قال عنه ابن الجوزى فى ( المنتظم 7 / 229 وفيات 124) :
( .. كان رجلًا صالحًا لا يعرف الشر. أتى يومًا بعطائه فوضعه في المسجد ثم قام فنسيه فذكر فقال لخادمه: ادخل وائتني بعطائي قال: وأين أجده قال: سبحان الله أو يأخذ أحد ما ليس له .
أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال: أخبرنا حمد ن أحمد قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدَّثنا عمر بن أحمد بن عثمان قال: حدَّثنا محمد بن أحمد بن شيبان الرملي قال: حدَّثنا أبي قال: حدَّثنا عمران بن أبي عمران قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اشترى عامر بن عبد الله نفسه من الله عز وجل بتسع ديات.
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو بكر محمدبن علي بن الخياط قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدَّثنا ابن صفوان قال: حدَّثناعبد الله بن محمد القرشي قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدَّثنا قدامة قال: سمعت أبا مودود يقول: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتحين العباد وهم سجود: أبا حاز فوان بن سليم وسليمان بن سيحم وأشباههم فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه فيقال: ما يمنعك أن ترسل بها إليهم فيقول: أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي وإذا لقيني.
أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني عياش بن المغيرة قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا شهد جنازة وقف على القبر فقال: ألا أراك ضيقًا ألا أراك رقعًا ألا أراك مظلمًا لئن سلمت لأتأهبن لك أهبتك فأول شيء يراه من ماله يتقرب به إلى ربه فإن كان رقيقه ليتعرضون له عند انصرافه من الجنازة ليعتقهم.
قال الزبير: وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو يجودبنفسه ومنزله قريب من المسجد فقال: خذوا بيدي فقيل له: إنك عليل فقال: أسمع داعي الله فلا أجيب فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات. )
التعليق
هذه شخصية أخرى من ضحايا التاريخ.
هو رجل مجهول من أسرة تحتل العناوين البارزة فى تاريخ المسلمين. ومعظمها عناوين فى الفتن و المعارك الأهلية، ومع ذلك فلا يجرؤ أحد على انتقاد ( الزبير بن العوام ) أحد رءوس الفتنة الكبرى و المسئول مع أثنين آخرين عن معركة الجمل التى راح ضحيتها حوالى عشرة آلاف من المسلمين من الجانبين. وتسلم راية الفتنة بعد ه ابناه عبد الله بن الزبير و مصعب بن الزبير ، وبسببهما وخصومهما الأمويين والنزاع بين الفريقين على حطام الدنيا دارت معارك انهزم فيها آل الزبير بعد مقتل عشرات الألوف من المسلمين.
ومن آل الزبير من تخلى عن آله وانضم للأمويين ، فالأمر ليس المبدأ ولكنه الصراع على الدنيا واموالها ، وقد اشتهر عبد الله بن الزبير بالبخل الشديد حين أعلن نفسه خليفة فهجره بعض أتباعه و منهم أخوه حبيب بن الزبير الذى أطمعه الأمويون بمال اكثر فانضم اليهم ليحارب أخاه عبد الله بن الزبير وانهزم وظفر به عبد الله فانتقم منه بقتله ضربا بالسياط .
من هذه الأسرة ( المباركة ) التى فجرت انهارا من دماء المسلمين جاء عامر بن عبد الله بن الزبير الذى تعطف عليه التاريخ بهذه السطور القليلة فى وقت منح فيه أباه وجده و عمه العناوين الكبرى مكافأة لهم على قتل عشرات الألوف من المسلمين لكى يصلوا الى منصب الخلافة.
جاء عامر مختلفا عن أبيه عبد الله بن الزبير وعن جده الزبير بن العوام فى شيء أساس : المال .
اشتهر الزبير بن العوام بالثراء الشديد ، حيث كانت ثروته تنافس ثروة رفيقه فى الفتنة طلحة بن عبيد الله ، ومن أجل تنمية هذه الثروة نقض بيعته لعلى بن ابى طالب و نكث العهد معه ، وفعل مثله طلحة بن عبيد الله ، وأخرجا أم المؤمنين عائشة معهما لحرب على بن ابى طالب ، وكانت ماساة حرب الجمل.
وورث عبد الله بن الزبير ثروة هائلة وأراد تميتها بالوصول للسلطة على رقاب المسلمين فخسر ثروته وخسر حياته .
أنجب عبد الله بن الزبير ابنه عامر هذا فجاء مختلفا عن ابيه وجده. ربما كان يحس أن عبادتهما للمال سبب كل ما حاق بهما وبالمسلمين لذا تصرف عامر هذا مع ماله تصرف الكاره له. فكان ينفقه بكل طريقة، آملا أن يحظى برضى الله تعالى.
وهذا تحليل عام لشخصه من خلال تلك السطور القليلة التى جاءت عنه.
ونتوقف مع تحليلات جزئية لما أورده عنه ابن الجوزى :
يقول : (كان رجلًا صالحًا لا يعرف الشر. أتى يومًا بعطائه فوضعه في المسجد ثم قام فنسيه فذكر فقال لخادمه: ادخل وائتني بعطائي قال: وأين أجده قال: سبحان الله أو يأخذ أحد ما ليس له .) أى جاءوه بالمرتب او المعاش الخاص به وكان فى المسجد ، فنسيه ، أى إن بؤرة شعوره فى العبادة و ليس فى المال ، ولأنه رجل مسالم لا يعرف سوى الخير فانه لم يكن يتصورأنه عندما نسى كيس المال فى المسجد ـ سياتى أحد لياخذه.
ويقول ابن الجوزى عنه :(أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال: أخبرنا حمد ن أحمد قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدَّثنا عمر بن أحمد بن عثمان قال: حدَّثنا محمد بن أحمد بن شيبان الرملي قال: حدَّثنا أبي قال: حدَّثنا عمران بن أبي عمران قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اشترى عامر بن عبد الله نفسه من الله عز وجل بتسع ديات.) أى إنه تصدق بما يعادل تسع ديات. والدية هى التعويض الذى يدفعه القاتل لأهل القتيل لينجو من تنفيذ القصاص. وعامر لم يقتل أحدا ، ولكنه أراد افتداء نفسه من النار بالتصدق مقدار تسع ديات.
ويقول عنه (أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو بكر محمدبن علي بن الخياط قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: حدَّثنا ابن صفوان قال: حدَّثناعبد الله بن محمد القرشي قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدَّثنا قدامة قال: سمعت أبا مودود يقول: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتحين العباد وهم سجود: أبا حاز فوان بن سليم وسليمان بن سيحم وأشباههم فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه فيقال: ما يمنعك أن ترسل بها إليهم فيقول: أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي وإذا لقيني.) أى كان يأتى سرا الى الفقراء العابدين المنقطعين للعبادة فى المسجد فيضع لكل منهم مالا فى حذائه . وما لبث أن عرفوا ذلك فسألوه فقال إنه يخشى أحراجهم . وهى أيضا طريقة جديدة فى التصدق بالمال.
وقال عنه : (أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال: حدثني عياش بن المغيرة قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا شهد جنازة وقف على القبر فقال: ألا أراك ضيقًا ألا أراك رقعًا ألا أراك مظلمًا لئن سلمت لأتأهبن لك أهبتك فأول شيء يراه من ماله يتقرب به إلى ربه فإن كان رقيقه ليتعرضون له عند انصرافه من الجنازة ليعتقهم. ) أى كان كلما حضر جنازة كان يبادر بعتق ما لديه من رقيق. وكانت مدن المسلمين يومئذ تغص بالرقيق ـ فكان عامر يعتق ما يملكه منهم كلما شهد جنازة.
وقال عنه ( قال الزبير: وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو يجودبنفسه ومنزله قريب من المسجد فقال: خذوا بيدي فقيل له: إنك عليل فقال: أسمع داعي الله فلا أجيب فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات. ) أى اعتاد حضور صلاة الجماعة فى المسجد بعد الأذان . وظل هكذا وهو يلفظ انفاسه الأخيرة ، إذ صمم على أن يكون آخر عهده بالدنيا وهو يصلى.
وبذلك أنهى حياته راكعا لله تعالى عكس أبيه عبد الله وجده الزبير و عمه مصعب ، وكل منهم لقى حتفه قتيلا فى سبيل ليس بالتاكيد سبيل الله.
ومن لا يتفق معى فعليه بقراءة تاريخ المسلمين فى هذه الفترة و قد كانوا بعض عناوينه.
رحم الله تعالى عامر الزبيرى.