نقد نظرية الانفعال لسارتر

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ٢٩ - مارس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد نظرية الانفعال لسارتر
كمعظم ما يأتينا من نظريات من الخارج أى من الآخر نجد التناقضات ونجد فيها أمرا أو أمورا تخالف ديننا وسارتر بهذه النظرية يحاول ما حاوله فرويد من تفسير السلوك الإنسانى وهى محاولات فاشلة وستظل فاشلة لأنها فى الأغلب تعتمد على دراسة السلوك المرضى
سارتر فى النظرية يعرف الانفعال بكونه متلقى متفكك فيقول:
"وهكذا نأخذ بعين الاعتبار طبيعة الانفعال الرئيسية فالانفعال متلقى وهو يفاجىء وينتشر حسب القوانين الخاصة به وبدون أن تتمكن عفويتنا الواعية من تعديل سيرها لطريقة ذات قيمة وهكذا التفكك فى طبيعى الانفعال المنتظمة التى يصار إلى اناطة موضوعها المحرك بالفعل الطاحن وفى طبيعته الحتمية التى لا يمكن أن تكون كذلك إلا بالنسبة لوعى الشخص إن هذا التفكك يؤدى نوعا ما على الصعيد النفسى التجريبى نفس الخطة التى يؤديها على الصعيد الجسدى" ص40
وهو يناقض التعريف بقوله أنه تحويل للعالم والتحويل أمر نفسى فيقول:
"والآن نستطيع أن نفهم ما هو الانفعال فهو تحويل العالم ...عندئذ تحاول أن تغير العالم أن نعيش كما لو كانت علاقات الأشياء بممكناتها غير منظمة بواسطة مناهج حتمية"ص54
وهو يعارض نفسه مرة أخرى بتعريفه أنه سلوك جسد فى حالة ما فهنا الانفعال جسدى وهو قوله:
"علينا أن نعتبر إذا أن الانفعال ليس ممثلا فحسب وليس سلوكا صرفا فهو سلوك جسد فى حالة ما والحالة وحدها لا تثير السلوك والسلوك بدون الحالة مهزلة لكن الانفعال يظهر فى جسد مضطرب يلتزم نوها معينا من أنواع السلوك ويمكن للاضطراب أن يبقى بعد السلوك لكن السلوك إنما سكون شكل الاضطراب ودلالته ص67
ويعود فيعرفه تعريفا نفسيا بأنه إيمان والإيمان نفسى يبنى عليه الفعل فيقول:
"فالانفعال حادث ايمان ولا يقتصر الوعى على اسقاط دلالات عاطفية على المحي كبه بل لأنه يعيش العالم الجديد الذى كونه يعيشه مباشرة ويهتم به وهو يقاسى من الصفات التى رسمتها أنواع السلوك ص68
وبعد أن وصف الانفعال بالحادث عاد ونفى ذلك فى تعريف أخر فقال:
"والانفعال ليس حادثا بل هو نمط لوجود الوعى" ص80
وعاد فعرفه بسقوط الوعى المفاجىء فى الشىء السحرى فقال:
"ونعنى بالانفعال سقوط الوعى المفاجىء فى الشىء السحرى أو إذا شئنا فإن هناك انفعالا حين يغمى على عالم الأدوات وحين يستلم العالم السحرى مكانه فلا يجب علينا أن نرى فى الانفعال تشوشا عارضا فى الجسد والعقل من شأنه ان يدب الاضطراب من الخارج فى الحياة النفسية بل بالعكس عودة الوعى إلى الموقف السحرى " ص80
ويرجع فيعرفه بكونه انحدار عفوى يعيشه الوعى تجاه العالم والمراد موقف تجاه شىء يحدث أمام المنفعل فيقول:
وهكذا فإن أصل الانفعال انحدار عفوى يعيشه الوعى تجاه العالم فما يعجز الوعى عن تحمله بشكل ما يعمد لإدراكه بصورة أخرى بإخلاده للنوم وباقترابه من أنواع وهى النوم والحلم والهستيريا واضطراب الجسد ليس سوى الايمان الذى عاشه الوعى منن حيث أنه قد عاشه من خارج ص69
وكثرة التعاريف التى جاء بها وتناقضها مع بعضها هو دليل على أن الرجل لا يعرف عما يتكلم والانفعال هو عندنا كعامة هو رد فعل على قول أو فعل من الناس أو المخلوقات التى نعيش معها فى الكون
وقد بين أن رد الفعل مبنى على الوعى الانفعالى وهو بلا تفكير وهو قوله:
"فالوعى الانفعالى هو فى البدء غير مفكر به وعلى هذا الصعيد لا يمكن أن يكون الوعى الانفعالى واهيا لذاته إلا تبعا للنمط اللاوضعى والوعى الانفعالى هو فى البدء وعى العالم ص47
وهو كلام خاطىء يتناقض مع بعضه فكيف يكون وعيا وكيف يكون غير مفكر به ؟
إن الوعى يعنى الادارك المفكر به وقد عاد الرجل فناقض نفسه بالقول بأنه لا واعى فقال :
"إن السلوك غير المفكر فيه ليس سلوكا لا واعيا بل هو سلوك واع لنفسه بصورة غير معلومة وكيفية وعيه لذاته بصورة معلومة هو أن يتجاوز نفسه وأن يدرك فى العالم كصفة الأشياء"ص52
ويضرب مثلا بكونه لا يعى كيفية الكتابة التى يكتبها فى الكتاب بترتيبها فيقول:
"فأنا فى هذه اللحظة مثلا أكتب ولكن لست أعى أنى أكتب سيقال إن العادة هى التى جعلتنى لا أعى الحركات التى تقوم بها يدى وأنا أرسم الحروف وهذا مستحيل قد تكون لدى عادة الكتابة ولكن ليس لدى عادة كتابة هذه الكلمات تبعا لهذا الترتيب "ص50
بالقطع هناك شىء جهله الرجل أو تغافل عنه وهو أن طريقة الكتابة أو طريقة أى شىء كرد فعل تكون مبنية على حكم سابق غالبا يعلمه الإنسان للرد على الموقف وهو ما يسمى التكرار فنتيجة التكرار المستمر للأفعال تجعل الإنسان يحس أنه لا يفكر بينما فكره قد بنى من قبل وهو يستخدمه بدون إعادة التفكير فيه كلما حدث الموقف فكتابة الكلمات مبنية على حفظ سابق لأشكال الحروف وأما ترتيبها كما يدعى سارتر فهو الأخر ناتج من تفكير سابق فالإنسان لا يكتب دون تفكير مسبق فيما يكتبه
وهو يبين أن الجسم هو الذى يغير علاقاته بالعالم عند الانفعال بواسطة الوعى فيقول:
"فالجسم هو الذى يغير فى الانفعال علاقاته بالعالم لكى يغير هذا العالم صفاته أجل إنه الجسم الذى يوجهه الوعى وإذا كان الانفعال نوعا من اللهو فإنه لهو نؤمن به"ص56
ويعود فيؤكد أن السلوك المنفعل إرادى فيقول :
"وفى مختلف حالات الانفعال المستعار التى ذكرتها لا شىء يساند أنواع السلوك فهى موجودة وحدها كما أنها إرادية لكن الموقف صحيح نفهمه وكأنه يلح فى هذه الأنواع من السلوك" ص65
ولكنه يناقض كلامه فيجعل الإنسان غير متحكم به أى غير نابع من إرادته لأنه لا يقدر الخروج منه لو أراد فيقول:
"فما علينا أن نفهم بذلك وأن نفهم هذا تقريبا أن الانفعال ملتقى وليس بإمكاننا أن نخرج منه ساعة نشاء قد ينفد الانفعال من تلقاء نفسه غير أنه ليس لإمكاننا أن توقفه فضلا عن أن أنواع السلوك المقتصرة على نفسها ليس من شأنها إلا أن ترسم على الشىء بصورة إجمالية "ص66
وهو يعود فيقول أن وعى الانفعال حبيس وهو ما يؤكد قولنا عن التكرار المبنى على احكام سابقة تم التفكير فيها ولكن عند التكرار لا يعاد التفكير ولكن سارتر أخطأ فى التعبير عنها فيقول:
"فوعى الانفعال حبيس ولكن يجب ألا نفهم أن موجودا ما خارجا عنه قد كبله فهو حبيس ذاته بحيث أنه لا يسيطر على هذا الايمان الذى لا يريد ان يعيشه لمجرد أن يعيشه ولأنه يستنقذ نفسه فى عيشه "ص70
ويصف سارتر التكرار باسم غريب وهو السحر وأنه يشبه الحلم أو الجنون فيقول:
"وإن ما هو مكون للانفعال هو أن يدرك فى الشىء شيئا ما يتعداه إلى ما لا نهاية له وفى الواقع أن هناك عالما للانفعال وجميع الانفعالات لها هذه الصفة المشتركة وهى أنها تظهر عالما واحدا قاسيا أو رهيبا أو كئيبا أو سارا إلخ ولكن فى أى عالم تكون نسبة الأشياء إلى الوعى سحرية صرفة على الدوام ومن الواجب أن نتحدث عن عالم للانفعال يكون شبيها بعالم الحلم أو عوالم الجنون" ص71
وبالقطع لا يوجد سحر ولا حلم ولا جنون فى الانفعال وإنما هو مبدأ التكرار المبنى على أحكام سبق التفكير فيها ومن أمثلة ذلك قول الشاعر :
بغاة ظالمين وما ظلمنا ولكنا سنبدا ظالمينا
فهناك بشر دوما ما يسرعون بالظلم عند أى موقف وأيضا قول الشاعر :
لا يسألون أخاهم حين يندبهم فى النائبات على ما قال برهانا
وهناك أخرين يلتزمون العدل عند أى موقف
فالتعود على شىء يصبح قانونا للنفس تسير عليه لأنها آمنت به بتفكير أو بتقليد الغير وهو نوع من التفكير الخاطىء إن جاز تسمية الخطأ بالتفكير
ويبين أن فى كل انفعال مجموعة من الأحداث العاطفية فيقول:
"وهكذا فإن فى كل انفعال جمهرة من الأحداث العاطفية تتجه نحو المستقبل لتكونه بطريقة انفعالية ونحن نعيش انفعاليا صفة تتسرب إلينا ونتحملها وهى تتجاوزنا من كل صوب وفجأة يتقلص الانفعال من ذاته" ص72
وبالقطع ليس كل رد فعل يتبعه مظاهر كالضحك أو البكاء او الخوف أو الحون لأن هناك بشر قلوبهم مطمئنة بكاعة الله كما قال تعالى :ألا بذكر الله تطمئن القلوب "ومن ثم فهم لا يظهرون جزعا ولا خوفا عند المصائب
ويصف سارتر الانفعال وهو رد الفعل بأنه لا غائية به والمراد لا هدف له فيقول:
"ولا يوجد هنا بلا ريب نوع من السلوك يجب التزامه ويبدو أن الانفعال لا غائية له "ص74
وبالقطع رد الفعل لابد له من هدف ولكن الإنسان لا يفكر فيه فى الغالب فمقلا الاعتداء على الغير رد العدوان الهدف منه ردع الهر وشفاء غيظ صدور المعتدى عليهم كما قال تعالى "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم"
وقد ناقض الرجل كلامه بعدم غائية الانفعال بالقول أن للانفعال معنى أى هدف بقوله :
"فالانفعال لكونه فعلا واعيا لا يمكن أن يكون مجرد اضطراب واختلاط بل إن له معنى وهو يدل على شىء وبهذا لا نعنى فقط أنه يأتى كصفة صرفة بل يلقى بنفسه كنوع من علاقة كياننا النفسى مع العالم وهذه العلاقة أو بالأحرى الوعى الذى ندركه عنها ليس بمثابة صلة مختلطة بين الأنا والكون بل هى هيكل منتظم قابل للوصف"ص14
ومثلا من يجد أخاه مضروبا فيهاجم من ضربه نجده يقول إنه أخى مريدا بذلك أن الهدف أن أخاه لا يهان لأن واجبه الدفاع عنه ومثلا من يحزن كيعقوب (ص) كان هدفه من رد فعله على فقد أولاده هو أن يشكو حزنه لله كما قال تعالى على لسانه "إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله"
ويبين أن ردود الفعل تختلف من حالة لأخرى فيقول:
"وبصورة عامة إن إدراك الشىء الرهيب فى مواقف أو وجوه فيه بعض المبادرة السريعة وليس مصحوبا عادة بالهرب أو الإغماء حتى ولا ساع للهرب غير أننا إذا فكرنا فى الأمر رأينا أنفسنا تجاه حوادث خاصة لكن من شأنها أن تتخذ تفسيرا يدخل فى نطاق الأفكار التى عرضناها فقد رأينا أن الوعى يتقهقر فى الانفعال ويتحول فجأة إلى عالم محدد حيث نعيش فى عالم سحرى"ص74
ويبين سارتر أن التغيرات الجسمية فى حالات الانفعال تختلف فقط من حيث الحدة فيقول:
"فالتغييرات الفيزيولوجية مثلا التى تنطبق على الغضب لا تختلف إلا من حيث الحدة عن تلك التى تنطبق على السرور كازدياد سرعة التنفس وارتفاع توتر العضلات وازدياد التبادلات الكيمائية وارتفاع ضغط الدم الشريانى إلا أن الغضب ليس نوعا من السرور الأكثر حدة فهو شىء أخر من حيث يبدو للوعى على الأقل "ص23
وهو كلام خاطىء فتعبيرات الوجه فى السرور وهو جزء من الجسم تختلف عن تعبيراته فى الحزن وحتى التبادلات الكيمائية تختلف فى نوعيتها بين الاثنين بدليل أن الحزن قد يؤدى للمرض كما فى حالة حزن يعقوب(ص) على يوسف(ص) والتى قال الله فيها"وابيضت عيناه من الحزن "وأما السرور فهو يؤدى للراحة الجسدية
وقد ضرب لنا أمثلة كمنها الغضب فقال :
"ها نحن نصل إذا فى ختام هذا الاستشهاد الطويل إلى مفهوم حركى للغضب وأكيد أن الغضب ليس غريزة ولا عادة ولا حسابا عقليا فهو حل مفاجىء لنزاع ما وطريقة لحل العقدة المستعصية "ص34
فالغضب هنا حل للعقدة المستعصية ومع وصغه بالحل فقد لاعتبر كل انواع الغضب مرض وهو السادية فقال :
"أن يكون الغضب دالا على السادية فهذا أمر لا شك فيه"ص41
والسادية تعبير غريب على المسلمين اخترعه الآخرون خاصة الفرنسيس نسبة لكاتب يدعى دى ساد نسبوا له القسوة فى ممارسة الجماع وهو أمر تشهد كتبه الباقية على براءته منه رغم اشاعة القوم عنه ذلك
إذا الغلظة أى القسوة أصبحت السادية وهو أمر غريب عند الغربيين الذين يسمون معظم ما اخترعوه أو كشفوه بأسماء أناس او بلاد كأمريكا وعنصر الجرمانيوم مع أن ألفاظ لغاتهم فيها الكفاية للتعبير عن تلك الأمور ولكنها العنصرية فى نسبة الأشياء
ويتناول سارتر الخوف فيصف مظاهره وما يحدث للخائف من أمور فيقول:
"ولنأخذ على سبيل المثال الخوف السلبى أرى وحشا مفترسا يقترب منى تخور قدماى من تحتى وتضعف نبضات قلبى ويكتنفنى الشحوب وأقع مغشيا على لا شىء يبدو عديم الانطباق أكثر من هذا السلوك الذى يرمينى فى التهلكة بلا مقاومة لكنه مع ذلك سبوك التملص فالاغماء هنا هو ملجأ ولكن لا يظنن أن هذا الملجأ من أجل نفسى وأتى احاول أن أنقذ نفسى وأنى احاول أن انقذ نفسى أن لا أعود فأرى الوحش المفترس أنا لم أخرج من الصعيد غير المفكر فيه لكنى لعجزى عن درء الخطر بالطرق العادية والتسلسل الحتمى فقد أنكرت هذا الخطر شئت أن أجعله منعدما "ص57
وهو يفسر الخوف كما فسره القدماء بالمثل القائل النعامة تدفن رأسها فى الرمال فيقول:
"فنحن لا نهرب كى نصبح فى مأمن بل نهرب لأننا لا نستطيع أن ننعدم عن طريق الاغماء والهرب هو إغماء لاه وهو سلوك سحرى يقضى بإنكار الشىء الخطر بجسمنا كله إذ نقلب هيكل اتجاه المكان الذى نعيش فيه ونحن نقلب فجأة اتجاها ممكن الحدوث من الجهة الثانية فهو طريقة نسيان الخطر طريقة لإنكاره ويمثل تلك الطريقة يلقى الملاكمون الجدد بأنفسهم على الخصم وعيونهم مغمضة فهم يريدون أن يحذفوا وجود قبضتيه ...وهكذا فإن المعنى الحقيقى للخوف يبدو لنا كوعى يهدف إلى الإنكار من خلال سلوك سحرى إنكار شىء خارجى فى العالم يذهب إلى حد انعدام نفسه ليجعل الشىء منعدما معه ص58
فالإنسان عنده يهرب من سبب خوفه بأى طريقة كالإغماء وإغماض العين وهو ليس هربا وإنما استسلام وعدم مقاومة فى الحقيقة ويبين أن نتيجة الخوف من السبب المنتظر هو القلق فيقول:
"وبديهى أن ألإنسان الخائف إنما هو خائف من شىء حتى ولو كان الأمر يتعلق بذاك القلق غير المحدود الذى نشعر به فى الظلام أو فى ممر متجهم أو فى صحراء ..إلخ "ص48
ويبين سارتر أن الإنسان يعمل عبر مبادىء يضعها لنفسه مثل:
-أنه إذا عجز عن اثبات كونه ظريف حتى يحترمه الناس عن طريق كلامه فهو يغير طريقته لإخافة الناس للحصول على احترامهم وفى هذا قال :
"فأنا حين أعجز عن أكون مليح النكتة أجعل نفسى مهيب الجانب مخيفا أود ان أخيف كما ألجأ فى نفس الوقت إلى وسائل مشتقة لأقهر خصمى"ص36
-الإنسان يخدع نفسه ويحكى لنا طويلا الطريقة التى اختصرها الناس بالمثل القائل يكذب الكذبة ويصدقها فيقول:
" وإن مثالا بسيطا سيشرح لنا الهيكل الانفعالى أنا امد يدى لأقطف عنقودا من العنب فلا أستطيع أن امسكه فالعنقود لا تطوله يدى وأرفع كفى ثم أرخى يدى وأتمتم لا تزال الحبات حصرما وأبتعد عنها إن جميع تلك الحركات والأقوال وذاك السلوك لا تدرك قط بحد ذاتها إنها مسرحية صغيرة أمثلها تخت العنقود لأضغى من خلالها على العنب هذه الصبغة أى أن اعتبره حصرما تلك الصبغة بمثابة بديل للسلوك الذى عجزت عن إتيانه فقد تمثلت حبات العنب فى البدء وكأنها يجب أن تقطف غير ان هذه الصفة الملحى ما لبثت أن اصلحت لا تطاق لأن امكانية تنفيذها لا يمكن أن تتحقق وهذا التوتر الذى لا يطاق أصبح بدوره مبررا لنعرف فى العتب صفة جديدة أى عدم النضوج وهذه الصفة تفض النزاع وتقضى على التوتر إلا ان هذه الصفة لا أستطيع أن أضفيها كيمائيا على العنب وأنا لا أستطيع أن أؤثر على العنقود بالطريقة العادية عندها أدرك حموضة العنب غير الناضج من خلال سلوك القرف"ص56
ويجرنا سارتر إلى الفينومينولوجيا وهى فلسفة الظاهر أو الظاهراتية حتى يصنف الأفعال النفسية إلى أفعال انفعال وأفعال أخرى فيقول :
"فكرة التجربة سيما ومبدأ الفينومينولوجيا هو بلوغ الأشياء ذاتها عن طريق الحدس الخيالى فقد ارتأيت تبسيطها وايجاد تجربة الجواهر والقيم ومن الواجب الاعتراف بأن الجواهر وحدها هى التى تسمح بتصنيف الأفعال والتدقيق فيها وإذا لم نلجأ ضمنا إلى جوهر الانفعال يضحى مستحيلا علينا أن نميز المجموعة الخاصة بأفعال الانفعال من بين جمهور الأفعال النفسية"ص12
ويفسر الظاهراتية قائلا:
"والفينومينولوجيا هى على كل حال دراسة للحوادث قبل أن تكون دراسة للأفعال كما تفهم الحادث ما ينبىء عن نفسه أى ما واقعه هو مظهره بالضبط وليس إذا الإنباء عن النفس اعتباطيا فوجود الموجود ليس بالشىء الذى وراءه شىء يظهر"ص15
تناولنا فيما سبق ما أسماع سارتر نظرية الانفعال والتى جاءت مبثوثة فى فقرات عبر الكتاب الذى استهله بالقول أن علم النفس تجريبى فقال:
"فعلم النفس لا يهدف لتعريف وتحديد مسبقين لفرض بحثه ومبدأ الإنسان لديه تجريبى صرف إذ يوجد فى العالم ذاته عدد من الخلائق تقدم للتجربة ميزات متماثلة "ص6
وقطعا لا يمكن أن يكون علم النفس تجريبى بمعنى أنه يعرف بتجارب معملية كما فى نظرية المثير والاستجابة والتى عرفها الناس من زمان بعيد بالمثل "جوع كلبك يتبعك" وكلامه هذا يذكرنى بخبل يجريه من يسمونهم علماء النفس وهو جداول حسابية أو هندسية نتيجة لما يقيسونه والغريب أن تلك العينات لا يوجد بين من أجروا قياساتها اتفاق على النتائج فى الغالب مع وحدة الاختبار وهذا الاختلاف دليل على ان التجربة المعملية لا فائدة منها لأن اختلاف البشر حقيقة ثابتة بقول الله "إن سعيكم لشتى"
والغريب أنه ناقض نفسه بالقول بأن عالم النفس يجهل كون الإنسان كمى أو كيفى والكم هو ما يتم قياسه فيقول:
"بيد أن عالم النفس لا يرتبط بشىء إذ يجهل ما إذا كان مبدأ الإنسان غير كيفى قد يكون هذا المبدأ شديد الشمول إذ لا شىء يفصح عما إذا كان بالإمكان ترتيب الإنسان البدائى الاسترالى فى نفس طبقة النفسية لعامل أميركى سنة 1939 وقد يكون شديد الضيق إذ لا شىء ينبىء عن صورة فاصلة بين القردة العليا والخلقة البشرية"ص7
وقد اعتبر سارتر الناس متشابهين متماثلين فقال :
"فعلم النفس لا يهدف لتعريف وتحديد مسبقين لفرض بحثه ومبدأ الإنسان لديه تجريبى صرف إذ يوجد فى العالم ذاته عدد من الخلائق تقدم للتجربة ميزات متماثلة "ص6
ثم ناقض نفسه بالقول أن علم النفس يرفض مبدأ التشابه لأن التشابه هو مبدأ علم الإنسان أو الانثروبولوجيا فقال:
"وعلى كل حال فإن عالم النفس يمتنع كل الامتناع عن اعتبار البشر المحيطين به أشباها له فمبدأ التشابه هذا الذى قد يؤدى بنا لبناء علم الإنثروبولوجيا"ص7
ثم هدم الرجل علم النفس بالقول أنه لا يقدم لنا سوى حوادث شاذة غير مترابطة فقال:
"ينتج عن هذا أن علم النفس لتوقه ليكون علما لا يمكن أن يقدم سوى مجموعة من الحوادث الشاذة التى لا رابط بينها فى أكثر الأحيان"ص8
ويقر سارتر أنه يشك فى وجود مفهوم دقيق للإنسان فيقول:
"وإذا كان الواجب فيما بعد إيجاد مفهوم دقيق للإنسان وهذا أمر مشكوك فيه فإن هذا المفهوم لا يمكن أن يبحث إلا باعتباره تتويجا لعلم تم إنجازه أى إنه مفهوم بعيد الأجل "ص7
ويعود فيوجد مفهوما للإنسان وهو أجعل نفسى إنسانا حين أتفهم نفسى كإنسان وفى هذا قال :
"وهكذا فإن الواقع الإنسانى الذى هو أنا يتحمل وجوده وهو يتحمله وهذا التفهم هو تفهمه أنا فأنا إذا قبل كل شىء كائن يتفهم واقعه كإنسان بصورة أكثر أو أقل وهذا يعنى أنى أجعل نفسى إنسانا حين أتفهم نفسى كإنسان "ص14
إذا سارتر يستمر فى ديدنه وهو أنه لا يستقر على رأى فى مسألة وكأنه يريد من البشر ألا يصدقوا أى شىء حتى وجودهم نفسه
ويتناول سارتر نظرية التحليل النفسى ويبين أن بيان عيوبها أمر صعب وهو قوله:
"وفى الحقيقة أن ما يجعل دحض التحليل النفسى عسيرا هو أن التحليل النفسى لا يعتبر الدلالة وكأنها متأتية بكاملها من خارج الوعى والمحلل النفسى يعتبر دائما وجود تجانس داخلى بين الفعل الواعى والرغبة التى يعبر عنها لأن الفعل الواعى يرمز إلى العقدة المعبر عنها وهذه الطبيعة الرمزية ليست بالنسبة للمحلل النفسى خارجة عن الفعل الواعى نفسه بل هى مكونة له ونحن متفقون تماما معه حول هذه النقطة إن الرمز مكون للوعى الرمزى "ص44
ومع هذا الاقرار بأنه عاجز عن بيان أخطاء النظرية فهو يبين الأخطاء فيقول:
"والتناقض العميق الذى ص44 تقع فيه جميع مدارس التحليل النفسى هو إعدادها لصلة السببية وصلة التفهم بين الحوادث التى تدرسها لأن هذين الطرازين من الصلة ليسا متطابقين " ص45
ويعود فيمدح النظرية بقوله:"ويجب الاعتراف بأن نظرية التحليل النفسى تأخذ بعين الاعتبار هذه المفارقة بين الدلالى والوعى وليس هذا الأمر مدعاة للدهشة لأن الوعى إنما وجد من أجل ذلك بالضبط" ص46
 

 


 

اجمالي القراءات 3601