إيران نحو حكم فردي لا انتخابي دستوريا!
محمود احمد الأحوازي
بعد إقرار حكم ولاية الفقيه دستوريا في الأشهر الأولى للثورة في عام 1979، بصلاحيات دستورية محدودة منعا لتحجيم أي اعتراض عليه، تزايدت تلك الصلاحيات بعد ذالك يوم بعد يوم بأوامر من خميني وبتأييد من المجالس المتعددة التي تشكلت، بما فيها مجلس الشورى. وكان في البداية الأمر هينا الى حد ما للتعامل مع سلطة ولي الفقيه حيث ان الدستور كان يضمن وجود احزاب وبرلمان ورئيس جمهورية ورئيس وزراء منتخبين، كما وكان يضمن تشكيل مجالس محلية ويضمن حق التنظيم والنقابات وحقوق المرأة وحقوق ثقافية محدودة للقوميات غير الفارسية، وكل ذلك كان قبل ان يسيطر الحرس الثوري وكل أجنحته القمعية على الحياة اليومية للناس في الفرصة التي منحته حرب ألثمان سنوات للحرس الثوري ولولي الفقيه بتجميد حقوق كافة شرائح المجتمع وطبقاته.
في جانب من التغييرات التي حصلت في الدستور الإيراني بعد إقراره الأولي لصالح ولي الفقيه وأجهزته العسكرية، كان ضحايا تلك التغييرات رئيس الجمهورية ابو الحسن بني صدر الذي اتخذ القرار لإعتقاله بسبب مخالفته لاستمرار الحرب مع قرارات دولية لوقفه، اضطر للفرار بلباس امرأة من مطار طهران الدولي، وبعده، استمرت التغييرات شيء فشي خلال الحرب التي كانت قائمة على العراق لمدة 8 سنوات.
بعد هروب بني صدر قيدت صلاحيات رئيس الجمهورية دستورياي بعدة قوانين جديدة، حيث أصبح ترشحه منوط برضا ولي الفقيه عنه قبل الترشح، كما وتم شطب منصب رئيس الوزراء دستوريا بعد ذلك حتى تبقى السلطة محصورة بين ولي الفقيه ورئيس جمهور مقيد برضاه مع وجود مجالس يعينها ولي الفقيه ويحاسبها الحرس الذي يقوده ولي الفقيه و وزارة الاستخبارات (اطلاعات) التي يقودها رئيس الجمهورية !!
اليوم وبعد الاختلافات والتصفيات المتناوبة لكل معارضي ولي الفقيه، التي بدأت بعلاقة خامنئي بالرئيس محمد خاتمي أو ما عرفوا بالإصلاحيين، وشملت معهم مجاهدي الثورة الإسلامية الذين يقودهم خوينيها ومحتشمي ونبوي، وهم يعتبرون الجناح اليساري في السلطة، وبعدهم انتقل اختلاف ولي الفقيه لحلفائه وعوامله وهم مير حسين موسوي رئيس الوزراء وكروبي رئيس شورى ولاية الفقيه السابقين، وبعد ذلك انتقل الاختلاف ومنذ عام من الآن تقريبا، ليضرب هذه المرة بصف خامنئي نفسه، حيث انقسم قادة الدكتاتورية على أنفسهم مرة أخرى و وقف هذه المرة احمدي نجاد، الرئيس المعين مباشرة من خامنئي، وقف بوجه سيده ومعه جمع كبير من أركان النظام من الدرجة الثانية عمدة وقليل من رجال الدين، وحاول ان ينتزع لنفسه بعض من السلطة والصلاحيات، لكن خامنئي رفض ان يشاركه أحدا في حكمه الذي أراده فرديا له، وحاول إيقاف محاولات احمدي نژاد لمشاركته في قراراته الفردية، وأرادها ان تبقى على نمطه فقط ولذلك بدأ بقصف مخالب احمدي نجاد.
وماذا يجري اليوم إذا بعد هذا الاختلاف الذي، وصف احمدي نجاد ومن معه في مداولاته من قبل أنصار خامنئي بـ " المنحرفين"!!؟؟
لقد قرر أخيرا خامنئي وهذه المرة من مكتبه ودون تشاور مع أي من أركانه، وطلب من مجلس الشورى والمجالس الأخرى دراسة موضوع شطب انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الناس من الدستور الإيراني ويتم انتخابه من البرلمان، حتى بذلك يحصر انتخاب الرئيس بينه وبين مجلس الشورى المعين من قبله، المجلس الذي لم يدخله من لا يرضى عليه وعلى أدائه خامنئي خلال كل فترة حكمه الفردي، وبذلك يريد خامنئي ان يوقف الاعتراضات التي تقول ان الرئيس المنتخب والحكومة التابعة له ليس لديهم حرية القرار و خامنئي لا ينصفهم وهو ينقض الدستور.
إذا، إيران القادمة إذا صوب هذا القرار، هي لا ولي فقيهها منتخب، ولا رئيسها منتخب، ولا برلمانها منتخب، وهي دكتاتورية مذهبية على نمط الحكم ألكنائسي الذي كان قائما في القرون الوسطى، يقتل فيها من يقول ان الأرض مدورة وتدور حول نفسها!
ان ما يجري في إيران اليوم هو أشبه بكثير لما يجري في عهد الإمبراطوريات الأوربية التي سبقت الإسلام ويشبه للإمبراطورية الفارسية نفسها وللروسية ولليابانية في العصور القابرة ولا هناك أي قرابة بين الحكم في إيران وبين السلطات الدستورية في أي نقطة في العالم حتى شكليا، حيث ان الحكم في إيران حتى الآن وقبل أي تغييرات جديدة عليه باتجاه ترسيخ الدكتاتورية المذهبية، لا حديث فيه عن الحرية ولا عن حقوق الإنسان ولا عن حقوق الشعوب والأقليات المذهبية ولا عن حقوق المرأة والطفل ولا هناك حقوق للتظاهر ولا لتشكيلات صنفية وعمالية ونسوية وطلابية، ولا حقوق لأي اعتراض ولا لحرية اللباس وتسمية المواليد، ولا حرية التجمع والإحتفال، ولا حرية السفر و لا حرية لإنجاب الأطفال للقوميات غير الفارسية ولا ولا... كما وحالة الناس الإجتماعية انتقلت من السيئ الى الأسوأ حيث لا خدمات طبية ولا خدمات اجتماعية وساعات قطع الكهرباء عن المنازل تصل الى عشرة ساعات يوميا في الصيف الحارق، ولا ماء صحي في اكبر المدن، والأسعار تضرب بالطبقة الوسطى بعد ما قضت على الفقراء الذين لم يعودوا قادرين على شراء كيلو لحم البقر بـ 200 ألف ريال(18 دولار امريكي) وهذا المبلغ يساوي عشر راتب العامل الفني، ولا حتى يمكن للعامل ان يشتري ارخص البضائع وهو البيض لعائلته، حيث سعر البيضة في الأسواق اليوم لا يقل عن 70 سنت من الدولار وبالواسطة، وهذه الأسعار تعصف بالجميع، في الوقت الذي فيه مياه الري قطعت في الأحواز من الفلاح العربي بسبب تجفيف الأنهار بعد نقل مياهها للعمق الإيراني وأصبح الفلاح يبحث عن عمل خارج قريته والعامل لم يعد قادر على شراء كيلو لحم واحد حيث ان راتبه لا يتجاوز المليونين ريال أي 180 دولار، ولا حديث في هذه الأوضاع عن أي مجال لأي تحرك ومعارضه للأوضاع حيث ان التعبئة الدموية التابعة للحرس استلمت الأمن في الشوارع وخصوصا في الأحواز ومناطق القوميات وأصبحت الثروة النفطية والغازية والمائية الأحوازية تصرف للسلاح وللحرس والمليشيات ولخلايا الحرس في المنطقة ولتطوير السلاح النووي فقط!
وفي النهاية، ومع ان لا فرق لنا نحن الأحوازيين في التغييرات القادمة في هرم السلطة الإيرانية، لكننا ومع ارتفاع وتيرة الإعدامات التي وصل متوسطها لعشرة حالات إعدام أسبوعيا خلال الشهرين الأخيرين، نتوقع تشديد القبضة الأمنية والقمع واتساع رقعة المجاعة والعوز والفقر والإعتقالات والتعذيب والإبعاد، مما يعني ان علينا نحن أيضا تحمل عبء تشديد المواجهة، خاصة وان شعبنا بكل شرائحه أصبح مهيأ ويضغط لهذه المواجهة بعد منع السلطة حتي شركائها وخدمها في الحكم من أي اعتراض ولو دستوري ومسالم!
m.a.alahwazi@gmail.com