قراءة فى كتاب تسلية الأعمى عن بلية العمى
المؤلف هو علي بن سلطان محمد أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري والكتاب يدور حول ما جاء فى الروايات عن العميان والعمى فأورد أربعين رواية فى العمى والعميان وفى مقدمته قال المؤلف:
"إن الله سبحانه عز شأنه وجل برهانه جعل البلاء ثمرة الولاء لأهلي الاصطفاء ولهذا ورد: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل - أي الأفضل فالأفضل من الأولياء -يبتلى الرجل على حسب دينه- أي قدر قوة يقينه - فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجة عن سعد بن أبي وقاص وروى البخاري في تاريخه عن بعض أزواج النبي (ص): " أشد الناس بلاءا في الدنيا نبي أو صفي "
والخطأ هنا هو ابتلاء الرجل على حسب دينه وهو تخريف لأن كل الناس مبتلين فى كل وقت والإبتلاء ليس بالشر فقط كما يقصد القائل وإنما بالشر والخير لقوله تعالى "ونبلوكم بالخير والشر فتنة ".
كما أن وجود ابتلاءات أشد للبعض دون البعض نوع من الظلم والله عادل بحيث قسم الابتلاءات خيرا وشرا على البشر بالتساوى- ولكن الناس قد يرون غير هذا لجهلهم -وهو العدل حتى يكون حسابه للكل فى النهاية عادل كما قال تعالى :
"ولا يظلم ربك أحدا"
ثم روى الرجل روايات أخرى لا يمكن أن يقولها النبى(ص) وهى:
-وفي رواية للحاكم وغيره عن أبي سعيد "ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء" وروى أحمد وغيره "
الرواية تتعارض مع كون البلاء بالخير والشر فهنا تعتبر الشر فقط فتسميه البلاء فى مقابل العطاء وهو ما يخالف قوله تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
-عن رجل من بني سليم مرفوعا: "إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه فإن رضي بما قسم الله له بورك له ووسعه الله وإن لم يرضى لم يبارك له ولم يزد على ما كتب له"
هناك فهم خاطىء لقسمة الله فقسمة الله ليس ما يناله الإنسان من رزق وإنما قسمة الله هى العدل أى التساوى كما قال تعالى "وقدر فيها أقواتها فى أربعة ايام سواء للسائلين" وما يحدث غالبا فى الدنيا هو قسمة العبيد المتحكمين فى الرزق بالسلاح وهم الحكام والأغنياء وأما قسمة الله فليس فيها عنى ولا فقير ومن ثم فإن قصدت الرواية قسمة الله فى الوحى فهى الرضا بقضاء الله وإما إن قصدت الجنون فى توزيع الرزق فهى رواية خاطئة ومثلها الرواية التالية:
"وفي الحديث القدسي والكلام الإنسي: "من لم يرضى بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر على نعمائي فليلتمس ربا سواي"
وروى الإمام أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة عن رسول الله (ص) أنه قال: "إن الله يكتب للإنسان الدرجة العليا في الجنة ولا يكون له من العمل ما يبلغهما فلا يزال يبتليه حتى يبلغهما"
الخبل فى الرواية هو أن الدرجة العليا بالابتلاء وهو الإصابة بالأضرار ومنها العاهات دون العمل وهو ما يخالف أن الابتلاء موجود فى كل لحظة بالشر والخير كما قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
-وقد ورد عنه (ص)أنه قال: "إن الله ليبتلي المؤمن وما يبتليه إلا لكرامته عليه"
الخبل فى الرواية هو ابتلاء المؤمن وكأن الله لا يبتلى كل الناس كما قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وبين القارى أن الابتلاء بالسراء وهى الخير والضراء وهو الشر فقال:
"ثم الابتلاء قد يكون بالسراء وقد يكون بالضراء كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} أي امتحانا في محنة ومنحة وغالبا يكون بالضراء كما يشير إليه قوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} "
ثم فسر نقص الأنفس فقال :
"ومن جملة نقص الأنفس فقد النظر عن البصر فإنه من أنفس الأعضاء وأشرف الأجزاء فيكون الابتلاء به من أشد أنواع البلاء والصبر عليه من أعظم أصناف النعماء "
ونقص الأنفس طبقا للآية من الأنفس كما هو من الأموال ومن ثم فهو يعنى موت بعض المسلمين ثم ذكر الرجل بعض من ابتلوا بالعمى فقال:
"كما ابتلى الله بعض الأنبياء والأصفياء منهم يعقوب وشعيب عليهما السلام ومنهم: عبد الله بن عباس وابن عمر وابن أم مكتوم وطائفة من الصحابة الكرام ومنهم: جماعة من العلماء العظماء والمشايخ الكرام يطول بذكرهم الكلام وفي هذا تسلية عظيمة لمن فاته هذا المرام"
ومنها عن زيد بن أرقم قال رمدت عيني فعادني رسول الله (ص) في الرمد فقال: "يا زيد بن أرقم إن كان عينك لما بها كيف فعلت" فقلت: أصبر واحتسب قال"يا زيد بن أرقم إن كان عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت دخلت الجنة" رواه ابن عساكر "
ومنها عن زيد بن أرقم أن النبي (ص) دخل عليه يعوده من مرض كان به فقال: "ليس عليك من مرضك هذا بأس ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت" قال: إذا أحتسب وأصبر قال: "إذا تدخل الجنة بغير حساب" فعمى بعد ممات النبي (ص) رواه أبو يعلى وابن عساكر "
الروايتان السابقتان تعارضان فى مكان السؤال وزمانه الرواية التالية فهنا سأله فى بيته وهو يزوره وهو ما يناقض أنه سأله بعد أن شفاه الله فى الطريق هنا:
ومنها عن زيد بن أرقم قال: أصابني رمد فعادني رسول الله (ص) فلما كان من الغد أفاق بعض الإفاقة ثم خرج ولقيه النبي (ص) فقال: "أرأيت لو أن عينيك لما بهما ما كنت صانعا؟ " قال: "كنت أصبر وأحتسب" قال: " أما والله لو كانا عينيك لما بهما ثم صبرت واحتسبت ثم مت لقيت الله تعالى ولا ذنب لك" رواه البيهقى "
هنا من أصابه العمى دخل الجنة أو كان له نور أو غفر له وكل هذا معناه واحد
ثم روى الروايات التالية:
-"حديث: "إن الله تعالى أوحى أن من سلبت كريمتيه أثابه عليهما الجنة" رواه البيهقي عن عائشة "
-"ومنها: حديث: إن الله تعالى يقول: "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة" رواه الترمذي عن أنس
ومنها: "ذهاب البصر مغفرة للذنوب وذهاب السمع مغفرة للذنوب وما نقص من الجسد فعلى قدر ذلك" رواه ابن عدي والخطيب عن ابن مسعود"
الخطأ هنا فى الروايات الثلاث الجنة لمن سلبت كريمتيهدون تحديد إيمانه أو إسلامه وهو تخريف فمن العميان كفار
_"ومنها: "ما من عبد ابتلي ببلية في الدنيا إلا بذنب والله أكرم وأعظم عفوا من أن يسأله عن ذلك الذنب يوم القيامة" رواه الطبراني "
أن البلية وهى الضرر تكون بذنب وهو ما يناقض اضرار الأطفال بالأمراض والأوجاع ومنهم الرضع فهؤلاء الرضع لا يرتكبون ذنوبا ؟
-"ومنها: حديث قال الله تعالى: "إذا وجهت لعبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو في ولده أو في ماله فاستقبله بصبر جميل استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا" رواه الحكيم الترمذي عن أنس "-"ومنها: "إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا يرفع لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان يصب عليهم الأجر صبا" وقرأ قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} رواه الطبراني عن الحسن بن علي"
هنا الخطأ المشترك بين الروايتين عدم وجود ميزان أو كتاب منشور وهو ما يخالف اعطاء الله الكتاب التى يعرضها أصحابها المؤمنون على الأخرين لقراءتها كما قال تعالى"يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه" كما أن الميزان العدل موجود كما قال تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة"
-"ومنها: "لن يبتلى عبد بشيء أشد عليه من الشرك بالله ولن يبتلى عبد بشيء بعد الشرك بالله أشد عليه من ذهاب بصره ولن يبتلى عبد بذهاب بصره فيصبر إلا غفر له" رواه البزار عن بريدة "
الخطأ جعل الشرك والعمى ابتلائين والشرك ليس ابتلاء وإنما هو فعل الإنسان ردا على الابتلاء
-"ومنها: "ذهاب البصر مغفرة للذنوب وذهاب السمع مغفرة للذنوب وما نقص من الجسد فعلى قدر ذلك" رواه ابن عدي والخطيب عن ابن مسعود
وفي هذا الحديث إيماء إلى أن البصر أفضل من السمع كما ذهب إليه بعض علمائنا وإشارة إلى أن فاقد عين واحدة من نظره ومن ضعف بعض بصره مثاب على قدر الابتلاء وحينئذ فإن الأجر على قدر الصبر وعلو الدرجة على قدر المشقة "
الخطأ فى كلام المؤلف كون البصر أفضل من السمعففاقد البصر مكلف بينما ثوابه الجنة إن أسلم وفاقد السمع ليس مكلفا لعدم علمه بوحى الله ولم يذكر الله كونه فى الجنة أو فى النار
-"ومنها حديث يقول الله تعالى: "لا أذهب بصفيتي عبدي فأرضى له ثوابا دون الجنة" رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس "
الخطأ هنا فى الروايات الجنة لمن سلبت كريمتيه دون تحديد إيمانه أو إسلامه وهو تخريف فمن العميان كفار
-"وفي الحديث: "إن في بدن ابن آدم ثلائمائة وستين مفصلا بعضها ساكن وبعضها متحرك فلو سكن متحرك أو تحرك ساكن ضاقت عليه الدنيا"
الخطأ وجود مفاصل ساكنة وأى مفصل سمى كذلك لحركته لتكونه من جزئين أو أكثر
-"ومنها: "عظم الأجر عند عظم المصيبة وإذا أحب الله قوما ابتلاهم" رواه المحاملى في أمالي له عن أبي أيوب "
ومنها: "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض"
الخطأ وضع البلاء فى مقابل العافية بينما الكل كما قال تعالى مبتلى بالخير والشر " ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
-ومنها: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط" رواه الترمذي وابن ماجه عن أنس "
الخطأ إن عظم الجزاء مع عظم البلاءوهو ما يخالف أن عظمة الثواب بعظمة العمل الذى هو الجهاد أعظم الأعمال كما قال تعالى " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
-"ومنها: "ليس بمؤمن مستكمل الإيمان من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة" رواه الطبراني عن ابن عباس "
الخطأ عد البلاء نعمة والرخاء مصيبةوالبلاء كما قال الله يكون بالشر والخير " ونبلوكم بالشر والخير فتنة" كما أن كل خير وشر يعتبر مصيبة كما قال تعالى "ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب"
-"ومنها: "من ابتلي بداء في بدنه أو سقم فسئل كيف تجدك؟ فأحسن على ربه الثناء أثنى الله عليه في الملأ الأعلى" رواه الديلمي عن عائشة "
الله لا يثنى على أحد بكلام عند الملأ الأعلى فشكر الإنسان يشكره الله بالجنة كثواب وليس كلام
_"ومنها: "كان عيسى بن مريم يسيح فإذا مشى أكل بقل الصحراء وشرب الماء القراح وتوسد التراب ثم قال: عيسى بن مريم ليس له بيت يخرب ولا ولد يموت طعامه بقل الصحراء وشرابه الماء القراح ووساده التراب فلما أصبح ساح فمر بواب فإذا فيه رجل أعمى مقعد مجذوم قد قطعه الجذام السماء من فوقه والوادي من تحته والثلج عن يمينه والبرد عن يساره وهو يقول: الحمد لله رب العالمين ثلاثا فقال له عيسى بن مريم: يا عبد الله على ما تحمد الله وأنت أعمى مقعد مجذوم قد قطعك الجذام؟ السماء من فوقك والوادي من تحتك والثلج عن يمينك والبرد عن يسارك؟ قال: يا عيسى أحمد الله إذ لم أكن الساعة ممن يقول: إنك إله وابن إله وثالث ثلاثة" رواه الديلمي وابن النجار عن جابر "
الخبل هو أن الناس قالوا فى زمن عيسى(ص)إنك إله وابن إله وثالث ثلاثةوهو ما نفاه الله على لسان عيسى(ًص) حيث لم يقل شىء من ذلك وإنما هذا حدث بعد وفاته بمدة وهو قوله "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب"
-"ومنها: "المصيبة تبيض وجهه صاحبها يوم تسود الوجوه"رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس "
الخطأ أن المصيبة تبيض وجهه صاحبها يوم تسود الوجوهوما يبيض الوجه هو العمل الصالح وما يسوده عمل الكفر كما قال تعالى "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون"
-"ومنها: "ما أصابت عبدا مصيبة إلا بإحدى خلتين بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بتلك المصيبة أو بتلك المصيبة أو بدرجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بتلك المصيبة" رواه أبو نعيم عن ثوبان "
الخطأ وجود درجات على قدر المصائب وهو ما يناقض كون الجنة كلها درجتين واحدة للمجاهدين والثانية للقاعدين كما قال تعالى فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قال المؤلف عما سبق :
"فهذه أربعون حديثا متضمنة للصبر على البلاء والشكر على النعماء والرضا بالقضاء في السراء والضراء مشتملة على أوصاف أرباب البلاء وأصحاب الولاء من الأنبياء والأولياء"
ثم ذكر مسألة السمع أفضل أو البصرفقال:
"ثم اختلف العلماء الأعلام في إن السمع أفضل أو البصر؟
والأظهر الأول بدليل ما جاء في القرآن الكريم من تقديم السمع على البصر في مواضع كثيرة
وكذا في الأحاديث الشهيرة ومنها: "إن أبا بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر"
ولا بدع فإن السمع منشأ النقل والبصر مبدأ العقل ألا ترى أن كثيرا من العلماء ولدوا عمي لهم الدرجة العليا في مراتب التصنيف ومناقب الفتوى ومنهم: الشاطبي : سلطان القراء
وقيل: البصر أفضل فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة: فمضرة الطرش في الدين ومضرة العمى في الدنيا والمعافى من عافاه الله منهما ومتعه بسمعه وبصره وجعلهما الوارثين منه"
ويكفيك في فضيلة الأعمى ما ورد في ما ورد في سورة {عبس وتولى }وناهيك أنه (ص)كلما جاءه ابن أم مكتوم قال: "مرحبا بمن عاتبني ربي فيه" وجعله مرتين خليفة عنه في المدينة وإماما في المسجد
فإن قلت: في كلام الفقهاء أن إمامة الأعمى مكروهة فالجواب: أنه محمول على ما إذا كان هناك أفضل منه علما وقراءة وأكمل منه حراسة ورعاية "
وتفضيل السمع على البصر هنا من المؤلف يناقض استنباطه العكس من رواية ذكرها فى الأربعين حيث علق عليها قائلا:
"وفي هذا الحديث إيماء إلى أن البصر أفضل من السمع كما ذهب إليه بعض علمائنا "
وكما قلنا السمع مناط الأمانة وهى الاختيار بين الكفر والإسلام فمن فقدها فهو ليس بمكلف ويعتبر مجنون وفيه قال تعالى " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰشَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُأَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ"
ثم ذكر سبب عمى يعقوب(ص) فقال:
"وروي أن سبب ابتلاء يعقوب - عليه السلام - أنه ذبح عجلا بين يدي أمه وهي تخور "
فهنا السبب ذبح عجل أمام أمه البقرة وهو كلام يناقض كون القوم بدو كما قال تعالى "وجاء بكم من البدو" والبدو يربون الأنعام عدا الأبقار لأنها لا تتغذى على أشواك الصحارى وإنما على أعشاب أو حشائش أو مزروعات ويناقض كون السبب البكاء على يوسف(ص) فى الرواية التالية:
"وروي أنه قيل له يا يعقوب ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك قال: "أذهب بصري بكاء يوسف وقوس ظهري حزني على أخيه فأوحى الله إليه: أتشكوني؟ وعزتي وجلالي لا أكشف ما بك حتى تدعوني فعند ذلك قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله فأوحى الله إليه: وعزتي لو كانا ميتين لأخرجتهما لك وإنما وجدت عليكم - أي غضبت - لأنكم ذبحتم شاة فقام به ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيئا وإن أحب خلقي إلي الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاما وادع إليه المساكين فصنع طعاما ثم قال: من كان صائما فليفطر الليلة عند آل يعقوب وروي أنه كان بعد ذلك إذا تغدى أمر من ينادي: من أراد الغداء فليأت يعقوب وإذا أفطر أمر من ينادي: من أراد أن يفطر فليأت يعقوب فكان يتغذى ويتعشى مع المساكين "
ثم ذكر أن من أسباب العمى للجنين نظر والده لمهبل أمه فى الجماع فقال :
"وقد ورد أنه "إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج فإنه يورث العمى ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس " رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة "
وهو كلام خرافة لا يصح نسبته للنبى(ص) لأن معناه عقاب أخر على ذنب ارتكبه غيره وهو ما يخالف قوله تعالى "ولا تزر وزارة وزر أخرى"
ثم روى رواية أخرى هى:
"وروي عن شداد بن أوس مرفوعا "بكى شعيب النبي حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره فقال الله تعالى له: ما هذا البكاء؟ أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار قال: لا يا رب ولكن شوقا إلى لقائك فأوحى الله إليه: إن يك ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي"
بالقطع بين موسى(ص) وشعيب(ص) قرون متطاولة فشعيب(ص) كان قريبا من لوط(ص) ولوط(ص) كان فى عهد إبراهيم (ص) كما قال شعيب(ص) لقومه"وما قوم لوط منكم ببعيد" فكيف يكون موسى(ص) التقى شعيب (ص) وهو ليس من ذرية إبراهيم(ص) وبينهما إسحق(ص) ويعقوب(ص) والأسباط(ص) وعمران(ص) وغيرهم من الآباء
ثم نبه المؤلف على وجوب خدمة المسلمين لعميانهم فقال :
"وفيه تنبيه نبيه على أن في خدمة الأعمى وقيادته لاسيما إلى مقام حاجته وحال عبادته وتعليم قبلته أجرا جزيلا وثوابا جميلا رقد قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}
وأما الرواية التالية:
"وفي الخبر: "من أغاث ملهوفا كتب الله له ثلاثا وسبعين مغفرة واحدة فيها صلاح أمره كله وثنتان وستون له درجات يوم القيامة"رواه البيهقى عن أنس "
ففيها أخطاء نكتفى منها بكون المغيث له62 درجة فى الجنة وهو ما يحالف كون الجنة كلها درجتين كما قال تعالى فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم فسر العمى فى آية ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمىفقال:
"وأما قوله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} فمعناه: من كان في الدنيا أعمى القلب عن رؤية قدرة الله تعالى وآياته وعجائب مخلوقاته فهو في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلا
وأما قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري} يعنى: القرآن فلم يؤمن به {فإن له معيشة ضنكا} أي: ضيفا بأن يسلب عنه القناعة حتى لا يشبع إلى يوم قيام الساعة {ونحشره يوم القيامة أعمى} قال ابن عباس - ما -: عمى البصر وقال مجاهد: عمى الحجة
ويؤيد الأول قوله تعالى: {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} أي: بالعين ويقويه قوله سبحانه وتعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما} فإن قيل : كيف وصفهم بأنهم: عمي وبكم وصم وقد قال: {ورأى المجرمون النار} وقال: {دعوا هنالك ثبورا} وقال: {سمعوا لها تغيطا وزفيرا} فأثبت لهم الرؤية والكلام والسمع
فالجواب: أنهم يحشرون على ما صفهم الله أولا ثم تعاد إليهم هذه الأشياء ثانيا وقال ابن عباس "عميا لا يرون ما يسرهم بكما لا ينطقون بحجة تنفعهم صما لا يسمعون شيئا يسرهم "
وقال الحسن: "هذا حين يساقون إلى الموقف إلى أن يدخلوا النار وهم أصناف الكفار"وقال مقاتل: هذا حين يقال لهم: {اخسؤا فيها ولا تكلمون} فيصيرون بأجمعهم عميا وبكما وصما لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون
فنسأل الله العافية وحسن الخاتمة ثم ما دمت في هذا الدار فلا تستغرب وقوع الأكدار فقد ورد: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" إذ عيشها لا كدر معه "
والعمى المذكور هو الكفر فالكافر يحشر كافرا وهو المفسد قاطع الأرحام وقد سماه الله أعمى فقال:"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم"