نتطرق في هذا المقال القصير الى الفرق بين الساعة والقيامة من خلال القرءان الكريم، بتوضيح معنى الساعة والقيامة وأنواعهما.
أولا : معنى الساعة وأنواعـها :
1 - معنى الساعة.
كلمة الساعة قد تدل على الزمن أو مرور مدة زمنية معينة، تختلف على حسب الأحوال، وقد تدل على الفناء والوفاة، والوفاة هنا بمعنى أن المادة المجسمة قد استوفت مدتها المحددة لبقاءها في الحياة، والساعة لها عدة معاني في القرءان الكريم؛
- في معنى الزمن أو مرور مدة معينة من الزمن :
- نجد قوله سبحانه : {..وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُم لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ(الأعراف 32)}، فلا هم يتأخرون عن موعدهم بحيث لا يمدد أجلهم، ولا يستقدمون بحيث لا يقلص ولا ينقص أمدهم.
- ويقول سبحانه عن يوم الحساب : {..قُلْ يَجْمَع بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَح بَيْنَنَا بِالحَقِّ وَهُوَ الفَتَّاحُ العَلِيمُ، قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ الله العَزِيزُ الحَكِيمُ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّة لِلَّنَاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ، وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُم صَادِقِينَ، قُل لَكُم مِيعَادُ يَوْمٍ لاَ تَسْتَءْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ(سبأ 26 الى 30)}.
- ويقول سبحانه : {..لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اِتّبَعُوه فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبَ فَرِيقٍ مِنْهُم ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِم إِنّهُ بِهِم رَءُوفٌ رَحِيمٌ(التوبة 118)}، أي اتبعوه في الزمن والوقت الذي كان في أمس الحاجة إليهم، وهؤلاء هم الصحابة الأوفياء.
- السـاعـة بـمـعـنـى الـفـنـاء والـوفـاة :
فالله سبحانه قد قدر الموت لكل مخلوقاته من أعظمها إلى أصغرها، ما عدا ملائكته الكرام، وهذا الموت قد حدد له أجلا، فهو أجل مسمى عنده، لا يمكن لأي مخلوق أن يقدمه أو أن يؤخره، وكل المخلوقات فهي حتما الى الزوال، يقول سبحانه وتعالى في قصة صاحب الجنتين : {..وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا(الكهف 35)}، فهو أعتقد أن جنته لا يمكن أن تفنى، وان الكون كذلك لا يمكن أن يفنى، فكفر بالله فأحاط الله بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق في تلك الجنة، وهي خاوية على عروشها.
2 - أنواع الساعة.
هناك الساعة الكبرى، وهناك الساعة الصغرى؛
أ - السـاعـة الكبــرى :
وهي اللحظـة التي سيدمر فيها الكون، ويُفْنَى وسُمِّيّت بالساعة، لأنها محأددة بأجل مسمى، آتـي لا ريب فيـه، فيـوم أن خلق الله السموات و الأرض، جعل لها الوقت المحدد التي ستفنى فيها، وهذا الوقت منذ تلك اللحظة التي خلقت فيه السموات والأرض وهو في العد العكسي له، مثل الساعة الرملية، فاذا استوفت السماء والارض أجلها، تفنى في لحظتها، بعد أن تنزل الملائكة التي تقبض الأرواح، ثم ملائكة التدمير، وكلهم بعد التدمير، سيعرجون الى الملأ الأعلى، لأن الملائكة لا تموت، لقوله تعالى : {..وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فِإِذَا هُم قِيَّامٌ يَنْظُرُونَ(الزمر 65)}.
وقلنا أنه قبل الفناء وزوال الكون، سيكون نزول الملائكة، منها ما يقبض الأرواح، ثم ملائكة التدمير تكون لاحقة، يقول سبحانه : {..وَالنَّزِعَاتِ غَرْقًا، وَالنَّشِطَاتَ نَشْطًا، وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا، فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا، فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا، يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ، أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ، يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحَافِرَةِ، أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةٍ، قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةً خَاسِرَة، فِإِنَّمَا هِي زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ(النازعات 1 الى 14)}، ويقول سبحانه : {..وَيَوْمُ تَشَّقَقُ السَّمَاءُ بِالغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلاَئِكَةُ تَنْزِيلاً(الفرقان 25)}.
وقبل النفخ وسعق الناس ويكونوا في حالة من الرهبة والخوف الشديد تقول الآيات التالية من سورالحج الآيتين 1 و2 : {..يَأَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ}، كما أنهم سيرون الأرض تزلزل، يقول سبحانه في سورة الزلزلة : {..إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الإِنْسَانُ مَالَهَا ، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.
بعد النفخ في الصور تدك الأرض وتنشق السماء يقول تعالى في سورة الحاقة : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(12)وَحُمِّلَتِ الأَرْضُ وَالجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(13)فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ(14)وَاِنْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ(15)}، وفي سورة الانشقاق : {..إِذَا السَّمَاءُ اِنْشَقَّت (1) وَأَذِنَت لِرَبِّهَا وَحُقَّت (2) وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّت (3) وَاَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّت (4) وَأَذِنَت لِرَبِّهَا وَحُقَّت (5)}، والآية 36 من سورة الرحمن : { فِإِذَا اِنْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِهَانِ}.
وبعد انشقاق السماء وتفتح أبوابها تبدأ الملائكة والروح بالعروج نحو نحو الملأ الأعلى، حيث حملة العرش الجديد الذي يحمله (أي يدبره) ثمانية من الملائكة ليس هم ملائكة الدنيا بل ملائكة الآخرة، بعد ان تنجو ملائكة الدنيا من الصاعقة ويتطلب هذا العروج ألوف السنين تقول الآية 4 وما يليها من سورة المعارج : {تُعْرَجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(4)فَاِصْبِر صَبْرًا جَمِيلاً(5)إِنَّهُم يَرَوْنَه بَعِيدًا(6)وِنَرَاهُ قَرِيبًا (7)يَوْمُ تَكُون السَّمَاءُ كَالمُهْلِ(8)وَتَكُون الجِبَالُ كَالعِهْنِ(9)..}، ويقول سبحانه في سورة الحاقة : {وَاِنْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهٍيَّة(15)وَالمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُم يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَّةٌ(16)}.
وبعد هلاك الكون يأتي الله بأرض جديدة وسماء جديدة غير المعروفة حاليا، يقول عز وجل في سورة إبراهيم الآية 50 : {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضَ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ وَبَرَزُوا لله الوَاحِدِ القِّهَارِ}، وستكون الأرض بارزة مسطحة ليس فيها جبال أو ثلل يقول عز وجل في سورة الكهف الآية 46 : {وَيَوْمُ نُسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشْرْنَاهُم فَلَمْ نُغَادِر مِنْهُم أَحَدًا}.
وبعد أن يهيأ الله الأرض البارزة تبدأ المخلوقات في الحشر، حيث سيخرج الناس من الأجداث، وذلك بعد النفخ في الصور النفخة الثانية يقول عز وجل في سورة الزمر الآية 65 : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فِإِذَا هُم قِيَّامٌ يَنْظُرُونَ}، ويقول عز وجل في سورة يس الآية 50 : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فِإِذَا هُم مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِم يَنْسِلُونَ}، والأجداث ليست هي القبور حيث كما سبق القول فان الله يأتي بأرض جديدة، ويقول الله تعالى في سورة المعارج الآية 43 : {..يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُم إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}، وتقول الآيات التالية من سورة القمر : {..فَتَوَلَّ عَنْهُم يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ اِلَى شَيْءٍ نُكُر(6)خُشَّعًا أَبْصَارُهُم يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُم جَرَادٌ مُنْتَشِرٍ(7)}.
أما عن أحوال الناس قبل الساعة، فهم يكونوا في غفلة فتأتيهم الساعة بغتة، وهم لا يشعرون، كالذي يأتيه الموت فجأة، يقول يارب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت، يقول سبحانه في سورة يس : {..مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُم وَهُم يَخَصِّمُونَ(48)فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَّةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِم يَرْجِعُونَ(49)}، ويقول سبحانه : {..أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُم غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ الله أَوْ تَأْتِيَهُم السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُم لاَ يَشْعُرُونَ(يوسف 107)}، وقوله : {..وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُم السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُم عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ(الحج 53)، وقوله عن الذين يألهون عيسى : {..وَأَنْذِرْهُم يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُم فِي غَفْلَةٍ وَهُم لاَ يُؤْمِنُونَ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَن عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ(مريم 38 و39)}، وقوله أيضا : {..فَاِخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِم فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِن عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيهِم السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُم لاَ يَشْعُرُونَ(الزخرف 65 و66)}، وقوله سبحانه : {..فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَاعَة أَنْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَقَد جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُم إِذَا جَاءَتْهُم ذِكْرَاهُم (محمد 19)}.
ب - الساعة الصغرى :
وهي لحظة انتهاء أجل كل مخلوق بعينه على وجه المعمورة، وتسمى بالوفاة بمعنى أن النفس قد وفيت أجلها أي استكملته، فكل إنسان مقدر له مسبقا من الله عز وجل أجله، فأجله في كتاب الله (أي علمه المطلق)، أجل مسمى، فحينما يولد تبدأ الساعة الرملية، بمعنى العد العكسي فإذا جاء الأجل المحدد، تتوفى النفس أي لا يمكنها أن تتقدم ولا يمكنها أن تتأخر، وبالتالي فكتاب الأعمال يقفل.
والوفاة لا تعرف أن هذا الإنسان لازال صغيرا أو أن هذا لم يعمل صالحات أو أن هذا لا زال كافرا، أو أن هذا غافلا عن الآخرة أو مهتم بها، حيث إذا جاء الأجل قضي الأمر يقول سبحانه : {...وَمِنْكُم مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُم مَن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَم مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا..(الحج 5)}، ويقول سبحانه : {..وَالله خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ مَن نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُم أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِن أُنْثَى وَمَا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُعَمِّرٍ وَلاَ يَنْقُصُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ(فاطر 11)}.
وعلامات اقتراب الساعة الصغرى للإنسان، قد تكون غير مباشرة وقد تكون مباشرة، فالغير المباشرة، بالنسبة للكبار في السن، بحيث يقترب أجل وفاتهم، فساعتهم تدنو شيئا فشيئا، بحيث يبدأ الرأس يشتعل شيبا، والعظام تصيبها الهشاشة، والجلد يتجعد، يقول سبحانه في سورة يس الآية 67 سبحانه وتعالى : {..وَمَنْ نُعَمِّرُهُ نُنْكِسُهُ فِي الخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ}، وقد يصاب شخص ما بمرض مزمن يستعصى علاجه، أو حادث مميت، وقد تظهر عليه كل علامات الموت، ولكن لا يمكن ان يتوفى اذا كان أجله لا زال ممتدا، لقوله سبحانه : {..وَمَا كَانَ لَنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُؤَجَّلاً..(آل عمران 145)}.
أما علامات الموت المباشرة، فهي ما يسمى بالغرغرة، وتسمى في الذكر الحكيم "بسكرة أو غمرة الموت"، وما يشعر بها إلا المتوفى نفسه حينما يرى ملائكة الموت وهي تبسط يدها لتتوفاه وتأخذ نفسها.
والملائكة حينما تبسط يدها لتتوفى الأنفس، يكون الإنسان بين وضعين لا ثالث لهما، إما أن يكون مؤمنا قد عمل الصالحات، او كافرا وغافلا قد عمل السيئات، ووضع هذا وذاك يختلف.
وضعية المؤمن الصالح :
فالمؤمن الصالح يعمل للآخرة ويرتقب ويكون على أهبة الأستعداد للحظة وفاته ويضرب لها ألف حساب، فحينما تأتيه ملائكة الموت، تبشره بالمغفرة والجنة، يقول سبحانه سورة النحل الآية 32 : {..الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُم المَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُم أُدْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}، وبما أن هؤلاء المؤمنين الصالحين قد عملوا في حياتهم كل الأعمال الصالحة، فإنهم عند الوفاة تقبل لهم الوصية، مادام أن رصيد حسناتهم مضاعف أضعافا كثيرة، وحتى يحصلوا على ثواب أكثر، أما الذي يتوفى على السيئات حياته كلها سيئات وهو يعمل السيئات أو يموت على كفره المستمر، وكذلك الغافل عن الآخرة، لا تترك لهم الملائكة الفرصة في ذلك وسنرى.
وأرى في رأيي، وهو رأي يحتمل الصواب والخطأ، أنه اذا حضر الإنسان الموت وقبلت له الوصية، بأن وصى بماله، او بعضه فانه يكون من المبشرين بالجنة، وهذا بالنسبة للذي يترك مالا، والله أعلى وأعلم.
وضعية الكافر والعاصي والغافل :
فالكافرون والعصاة حينما تأتيهم الملائكة لا تبشرهم، بالجنة وإنما تتوعدهم بعذاب جهنم الخالد، يقول سبحانه وتعالى : {..يَوْمَ يَرَوْنَ المَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (الفرقان 22)}، وقوله في سورة النحل الآية 28 : {..الَّذِينَ تَتَوَّفَاهُمُ المَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِم فَأَلْقَوا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَل مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}، وبالتالي لا تقبل لهم التوبة من السيئات لقوله عز وجل : {..وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُم المَوْتَ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُم كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا (النساء 18)}.
وهؤلاء حينما تبسط الملائكة أيديها لتتوفاهم، فالنفس هنا تركن في الجسم ولا تريد المغادرة، لأنها سترى الحقائق عند ربها "إِنَّ اِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى"، لذلك تظل متمسكة بالجسم، فتضطر الملائكة الى ضرب الجسم وتأليمه ليس ضربا عاديا وإنما عذابا حريقا، يقول سبحانه وتعالى : {..وَلَو تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلاَئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيَهُم أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُم اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنْتُم تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحَقِّ وَكُنْتُم عَن ءَايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ(الأنعام 94)}، وقوله : {..وَلَو تَرَى إِذ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلاَئِكَةَ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُم وَأَدْبَرَهُم وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ(الأنفال 51)}، وقوله في سورة محمد الآية 28 : {..فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُم المَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُم وَأَدْبَارَهُمْ}.
أما الغافل الذي يأتيه الموت فجأة، فيطلب فرصة ليصلح أعماله، لكن دون جدوى، يقول سبحانه : {..حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدُهُم المَوْتَ قَالَ رَبِّ اَرْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةً هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُم يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ(المؤمنون 100 الى 101)}، وقوله سبحانه : {..وَاَنْفِقُوا مِن مَا رَزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُم المَوْتَ فَيَقُول رَبِّي لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدّقُ وَأَكُونُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ الله نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(المنافقون 10 و11)}.
ثانيا : معنى القيامة وأنواعها :
بعـد أن تطـرقنا لمعنـى الساعة وأنواعها، يمكن القول هنا، أولا قبل كل شيء أن الساعة هي ضد القيامة، فالساعة هي دمار وفناء، بينما القيامة، عكس ذلك، فهي اعادة تهييء الأرض والسماء من جديد، وبعث المخلوقات كلها كذلك من جديد.
1 - معنى القيامة.
كلمة القيامة، هي من مصدر فعل قَامَ يَقُوم، قِيَامًا، أي اذا قام الشخص أي نَهِضَ أو وَقَفَ أو اِنْتَصَبَ، وفي ذلك نقرأ قوله تعالى : {..يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِم قَامُوا..(البقرة 19)}، وقوله : {..قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِن مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌ أَمِينٌ(النمل 40)}، وقوله في سورة المدثر مخاطبا رسوله الكريم : {..يَأَيُّهَا المُدَّثِر قُم فَأَنْذِر}
* وقد تأتي الكلمة بمعنى معنوي، كقوله تعالى : {..وَأَنَّهُ لَمَا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوه كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا(الجن 19)}.
* وقد تأتي كلمة قام بمعنى المحافظة على الشيء، والاضطلاع به، وأدائه، وفي ذلك، نقرأ قوله تعالى : {..وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِم مِنْ رَبِّهِم لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِم وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِنْهُم أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِير مِنْهُم سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(المائدة 68)}، أي ولو أنهم عَمِلُوا بالتوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، ونقرأ كذلك قوله تعالى : {..إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُو خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً(النساء 141)}، أي إذا أدوا الصلاة أدوها رياءًا وكسلا.
* وقد تأتي بمعنى، تولي أمر الشيء والاهتمام به، وإصلاحه، وفي ذلك نقرأ قوله تعالى عن العبد الصالح : {..فَاِنْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اِسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَه..(الكهف 76)}، أقامه هنا أي أَصْلَحَهُ وَرَمَّمَهُ حتى لا يقع.
أما المقصود بيوم القيامة، فهو يوم قيام السماء والأرض بعد دمارها، و قِيَّامُ الناس من الأجداث، أي بعثهم ثم حسابهم وجزائهم، ويبدأ هذا اليوم بعد النفخ في الصور النفخة الثانية، ثم مباشرة بعد النفخة يكون الحشر، ثم بعد الحشر العرض أمام الله (فهم يساقوم من مكان الحشر الى مكان العرض والحساب قياما)، ثم الحساب (فهم يحاسبون قياما)، وأخيرا بعد تصفية الحساب يساق الفائزون الى الجنة الأبدية، و يساق الخاسرون الى النار الأبدية.
لكن القيامة، نوعين؛ فهناك القيامة الصغرى، وهناك القيامة الكبرى، فما الفرق بينهما ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
2 - نوعا القيامة :
أ - القيامة الكبرى :
وهي أن تقوم الأرض والسموات من جديد بعد أن تدمّر وتفنى بالساعة الكبرى، فيأتي الله بأرض جديدة وسماء جديدة، يقول سبحانه سورة الروم الآية 24 : {..وَمِن آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بَأَمْرِهِ ثُّم اِذَا دَعَاكُم دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُم تَخْرُجُونَ}، فالسماء والأرض بعد أن تُفْنَى خلال الساعة الكبرى، سَتَقُومُ مرة أخرى بأمر المولى عز وجل ثم ((وثم هنا تفيد التراخي))، أي بعد قيام السموات والأرض الجديدة، سَيُنْفَخ في الصور "النفخة الثانية" فيقوم الناس جميعا وسائر المخلوقات الأخرى التي فَنَتْ بالساعة الصغرى.
* والسماء والأرض الجديدة ستكون غير السماء والأرض المتواجدة حاليا، لماذا ؟........لأن المخلوقات من أول الخلق الى فناء الأرض و السماوات، ستحتاج إلى أرض جديدة يمكن أن تستوعبها، يقول سبحانه وتعالى : {..يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرِ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لله الوَاحِدِ القَهَّارِ(ابراهيم 50)}.
* وبعد أن تبدل الأرض غير الأرض والسموات، يقوم الناس جيمعا، وينسلون من الأجداث، وذلك بعد أن ينفخ في الصور النفخة الثانية، يقول سبحانه وتعالى : {..وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَّــامٌ يَنْظُرُونَ(الزمر 65)}.
* وهذه القيامة تتطلب الوقت الكافي لها، لأن مجرد عروج الملائكة و الروح الى الملأ الأعلى بعد قيام الساعة الكبرى، يتطلب خمسين ألف سنة، لقوله تعالى : {..تُعْرَجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَاِصْبَر صَبْرًا جَمِيلاً، إِنَّهُم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا، يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالمُهْلِ، وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالعِهْنِ..(المعارج من 4 الى 9)}.
ب - القيامة الصغرى :
وهي قيام كل نفس بعينها، فالقيامة الكبرى هي قيام الناس جميعا، بينما القيامة الصغرى هي قيامة لكل نفس بعينها، وهناك فرق كبير بينهما في مسألة الوقت والإحساس به، لأن القيامة الكبرى لها وقت محدد عن الله، وهو أجل مسمى أي معروف عند الله، بينما قيامة الصغرى ليس لها أجل لأنه عندما تموت النفس، من لحظة قبضها الى لحظة بعثها هناك فراغ في مسألة الوقت والزمن، حيث لا يشعر الميت إطلاقا بالزمن، ولتوضيح ذلك نعطى أمثلة من القرءان الكريم، يقول سبحانه في سورة البقرة الآية 258 : {..أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَّةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِ هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَه الله مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمَا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُر إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَم يَتَسَنَّه وَانظًر إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظًر إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ}، فهذا الإنسان أماته الله مائة عام ثم بعثه، فظن انه مات يوما أو بعض يوم، أي وقت قليل جدا، مثل ما ينام الإنسان بالليل ويقوم في الصباح، لا يشعر بالوقت الذي نام فيه، ونفس القصة تكررت مع فتية أهل الكهف، الذين لبثوا في كهفهم ثلاثة مائة وتسع سنين، يقول سبحانه : {..وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُم لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُم قَالَ قَائِلٌ مِنْهُم كَمْ لَبِثْتُم قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُم أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُم فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ فَلْيَنْظُر أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّف وَلاَ يَشْعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا(الكهف 19)}، فهؤلاء الفتية أهل الكهف ظنوا انهم لبثوا "أي ناموا في الكهف" يوم أو بعض يوم، في حين أنه في الحقيقة ناموا ثلاثة مائة وتسع سنين.
لذلك لا شعور بالزمن بين لحظة الموت (بعد قبض النفس)، ولحظة البعث، ولأنه ليس هناك زمن، فهو منقطع تماما حكما، وليس فعليا، فهو منقطع حكما لأنه لا شعور ولا احساس به ولا حياة أصلا للإحساس بذلك الزمن، غير أنه ذلك الزمن ليس منقطع فعليا بالنسبة للحي الذي يشعر بالزمن، ولتوضيح ذلك نعطي مثالا واقعيا، فالمريض الذي يكون في الغيبوبة مثلا لمدة أسبوع، لا يشعر بالزمن إطلاقا، لذلك حينما يقوم من غيبوبته يتهيء له أنه غاب عن الوعي فترة قصيرة جدا، ولا يشعر بالوقت الذي مضى إطلاقا، لكن الطبيب الذي كان يعالجه فقد مرت عليه مدة الأسبوع بأيامها وساعاتها ودقائقها.
== لماذا لا زمن ولا شعور بين لحظة الموت ولحظة البعث ==
لأن القرءان الكريم يوضح ذلك، ولنا أن نقرأ قوله تعالى في سورة يس الآية 50 و51 : {..وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِم يَنْسِلُونَ، قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَانُ وَصَدَق المُرْسَلُونَ}، فهؤلاء المكذبون بالبعث يقولون من بعثنا من مرقدنا، لأنهم كانوا راقدين لا شعور بالزمن لديهم.
وللتوضيح أكثر سنستعرض كل الآيات البينات التي تؤكد ذلك، وهي تفسرها بعضها بعضا، وتفسر نفسها بنفسها :
* يقول سبحانه في سورة الإسـراء الأية 50 الى 52: {..قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُورِكُم فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُل الَّذِي فَطَرَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُم وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُل عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا، يَوْمَ يَدْعُوكُم فَتَسْتَجِيبُونِ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُم إِلاَّ قَلِيلاً}، "يَوْمَ يَدْعُوكُم فَتَسْتَجِيبُونِ بِحَمْدِهِ" أي عندما يحشرهم (ونحن جميعا كذلك)، وسيظنون ما لبثوا في القبر إلا قليلا.
* ويقول سبحانه في سورة النحل الآية 20 و21 : {..وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلِقُونَ شَيْئًا وَهُم يُخْلَقُونَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيِاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}، وهذه الآية تتحدث عن الذين يتوسلون إلى القبور المقدسة (الأنصاب)، فالله يقول بأن أولئك المُقْبَرُونَ أموات لا يشعرون بأي شيء، الى أن يبعثوا.
* ويقول سبحانه في سورة يونس الآية 45 : {..وَيَوْمَ يَحْشُرُهم كَأَن لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ الله وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، وهذه الآية تتحدث عن الكافرين والمكذبين بالبعث، فيوم يبعثون ويحشرون يظنون أنهم ما لبثوا في قبرهم إلا ساعة، وسيتعارفون بينهم كما وقع لأصحاب الكهف يتساؤلون بينهم كم لبثت أنت، وأنت، وأنت، وتوضح ذلك الآيات الكريمة التالية : {..يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُر المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا، يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُم إِن لَبْثْتُم إِلاَّ عَشْرًا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُم طَرِيقَةً إِن لَبِثْتُم إِلاَّ يَوْمًا(طه 100 الى 102)}.
* ويقول سبحانه في سورة الروم الآية 54 و55 : {..وَيَوْمَ تَقُوم السَّاعَةُ يُقْسِم المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُم فِي كِتَابِ الله إِلَى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ البَعْث وَلَكِنَّكُم كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ}، فالمجرمون هنا سيقسمون بأنهم ما لبثوا (في القبر) غير ساعة بمقياس علمهم، وكذلك كانوا يؤفكون "أي يُخْدَعُونَ"، بأنهم اذا ماتوا لم يبعثوا و يحاسبوا على إجرامهم، وسيرد عليهم أهل العلم والإيمان (أهل الكتب السماوية الذين يؤمنون بكلام الله)، بأنهم لبثوا في كتاب الله الى يوم البعث، أي مر زمن فعلي ظاهري لكن لم يشعروا به، فمثلا من يموت بألف سنة قبل الساعة، فألف سنة هاته، يتهيء له أنها مرت كالساعة التي نعرفها الآن، والبعض قد يعقتدها يوم أو بعض يوم، والمقاربة هنا أنه لا شعور بالزمن إطلاقا.
* ويقول سبحانه وتعالى في سورة الأحقاف الآية 33 و34 : {..وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُم تَكْفُرُونَ، فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَهُم كَأَنَّهُم يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِن نَهَارٍ بَالِغٍ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ}، فهؤلاء المكذبين بالعذاب، يقول سبحانه لرسوله الكريم أن يصبر معهم ويصفح عنهم، لأن العذاب الموعود آتيهم لا محالة، فهو قريب جدا أكثر من استعجالهم به، لأنهم يوم يرونه يظنون ما لبثوا غير ساعة.
* ويقول سبحانه في سورة يونس الآية 50 الى 53 : {..قُلْ أَرَءَيْتُم إِنْ أَتَاكُم عَذَابُه بَيَاتًا أَو نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المُجْرِمُونَ، أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءَامَنْتُم بِهِ ءَالآنَ وَقَدْ كُنْتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ، ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ هَل تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُم تَكْسِبُونَ، وَيَسْتَنْبِءُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُل إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُم بُمُعْجِزِينَ}، فهم يستعجلون بالعذاب، ولكن لا يعلمون أن العذاب الموعود، أقرب أكثر من استعجالهم ذلك، لأنهم في حياتهم يظنون أنه بعيد جدا، لكن حينما يرونه حقيقة، يظنون انهم ما لبثوا إلا قليل كما مر سابقا مع الآيات الكريمة.
* يقول سبحانه في سورة غافر الآية 10 : {..قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اِثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهْلِ إِلَى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ}، فهنا المُعَذَّبُونَ في نار جهنم يعترفون بأنهم كانوا أموات قبل أن يولدوا(حيث لا شعور أنذك)، ثم أحياهم في الدنيا(شعور ووعي)، ثم أماتهم (لا شعور ولا وعي)، ثم أحياهم في الآخرة (شعور ووعي)، وتأكد هذه الحقيقة كذلك الآية 27 من سورة البقرة بقول المولى عز وجل : {..كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُم أَمْوَاتًا فَأْحَيَاكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحْيِيكُم ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
وبما أن اللحظة الفاصلة بين الموت والبعث لا شعور فيها ولا إحساس بالزمن، فالله سبحانه كثيرا ما يتجاوزها ولا يذكرها، ونلمس ذلك من خلال قول المولى عز وجل في سورة ق الآية 16 الى 20 : {..وَلَقَد خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ، إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقّْيَانْ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قِعِيدٌ، مَا يَلْفَظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ}، هنا الله سبحانه وتعالى يشير الى أنه لا احساس بالزمن بين لحظة الموت والنفخ في الصور (البعث)، بمعنى مباشرة بعد الموت ينقطع الشعور بالحياة، وبعد النفخ في الصور يبدأ الشعور بالحياة مرة أخرى، وبين اللحظتين كان الشعور بالحياة منعدم تماما، وهذا شبيه بأفلام الخيال العلمي، حينما تركب مركبة تسافر عبر الزمن، فتذهب برحلة ساعة، بينما هي في الواقع رحلة ألف سنة.
وهذا هو الأصل، لكنه يعرف بعض الإستثناءات أشار إليها الذكر الحكيم، وهذه الإستثناءات هي :
- فرعون وآله، فهم يعرضون على النار غدوا وعشيا، ويوم القيامة، سيعذبون أشد العذاب، فهناك عذابين، عذاب منذ لحظة وفاتهم الى لحظة بعتهم، وهو أخف من العذاب الأكبر، ويوم القيامة سيردون الى العذاب الأشد الخالد، يقول سبحانه وتعالى : {..فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتُ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِءَالِ فِرْعَوْنَ سُوءَ العَذَابِ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّا وَعَشِيَّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ(غافر 45 و46)}.
- قوم نوح، لقوله تعالى : {..مِمَّا خَطِيءَتِهِم أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَم يَجِدُوا لَهُم مِن دُونِ الله أَنْصَارًا(نوح 26 و27)}، أي مباشرة بعد غرقهم في الطوفان، أدخلوا نارا، والنار هنا جاءت نكرة، مما يدل على أنها نار غير النار المعروفة.
- المـجاهدين بأنفسهم، وهم قتلـى الحـرب، الـذي يقاتلـون في سبيل الله فهم مباشرة بعد وفاتهم يدخلون الى جنة معجلة، غير الجنة الموعودة، يقول سبحانه : {..وَلاَ تَحْسَبـَنَّ الَّـذِينَ قُتِلـُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا أَتَاهُم الله مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلْحِقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِم أَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاَ هُم يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنْعَمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ(آل عمران 169 الى 171)}.
صدق الله العظيم، على آيات القرءان الكريم.
ذ. يوسف ترناصت.
باحث في الثراث الإسلامي.