فلان تنصر ..فلان تمسلم .. وأنا مالى ؟ نحن نحترم حريته في الدين
أولا :
1 ـ في أوائل الثمانينيات حين كنت مدرسا في جامعة الأزهر قسم التاريخ ، دخل زميل ومعه شخص ، قدمه لنا فقال : " هذا فلان وهو قبطى وقد دخل في الإسلام ، ونريد مساعدته "، لم أعبأ به وقلت في نفسى : " هل المسلمون تنقصهم المصائب حتى تُضاف لهم مصيبة جديدة " .
2 ـ دخلت في السجن مع أول موجة في إضطهاد أهل القرآن في أواخر عام 1987 . كان معنا في الزنزانة شاب مسلم تنصّر ، وكان يحظى بكراهية السجناء ، وقد وقفت الى جانبه مدافعا عنه لأنها حريته الدينية.
3 ـ في التسعينيات إنهمكت في النشاط الحقوقى ، ومنه الدفاع عن الأقباط ، وإنتقلت الى أمريكا مستمرا في هذا النشاط بحرية أكبر ، وكنت أحضر مؤتمرات الأقباط دفاعا عن المضطهدين منهم .
3 / 1 : في واحد من هذه المؤتمرات وبعد أن تكلمت فيها جاءنى شاب وقال : " أنا فلان إبن الشيخ فلان الأستاذ الأزهرى الجامعى ، وقد تنصّرت " . قلت له : " أنا أحترم حريتك الدينية . " أهدانى كتابا له بعنوان ( كنتُ أعمى وأبصرت ). أخذته منه مجاملة ، ولم أقرأه.
3 / 2 : في مؤتمر آخر للأقباط تكلمت سيدة مصرية هاجرت الى استراليا ، كانت مسلمة وتنصّرت . وفى كلمتها شنّت حملة سباب على الإسلام . غضبت ووقفت قائلا : أنا لم آت هنا لأسمع السّب في دينى ، جئت دفاعا عنكم " . تركت القاعة غاضبا ، ولحق بى منظمو المؤتمر يتوسلون عودتى فإشترطت أن تعتذر . وحدث .
3 / 3 : ثارت قضية ذلك الأفغانى الذى تنصّر ، فكتبت مقالا منشورا هنا بعنوان ( أيها الأفغانى المتنصر يجب إحترام حريتك في الإختيار ) ، وكتبت أيضا نصيحة لمن يريد التنصر ويواجه الإضطهاد ( نداء الى كل مصري يريد أن يتمسلم أو يتنصّر : إفعلها سرا ) ( كل هذا الهلع من التنصير ) . ومقالات وكتب أيضا للتأكيد على حرية الدين . ولكن لا تزال المشكلة قائمة .
ثانيا :
1 ـ المشكلة لا تزال قائمة . زعماء المسيحيين يحتفلون بكل مسلم يتنصّر ، وزعماء المحمديين يحتفلون بكل مسيحى يتمسلم . والمسيحى الذى يتمسلم يؤكد ولاءه للدين الجديد بالتطرف ولعن دينه القديم ، والآخر يفعل نفس الشىء . وتظل المباراة قائمة . لماذا ؟
2 ـ لأنها في الأصل تجارة دينية ( إحتراف دينى ) . بدأت بمقولة تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ( دار السلام ودار الحرب )، كانت سلوكا عمليا بالفتوحات العربية التي حملت إسم الإسلام زورا وبهتانا ونشرت الكُفر بالإسلام ، وإستمرت بعد أبى بكر حتى الخلفاء العثمانيين . وتكوّن كهنوت يرتزق من هذا هنا وهناك . واصبح الذى يغيّر دينه محكوما عليه بالقتل ، بل أصبح من يعترض على الكهنوت متهما بالكفر والزندقة والهرطقة . أصبح الفرد مجرد تابع للكنهوت المسيطر في بلده ، شيعيا أو سنيا ، كاثولوكيا أو أرثوذكسيا . وتنافس أرباب الكهنوت المسيحى مع أرباب الكهنوت من المحمديين في إجتذاب أفراد من المعسكر المُضاد الى معسكرهم .
3 ـ تخفّفت أوربا من هذه التركة البغيضة وتحررت من الكهنوت المسيحى ، وأخفت أنياب تعصبها الدينى ، ولكن ظهرت الوهابية تعيد التشدّد الحنبلى وتفرضه بسفك الدماء ، وكان أكثر ضحاياها من ( المحمديين ) ، وأدخلت المحمديين في نفق التعصّب فأظهرت تعصّبا مُضادا لدى المسيحيين ، يظهر إذا واتته الفرصة ، خصوصا في المهجر .
4 ـ ظهر أهل القرآن ردّ فعل إيجابيا يبشرون بحرية الدين والتسامح والإخاء والسلام والعدل والحرية والتراحم ، ويدعون الى حوار دينى يركّز على المشتركات ( وهى القيم العليا المُشار اليها ) وليس على العقائد المختلف فيها . والمضحك أن العقائد متفقة بين المسيحيين والمحمديين في تقديس البشر والحجر ، ما يؤمن به عبد المسيح يؤمن به عبد النبى وعبد الرسول وعبد المهدى وعبد الحسين وعبد الصالحين . الإختلاف بينهم هو في تسمية الآلهة ( المسيح ، محمد ، الحسين ، الخ ) . ولأن أهل القرآن في دعوتهم الإصلاحية السلمية يكفرون بهذه الآلهة ، ولأنهم ضد الكهنوت بكل أنواعه ولأنهم ضد الإستبداد بكل أشكاله فهم يتعرضون للتعتيم ، بل يهاجمهم المتعصبون المسيحيون . هذا يذكّرنا بما حدث قبيل أول إشتباك حربى في أول حرب أهلية بين الصحابة في معركة الجمل، إذ وقف رجل بين الصفّين يقرأ كتاب الله داعيا للسلام فأصابه سهم فقتله .
5 ـ ثقافة الكهنوت تجعل بعضهم يسىء فهمنا ، يظن أننا جماعة أو تنظيم أو فرقة أو طائفة لها شيخ وأتباع ، أي مثل بقية أنواع الكهنوت في الأديان الأرضية ، هذا مع أننا :
5 / 1 : كتبنا مرارا وتكرارا أننا مجرد تيار فكرى عبر الانترنت ، وليست بينى وبين معظم الأحبة من أهل القرآن معرفة شخصية خارج موقع أهل القرآن ، وكم أتمنى أن ألقاهم في مؤتمر ولكن لم يتيسر هذا ، بالإضافة الى أن كثيرين من الأحبة أهل القرآن يكتبون بأسماء مستعارة خوف الإضطهاد .
5 / 2 : أكّدنا مرارا وتكرارا القواعد الأساس التي تحكمنا والتي تجعلنا مختلفين ومخالفين للكهنوت ، وهى أننا لا نفرض أنفسنا على أحد ، ولا نفرض فكرنا على أحد ، وأننا لا نكتب دينا ولكن إجتهادا بشريا يقبل الخطأ ويرحّب بالتصويب ، أي إننا لا نزعم إمتلاك الحقيقة المطلقة ، بل نقول ما نراه حقا وننتظر الحكم علينا وعلى المخالف لنا في الدين يوم الدين ، وأن التكفير عندنا ليس دعوة للقتل بل هو للإصلاح وتوضيح الخروج عن الإسلام بالإستشهاد بالقرآن أملا في الهداية ، بعد التوضيح نحترم حرية الدين لكل فرد ونعلن ( إعملوا على مكانتكم إننا عاملون على مكانتنا ) ، وأننا لا نطلب أجرا من أحد ، ونتعاون مع بعضنا تطوعا ، وأننا ــ بقدر المستطاع ــ نغفر ونسامح من يضطهدنا ويتطاول علينا .
5 / 3 : قلنا ونقول الحقائق القرآنية التالية :
5 / 3 / 1 ـ الهداية مسئولية شخصية ولا كهنوت في الإسلام وليس من وظيفة الدولة في الإسلام إدخال الناس الجنة .
5 / 3 / 2 ـ الحساب يوم القيامة فردى . كل شخص سيأتى يوم القيامة فردا ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤﴾ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿٩٥﴾ مريم ) ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٩٤﴾ الأنعام ) ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿٣٦﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿٣٧﴾ عبس ) ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴿١١﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ﴿١٢﴾ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ﴿١٣﴾ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴿١٤﴾ المعارج )
6 ـ مع هذا تأتينى الرسائل من ضحايا الكهنوت ، بعضهم مسيحيون وبعضهم شيعة مشاغبون ، وآخرون ملحدون أو على شفا الإلحاد ، يعجبه ما نكتب ، ولكن يريد فرض شروطه علينا أو يريد ان يتحدّانا في إثبات شيء أو إنكار شيء ، وإلا فلن يدخل معنا . وأرد بأننا لا يهمنا إن كان معنا أو ضدنا ، وأن هدايته لا تنفعنا وأن ضلاله لا يضرنا ، وأنها حريته الشخصية في الدين شأن حريتنا الشخصية في الدين ، لسنا مسئولين عنه وليس مسئولا عنا ، وأننا في يوم القيامة سيحكم بيننا رب العزة جل وعلا فيما نحن فيه مختلفون .
7 ـ الأعجب من هذه الرسائل ما جاء من شخص يبدو من كلامه الإعتراف بالجهل ولكنه كتب مستعليا علينا . أنقل رسالته كما هي بأخطائها . كتب يقول : ( رغم رصيدي المعرفي الضعيف لمواجهة الحجة بالججة ، أجد افكاركم ألاقرب الى الصواب ،إلا أنه كيف يمكنني الجزم بأنكم الأصح علما أن الله سبحانه وتعالى يقول :(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ).شغلي الشاغل هو البحث عن العبادة الحقة لله ومراد الله من عبيده ،وكلما رست سفينة أفكاري في شاطئ ،أجده يعرض بضاعة تبدو في الوهلة ألاولى جيدة لكن مايلبث ان أكتشف خداع وتزوير البائع للبضاعة فأقول :(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163).هاأناذا عند شاطئكم ،أعاين بضاعتكم ،أجدها من مصدر لايمكن تكديبه وهو قول الله تعالى ،ويفسر بقوله تعالى ،وهده بضاعة يوثق بها .لكن خوفي من أن أكون أمام بائع محترف ،يجيد عرض بضاعته وقد أشتري وأمتلك البضاعة موقنا بجودتها ضاهريا. أخي منصور أعذرني لكن الامر صعب .أن أتخد قرار يحدد مصيري الابدي، ليس بالامر السهل .إن قلت بيقين عقيدتك فقد تكون من اصحاب (إن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) ما الدي يجعلك متيقن من أنك على الصراط المستقيم ؟ )
رددت عليه في الفتاوى تحت عنوان ( لا يهمنا أمرك ) قلت :
( 1 ـ لست بائعا محترفا ، وشعارنا : ( لا نفرض رأينا على أحد ، ولا نطلب أجرا من أحد ، ونعفو ما إستطعنا ).
2 ـ لا يهمنى إن إقتنعت أو إن أنكرت. لا يهمنى هدايتك أو ضلالك . هذا هو مستقبلك أنت وهى حريتك أنت فى مشيئة الضلال أو الهدى.
3 ـ أنا شئت لنفسى أن أكتب هذا وأعلن مرارا وتكرارا أنه رأى وليس دينا ، هو رأى يحمل إسمى ، وأنا مسئول عنه أمام رب العزة جل وعلا يوم القيامة ، ولا أتاجر به ، ولا تأخذنى فى قوله لومة لائم.
4 ـ لك إذا شئت أن تقرأ لنا محتفظا بعقلك ناقدا باحثا عن الحق. ولك إذا شئت أن تُعرض عنا .
وفى الحالتين لا يهمنا أمرك5 ـ
يهمنا أمرنا ومصيرنا يوم الدين . )
هذا ضحية لثقافة الكهنوت ، يظننا طائفة كهنوتية .!!
أخيرا :
1 ـ سيظل الشرق الأوسط مسرحا للتعصب والتطرف والعداء الدينى طالما ظلّت للكهنوت سطوته وتكاثر ضحاياه . لا بد من تقليم أظافر الكهنوت لدى المسيحيين والمحمديين حرصا على حياة وكرامة المستضعفين من هنا وهناك .
2 ـ أيها الفرد .. مهما كان دينك .. إختر ما تشاء لنفسك ، ولتعلم أنك مسئول عن إختيارك الدينى يوم الدين .