاعليتها فى بعض الأوساط، وهذا يشمل حتى دواء الملاريا هيدروكسى كلوروكين، الذى يحتاج إلى مثل تلك الدراسة الواسعة ليحسم الجدل حوله، الميزة هنا أن ديكساميثازون رخيص، حتى فى أمريكا ثمنه حوالى 6 دولارات، يتم علاج المرضى فى المتوسط لمدة سبعة إلى عشرة أيام، أشارت التقديرات فى إنجلترا إلى أنه إذا كان قد استُخدم هناك منذ البداية لكان قد أنقذ خمسة آلاف حالة وفاة!! بالإضافة لرخص ثمنه هناك ما هو أكثر أهمية، وهو أن الدواء شائع وهناك مخزونات عالمية كبيرة منه، وهذا يعنى أن المرضى الفقراء حول العالم ممن لا يحظون برعاية صحية شاملة يمكن إعطاؤهم ديكساميثازون بسهولة، مقارنة بالأدوية الجديدة المحدودة والباهظة الثمن.
الديكساميثازون ليس نهاية المطاف، بل مجرد البداية.