لا نزال في حاجة إلى الاقتراب أكثر من كلمات الله تعالى فى القرآن نفهمها ونتدبرها ، وهذه محاولة للفهم والتدبر .
الزكاة
بين الزكاة والصلاة
في أغلب ورودها جاءت كلمة الزكاة مرتبطة بالصلاة كقوله تعالى ("فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) ( التوبة 5 ،11 ) ".
والزكاة فى العرف السائد هي تقديم جزء من المال لله تعالى ، وأيضا فالصلاة هى تقديم جزء من الوقت لله تعالى نعبده فيه ، والهدف من الصلاة والزكاة هو التطهير ، تطهير الوقت وتطهير المال ، أو بمعنى آخر هو تطهير النفس ..
ومعروف أن إقامة الصلاة لا تعنى مجرد أداء الصلاة وإنما هي تعميق الصلة بالمولى جلا وعلا كى يخشاه المؤمن فى أثناء الصلاة وفيما بين الصلوات الخمس ، أي يكون المؤمن في حالة تقوى دائما .. وبذلك يطهر وقته ويطهر حياته وتنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) ( العنكبوت 45 ).
الزكاة بالتصدق بالمال:
إذن فالصلاة تزكية النفس . وكذلك الزكاة المالية ـ أى الصدقة والانفاق فى سبيل الله تعالى ـ هى تطهير وتزكية للمال والنفس معا ، يقول تعالى عن الذين اعترفوا بذنوبهم (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) (التوبة 103 ) فحين تعصى تبادر بالتوبة الصادقة وتقدم زكاة تبرهن على رغبتك في التطهير والتزكية والسمو .
وشأن المؤمن أن يبادر في كل الأوقات للصدقة كى يزكى ماله وكي يزداد طهارة وسموا يقول تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ) ( الليل 18 ). أي حين يعطى الزكاة ابتغاء مرضات ربه جل وعلا فإنه يقوم لنفسه بعملية تزكية وتطهير ..أي أنه تطهير للمال يعقبه تطهير للنفس في حالة صفاء النية وإخلاص القلب لله تعالى ..
الزكاة عموما هى موجز كل الرسالات السماوية:
وتأتى كلمة الزكاة ومشتقاتها منفردة وتعنى التطهر والسمو يقول تعالى عن النفس البشرية : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ) ( الشمس ـ 10 ). أي قد أفلح من طهر نفسه بطاعة ربه وبالعقيدة الصحيحة.
ويقول تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ) ( الأعلى 14 ). فالمفلح فى الآخرة هو كل من تزكى فى حياته الدنيا بعمله وقلبه، أى عقيدته.أى قام بتنقية وتطهير قلبه وجوارحه مما يغضب المولى جل وعلا. وهذه هو موجز كل الرسالات السماوية.
وطاعة الله تتحقق بطاعة الرسل أى طاعة الرسالة، أى طاعة الوحى الالهى الذى نزل على الرسل ، لذلك أمر الله تعالى موسى : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ) ( : النازعات 18) . أى كانت وظيفة موسى عليه السلام ـ وكل الرسل ـ هى الدعوة للتزكية و التطهر.
وقال تعالى عن خاتم النبيين عليهم السلام " كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ ) ( البقرة 151 ) . وتكرر هذا المعنى كثيرا فى القرآن الكريم.
الزكاة عموما تدل على التقوى وأداء كل العبادات:
المتقون فقط هم أصحاب الجنة. ومحروم من دخول الجنة من لم يزك نفسه بطاعة ربه كقوله تعالى : ( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) ( فصلت 6 ). فكلمة الزكاة هنا تشمل كل العبادات وكل الطاعات وكل الأخلاق السامية وليس مجرد الزكاة المالية . وفى النهاية فإن الجنة هي مصير الذي يتزكى أى يكون مؤمنا قد عمل الصالحات فتزكى و تطهر ليليق بالجنة (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ) ( طه 76 )
جعلنا الله تعالى ممن تزكى . ..