إن كلمة الصلاة في القرءان الكريم تأتي بمعاني متعددة ومختلفة، تفهم من سياقها داخل الآية القرءانية، وليس بمصطلحها العامي، او مصطلحها في القواميس البشرية.
ولمعرفة الصلاة الحقيقية على النبي، يجب أولا التطرق الى تحديد معاني الصلاة في القرءان الكريم وأشكالها المختلفة، ثم التطرق الى كيفية الصلاة على النبي.
أولا : معانـي الصـلاة داخـل القـرءان الكــريم.
هناك معاني متعدد للفظ الصلاة داخل القرءان الكريم ينبغي أن تفهم من سياقها داخله وذلك بتدبر الآيات القرءانية أي الترصد خلفها وتتبعها لمعرفة السياق الخاص والعام.
1 - المعـنى العـام والشامـل للصــلاة :
فمعنى الصلاة أي ربط الصلة بين شيئين بوسيلة معينة، ونقرأ في ذلك الآية 27 من سورة البقرة حيث يقول سبحانه : {اَلّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ اَلْخَاسِرُونَ}، كما يقول سبحانه : { وَاَلّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ اَلْحِسَابِ (الرعد 21)}.
ومفهوم الصلاة في الدين هو مفهوم معنوي، فعن طريق الصلاة (بمفهومها العامي) تتحقق صلة العبد بخالقه، ولا ننسى أن صلة العبد بربه تتحقق كذلك حتى بالنسبة للعبادات الأخرى، كالأذكار والإستغفار والصيام والزكاة...الخ.
وبمفهومها المادي يقول سبحانه وتعالى في سورة هود الآية 81 : {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ..}، أي لن يلحقوا بك ويستدركونك، وقوله تعالى عن كفار المدينة : {وَمَا كَانَ صَلاَتَهُم عِنْدَ اَلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا اَلْعَذَابَ بَمَا كُنْتُم تَكْفُرُونَ(الأنفال 35)}، اي كانوا لا يعمرون البيت الحرام، أي يصدون عنه، وهذا نوع من الإعجاز البلاغي في القرءان الكريم، أي عوض ان يعمروه يصدون عنه (ما كان صلاتهم إلا تصدية)، وفي نفس المفهوم المادي يقول سبحانه : { فَلَمَّا رَءَا أَيْدِيَهُم لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُم وَأَوْجَسَ مِنْهُم خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (هود 70)}.
2 - المعنــى الخــاص والضـيق للصـلاة :
أ - الصـلاة بمعنـى الركـوع والسجـود :
وهذا هو المعنى العامي للصلاة التي ينبغي إقامتها بالمحافظة عليها والخشوع فيها، يقول سبحانه : {حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الوُّسْطَى وَقُومُوا لله قَانِتِينَ(البقرة 238)}، ويقول سبحانه في سورة المؤمنون : {قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ (1)الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)...وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)}، وقوله في سورة المعارج : {الّذِينَ هُم عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ(23)}، وهناك العديد من الآيات الأخرى التي يأتي فيها لفظ الصلاة بمعنى الركوع والسجود.
ب - الصــلاة بمعنـى التقــوى وذكر الله والدعاء :
يقول سبحانه وتعالى : {حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الوُّسْطَى وَقُومُوا لله قَانِتِينَ(البقرة 238)}، فقال سبحانه حافظوا على الصلوات، أي كل الصلوات الخمس المعروفة، كما حث سبحانه على المحافظة على الصلاة الوسطى وهي تقوى الله فيما بين الصلوات (بين صلاة المغرب والعشاء مثلا تسمى صلاة وسطى..)، أي لا نصلي مثلا صلاة الظهر وبمجرد أن ننتهي من الصلاة نبدأ في ارتكاب السيئات، فهذا هو المقصود بالصلاة الوسطى، وللفهم أكثر يقول سبحانه وتعالى لرسوله الكريم والمؤمنين الذين كانوا معه : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصّلاَةَ فَاذْكُرُوا الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اِطْمَأْنَنْتُم فَأَقِيمُوا الصّلاَةَ إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا(النساء 103)}، والآيتين السابقتين لهذه الآية توضح المقصود بالصلاة الأولى وهي ذكر الله حتى يطمأنوا بانصراف العدو مخافة أن يتربص بهم، حيث يقول سبحانه في الآية 101 : {وَإِذَا ضَرَبْتُم فِي اَلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصِرُوا مِنَ الصّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الّذِيَن كَفَرُوا إِنّ اَلْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُم عَدُوًا مُبِينًا(النساء 101)}.
ويقول سبحانه مخاطبا رسوله الكريم : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصّلاَةَ إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاِء وَالمْنُكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَر وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(العنكبوت 45)}، فالصلاة المقصود بها هنا هي التقوى التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وهناك معنى آخر للصلاة وهو التسبيح والتمجيد لله وكذلك الدعاء، يقول سبحانه وتعالى : { قُلْ ءَاِمنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنّ الَّذِينَ أُتُوا اَلْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِم يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزْيدُهُم خُشُوعًا (109) قُل اِدْعُوا الله أَوْ اِدْعُوا اَلرّحْمَانِ أَيًا مَا تَدْعُوا فَلَهُ اَلْأَسْمَاءُ اَلْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَر بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَاِبْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُل اَلْحَمْدُ لله اَلّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي اَلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ اَلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا(111)(الإسراء)}، و معنى الصلاة في هذه الآية هو التمجيد لله وتعظيمه وهي صلاة ينبغي عدم الجهر بها ولا التخافت بها، ويقول سبحانه في آية آخرى وهو يخاطب رسوله الكريم : { وَاِذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ اَلْجَهْرِ مِنَ اَلْقَوْلِ بِالغُدُّو وَاَلْءَاصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ اَلْغَافِلِينَ(الأعراف 205)}.
ج - الصــلاة بمعنـى الهـدايــا :
وهي صلاة الله وملائكته على عباده المؤمنين بهدايتهم أي إخراجهم من الظلمات الى النور يقول سبحانه وتعالى : { يَأَيُّهَا الِّذِينَ ءَامَنُوا اِذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا(41)وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً(42)هُوَ الّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتِهِ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ وَكَانَ بِاَلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(43)(الأحزاب)}، ويقول سبحانه : {وَلَنَبْلُوَنّكُم بِشَيْءٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَاَلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ اَلْأَمْوَالِ وَاَلْأَنْفُسِ وَاَلْثَمَرَاتِ وَبَشِرِ اَلْصّابِرِينَ(155)اَلّذِينَ إَذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)أُولَئِكَ عَلَيْهِم صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِم وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ(157) (البقرة)}.
ويقول سبحانه عن صلوات الملائكة : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اِسْتَقَامُوا تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ اَلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِاَلْجَنَّةِ اَلَّتِي كُنْتُم تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيْائُكُمْ فِي اَلْحَيَاِة الدُّنْيَا وَاَلْآخِرَة وَلَكُم ِفيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)(فصلت)}.
د - الصـلاة بمعنـى السكينـة والمواسـاة والمـودة :
وهي التي تكون في العلاقة بين الناس وهي علاقة مادية حسية، وفي حياة الرسول كان الصحابة المقربين والمهاجرين والأنصار وبعض الأعراب يتعاملون مع النبي بالمودة والرحمة ويآزرونه ويقومون بزيارته في كل حين ويقيمون معه الصلاة، ويجاهدون معه في محاربة المعتدين، ويساندونه ويدعمونه، ولا يؤذونه، ويقول فيهم الله سبحانه : { وَمِنَ اَلْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنْ بِالله وَاَلْيَوْمِ اَلْءَاخِرِ وَيَتّخِذْ مَا يَنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ الله وَصَلَوَاتِ اَلْرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَة لَهُم سَيُدْخِلُهُم الله فِي رَحْمَتِهِ إِنّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة 99)}.
والرسول بدوره كان يتعامل معهم بنفس الأساليب وقد أمرهم الله بذلك، وفي هذا السياق نستحضر الآية 103 من سورة التوبة حيث يقول سبحانه وهو يخاطب رسوله الكريم، عن بعض الأعراب الذين خلطوا عملا سيئا بآخر صالحا : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِم إِنّ صَلَواتِكَ سَكَنٌ لَهُم وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، والصلاة هنا مقصود بها مواساتهم ووعظهم (حتى تتحقق السكينة لهم).
ثانيا : طريقة الصلاة على النبي :
قلنا في ما سبق أن من معاني الصلاة السكينـة والمواسـاة والمـودة وهي التي تكون في العلاقة بين الناس وهي علاقة مادية حسية، وقلنا أن في حياة الرسول عليه السلام كان الصحابة المقربين والمهاجرين والأنصار وبعض الأعراب يتعاملون مع النبي بالمودة والرحمة ويآزرونه ويقومون بزيارته في كل حين ويقيمون معه الصلاة، ويجاهدون معه في كف بأس المعتدين، ويساندونه ويدعمونه، ولا يؤذونه.
غير أن الكفار والمشركون كانوا يؤذونه ويسيئون له، بل وأحيانا يعتدون عليه، ويحاربونه، لذلك توعدهم الله بالعذاب يوم القيامة، يقول سبحانه : {وَمِنْهُم اَلّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذْنٌ قُل أُذْنٌ خَيْرٌ لَكُم يُؤْمِنُ بِالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُم وَاَلّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ الله لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ (التوبة 61)}.
ومن الصحابة المؤمنين من كان يتطفل على بيت النبي، فكان النبي يستحي منهم، فنزلت فيهم آيات قرءانية تأمرهم بعدم الدخول الى بيت النبي الا من بعد أن يؤذن لهم الى طعام يكون جاهزا، وفور تناولهم الطعام يخرجون من البيت ولا يستأنسون لحديث نسائه لأن ذلك كان يؤذي النبي، فكانت هذه مناسبة وعبرة لأمر المؤمنين المجاورين للرسول بالصلاة عليه أي عدم إيذائه ونقرأ في ذلك الأيات التالية : { يَأَيُّهَا اَلّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيِّ إِلاَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُم إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُم فَادْخُلُوا فِإِذَا طَعِمْتُم فَاِنْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي اَلنّبِي فَيَسْتَحْيِّ مِنْكُم وَالله لاَ يَسْتَحْيِّ مِنَ اَلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلِتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَأسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمُ أَنْ تُؤْذًوا رَسُولَ الله وَلاَ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُم كَانَ عِنْدَ الله عَظِيمًا(53)إِنْ تَبْدُوا شَيْئًا أَوْ تَخْفُوهُ فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(54)لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءَابَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِمْ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانِهِنَّ وَاِتَقَيْنَ الله إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ شَهِيدًا(55)إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتِهِ يُصَلُونَ عَلَى النّبِيَّ يَأَيُّهَا اَلّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56)إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُم الله فِي الدُّنْيَا وَاَلْءَاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَاًبا مُهِينًا (57) (الأحزاب)}، إذن فمعنى الصلاة هنا على النبي عدم إيذاءه، فالنبي كان يستحي من الأذى الذي كان يسببه بعض الصحابة المتطفلين، فأمرهم الله سبحانه بشكل خاص وجميع المؤمنين المجاورين له بشكل عام بإقامة الصلة معه وهي صلة المودة والرحمة والوقار والسلام وليس إيذاءه، لذلك توعد الذين يؤذونه بالعذاب المهين.
لكن النبي عليه السلام قد توفي منذ على ما يزيد 1400 سنة، ولم يعد متصل اتصالا ماديا بهذا العالم فكيف نقيم الصلة معه ؟.
بما أنه لم يعد متصل بهذا العالم بأي صلة مادية فلا يمكن تصور اقامة الصلة معه بزيارته أو دعمهم أو مساندته، لذلك فالصلة معه تكون معنوية وهي عدم إيذاءه في شخصه، كما يفعل شياطين الإنس والجن بترويج الأحاديث المنسوبة زورا له وافتراء عليه الكذب ويقولون لقد أوحيت اليه وهم يتهمون أن القرءان غير كامل مع أنه جاء تفصيلا لكل شيء وفصله سبحانه على علم وهم ويكفرون كذلك بقوله تعالى : "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي"، ويكفرون بقوله سبحانه عن القرءان : " أنا علينا جمعه وقرءان"، و يقول سبحانه وتعالى في سورة الأنعام : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شيطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون (112) ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالءاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون (113) أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين ءاتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين (114)}، ويقول سبحانه : { يَأَيُّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَه الله مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ الله وَجِيهًا(الأحزاب 69)}.
وليس معنى الصلاة على النبي الأذكار والأمداح والتمجيد من قبيل "يا رسول الله كن لنا شفيع يوم الميعاد" أو أشياء من هذا القبيل، بل ويكون ذكر النبي أكثر من ذكر الله الذي يستحق التهليل والتبجل، إضافة الى أن النبي في عداد الموتى ولا يمكن أن يسمع نداءنا ولو سمعه لا يمكن أن يستجيب، ويقول سبحانه : {إِنَّ اَلّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُم فَادْعُوْهُم فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُم إِنْ كُنْتُم صَادِقِينَ (الأعراف 194)}، ويقول سبحانه جل جلاله وعظم مقامه : { يُولِجُ الّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اَلَّيْلَ وَسَخّر الشَّمْسَ وَاَلْقَمَرَ كُلُّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمَّى ذَلِكُم الله رَبَّكُم لَهُ اَلْمُلْكَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمُ لاَ يَسْمَعُوا دُعَائَكُم وَلَوْ سَمِعُوا مَا اِسْتَجَابُوا لَكُم وَيَوْمَ اَلْقِيَّامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُم وَلاَ يُنَبِّئًكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(فاطر 14)}، ويقول سبحانه عن الذين يتوسلون في الأولياء الموتى : { وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لاَ يَخْلِقُونَ شَيْئًا وَهُم يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيِاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)(النحل)}،
فالأذكار والتسبيح والتمجيد تكون لله وحده، وما عدا ذلك يعتبر شركا، يقول سبحانه : "وأن المساجد لله فلا تدع مع الله أحدًا"، كما يقول سبحانه لرسوله الكريم : {وَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ (105) وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ الله مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) (يونس)}.
- الرد على حديث الصلاة على النبي :
هناك حديث مروي عن النبي أنه سأل كيف يصلى عليه ، فأجاب : "قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم على آل إبراهم" ، وكذلك الحديث المروي عنه أنه قال : " لا تصلوا علي الصلاة البتراء قالوا وماهي الصلاة البتراء قال ان تصلوا علي ولا تصلوا على آل بيتي..".
هذا الحديث فهو مكذوب على رسول الله ومفترى عليه، لأن سبحانه وتعالى قد وضح معنى الصلاة على النبي من خلال سياق الآيات 53 و54 و55 و56 و57 من سورة الأحزاب وهي اقامة الصلة معه باحترامه وتوقيره ومودته وليس اذائه، بالإضافة الى اننا ندعوا الله أن يصلي على النبي في حين أن الله قد أكد لنا مقداما أن الله وملائكته يصلون على النبي كغيره من المؤمنين، وبمثل ذلك أمرنا نحن ان نصلي عليه فكيف يقول لنا صلوا على النبي ونرد عليه الأمر : اللهم صلي على النبي (نرد الأمر على الآمر ؟؟؟؟؟...).
ربنا لا تؤاخذا ان أخطأنا أو نسينا.
ذ. يوسف ترناصت
باحث في الثراث الإسلامي