قراءة فى كتاب فقه البنيان لعبد الله العيسرى

رضا البطاوى البطاوى في السبت ٠١ - فبراير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

قراءة فى كتاب فقه البنيان لعبد الله العيسرى
تعرض الكاتب لتاريخ كتب البناء الفقهية فذكر التالى:
"ومن أهم ما أُلف في فقه البنيان ( كتاب القسمة وأصول الأراضين ) لأبي بكر الفرفطّائي رحمه الله تعالى من علماء أصحابنا من جبل نفوسة في القرن الخامس الهجري.... ومن أهم الكتب المتصلة بهذا الشأن ( كتاب الإعلان بأحكام البنيان ) لابن الرامي البنّاء، وابن الرامي فقيهٌ وبنّاءٌ تونسي عاش في القرن الثامن الهجري؛ وابن الرامي نشأ بنّاءً مثله مثل غيره من البنائين ولكنه اتصل ببعض علماء عصره فيما يتصل بمسائل البناء ثم بعد ذلك جمّع خلاصة تجربته في البناء في هذا الكتاب وذكر آراء غيره من العلماء ورأيه هو، وهذا الفقيه يميز كتابه أنه جمع بين الأمرين: بين الفقه وبين البناء ....وفي سنة 882 للهجرة أراد أحد ولاة المماليك واسمه ( يشبُك الداوَدَار ) أن يعيد تخطيط منطقة في القاهرة اسمها ( بين القصرين )، هذه المنطقة تأثرت طرقاتها كثيراً بسبب النظام العشوائي في البناء، فجاء ( يشبُك الداودار ) وهدم كثيراً من المنازل وبعضها كانت أوقاف، فضجّ الناس ،منهم من يؤيد ومنهم من يعارض، فانبرى أحد العلماء الشافعية واسمه ( أبو حامد المقدسي ) فألّف رسالة سماها ( الفوائد النفسية الباهرة في حكم شوارع القاهرة ) ووضح فيها كيفية البناء وكيفية تخطيط الطرقات وفق الشرع الشريف"
هذا الكلام عن تاريخ كتب فقه البناء بالقطع ناقص فهل ظلت الأمة خمس قرون دون كتاب يحدد الحلال والحرام فى البناء وكيفية تنظيم بناء البيوت والبلدات ؟
هذا الكلام ليس تاريخا وإنما هو التاريخ الكاذب الذى أرادوا لنا أن نعرفه ونصدقه مع أن أحكام البناء كانت موجودة فى وحى الله فى عهد النبى(ص) وبناء عليها تم بناء بيوت المسلمين وبلداتهم
وقد تعرض العيسرى لمسألة شيوع المعمار الغربى فى بلادنا وبلاد العالم فقال :

"من أحسن من تحدث عن الهجوم السافر للمدرسة الغربية على المعمار الإسلامي المهندسة ( سُهير حجازي ) في دراسة لها عن التحيز في التصميم المعماري، وهذا البحث جاء بحثاً متميزاً ضمن كتاب اسمه ( إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد - محور الفن والعمارة ) وهو صادر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا ومن ضمن ما قالته تقول: ( إذا عدنا إلى بدايات هذا القرن نجد أن المعماريين الأوروبيين قد نجحوا في دفع المجتمع العالمي - ومن ضمنه مصر والدول الإسلامية - لتبني طرازٍ معماري سُمي بالطراز الدولي وهو محصلة أفكار بعض المعماريين العالميين وأشهرهم والتر جروبياس وميسفانديروه وليكوربوزييه بدعوى توحيد طريقة التفكير المعماري وأسلوب حل المشاكل المعمارية والتخطيطية، وقد تسابق المعماريون في شتى بلاد العالم لتبني الطراز الدولي وتطبيقه وذلك انبهاراً بأهدافه وأسسه من ناحية وانبهاراً بحضارة المجتمعات الغربية من ناحية أخرى )
وهو كلام صحيح فقد تعرضنا لتلك الحرب وبالفعل أصبحت كل مبانينا على طراز المكعبات المغلقة التى تأوى الناس دون تفكير فى مطالبهم ودون تفكير فى أحكام الدين ومن ثم فقدنا الكثير من الأحكام كمراعاة عدم كشف العورات فأصبحت الأبواب تواجه بعضها والشرفات تواجه بعضها والنوافذ تواجه بعضها مما كشف عورات من فى المنزل وأصبحت البيوت وهى الشقق مغلقة إلا من شرفة أو نافذة ولا يوجد مكان للإطلال على السماء ودخول الشمس وسط البيت حيث تجلس الأسرة براحتها دون خوف كشف العورات ومن ثم أصبحا الاضاءة الكهربية بديلا عن ضوء الشمس فى كثير من البيوت
ثم تعرض الكاتب لرواية تحرم البناء أيا كان فقالك
أما النهي الوارد عن البناء في الحديث وهو ما جاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إذا أراد الله بعبدٍ شراً أخضر له اللبن والطين حتى يبني )) فقد بيّن المناويّ أن ذلك يُحمل على ما كان للتفاخر أو زاد عن الحاجة"
وهو كلام لا يمكن أن ينطق به الرسول(ص) فالله لم يحرم البناء والبناء خير وليس شر لأنه يحمى الناس من الأضرار كالحر والبرد والمطر ويمنع كشف العورات
ثم تعرض العيسرى لقضية الأصول السكانية عند بناء البلدات فقال:
"في هذه القضية يقول ( خالد محمد عزب ) في كتاب ( تخطيط وعمارة المدن الإسلامية ): ( وكان للأصول السكانية والقبلية شأنٌ كبير في توزيع السكان في أحياء المدينة بحيث إن كل حيٍّ كانت تقطنه أسرةٌ أو قبيلة، وكانت مسؤولية توزيع الخطط في يد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره الحاكم، وقد كان منهجه في ذلك يهدف إلى تجميع كل قبيلة في خطة خاصة بها مع ترك حرية تقسيم الخطط للقبيلة وفقاً لظروفها وإمكاناتها في الإنشاء والتعمير ومدى الحاجة إلى ذلك ). والمتأمل يلاحظ أنه حينما يكون في المكان أخلاط سكانية غير متجانسة تكثر المشكلات، أما حينما يوجد التجانس تجد أن معدل المشكلات ينخفض، وهذه حقيقة أثبتها علماء الاجتماع بحيث صارت لا تقبل شكاً ولا جدالاً، ومما يُذكر أن علماء الاجتماع المسلمين هم من أول من تنبه إلى هذه القضية؛ فقضية تقسيم الأحياء السكانية حسب الانتماء إلى الجنس وإلى الطبقة مِن أول من تنبه لها ( ابن أبي الربيع ) فاعتبر أنه ينبغي حينما تُنشأ المدينة أن يُراعى هذا الجانب، ونص عبارته : ( أنه لا ينبغي أن يكون في المكان الواحد أخلاطٌ سكانية )"
وهو كلام خاطىء فالمسلمون كلهم اخوة كما قال تعالى "إنما المؤمنون اخوة"
وهو كلام يتناسى أن سكان المدينة فى بداية الإسلام كانوا خليطا من كل القبائل والشعوب كقريش والأوس والخزرج وغفار –أبو ذر الغفارىء- ودوس-أبو هريرة الدوسى – وبلال الحبشى وصهيب الرومى وسلمان الفارسى .......كما هو معروف فى كتب التاريخ
ومن ثم فالتعلل بأن الخليط السكانى يحدث مشاكل يناقض قوله تعالى "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا"
وكان يجب أن يسأل القوم انفسهم ألم تحدث المشاكل فى قريش بسبب الإسلام وعذبوا بعضهم وطردوا بعضهم وقتلوا بعضهم مع أنهم كانوا مجموعة عرقية واحدة
ثم تعرض الرجل لمسألة بعد المساكن عن المسجد فقال :
" ومما ينبغي أن يُراعى في موقع البناء أن يكون بعيداً عن المسجد وذلك لما رواه الإمام مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: ( خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم: " بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد " قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك. فقال: " بني سلمة دياركم تُكتب آثاركم " فقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا" والتباعد عن المسجد له علتان: العلة الأولى علةٌ تعبدية محضة وذلك أنه كلما بعد الإنسان عن المسجد ومشى إلى المسجد كان له بذلك أجرٌ كما جاء في الحديث " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخُطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة " وأما العلة الثانية فهي أن تكون الأرض المحيطة بالمسجد أرضاً بيضاء فارغة بحيث إذا أراد المسلمون في أي وقتٍ من الأوقات أن يوسِّعوا المسجد أو يقيموا حوله ما يتصل به من منشآت كالمدارس والمجالس العامة التي ينتفع بها المسلمون تكون تلك الأرض فارغة، ولو أن الشارع رغَّب في السُكنى قريباً من المسجد لتزاحم الناس حتى صارت المدينة ضاجً بمن يتزاحمون حول المسجد فإذا أرادوا توسعته شقّ ذلك عليهم"
والكلام هنا خاطىء يتناسى الروايات والتاريخ المعروف وهو أن بيت النبى(ص) كان ملاصق للمسجد وكانت خوخ وهى أبواب المسجد فى مواجهة بيوت المسلمين مثل خوخة أبو بكر وخوخة على كما فى الرواية التالية:
"لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" رواه البخارى وفى الرواية التالية:
"إن النبي (ص) أمر بسد الأبواب إلا باب علي بن أبي طالب"رواه أحمد
والمفترض فى أى مسجد أن يكون وسط البلدة أو وسط الحى والبيوت حوله كالمسجد الحرام بحيث تكون المسافة بينه وبين كل البيوت قريبة فلا يتكلف الناس المشى إليه من مسافات تضيع وقتهم أو تتعبهم وروايات الأجر على المشى كل خطوة بحسنة تعارض أن أجر المشى واحد مهما كثرت الخطوات للخير وهو عشر حسنات كما قال تعالى :
"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ثم تعرض العيسرى لمسألة غرف البيت فقال:
"القضية الثالثة: كم غرفةً تبني؟ والمتأمل يجد أنه ينبغي أن لا يقل ما يبنيه المرء عند الاستطاعة عن أربع غرف؛ أما الغرفة الأولى فهي للزوجين وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: " يا أيها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمناكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء "، فهذه الآية نصت على أن الذين لم يبلغوا الحلم - الأطفال غير البُلّغ - ينبغي أن يُؤدبوا على الاستئذان في أوقات النوم التي يخلو فيها الزوج مع زوجه، وفي هذا دليل على أن الطفل إذا كان قد وصل إ لى درجة يمكن أن يفهم فيها ما يدور بين الزوجين وأن ترتسم تلك الصور في ذهنه، في هذا دليل على أنه ينبغي أن لا ينام في غرفة والديه؛ فإذن الغرفة الأولى للزوجين. وأما الغرفتان الثانية والثالثة فإحداهما للذكور والأخرى للإناث بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرّقوا بينهم في المضاجع ))، وقد قال العلماء بأن الأصل في التفريق أن يكون هؤلاء في غرفة وهؤلاء في غرفة. إذن كم غرفة عندنا إلى الآن؟ ثلاث وأما الغرفة الرابعة لمن كان مستطيعاً فهي للضيف وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )"
كون البيت أربعة حجرات للنوم فقط يتغافل عن وجود غرفة جلوس أو معيشة داخلية وغرفة جلوس خارجية لاستقبال الضيوف والمطبخ وحمامين أى دورتى مياه فكل منزل يكون فى مقدمته حجرتين حجرة جلوس للضيوف أو حجرة استقبال وفى مقابلها حجرة نوم الضيوف وملحق بإحداهما حمام بعد ذلك يكون المنزل الداخلى حجرة نوم الزوجين وحجرة نوم البنات وحجرة نوم البنين وحجرة المعيشة أو الجلوس الداخلية وفى نهاية البيت المطبخ ودورة المياه والسلم وهذه الحجرات الأخيرة يكون وسطها وهو ما يسمى الصالة مكشوفا للسماء لإدخال ضوء الشمس والهواء أو فوقه قبة لها نوافذ كثيرة وتكون أرضيته أوطى من أرضية الحجرات المحيطة بهم منعا لدخول المطر الساقط للحجرات

 

ثم تعرض الرجل لقضية الستر فى البيوت فقال :
"القضية الرابعة التي ينبغي أن تُراعى في بناء المنزل: جانب الستر؛ وجانب الستر له شِقّان: شقٌ داخلي وشقٌ خارجي..شقٌ من داخل المنزل وشقٌ من خارج المنزل. أما عن الشق الذي من داخل المنزل فينبغي أولاً أن تُنكّب الأبواب بعضها عن بعض بحيث لا يكون باب هذه الغرفة مقابلاً لباب غرفة أخرى لأن هذا مدعاة إلى الانكشاف والإسلام أحرص ما يكون على الستر، وإذا كان المرء مطالباً بذلك إطلاقاً فإنه في حالة المساكنة يكون مطالباً أكثر من غيره، والمساكنة أن يكون مع الرجل في بيته غير محارم لزوجته مثلاً إخوانه أو بني إخوانه الذين بلغوا مبلغ الرجال، ففي حالة المساكنة تتأكد هذه المسألة. ومما يُراعى كذلك في جانب الستر الداخلي أن يكون المجلس معزولاً إما عزلاً كلياً بحيث لا يكون في المجلس باب ينفذ منه إلى داخل المنزل أو عزلاً جزئياً بحيث إذا جعل من المجلس باباً يُنفِذ إلى داخل المنزل لا يمكن لأحد من أهل المنزل أن يطل على المجلس ولا أحد من الضيوف الموجودين في المجلس يطل على داخل المنزل. لماذا؟ لأن هذا الجانب له أهميته، وقد يجلس الضيف في مكانٍ فيحس بالحرج بحيث إذا فُتِح البابُ تنكشف عورات المنزل"
وما قلته من كون المنزل مكون من قسمين قسم للضيوف فى المقدمة وقسم لأهل البيت فيما بعده بينهما حاجز أى جدار هو ما سماه الرجل مسألة الستر ولكمنه بطرق أخرى ويوافق ما قلته أن الله اخبرنا أن على ضيوف النبى(ص) أن يسألوا نساء النبى (ص) المتاع وهو الطعام والشراب من وراء حجاب أى جدار وفى هذا قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"
ثم تعرض الرجل لقضية الروازن وهى عندنا فى مصر فى الريف خروم مخصوصة فى الأسقف كانت على شكل طاجن مخروم القعر فقال:
"والمتأمل يجد عبقرية الفقيه والمهندس المسلم في هذا الجانب، فقد قرأت لأحد المهندسين كتاباً تحدث فيه عن الروشن ( الذي نسميه نحن بالروزنة ) يقول بأن المسلمين لم ينشئوا هذا الروشن لمجرد حفظ الأغراض والأمتعة فقط وإنما راعوا إضافةً إلى ذلك تكثير هذه الرواشن في المجلس الذي تجلس فيه النساء وفي المجلس الذي يجلس فيه الرجال ..لماذا؟ لأن هذه الثغرات تساعد على امتصاص الأصوات فلا تخرج إلى الخارج، فالذين يجلسون في مجلس الرجال لا تصل أصواتهم لأنها تُمتَصّ من هذه الرواشن والأمر ذاته يصدُق على مجلس النساء"
وعلى حد علمى فإن تلك الخروم فائدتها تتنوع فمثلا كانت تدخل الضوء والهواء للحجرات التى ليس لها منافذ تدخل الشمس والهواء داخل البيت وأما ما قاله عن الصون فأول مرة أقرأ عن تلك الفائدة والروازن أو الرواشن تسمى البادهنج فى بلاد أخرى وغرضها هو توزيع الهواء والضوء
ثم تعرض العيسرى بمسألة ستر السلم فقال :
"وكذلك ذكر بعض الفقهاء أنه ينبغي أن يُستر السلّم، فالسلّم الذي يتجه إلى الطابق العلوي يكون في مكانٍ لا يطل منه الجالسون في مجلس الرجال أو مجلس النساء على من يمر في السلّم، والعلة من ذلك أن يكون للرجل مطلق الحرية أن يتحرك في بيته، فإذا كان السُلّم يمر على صالة النساء وأراد الرجل أن يصعد إلى الطابق العلوي لا يستطيع، وإذا أرادت المرأة أن تنزل من الطابق العلوي وكان السلّم يمر على مجلس الرجال لا تستطيع..تتحرّج وقد قرأت لبعض المهندسين أن أغلب البنايات في المعمار الإسلامي كانت تجعل السُلَّم على جانب من المنزل وأما عن الستر في الجانب الخارجي فمما يتصل بذلك أن لا يكون البيت مُطلاً على حرمات الآخرين، يكون مستوراً عن أعين الآخرين وتكون المساكن الأخرى لا يستطيع هو أن يُطل عليها؛ "
وهذه المسألة ليس لها وجود ولو تم عمل السلم فى قسم أهل البيت الداخلى حيث لا يوجد أى مجال للنظر لكون قسم الضيوف مفصول عن قسم أهل البيت بجدار المدخل الثانى
ثم تعرض الرجل لمسألة بدأت تنقرض الآن وهى مسألة الجدران المشتركة التى يدفع كل طرف فيها نصف مبلغ بناء الجدار فقال:
"ومن أمثلة ذلك ما ذكره صاحب ( المصنَّف ) في الجزء السابع عشر صفحة 209 ، يقول: ( وعلى الناس أن يُؤخذوا لبعضهم بعضٍ بالمباناة فيما بينهم من المنازل والبساتين المسكونة فيكون على كل واحدٍ نصف ولو كان منزل واحدٍ أصغر من منزل الآخر، ومن قال أنه يخرُبُ منزله ولا يسكنه فلا بِناءَ عليه فإن رجع يسكن غَرَمَ حصته من البناء )"
وهذه المسألة تنقع فى الدور فى البلدات حيث المساكن ضيقة وهى ليست بيوت تستجيب لأحكام الله ولكن الناس تعارفوا على طرق معينة لمعرفة الجدار المشترك من جدران البيت وهى أن عروق الأخشاب كانت توضع من الجانبين على الجدار او كان طرف يضع والطرف الثانى يعمل نافذة غير نافذة فى نصف الجدار ويسمونها طاقة
وهذه الجدران بهذه الطريقة لا ينبغى عملها لأن عند هدم أحدهم لبيته سوف يحدث ما لا تحمد عقباه إذا أراد أن يبنى الطرف الهادم بناء محالف لأطوال الجدران السابقة فلو هدم نصف الجدار الخاص به فمن المتوقع سقوط النصف الأخر وتعرى بيت الجار ومن ثم فالبناء المنفرد يكون افضل للجانبين
ثم تعرض الرجل لمسألة السطوح فقال:
"وكذلك إذا أراد أن ينتفع بالسطح فإن عليه أن يُراعي حرُمات الآخرين، ومن أمثلة ذلك ما ذكره صاحب المصنف في نفس الجزء يقول: ( وقيل للرجل أن ينتفع بظهر منزله فوق بيته بالنهار فيما يحتاج إليه من ترويح التمر وانتقائه وأكله وجميع ما يحتاجون إليه من غير أن يتخذ ذلك سكناً، وإذا اتخذه سكناً كان عليه أن يبني عليه ستراً عن جيرانه ومن أشرَف من الناس )، هذا الستر هو ( العقود ) الموجودة في السطوح، هذه لم تنشأ من فراغ وإنما هي حُكمٌ فقهي ذكرها الفقهاء وتنبّه لها المعماريون وطبّقها الناس في واقع حياتهم، وقد قال بعض الفقهاء بأن هذا الستر ينبغي أن يرتفع مقدار سبعة أشبار على الأقل حتى يُضمن أن من كان نائماً في ذلك السطح لا يمكن أن يطل عليه أصحاب المنازل الأخرى. يقول صاحب المصنّف : ( فإذا لم يكن عليه ستر كان عليه إن أراد أن يصعد في النهار أن يُشعِر جيرانه ومن يُشرف عليه بصوته، فإذا أراد أن يصعد قال: إلبسوا..إلبسوا..ثلاث مرات، فإذا قال ثلاث مرات صعد لقضاء حاجته ما لم يتخذ ذلك سكناً في النهار ). ويقول كذلك : ( وإن أحدث رجُلٌ داراً جديدة وله جار له عُلُو من غرف أو سطح يُشرِف على داره فعلى صاحب العلو أن يستر وإن كان منزله قبل )، فستر السطوح جانب من جوانب الستر الخارجي "
تعرض القوم لتلك المسألة خوفا من انكشاف العورات وهى مسألة يغنى عنها كون وسط البيت مكشوفا فيمكن نشر الملابس فيه بعيدا عن أنظار الجيران ويجب بناء سورعلى السطح منعا لنظر الجيران لمن على السطح ومنها لنظر من على السطح لبيوت الجيران وإن كانوا أعلى من ذلك السور وجب وضع شىء يغطى السطح أو المنطقة التى يتم الجلوس أو العمل فيها
ثم تعرض الرجل لمسألة الشبابيك وهى النوافذ فقال:
"ومما يتصل بالستر كذلك قضية النوافذ وهذه هي الداهية الدهياء التي ابتُلِي بها الناس الآن، فإن المعمار الإسلامي في العصور السابقة يقوم على أن الطابق الأول لا توجد فيه نافذة وإنما توجد فيها كُوةً صغيرة ومرتفعة، وأساس ذلك حُكمٌ لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، يقول ابن الرامي البنّاء في كتاب الإعلان: ( قال سُحنون: قلت لابن القاسم أرأيت أن لو رجلاً بنى قصوراً إلى جنب داري ورفعها عليّ وفتح فيها أبواباً وكوةً يشرف منها على عيالي وعلى داري أيكون لي أن أمنعه من ذلك في قول مالك؟ قال: نعم إنه يمنعه من ذلك وقد قال ذلك عمر رضي الله عنه، أخبرنا بذلك ابن لهيعة أنه كتب إلى عمر رضي الله عنه في رجلٍ أحدث غرفةً على جاره ففتح فيها كوة فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يُوضع وراء تلك الكوة سرير ويقوم عليه رجل فإن كان ينظر إلى ما في الدار مُنِع من ذلك وإن كان لا ينظر لم يُمنَع من ذلك ) ونظراً لوجود الحاجة إلى دخول الهواء ودخول الضوء والشمس إلى المنزل فقد ابتكر المعماريون المسلمون ما سُمي بالمُنَوِّر الحائطي وهو عبارة عن فتحة نافذة في مستوى مرتفع من الحائط يسمح بمرور الضوء والهواء فقط، فكانت توجد كثير من الكوى على شكل نافذة خشبية منخّلة"
النوافذ الخارجية للبيوت بالوضع الحالى أمر مستحدث وكانت الشبابيك المخرمة هى الحل عند القدماء فكانت أخشاب يتم خرمها خروم صغيرة بحيث لو نظر أحد من الخارج للداخل لا يرى ما هو وراء النافذة بالضبط والأفضل هو أن تكون الشبابيك بالقرب من سقف البيت بحيث تدخل الهواء والشمس ولا يكون أحد حتى ولو عارى فى مواجهتها لأن هذا يتطلب وقوفه على شىء عالى وهناك حلول أخرى كالزجاج المبرقش أو الزجاج المعتم ولكنه لن يدخل الهواء
وتعرض العيسرى لمسألة الأبواب الخارجية للبيوت فبين أن البواب يجل ألا تتواجه وإنما يكون باب كل بيت بعيدا عن باب البيت المواجه له فقال :
"وكذلك مما يُراعى في جانب الستر تنكيب الأبواب الخارجية، والعلماء شددوا في هذه القضية، منهم من منع مطلقاً أن يقابل أحد الأبواب باب منزل آخر كل ذلك مرعاةً لجانب الستر، ولكنهم مع ذلك قد اختلفوا، وفي ذلك يقول الدكتور محمد عبد الستار عثمان في دراسته القيمة لكتاب ( الإعلان بأحكام البنيان ) : ( واختُلِف في فتح رجل لبابٍ يقابل باب رجلٍ آخر على أربعة أقوال: فمنهم من يرى السماح بفتح الباب إذا كانت الطريق نافذة ومنهم من رأى السماح في حالة اتساع الطريق اتساعاً كبيراً وكثيرة المارة حيث إن الفاتح في هذه الحالة يصبح كالمار أما إذا كانت ضيقة فيُمنَع؛ ويرى الرأي الثالث أنه إذا كان فتح الباب يمكن منه معاينة الداخل والخارج من باب الدار المقابلة فيُمنَع، والرأي الرابع يرى منع فتح الباب والتنكيب بالقدر الذي يمكن معه إزالة الضرر )"
وهو كلام ينبغى على مخططى البلدات أو ألحياء الجديدة مراعاته منها لرؤية العورات التى قد تنكشف دون إرادة الإنسان
وتعرض العيسرى لمسألة الجانب النفسى فى البيت فقال :
"والقضية التالية التي ينبغي أن تُراعَى في البناء : الجانب النفسي في العمران أولاه المسلمون اهتماماً كبيراً مما جعل هذا العمران محط أنظار المعجبين من كبار خبراء العمران الغربي، وذلك لأن المسلمين قد علموا أن الإنسان تتأثر نفسه بما يحيط حوله من ظروفٍ بيئيةٍ..يتأثر بالهواء بارداً كان أو حاراً..يتأثر بالمناظر المحيطة من حوله؛ ومن أهم ما راعاه المسلمون في الجانب النفسي انفتاح البيت على السماء، فكان البيت منفتحاً على السماء يوجد في وسطه بهو يستطيع المسلم من خلاله أن يتأمل هذا الكون المترامي الأطراف الواسع الأرجاء، فإذا جلس استطاع أن ينظر إلى النجوم وإلى الكواكب وأن يتأمل ويتملى" وقال:
كذلك مما راعاه المسلمون في قضية الجانب النفسي مسألة دخول الضوء، فالضوء أو الشمس لا تدخل إلى المنزل إلا في وقت الحاجة، يُخطَّط المنزل بحيث يكون المكان الذي يجلسون فيه وقت العصر مظللاً والمكان الذي يجلسون فيه وقت الصباح في وقت البرد تدخله الشمس، فهذا جانبٌ نفسي مهم، ويقول بعض المهندسين بأن المسلمين كانوا أذكياء في أنهم لم يستخدموا النوافذ الزجاجية لبيوتهم لا في الطابق الأول ولا في الثاني..لماذا؟ لأن الزجاج من طبيعته أنه مُنفِذٌ للحرارة، فالدكتور بهاء بكري مثلاً يقول بأن الزجاج ينفذ الحرارة 32 ضعف ما ينفذه جدار من الطوب سمكه 25 سنتيمترا، والأدهى من ذلك والأمر أن الزجاج من طبيعته أنه يُنفذ الحرارة إلى الداخل ويبقيها هناك فلا تخرجن"
والمراد أن الضوء والهواء والحرارة والبرودة يؤثران فى نفسية الساكن فالمكان المظلم الذى لا يتجدد هواه باستمرار يجعل نفسية الكثير من الناس حزينة
ثم تعرض العيسرى لمسألة مناطق بناء البلدات فقال:
"يقول ابن الأزرق في كتاب ( بدائع السِلك في طبائع المِلك ): ( المسألة الثالثة أن التي تجب مراعاته في أوضاع المدن أصلان مهمان: دفع المضار وجلب المنافع. الأصل الأول دفع المضار وهي نوعان أحدهما أرضية ... إلى أن قال : الثاني سماوية، ودفعها باختيار المواضع الطيبة الهواء لأن ما خبُث منه بركوده أو تعفَّن بمجاورته لمياهٍ فاسدة أو مناقع متعفنة أو مروجٍ خبيثة يُسرِع المرضُ فيه للحيوان الكائن فيه لا محالة كما هو مُشاهدٌ بكثرة )"
واختيار منطقة بناء البلدة فى مكان هواه متجدد ومياهه عذبة والزروع حوله بعيدا عن المناطق الجالبة للمرض أمر واجب حفاظا على الصحة العامة للساكن
ثم تعرض لعدم الإسراف فى البناء فقال:
"الجوانب التي ينبغي أن تراعى في البناء قضية البساطة والاقتصاد ( يكفيك من الزاد ما بلّغك المحل )، والله سبحانه وتعالى ذكرنا في كتابه الكريم أنه ينبغي للمسلم أن يكون بناؤه بقدر الحاجة، وورد من الأحاديث وتطبيق السلف وكلامهم ما يدل على ذلك. الله سبحانه وتعالى يقول: " وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ{149} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{150} وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ{151} "؛ الفخر الرازي عند هذه الآية يقول : ( وهذه الإشارة إلى أنه يجب الاكتفاء في الدنيا بقدر الكفاف ولا يجوز التوسع في طلبها والاستكثار من لذاتها وشهواتها ) وقد أخرج البخاري في الاستئذان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( لقد رأيتني مع رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد بنيت بيتاً بيدي يكنني من المطر ويظلني من الشمس وما أعانني عليه أحدٌ من خلق الله ). وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حينما استشاروه في بناء البصرة وأرادوا أن يبنوا أجاز لهم ذلك ولكن قال لهم في وصيته بأن عليكم أن تبنوا بما لا يخرجكم عن حد الحاجة إلى السرف؛ وقد علل ذلك ابن خلدون فقال: ( لا خفاء أن الدين إذ ذاك كان مانعاً لهم من المغالاة في البنيان والإسراف فيه، وقد عهد إليهم عمر رضي الله عنه حين استأذنوه في بناء الكوفة بالحجارة ، وقد وقع الحريق في القصب الذي كانوا بنوا به من قبل فقال: افعلوا ولا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة. وعهد للوفود وتقدم إلى الناس أن لا يرفعوا بنياناً فوق القدر. قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف ويخرجكم عن القصد ) والعلامة ابن عاشور في ( التحرير والتنوير ) ذكر كلاماً مهماً عند قوله تعالى : {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ }الشعراء128 مفاده أن هذه المباني التي يبنيها قوم عاد كانت في أساسها من المباني التي يستفيد منها الإنسان كصهاريج المياه والعلامات التي ترشد السائرين في الطريق، ولكن حينما وُجد قصد العبث وقصد التباهي عد الله سبحانه وتعالى ما يبنونه من العبث المنهي عنه شرعاً ويوضح ابن عاشور أنه إذا كان الإنسان يبني بناء مباحاً ولكنه يقصد به خلاف طاعة الله فإنه يُنهى عنه شرعاً، فكيف إذا أُضيف إلى هذا القصد توفر جانب الإسراف والترف والخروج عن اللازم الذي يجعل الإنسان في عداد المترفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون؟!!"
وهذا الكلام صحيح فالبناء يجب أن يكون بسيطا ملبيا لاحتياجات الإنسان دون تكلف
ثم تعرض العيسرى لمسألة اراباط البناء بالبيئة فقال :
"ولعل قائلاً يقول: هذا هو الجانب النظري..فكيف يمكن أن نفهم ما هو القدر الذي يمكن للإنسان أن يلزمه فلا يُعَدّ مسرفاً؟ ونحن نقول بأن هذه القضية لها جوانب متعددة، جانبٌ منها يتعلق بالمواد التي يُبنى بها وجانبٌ منها يتعلق بالمساحة التي يبني بها الإنسان. أما فيما يتعلق بالبساطة في المواد المستخدمة فقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما أراد بناء مسجده عمد إلى أرضٍ فاشتراها وكان بالأرض عند شرائها نخيلٌ وقبورٌ للمشركين، فأمر بالنخيل أن يُقطع وبالقبور أن تُنقل ثم استخدم اللبِن للحوائط وجذوع النخل للأعمدة وجريد النخل لسقف المسجد. وورد كذلك أن باب بيت عائشة رضي الله تعالى عنها كان من العرعر وهو نوع من الشجر يشيع في الحجاز. هذه النصوص تعطينا درساً هاماً في استعمال مواد البيئة واستثمار خاماتها الطبيعية المتوفرة في بناء المشروعات سواء كانت عامة أو خاصة، فينبغي للمسلمين أن يستخدموا من مواد البناء ما يتناسب مع بيئتهم. "
فالمفترض أن تبنى البيوت بمواد البيئة المتوافرة فيها ولا يتم استيراد مواد من بيئات أخرى منعا لإدخال عنصر قد يفسد البيئة

اجمالي القراءات 3597