هناك نوعان من الربا : ربا يقدمه المرابي بديلا عن الصدقة، وربا التجارة.
وهذا التقسيم فهو على أساس نوعية المضطر لأخذ الربا؛ هناك شخص فقير مستحق للصدقة أو محتاج لمال من أجل الإستهلاك (كإقتناء منزل للسكن أو لشراء سيارة نظرا لتنقله كثيرا بحكم وظيفته وبعد المسافة، أو من أجل علاج مرض مزمن أو أي أمر آخر يكون مستعجلا وضروريا)، فيأتي ذلك الفقير أو المحتاج للمرابي وبدلا من أن يتصدق عليه ذلك المرابي أو يعطيه قرضا بدون فائدة، فيستغل ضعفه وحاجته للمال فيعطيه قرضا بربا، وذلك يختلف عن الشخص آخر الذي يحتاج للمال في إقامة مشروع أو توسيع تجارة وهو ينتظر ربحا، وهنا من حق المرابي إن يشاركه في ذلك الربح الذي كان ماله سببا فيه، وعلى أساس رضاهم بذلك.
وفي العصر المكي كان التركيز في الوحي على إخلاص الدين لله وتنقية العقيدة من الشرك ومع ذلك نزلت آيات تحث على إعطاء الصدقة للفقير والمحتاج بدلا من إقراضه بالربا؛ يقول تعالى في تقرير حق المحتاج : {..فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،ثم تأتي الآية التالية تقارن بين الصدقة للمحتاج وبين إعطائه قرضا بالربا : {..وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ(الروم 38 - 39)}.
وذلك التلازم بين الحث على إعطاء المحتاج الصدقة بديلا عن إعطائه قرضا بالربا يوضح لنا أن المقصود بذلك الربا هو الربا المقدم بديلا عن الصدقة لمستحقها.
وفى المدينة كان أغلبية الأغنياء من المنافقين الذين كانوا يقرضون الفقراء بالربا فنزلت آيات في سورة البقرة تشجب ذلك وتدعو لإحلال الصدقة مكان الإقراض بالربا للمحتاج الجائع.
ويلفت النظر أن حديث القرآن عن تحريم الربا سبقه الحث على إعطاء الصدقة وتوضيح آدابها في ثلاث عشرة آية تبدأ بقوله تعالى : {..مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261 - البقرة)}، وتنتهى بقوله تعالى : {..الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(262 - البقرة)}.
ثم تأتي الآيات عن الربا تهاجم المرابين الذين يستغلون الفقراء الجوعى : {..الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275 - البقرة)}.
فالآية تدعو للكف عن أكل الربا وأن يأخذ المرابي أصل الدين فقط، وتتوعده بالخلود في النار إذا عاد للربا، ثم تحثه الآية التالية على أن يعطي الصدقة بدلا من الإقراض بالربا، يقول تعالى : {..يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ(البقرة - 276)}، ثم تؤكد الآيات التالية الأمر بالكف عن هذه النوعية من الربا : {..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) (البقرة)}، ولأن المدين في هذه الحالة دائما ما يكون معسرا لأنه جائع فإن الآية التالية تقول : {..وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280 - البقرة)}، أي تأمر بالصبر على المدين المعسر أو بالتصدق عليه بالتنازل عن الدين أو بعضه، الأمر الذي يدلنا على أن تغليظ التحريم في هذا الربا إلى درجة إعلان الحرب من الله على المرابين ـ لأنه كان استغلالا للفقراء الجوعى، ولذلك نزلت الآيات بالحث على الصدقة قبل وبعد الحديث عن تحريم الربا.
وهذا النوع من الربا ليس فيه ربحا للمحتاج الذي أخذ القرض الربوي و لانه لم ينمي المال الذي استقرضه، ولم يربح منه شيئا بل استهلكه فى قضاء حاجته الضروريه للحياة فتكون الفائدة فقط للمرابي، وهذا ليس عدلا وليس بيعا الذي يكون فيه كلا الطرفين قد استفادا منه (رابح -رابح)، لذلك فهو ربا محرمة لذلك يقول سبحانه : {..وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
والسؤال الآن هل ينطبق ذلك الحكم على ربا التجارة ؟.
إن الحكم القرآني صريح في أن الربا حرام على الاجمال في قوله سبحانه : {..وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، والبيع هو سلعة في مقابل مال أما الربا فهو بيع المال بالمال أي شيء يختلف عن البيع المتعارف عليه، والقاعدة القرآنية أشارت للفرق بين البيع الحلال والربا الحرام، وقد ألمحت الآيات من خلال الحث على الصدقة بديلا عن إقراض المحتاج بالربا إلى أن هناك استثناء بالنسبة للنوع الآخر من الربا حين يكون المحتاج للربا ليس فقيرا جائعا أو محتاجا، وإنما تاجرا مستثمرا، وجاء ذلك الاستثناء صريحا في قوله تعالى : {..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(130)}، فالفوائد المركبة حرام وهي عادة ما تكون في ربا التجارة حيث يكون الأمل كبيرا في الربح وتعويض الفائدة المرتفعة، وهذا الحكم يتوافق وينسجم جزئيا مع الفصل 874 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي الذي جاء فيه : "يكون باطلا، بين كل الناس اشتراط كون الفوائد غير المدفوعة تضم في آخر كل عام إلى رأس المال الأصلي، لتصبح هي نفسها منتجة للفوائد".
ويقول تعالى : {..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ(النساء - 29)}، والربا في التجارة يدخل ضمن أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه إلا أن الاستثناء جاء بتحليله إذا كان عن تراض، ومن الآيتين نعرف أن القرآن استثنى من تحريم الربا ربا التجارة إذا كان عن تراض ولم يكن أضعافا مضاعفة بفوائد مركبةكما سبق معنا في الآية 130 من سورة آل عمران.
وقوله تعالى : {..يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}، يضع قاعدة شرعية تبيح شتى أنواع التعامل التجاري القائم على التراضي بين البائع والمشترى أو القائم على ما أقرته القوانين الوضعية وما تعارف عليه المجتمع وسار عليه حتى لو لحقته الشكوك وشبهات الفقهاء الذين لا يسءمون من رفع لافتات التحريم والتحليل، فأين تلك الشبهات في تعبير " أكل أموال الناس بالباطل "، الذي أحله القرآن إذا كان عن تراض بالنص الصريح في الآية الكريمة، وهي تبيح الفائدة في البنوك سواء كانت ثابتة أم متغيرة بشرط ألا تكون مضاعفة (وهو ما يسمى بالغبن وقد تصدى له قانون حماية المستهلك في الأنظمة القانونية الوضعية)، مادام هناك تراض حر وسليم على سائر الشروط، كما تبيح سائر صنوف التعامل التجاري التي استحدثها عصرنا مثل شهادات الاستثمار والبيع بالتقسيط والتأمين على الحياة والممتلكات والأسهم والسندات وكل صنوف الشركات، مادام هناك تراض ومعرفة تامة بين الطرفين بالشروط والبنود حيث لا تحايل ولا تلاعب بالألفاظ والشعارات.
وما يعزز ذلك أن القرآن ينهي عن اكتناز المال والمسلم مطالب بأن يدير المال وألا يبخل به ولا يكتنزه، فإذا كان ذلك المسلم لا يجد شخصا أمينا يشاركه في استثمار ماله فليس عليه حرج إذا أودعه في البنك بفوائد حيث لا إجبار ولا إكراه بل تراض تام بين الطرفين (البنك والعميل)، وسعر النسبة في الأرباح والفوائد يحدده قانون العرض والطلب والحرية في الإيداع والسحب، كما له أن يختار شخصا له خبرة في التجارة والإستثمار ويقرضه ذلك المال أو بعضه، على شـرط مشاركته في نسبة معينة من الأرباح.
لقد غفل الناس عن الحل القرآني لمشكلة الربا لأنهم آمنوا بأحاديث كتبها العصر العباسي الثاني تحرم الربا كله دون تمييز وتتجاهل الاستثناء الذي جاء في القرآن،وأشهرها ذلك الحديث الذي يلعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده..الخ، ومعناه أن المضطر للإستدانة بالربا لقضاء حاجة ضرورية وملحة يكون ملعونا.
بالإظـافة الـى أن ذلك الحـديث وهـذا لا نـقاش في ذلك مـن أنـه موضوع ومكذوب على رسول الله، وان الله سبحانه قد نهاه من أن يتقول في الأمور الدينية غير القرءان الوحي الذي ينزل عليه، وهو مأمور نفسه باتباعه وأولى بذلك، يقول سبحانه عن الوحي القرءاني : {..إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ،لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ(الحاقة من 40 الى 47)}، ناهيك عن السمو الخلقي والرفيع لرسول الله، الذي اتهموه بأنه يلعن المظطر لمجرد أنه أخذ قرضا وأنه المقرض استغل حاجته فأقرضه بربا، ولعن المستثمر كذلك الذي يريد ادارة المال وعدم اكتنازه، ويطردهم بالتالي من رحمة الله، يقول سبحانه : {.. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(الأنبياء 107)}، وقوله سبحانه : {..وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ(القلم – 4)}.
فذلك يخالف الأساس في تحريم الربا، إذ أن الربا حرام لأنه ألحق الضرر بالمحتاج، فكيف يكون المحتاج ملعونا ؟ مع العلم أن تحريم الربا سببه هو الظلم الذي ألحق بذلك المضطر فكيف يكون ملعونا ؟ ونزيد على ذلك أن القرآن يبيح للمكره أن يقول الكفر عند الاضطرار طالما ظل قلبه مطمئنا بالإيمان (النحل 106)، ثم إن ذلك الحديث يلعن الشاهد والكاتب في الربا مع أن القرآن أعطى حصانة للشاهد والكاتب حين قال على وجه العموم {..وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (البقرة 282)}، ثم هو يخالف تشريع القرآن الذي يبيح للمضطر أن يأكل الميتة ولحم الخنزير (راجع قوله سبحان في سورة البقرة الآية 173 والمائدة 3، الأنعام 119 و145، والنحل 115).
لقد أستغل بعضهم تلك الأحاديث التي تبرأ منها رسول الله عليه السلام وتلاعب بعواطف المسلمين فأقام حملة تشويه ضد النظام المصرفي الذي لا غبار عليه طالما لم يرغم أحدا ولم يتعامل بالفوائد المركبة، وكانت النتيجة إن قامت بنوك وفروع لبنوك ترفع لافتة التعامل الإسلامي بينما هي في الحقيقة جزء من النظام المصرفي القومي والدولي لا يمكن أن تخرج عن إطاره.
ألا ينبغي أن نقرأ القرآن جيدا لكي نحكم به على كثير من الأقاويل التي ظلمت رسول الله وسببت في تأخر المسلمين قرونا.
ولعل أصحاب الفكر المعارض، يحتجون ويرددون ما ردده السابقون من أن التشريع القرآني نزل بالتدريج فيقال : " حرم الربا على مراحل كالخمر"، والقول بالتدرج في تشريع القرآن يعنى أن هناك تناقضا في آيات القرآن حين يأتي التشريع بالإباحة ثم تشريع بالتحريم الجزئي ثم تشريع آخر بالتحريم القطعي، والذي يجب الإيمان والتسليم به هو أن القرآن لا عوج فيه ولا اختلاف ولا تناقض فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن القول بالتدرج في التشريع إنما هي إشاعة نبتت في العصر العباسي ثم اكتسبت قداسة لأنه لا أحد كان يجرؤا على مناقشتها فشاعت كنار في الهشيم، وحظت بالتصديق بين أوساط العلماء، وأصبح التخلي عنها كتخلي الأم عن رضيعها.
ليس في القرآن تدرج في التشريع فيما يخص الحلال والحرام وإنما فيه إيجاز في التشريع المكي ثم تفصيل في التشريع المدني، ففي مكة كان التركيز على إخلاص العقيدة لله ونزلت عموميات في التشريع، وفي المدينة كان التفصيل والتبيين، وقد نزل تحريم الخمر في مكة ضمنا وإيجازا في قوله تعالى : {..قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ(الأعراف - 33)}، والخمر من الإثم الذي حرمه الله سبحانه سواء كان قليلا أم كثيرا، وحين سئل النبي عن حكم الخمر نزل قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا(البقرة - 219)}، وإذا كان في الخمر أثم كبير فهو محرم نزل تحريمه في مكة موجزا ثم جاء التفصيل في المدينة في عدة آيات في سورة البقرة 219 والمائدة 90، 91..
ونفس الحال مع الربا نزل التحريم موجزا في مكة (الروم 39)، ثم جاءت التفصيلات في المدينة تشرح القاعدة وتقرر الاستثناء بشروطه (البقرة 261، 281، وآل عمران 130، والنساء 29).
- فكرة بسيطة عن البنوك اللإسلامية.
في أحد البلدان الإسلامية أراد رجل أن يبني طابقا ثانيا فوق داره، ذهب للبنك فعرض عليه البنك فائدة 10 % على القرض الذي يبلغ مائة ألف درهم، رفض الرجل هذه النوعية من الربا، وذهب إلى أحد بيوت المال "الإسلامية "، قال له المسئول هناك "نحن لا نتعامل بالربا الحرام ولكن نبيع ونشترى"، وانتهت الصفقة بأن اشترى بيت المال من الرجل داره بمبلغ المائة ألف ـ شراء صوريا ـ على أن يعيد للرجل بيع نفس الدار بعد عام بمبلغ 150 ألفا درهم، وذهب الرجل سعيدا بالنتيجة، ولكنه بعد أن فكّر عرف خسارته .. فقد باع داره التي يملكها مقابل القرض الذي يريد أن يبني به الطابق الثاني، وحين يسدد بعد عام نفس القرض سيدفع فائدة قدرها 50 %، وبيت المال ضمن حقه بشرائه للبيت الذي يقيم فيه الرجل، ولكن كان الأوان قد فات، كان البنك سيأخذ منه فائدة 10 % فقط، ولكن تحولت الفائدة إلى بيع صوري وفائدة حقيقية لبيت المال الإسلامي قدرها 50%.
تتكرر القصة في دول البترول، وصفقاتها تعقد في المساجد حيث يحرصون على عدم النطق بكلمة الفائدة والربا، ويتلاعبون بالألفاظ والحيل والشراء الوهمي والبيع الصوري، وتكون المحصلة خداع البسطاء المتدينين وأكل أموالهم بالباطل، ولكن المعنى الباقي من هذا التصرف ـ الذي لا شأن للإسلام به ـ هو التحايل على شرع الله والاجتهاد في التلاعب بالألفاظ.
ومظاهر هذه النوعية من الاجتهاد كثيرة تجدها في المصطلحات السائدة في فروع البنوك التي ترفع لافتة التعامل الإسلامي وفى شركات التوظيف، وهم دائما يتمسحون بقوله تعالى "وأحل الله البيع وحرم الربا" وبعدها يجعلون المتعامل معهم يدخل في متاهة وشروط في العقد صيغت بمهارة لتجعل المتعامل معهم يخرج في النهاية مغبونا مخدوعا لأنه كان مستهلكا لجرعة كبيرة من المخدر الديني الأرضي.
ذ. يوسف ترناصت.
باحث إسلامي.
* تم تعديل المقال احتراما للقارئ الكريم.