بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية تحديداً في 28 كانون أول/يناير 2006 كتبت عنوان "فلسطين إلى أين؟" اشدت فيه بانفاذ الديموقراطية و احترام نتائج الانتخابات التشريعية و كيف ان رئيس الوزراء أحمد قريع قدم استقالة حكومته و أعلن ان على حركة حماس أن تقوم الآن بتشكيل الحكومة.
وذكرت ان الشعب صوت ضد فتح في انتخابات التشريعي لأنه يعاقب الفاسدين في الحركة و خاصة هؤلاء الذين يقبعون في الأجهزة الأمنية كذلك وهو الأهم لأن اسرائيل عملت جاهدة على احباط مشروع الدولة الفلسطينيute;ة و الوصول لها عبر المفاوضات و السلام الذي كانت حركة فتح تطرحه و تتمسك به ، فمنذ اغتيال رابين و الأمور تزداد سوء على سوء لتنتهي أخيراً بوصول حركة حماس على الطرف الفلسطيني إلى سدة رئاسة الحكومة الفلسطينية.
قلنا أنه هكذا و دون ارادة مسبقة منهم و جد نواب المرشد العام لجماعة اخوان البنا انفسهم في مواجهة الاستحقاقات السياسية و الامر الواقع و لم يعد بالامكان الاكتفاء بالكلام المرسل و المعاضة الفارغة من اي مضمون عملي في بلد يعتمد كلياً على المساعدات محاصر و فقد السند القومي الذي كان يشكل بالنسبة له رئة و عمقاً ثورياً .
في وقته قلنا في ذلك المقال :
"اسرائيل ستتحرك بشكل منفرد كما فعلت في غزة ولن تنتظر أجوبة وستواصل حصارا قاسيا على الشعب الفلسطيني ولا نستبعد أن تشاركها إياه الدول الغربية والعربية أيضا هذا يعني ادخال الشعب الفلسطيني في ازمة اقتصادية حادة فماذا أعدت حماس لذلك وكيف ستتصرف ؟...لأي درجة سيتمتع الاخوان بالمرونة والبرغماتية وهل ستفلح حكومتهم في اقناع الشعب الفلسطيني بإعادة انتخابها أم ستجعله يندم ؟ هل سيطبق الاخوان في فلسطين منهجهم الذي رددوه دائما أم أن حسابات الحقل لا توافق حسابات البيدر؟ مستقبل الاخوان كله مرهون بهذه الحركة وما ستفعله ، وهي فرصة جيدة أن تتعرف عليهم الشعوب في السلطة بعدما خبرتهم لوقت طويل في المعارضة فهل سيفعل الأخوان ما كانوا يقولوه دائما؟ أسئلة تجيب عليها الأيام العصيبة القادمة؟"
الحقيقة اسئلة لم يكن عندي ادنى شك ان الايام القادمة ستجيب بالفشل الذريع لحركة حماس في التعامل مع الاحداث ، لا يمكن لبنيتها ان تستجيب و كان فعلاً ما توقعناه حصار قاسي و خانق و مواقف عنترية لا سند لها و لا قدرة على تنفيذهاواخيراً اهدار الشرعية و الانقلاب على سلطات الرئيس بضرب الاجهزة الامنية التابعة قانونياً للرئيس المنتخب و رفض حسم الخلاف عبر صندوق الاقتراع بعد تدهور شعبية اخوان البنا للحضيض و الاحتكام للسلاح وتنفيذ انقلاب كامل لتنفيذ ما سماه البعض "فتح قطاع غزة" .
دفع الشعب ثمن باهض و للأسف بلا أمل و لا رؤية و لا مشروع ، فمن يدفع الفلسطينيين لهذه التضحيات المؤلمة لا و لن يحقق منها أي شيء على الاطلاق إلى ايصال الشعب للجوع و القنوط فما هو المتوقع في ظل تضحيات بلا ثمن ؟!!
إذن بدأت الازمة بوصول حركة حماس إلى السلطة عبر فوزها في انتخابات المجلس التشريعي الاخيرة ، طبعاً افرز هذا وضع على حماس فيه ان تتعاطى مباشرة مع الشؤون السياسية مع الاتفاقيات و الالتزامات الدولية التي وافقت عليها السلطة و المنظمة ، من ناحية ثانية ان تتقاسم السلطة وفق ما حدده القانون الاساسي الفلسطيني مع الرئيس المنتخب والذي هو الرئيس محمود عباس رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات و رئيس حركة فتح كبرى الفصائل الفلسطينية و اعرقها.
لم تتمكن حركة حماس و هذا ما سبق و توقعناه من التعامل السياسي مع الامور فالمطلوب وفق ما تراه حركة حماس:
ان يعترف بها الجميع و يمنحها الدعم و السلطة و الدولة لتمحو اسرائيل على حد زعمها من الخريطة!
بطبيعة الحال هذا مطلب لا يمكن ان يمر لا عربياً و لا دولياً ولا على سلطة الاحتلال فما زالت الضفة و غزة و كل فلسطين التاريخية تحت سلطة الاحتلال الاسرائيلي المباشر و كل ما يقال عن تحرير غزة باعتقادي محض كلام غير عملي ولن يكون هناك كلام عملي إلا عندما تقوم الدولة الفلسطينية و يعترف بها كل العالم و أوله اسرائيل نفسها.
بدأ الحصار بطبيعة الحال و هو نتيجة طبيعية لتحدي حركة حماس للمجتمع الدولي ، ولنكون واضحين نحن لسنا ضد الطموح و ليته كان بالامكان ان نصل للقدرة التي تمكن من بناء قدرة صمود و تحدي قادرة على ان تفرض هي ما تريد ، إلا ان واقع الثورة الفلسطينية المعاصرة و العرب و موازين القوة العالمية لا تحتمل المواقف العنترية على الاطلاق ، إذن في ظل هذا التعنت الحمساوي كان الحصار نتاج طبيعي ، طالما تحدت حماس فتح واتهمتها بمحاباة العدو الصهيوني وكانت فتح تتذرع بسياسة الممكن والامر الواقع دون طائل ، فكانت حماس الآن امام التحدي وانتقلت من مجرد الشعارات إلى الفعل فماذا قدمت؟
- التزام تام بوقف اطلاق النار وجميع العمليات ضد الكيان الصهيوني على خلاف ما كانت تراه فيما مضى!
-الجوع و الفقر و الحصار وتوقف المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني و اغلاق المعابر و منع المساعدات و المستحقات المالية للشعب الفلسطيني والعجز عن دفع الرواتب واخيراً الحرب الأهلية وفقدان مقومات الثورة و روح المقاومة (هزيمة الروح).
ما حصل في غزة هو انقلاب صريح على الشرعية ، منذ بداية الازمة بين فتح وحماس و قبل نهاية السنة الأولى كنت اول من طالب بالاستجابة لاستطلاعات الرأي للشارع الفلسطيني التي تغيرت تماماً واللجوء إلى صندوق الاقتراع لحسم الخلاف فالشعب هو من يمنح السلطة و هو من يسحبها ايضاً
إلا ان حماس تمسكت بالسلطة و باتمام فترتها وتراجع الرئيس محمود عباس وكان حسب رأيي مخطئ في ذلك لانه فتح المجال للمزيد من الاشكاليات ، كان اتفاق مكة على تقاسم السلطة من جديد عبر حكومة و حدة وطنية إلا ان الأمر عاد بمأساة امام اصرار حماس على الامساك بكل الخيوط رفضت الالتزام بالاتفاق و اعتدت على سلطة الرئيس المنتخب من خلال الهجوم على قوات الامن التابعة للرئاسة الفلسطينية حسب القانون و استولت على قطاع غزة معلنة ان غزة تم تحريرها !
ما تتكلم عنه الحركة من تجاوزات لضباط امن كلام قد يحمل في ثناياه الكثير من الصحة إلا ان التعامل مع هؤلاء لا يكون بهذه الصورة ، هناك مجلس تشريعي و هناك قضاء هو صاحب الحق والكلمة الفصل و ليس كل من امتلك القوة يقوم باعدام قادة خصومه تحت أي ذريعة من اي نوع!
لن اتكلم عن محاولة الاغتيال التي نفتها الحركة رغم تاريخ اخاون البنا العريق في محاولات الاغتيال لهذا و إن كنت لا احب ان اجزم في امور غير مبرهنة تماماً إلا اني لا استبعد مثل هذا السلوك فبالامس فقط اعدموا حوالي 20 من قادة حركة فتح وألقوهم في شوارع غزة هكذا جهاراً نهاراً وبدون محاكمة على الاطلاق!!!!
اجتمعت اللجنة المركزية اخيراً للمنظمة و هي لا تمثل فتح وحدها بل تمثل جميع الفاصائل الفلسطينية ما عدا حركة حماس بالمناسبة واتخذت القرار الحكيم و هو العودة لصندوق الاقتراع .
هذا هو حل الاشكالية لانقاذ وحدة فلسطين و الاحتكام إلى صاحب الحق الشرعي والقرار ، بعيداً عن ما تردده اسرائيل و امركيا و العالم حول لمن الشرعية فالشرعية والقول الفصل هو لشعب فلسطين نعم للانتخابات فهي المخرج و لو اكد الشعب الفلسطيني عندها اختيار حماس فمن يستطيع ان يقول لا عند إذ؟
وعاش الشعب إن الشعب هو المعلم
تحياتي
عمر أبو رصاع