عندما أتحدث عن الموسيقار الدكتور/ جمال سلامة، أشعر بفخر لأنني قد عاصرت زمنه فهذا الفنان الفذ قد فاق كل من قبله، وسيكون رقماً صعباً لأي مبدع سيأتي بعده.
إن الموهبة منحة إلهية لا تكتسب، فمثلهُ .. حتى وإن تعلم أو درس في محفل موسيقي علمي وعالمي، فــ لن ينال منه بقدر ما قد ينال ذلك المحفل منه ..
نعم .. إن جمال سلامة موهبة يندر وجودها في التاريخ، ولو كان ولد ونشأ وترعرع في أي بلد آخر يقدر المواهب لصنعوا له تمثال في حياته، ووضعوا إسمه بجانب أشهر الموسيقيين العالميين.
إلا أنه مصري، حمل ثقافة بلاده، فأبى أن لا يكون إلا لها، مع علمه المسبق، أنه لن ينال منها ما يستحق، لأنها دولة لا تعترف بالإبداع، وبالتالي لا تقدر له أي قيمة.
قد كان الراحل/ محمد عبدالوهاب على رأس المحاربين للمبدع/ جمال سلامة، وقد نال عبدالوهاب أكثر مما يستحق، ليس لشيء، إلا لأنه كان ماهراً بالتقرب من أي نظام حاكم، وكان يعرف مدخل رأس السلطة، فصنعت له كل الأنظمة التي عاصرها الأمجاد الزائفة.
بيد أن جمال سلامة ليس كعبدالوهاب فالمبدع غير عابئ بأي تطفل يحقق له مصالح شخصية، إنه لا ينظر ولا ينتظر إلا إبداعه، فذاك وحده شاغله.
لذا لا نتعجب إن تساءلنا أين هو جمال سلامة الآن من الدنيا بعد أن إشتد عليه المرض :
- هل قدمت له نقابة الموسيقيين كفنان مبدع شيئاً، أو حتى ماذا قدمت له في مرضه ؟.
- هل قدمت له إحدى وزارتي الثقافة، أو الإعلام شيئاً ؟.
- ماذا قدمت الدولة له ؟.
- ماذا قدم له تلامذته المصريين، واللذين لولاه ما كانوا في أماكنهم ؟.
- ماذا قدم الشعب المصري له ؟
الإجابة : لم يقدم له أي أحد، أي شيء، ها نحن نرى شخص مثل .. محمد رمضان، ممثل ضعيف تقف وراءه دولة بكامل طاقاتها، فأكسبته الملايين، ووضعته على قمة أثرياء الدولة لا المهنة فحسب، مع العلم بأنه لا يتمتع بأي وسامة، أو ثقافة، أو حتى علم، ولا يملك الموهبة !.
أقول : جمال سلامة سيبقى لعشرات أو مئآت السنين، ليس لأنه قد ترك ذرية ستتناقل إسمه لأجيال (لا إطلاقاً) وليس لأنه ترك تلاميذ سيتداولون أعماله تباعاً (لا إطلاقاً).
جمال سلامة سيبقى، لأن أعماله ستفرض نفسها في أجيال أخرى قادمة غير الجيل، وأزمنة أخرى غير الزمن.
فهذا هو حال المبدعين دائماً، يأتون في عصور .. تخلفت عن عقولهم وإبداعاتهم بعشرات أو مئآت من السنين.
ولمن لا يعرف جمال سلامة .. نظراً لكونه مبدع في مجال الموسيقى وصناعتها، وليس في مجال الغناء .. إذ أن المُغني هو ما يشغل شعوب الدول النامية، لأنهم لا يعرفون إلا الظاهر ولا ينشغلون بالباطن.
ومع هذا وفي محاولة منا لتبصير من يريد أن يرى جمال سلامة، سنذكر بعضاً من أعماله :
- قدم أول ألحانه للفنان الراحل/ عماد عبد الحليم، وتعد هي الأشهر والأجمل لــه، إنها أغنية (المدن).
- لحن للفنانة ياسمين الخيام أشهر أغانيها .. (محمد يا رسول الله).
- لحن للفنانة سميرة سعيد أشهر أغانيها بداية من : (إحكي يا شهرزاد)، ثم (قال جاني بعد يومين) وأيضاً (مش هتنازل عنك أبداً).
قدم الأغاني الوطنية التالية :
- أغنية : (بلدي يا بلدي) .. غناها محمد ثروت وهاني شاكر.
- أغنية : (مصر اليوم في عيد) .. غنتها الفنانة شادية.
ومن أغاني المناسبات :
أهلاً بالعيد .. والتي غنتها الفنانة صفاء أبوالسعود.
قدم أجمل الموسيقى التصويرية، وكذلك الأغاني المرتبطة بها للعديد من الأعمال، نذكر بعضاً منها :
- فيلم .. حبيبي دائماً.
- فيلم .. أفواه وأرانب.
- فيلم .. العذاب إمرأة.
- فيلم .. ليلة بكى فيها القمر.
- فيلم .. النمر الأسود.
- فيلم .. رحلة النسيان.
وقدم الموسيقى التصويرية للعديد من المسلسلات .. نذكر منها :
- مسلسل .. أحلام الفتى الطائر.
- مسلسل .. الحب وأشياء أخرى.
- مسلسل .. ذئاب الجبل.
ومن أغانيه الشهيرة :
- ساعات ساعات .. للشحرورة صباح.
- مصر يا أول نور في الدنيا .. وهو نفس لحن أغنية أنا هيفا، لـ هيفاء وهبي، والتي بعد أن سرق اللحن، قامت بوضع إسم ملحن آخر على الأغنية !.
- لا إله ...، والتي غناها محمد رشدي، ثم سرقها البريطاني سامي يوسف.
لقد قمت بإختيار بعضاً من أعمال الدكتور/ جمال سلامة، إختياراً دقيقاً بعض الشيء، فما ذكرته من أعمال هنا، سيجعل القارئ يتعرف على الرجل حق المعرفة، فأنا أظن أن أي شخص مصري أو عربي، قد مر على أذنيه أكثر من عمل مما ذكر.
لا يسع المجال هنا لذكر كافة ألحان المبدع الدكتور/ جمال سلامة، فأعماله تتجاوز الألف .. وكما ذكرنا فإن خروج كثير من تلك الأعمال إلى النور لم يكن بالأمر اليسير، فالمبدع في مصر يحارب من أكثر من إتجاه، وهذا ما حدث مع الدكتور/ جمال سلامة.
فيكفي أن نذكر هنا أن الراحل/ محمد عبد الوهاب كان من أكثر المحاربين لـه، بضراوة شديدة، لعلمه أنه قادر على سحب البساط من تحت قدميه، إن سنحت له الفرصة، فكان دائماً عقبة له في كل خطوة يخطوها.
في النهاية :
أتمنى من المواطن العربي أن ينشغل ببواطن الأمور أكثر.
وأتمنى أن يعلم المبدع/ جمال سلامة أن حقه الأدبي والتاريخي سيبقى رغم أنف الجميع.
شادي طلعت