نقد كتاب زهر العريش في تحريم الحشيش

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ٠٨ - ديسمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب زهر العريش في تحريم الحشيش
مؤلف الكتاب أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: 794هـ) وموضوعه كما قال المؤلف:
"فهذه فصول في الكلام على الحشيشة، اقتضى الحال شرحها لعموم البلوى لكثير من السفلة بها، وتوقف كثير من الناس في حكمها لما لم يجدوا فيها للسلف كلاما "
استهل الزركشى الكتاب بفصل ذكر فيها اسم الحشيش ومرجع تسمياته فقال :
"الفصل الأول في اسمها ووقت ظهورها:
والأطباء يسمونها القنب الهندي، ومنهم من يسميها ورق الشهدانج، وتسمى بالغبيراء، وبالحيدرية، وبالقلندرية، ويقال: كل ورقة منها بقدر أصابع اليد، ثم قيل: كان ظهورها على يد حيدر في سنة خمسين وخمسمائة تقريبا؛ ولهذا سميت حيدرية، وذلك أنه خرج هائما بنفر من أصحابه، فمر على هذه الحشيشة، فرأى أغصانها تتحرك من غير هواء فقال في نفسه: هذا السر فيها، فاقتطف وأكل منها، فلما رجع إليهم أعلمهم أنه رأى فيها سرا وأمرهم بأكلها وقيل: ظهرت على يد أحمد المارجي القلندي، ولذلك سميت القلندرية
قال أبو العباس بن تيمية: إنما لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة رحمهم الله وغيرهم من علماء السلف لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في أواخر المائة السادسة، وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار
وكذا قال غيره: إنها كانت شر داخل على بلاد العجم، حين استولى على من فيها التتار ثم انتقلت إلى بغداد وقد علم ما جرى على أهلها من قبيح الأثر"
هذا الكلام عن ظهور الحشيش فى القرن السادس الهجرى هو كلام طبقا للتاريخ الكاذب المكتوب فى الكتب فالحشيش موجود منذ بداية وجود الناس فى الأرض وعرفه الناس منذ قديم الزمن ويقال أن تسمية الحشاشين وردت باسم الحشيشية فى الكتب قبل 550 هـ ففى كتاب إيقاع صواعق الإرغام للآمر بأحكام الله ص 27, ص 32 وهذه الرسالة كانت 517هـ 1123م وفى كتاب نصرة النصرة لعماد الدين الأصفهانى ومعنى هذا أنه الحشيش كان معروفا فى القرن الرابع وما قبله لأنه لن تسمى فرقة من الناس بهذا الاسم إلا بعد سنوات طويلة من معرفتهم بهذا النبات والغريب أن الزركشى ذكر أن الرازى وهو طبقا للتاريخ من علماء القرن الثانى والثالث حيث توفى313هـ كان يعرف الحشيش باسم الشهدانج وسيأتى قوله فى أول الفصل الثانى
وفى الفصل الثانى تناول الزركشى مضار الحشيش فقال:
"الفصل الثاني في مضارها في العقل والبدن:
وذكر بعضهم أنه جمع فيها مائة وعشرون مضرة دينية ودنيوية، وقد أجمع الأطباء على أنها تورث الفكرة، والفكرة تثير الحرارة الغريزية، وربما قويت على الحرارة الغريزية فعزلتها عن الجسد، واستولت على البدن فجففت الرطوبات واستعد للأمراض الحارة والسيئة والحمايات
قال محمد بن زكريا الرازي: أكل ورق الشهدانق البستاني يصدع الرأس ويقطع المنى ويجففه، ويولد الفكرة، والعلة في ذلك أن رطوبات الأبدان الكائنة على حد الاعتدال تقع تبعا لبقاء الحيوان، فما يجفف الرطوبة منه فإنه مضر معين على إتلافه، وهو يورث موت الفجاءة، واختلال العقل، والدق، والسل، والاستسقاء، والأبنة
وقال بعض الأئمة: كل ما في الخمر من المذمومات موجود في الحشيشة وزيادة، فإن أكثر ضرر الخمر في الدين لا في البدن، وضررها فيهما، وهي تشارك الخمر في السكر وفساد الفكر ونسيان الذكر وإفشاء السر وذهاب الحياء وكثرة المراء وعدم المروءة وكشف العورة وقمع الغيرة وإتلاف الكيس ومجالسة إبليس وترك الصلاة والوقوع في المحرمات هذا بعض ضررها في الدين " فى الفقرة السابقة نلاحظ تناقضا بين القول "تورث الفكرة " و"وتولد الفكرة" وبين كونها سبب" فساد الفكر " و"واختلال العقل"
ثم قال :
"وأما البدن: فتفسد العقل، وتقطع النسل، وتولد الجذام، وتورث البرص، وتجلب الأسقام وتكسب الرعشة، وتنتن الفم، وتجفف المني، وتسقط شعر الأجفان، وتحرق الدم, وتحفر الأسنان، وتظهر الداء الخفي، وتضر الأحشاء، وتبطل الأعضاء، وتضيق النفس، وتقوي الهوس، وتنقص القوى، وتقل الحياء، وتصفر الألوان، وتسود الأسنان، وتثقب الكبد، وتوهج المعدة، وتولد في الفم البخر، وفي العين الغشاوة، وقلة النظر، وفي المخيلة كثرة الفكر "
ونلاحظ تخريفا من الكاتب فالرجل وصف أفعالها السيئة فى البدن ومع هذا بعض ما قاله ليس من البدن فى شىء كأقواله" فتفسد العقل"و" وتقل الحياء" و" وفي المخيلة كثرة الفكر"
وبعد ذلك ذكر الزركشى أوصافها المذمومة فقال:
"ومن أوصافها المذمومة أنها تكسب آكلها الكسل، وتورثه الفشل، وتجعل الأسد كالعجل، وتصير العزيز ذليلا، والصحيح عليلا، إن أكل لا يشبع، وإن أعطى لا يقنع، وإن كلم لا يسمع، تجعل الفصيح أبكما، والفطيح به أبلما، تسقط المروءة، وتزيل الفتوة، ثم إنها تفسد الفكرة، وتبلد الفطرة، وتخمد الفطنة، وتولد البطنة، تجعل الأكل فنه،والنوم له مظنة، فهو بعيد عن السنة، طريد من الجنة، موعود من الله تعالى باللعنة، إلا أن يقلع من الندم سنه، ويحسن بالله تعالى ظنه، ولله در القائل:
وأصغر دائها والداء جم بغاء أو جنون أو نشاف
قلت: ومن أعظم دائها أن متعاطيها لا يكاد يتوب لتأثيرها في مزاجه، وأنت ترى أهلها أكثر الخلق ضلالا وتجافيا عن الاستقامة، وأقرب إلى الدنية وأسفه أحلاما، وأفسد تصرفا، ولله در القائل:
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا يا خسيسا قد عشت شر معيشة
دية العقل بدرة فلمــــــاذا يا سفيها قد بعتها بحشيشة"
وتناول الزركشى فى الفصل الثالث أسباب تحريمها فقال:
"الفصل الثالث في أنها مسكرة ومفسدة للعقل:
والذي أجمع عليه الأطباء والعلماء لأحوال النبات أنها مسكرة منهم:
أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقى العشاب، ابن البيطار في كتاب: " الجامع لقوى الأدوية والأغذية " قال: ومن القنب الهندي نوع ثالث يقال له: القنب، ولم أره بغير مصر، ويزرع في البساتين، وتسمى الحشيشة أيضا، وهو يسكر جدا، إذا تناول منه الإنسان يسيرا قدر درهم أو درهمين،حتى إن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم، وربما قتل وقال في علاجه: القيء بسمن وماء سخن حتى تنقى المعدة، وشراب الحماض لهم في غاية النفع
وأما الفقهاء: فقد صرحوا بأنها مسكرة منهم: أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله، في كتاب " التذكرة في الخلاف "، والشيخ محيي الدين النووي رحمه الله في " شرح المهذب "، ولا يعرف فيه خلاف عندنا، وقد يدخل في حدهم السكران، بأنه الذي اختلط كلامه المنظوم، وباح بسره المكتوم، أو الذي لا يعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض ويحكى عن بعض من تناولها أنه إذا رأى القمر يظنه لجة ماء، فلا يقدم عليه وبلغني عن أبي العباس ابن تيمية أنه قال: الصحيح أنها مسكرة كالشراب، فإن أكلتها ينشون عنها، ولذلك يتناولونها، بخلاف البنج وغيره،فإنه لا ينشى ولا يشتهى ولم أر من يخالفه في ذلك، إلا أبا العباس القرافي في قواعده فقال: نص العلماء بالنبات في كتبهم على أنها مسكرة، والذي يظهر لي أنها مفسدة قال: وتحرير الفرق بين المفسد، والمرقد، والمسكر أن المتناول من هذه إما أن يغيب عنه الحواس أو لا، فإن غابت عنه الحواس كالسمع والبصر واللمس والشم والذوق فهو المرقد، وإن لم يغب عنه الحواس، فإما أن يحدث معه نشوة وسرور أو قوة عند التناول غالبا أم لا، فإن حدث فهو المسكر،وإلا فهو المفسد، فالمسكر هو المغيب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر، والمفسد: هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب كالبنج
ويدل على ضابط المسكر قول الشاعر:
ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
فالمسكر يزيد في الشجاعة والمروءة، وقوة النفس، والميل إلى البطش في الأعداء والمنافسة في العطاء، ومنه قول القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله تعالى:
زعم المدامة شاربوها أنها تنفي الهموم وتصرف الغما
صدقوا سرت بعقولهم فتوهموا أن السرور لهم بها تما
سلبتهم أديانهم وعقولهم أرأيت عادم دينه، مغتما
قال: فظهر بهذا أن الحشيشة مفسدة، وليست مسكرة لوجهين:
أولهما: أنها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان، فصاحب الصفراء تحدث له حدة، وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا، وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعا، وصاحب الدم تحدث له سرورا يقدر حاله، فتجد منهم من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته
وأما الخمر والمسكرات: فلا تكاد تجد أحدا ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت
وثانيهما: إننا نجد شراب الخمر تكثر عربدتهم، ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح، وهو معنى البيت المتقدم في قوله:
* وأسدا ما ينهنهنا اللقاء *
وأكلة الحشيش خلاف ذلك، بل هم رقدة سكوت، وهم أشبه شيء بالبهائم، وذلك أن القتلاء توجد كثيرا مع شراب الخمر دون أكلة الحشيش
وهذا الذي قاله القرافي ممنوع، ولا يساعد عليه دليل وقوله: إن المغيب للحواس هو المرقد يرد عليه: الإغماء والنوم فإنهما مغيبان للحواس، وليسا بمرقد، والبيت الذي أنشده ليس دليلا على ضابط المسكر، لكن على تأثير الخمر في هذا القائل وأضرابه، ولا يساوي الخمر غيرها في هذه الخصال، وإن تحققنا فيه الإسكار، كالمزر وما ذكره في الوجه الأول في الفرق، ليس باستقراء صحيح، فقد بلغني عن بعض الناس أنه إذا سكر بكى بكاء شديدا وأما أهل الحشيش فقد رأيناهم في أول التناول ذوي نشأة وطرب، ثم يعتريهم الخمود والغيبة وكذلك في أهل الخمر من يفضي به الحال إلى شبه الميت، إما بحسب الأمزجة، وإما بحسب قلة التناول، أو كثرته فيهما، فهي وما ذكره في الوجه الثاني بالحل أيضا، فإن الخمر كما قلنا هي مراد الشاعر، وهو صاحب هذه الخاصية، وقد ثبت الإسكار لغيره من أنواع الأشربة، وهو دونه في ذلك، وعلى التناول فإنه من تأثير الأخلاط الرديئة كما سلف في الحشيش، فإن المجرم الداعي الذي تحدث عنده زيادة عربدة كما في الشراب، فظهر بهذا أن في الحشيش من الإسكار والإفساد ما يساوي الخمر في أحكامه ويزيد بمزيد الإفساد
والصواب أنها مسكرة، كما أجمع عليه العارفون بالنبات، ويجب الرجوع إليهم، كما رجع إليهم في غيرها من الخواص
ويدل على أن الحشيشة مسكرة، أن معنى الإسكار تغطية العقل وقد قال تعالى: (إنما سكرت أبصارنا) أي غطيت وقد دل العقل على أنه يحدث عند تناولها حالة لم تكن قبل تناولها، فتلك الحالة هي مبادئ تغيير العقل، فإن كان المعني بالإسكار هذا فذاك، وإن كان المراد من الإسكار، تغيير العقل الحادث في المزاج المضر بالأفعال الاختيارية، المخرج عن حد الاعتدال إلى الإفراط والتفريط، فهو موجود فيه
وقول من قال: إنها مفسدة للعقل باطل لأنه إن فسد لجن صاحبه، إذ فساد العقل ذهابه "
فى هذا الفصل نقل الزركشى نقولا من كتب العلماء اتفقوا فيها على كونه الحشيش مسكر عدا نقل عن واحد وهو القرافى الذى اعتبر الحشيش مفسد وناقش ما قاله من أقوال وبعد ذلك ذكر الزركشى الأدلة على حرمة الحشيش فقال فى الفصل الرابع:
"الفصل الرابع في أنها حرام:
وقد تظاهرت الأدلة الشرعية والعقلية على ذلك أما الكتاب والسنة، فالنصوص الدالة على تحريم المسكر تناولتها، وفي صحيح مسلم: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)
وأيضا فإنها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وما كان هذا وصفه كان حراما كالخمر، وقد قال الله تعالى: (ويحرم عليهم الخبآئث) الأعراف
وأي خبيث أعظم مما يفسد العقول التي اتفقت الملل والشرائع على إيجاب حفظها، وقد حرم الله تعالى إذهاب العقول باستعمال ما يزيلها، أو يفسدها أو يخرجها عن مخرجها المعتاد،
ولا شك أن تناول الحشيشة يظهر به أثر التغيير في انتظام العقل، والقول المستمد كماله من تصرف العقل شرعا وعرفا
وقد روى أبو داود في سننه بإسناد حسن عن ديلم الحميري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: (يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج عملا شديدا، وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا، وعلى برد بلادنا قال: هل يسكر؟ قلت: نعم قال: فاجتنبوه قال: قلت: فإن الناس غير تاركيه قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم)
وهذا منه صلى الله عليه وسلم تنبيه على العلة التي لأجلها حرم المزر، فوجب أن كل شيء عمل عمله يجب تحريمه
ولا إشكال أن الحشيشة تعمل ذلك وفوقه
روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، وأبو داود في سننه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر
قال العلماء: المفتر كل ما يورث الفتور، والخدر في الأطراف، وهذا الحديث أدل دليل على تحريم الحشيشة بخصوصها، فإنها إن لم تكن مسكرة كانت مفترة مخدرة، ولذلك يكثر النوم من متعاطيها، وتثقل الرأس بواسطة تبخيرها للدماغ
وأما الإجماع على تحريمها فقد نقله غير واحد، منهم القرافي في قواعده، وكذلك ابن تيمية، وهو حافظ، قال: ومن استحلها فقد كفر وفي هذا نظر؛ لأن تحريمها ليس معلوما من الدين بالضرورة، ولو سلمنا ذلك، لكن لا بد أن يكون دليل الإجماع قطعيا على أحد الوجهين، وقد أجمع الفقهاء من أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم تناول المسكر، وعمم النبات وغيره وقال الإمام الرافعي رحمه الله: عمموا النبات وغيره وقال الرافعي رضي الله عنه في باب الأطعمة في " بحر المذهب ": إن النبات الذي يسكر وليست فيه شدة مطربه يحرم أكله
وفي فتاوى المرغيناني من الحنفية أن المسكر من البنج، وأن لبن الرماك حرام ولا تحل، ولا حد فيه، قاله الفقيه أبو جعفر، ونص عليه شمس الأئمة السرخسي انتهى
وفيه فائدة: أن هذا الذي يستعمله الترك ويسمونه القمز حرام "
حاول الزركشى هنا أن يحرم الحشيش باعتباره مسكر مفتر مغيب للعقل فنقل نقولا فى ذلك من بطون الكتب
وفى الفصل الخامس تناول مسألة كون الحشيش طاهر أم نجس فقال :
"الفصل الخامس في أنها طاهرة أو نجسة:
وهذا ينبني على ما سبق في أنها مسكرة، فإن قياس من يقول بإسكارها، أن يقول بنجاستها، ووفى بذلك الطوسى في " المصباح " فقال: الحشيشة نجسة إن ثبت أنها مسكرة، لكن الشيخ محيى الدين قال: إنها مسكرة وليست بنجسة، ولم يحك فيه خلافا، ويؤيده أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله فيما كتبه على فروع ابن الحاجب قطع بأنها طاهرة، وحكى الإجماع عليه، قال والأفيون وهو لبن الخشخاش أقوى فعلا من الحشيش؛ لأن القليل منه يسكر جدا، وكذلك السيكران، وجوز الطيب، مع أنه طاهر بالإجماع وهذا الذي ادعاه من الإجماع فيه نظر لما سيأتي عن العراقي في مسألة الصلاة في شرح قديم الوجيز قال مؤلفه: إنه سمع من الأفواه في نجاسة الحشيش قولين وذكر ابن الصلاح في فوائد رحلته وعلقه عن رواية صاحب التقريب وجها: إن النبات إذا كان سما قاتلا يكون نجسا، وإنه رد عليه بنص الشافعي رضي الله عنه لكن القياس في الحشيش الطهارة وليس لنا نبات نجس العين قط إلا النبات الذي يسقى بالنجاسة، فإنه نجس العين عند الصيدلاني رحمه الله، حتى قالوا: في السم الذي هو نبات، إنه طاهر مع أنه أشد ضررا من الحشيش، ولا يتجه القول بالتنجيس، ولو كانت مسكرة؛ لأن الدليل إنما تنصص في الخمر، وغيرها ليس في معناه من كل الوجوه، ولا يقال على جواز تناول اليسير منها، ولو كانت نجسة لما جاز ذلك "
بالقطع أى نبات أو حيوان خلقه الله طاهر لأن الله أحسن خلقه كما قال " الذى أحسن كل شىء خلقه"
الشىء الوحيد الذى وصف بالنجاسة فى القرآن هو الكفار حيث قال تعالى "إنما المشركون نجس"
فالطهارة والنجاسة تتعلقان بالناس وليس بشىء أخر وإطلاق اسم النجاسات على البول والبراز وأضرابهم من باب التخيل وإلا كان الناس والمخلوقات التى تمنى كلهم أنجاس أولاد انجاس لأنهم خلقوا من المنى الذى يجب التطهر منه للصلاة بالغسل
وفى الفصل السادس تناول الزركشى هل هناك جلد لمن تناول الحشيش فقال:
"الفصل السادس في أنه هل يجب فيها الحد:
والصواب الوجوب للإسكار، فيتناولها أدلة الحد في المسكر، ولأن صاحبها يهذي، وإذا هذى افترى، فيجلد حد الفرية وقد صرح الماوردي بأن النبات الذي فيه شدة مطربة يجب فيه الحد، ولا ينافي هذا ما حكاه الرافعي عن " البحر " أن النبات المسكر لا حد على آكله، لأن مراده ما ليس فيه شدة مطربة، كما صرح به وقال الرافعي في باب الشرب: ما يزيل العقل من غيره الأشربه كالبنج، لا حد في تناوله، لأنه لا يلذ ولا يطرب، ولا يدعو قليله إلى كثيرة انتهى وهو يفهم إيجاب الحد في الحشيشة، لأنها على العكس من البنج وقال القرافي: اتفق فقهاء العصر على المنع منها، واختلفوا في الواجب فيها: الحد، أو التعزير بناء على أنها مسكرة، أو مفسدة للعقل وعن كتاب " الذخيرة " له: أنه يجب فيها الحد والتعزير وفي فتاوى " الخلاصة " للحنفية: وشرب البنج للتداوى لا بأس به، فإن ذهب به عقله لا يحد، يعني بالاتفاق، فإن سكر يحد عند محمد، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف يعزر ولا يحد
وقال الشيخ عز الدين في " القواعد ": فإن قليل هلا يجب الحد إذا زال العقل بغير مسكر كالبنج وغيره؟
والجواب: عن إفساد العقل بذلك في غاية الندور، إذ ليس فيه تفريح، ولا إطراب يحثان على تعاطيه، بخلاف الخمر والنبيذ، فإن ما فيهما من التفريح والإطراب حاث على شربهما، فغلبت لذلك مفسدتهما، فوجب الحد لغلبة المفسدة، ولم يجب في البنج ونحوه لندور الإفساد به "
أما عقاب متناول الحشيش ومشتقاته فيتوقف على أمور :
الأول النية وهى الهدف من التناول فمن تناوله للحصول على النشوة يعاقب ومن تناوله كطعام أو علاج فلا يعاقب
الثانى حدوث ذنوب بعد تناول الحشيش كالسب والشتم والحركات المعيبة أو خلع ما يعطى العورة وهى أمور تدل على التناول للنشوة وهى السكر
ثم تناول الرجل فى الفصل السابع مسائل متفرقة فى الحشيش فقال :
"الفصل السابع في فروع متفرقة ومولدات:
منها: هل تبطل الصلاة بحملها، وذلك ينبني على نجاستها، وطهارتها، وقد سبق وقال القرافي رحمه الله: سئل بعض فقهاء العصر عمن صلى والحشيشة معه، هل تبطل صلاته فأجاب، إن صلى بها قبل أن تحمص أو تصلق صحت صلاته، أو بعد ذلك بطلت؛ لأنها إنما تغيب العقل بعد التحميص أو الصلق، أما قبله فهو ورق أخضر فلا، بل هي كالعصير للعنب، وتحميصه كغليانه
قال: وسألت عن هذا الفرق جماعة ممن يعانيها فاختلفوا على قولين: منهم من سلمه، ومنهم من قال: يؤثر مطلقا، وإنما تحمص لإصلاح طعمها، وتعديل صفتها خاصة فعلى القول بعدم الفرق تبطل الصلاة، وعلى القول به يكون الحق ما قاله المفتى إن صح أنها مسكرة، وإلا صحت بها الصلاة مطلقا
قال: والذي أعتقده أنها لا تبطل الصلاة مطلقا كالبنج وهذا قاله بناء على اعتقاده أنها مفسدة وليست بمسكرة "
حمل الحشيش فى الصلاة إن كان بهدف الأكل العادى أو المداواة فالصلاة لم تبطل وإن كان بهدف السكر وهو النشوة بعد الصلاة فقد بطلت الصلاة لأن نيته الإصرار على ارتكاب ذنب ولا يقبل أى عمل من الإنسان ما دام مصرا على ارتكاب الذنب فإن تاب من الذنب قبلت أعماله ثم تناول الزركشى مسألة تحريم أو إباحة اليسير من الحشيش إذا كان لا يسكر فقال :
"ومنها: هل يحرم يسيرها الذي لا يسكر؟
وصرح النووي في " شرح المهذب " بأنه لا يحرم أكل القليل من الذي لا يسكر والفرق أن الحشيش طاهر، والخمر نجس، فلا يجوز شرب قليله للنجاسة وكلام " التنبيه " يفهم جواز أكل قليل الحشيش فإنه قال: وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله، وقليلها طاهر لا ضرر في أكله ولذلك صرح القرافي رحمه الله فقال: إنه يجوز تناول اليسير منها كل ذلك بناء على اعتقاده أنها ليست بمسكرة
أما الشيخ محيى الدين رحمه الله، وغيره ممن يعتقد أنها مسكرة فلا يحسن منه إطلاق تجويز القليل، وقد صح في الحديث الصحيح: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)
والمتجه أنه لا يجوز تناول شيء من الحشيش لا قليل ولا كثير، وهو أشد ضررا من الخمر "
بالقطع نبات الحشيش إذا كان لا يضر آكله كنبات فهو حلال الأكل فإن ثبت خبثه أى ضرره على الجسم فقد حرم لقوله تعالى "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون"
ولو اتخذنا كثرة أكل نبات تحرمه لما يسببه من ضرر فساعتها سوف تحرم كل النباتات فمثلا كثرة أكل الخيار تصيب الإنسان بالإسهال ومثلا كثرة شرب أى أكل العسل الأسود تصيب الإنسان بالإمساك ومثلا كثرة وضع الملح على الطعام تصيبه بتكوين الحصوات فى الجهاز البولى او تصيبه بتشققات فى كعوب الأقدام أو بوجع فى الأثداء ومن قم فالنباتات حلال تناولها بكميات لا تضر فما يحرم الحشيش كأكل هو ما يحرم الخيار هو ما يحرم العسل الأسود ......
ثم تناول الزركشى مسألة تقيؤ الحشيش فقال:
ومنها: أنه هل يجب على آكله التقيؤ منها؟
إن قلنا: إنها مسكرة، ولنا خلاف في وجوب التقيؤ من شرب الخمر، ومحله إذا شرب قدرا لا يسكر، أو أكل نجاسة فإن شرب منها قدرا لو ترك في باطنه لأسكره، وجب تقيؤه بلا خلاف، لأن إزالة العقل تحرم قطعا وحينئذ فنقول: إن من أكل من الحشيش قدرا يسكره، وجب التقيؤ منها كالخمر قطعا، وإلا لم يجب للطهارة
ومنها: تجويز أكلها للمضطر إذا جاع، ولا يفرع على الخلاف في الخمر للعطش؛ لأن الخمر إنما امتنعت لكون شربها يزيد في العطش، وأكل الحشيش لا يزيد في الجوع، وغاية ما فيها أنها تغطي العقل، وتغطية العقل للدواء ونحوه جائز، عند اليد المتآكلة، فيجب أكلها حفظا للروح "
المسألة بهذه الطريقة مضحكة فإذا كان متناول الحشيش سكران فكيف نقنعه بوجوب التقيؤ وهو غائب العقل ؟
بالقطع هذا لا يمكن ومن ثم لا محل لتلك المسألة لغياب العقل والمعقول هو أن يمسكه الأخرون ويجبرونه على التقيؤ بأى طريقة
ثم تناول الرجل مسألة تناقض ما قاله فى الفضل الثانى والثالث من مضار الحشيش على البدن والعقل وهى أن الخشيش إن لم يضر متناوله لا يحرم عليه فقال :
"ومنها: لو لم يتضرر شخص بأكل الحشيش، ولا يسكر به؟
فالظاهر أنها لا تحرم عليه للطهارة، وعدم الضرر، وقد صرح الإمام بذلك في الشخص الذي لا يضره أكل السموم الضارة، فقال: لا يحرم عليه تعاطيها وهذا بخلاف الخمر، يحرم شربها على من لا يسكر بها، وإن لم يتضرر بها للنجاسة "
ثم تناول الرجل مسألة التداوى بالحشيش فقال:
"ومنها: جواز التداوي بها، إن ثبت أنها تنفع من بعض الأدواء، وقد قيل: إنها تحلل النفخ، وتنقي الأبرية من الرأس عند غسله بها، والأبرية مرض يحدث بسطح الرأس، وهي بثور بيض مبصرة، والعلة في فعلها لذلك ما اشتملت عليه من الحرارة واليبس، وينبغي الجزم بالجواز قال الزعفراني: والمحمودة وغيرها مما يقتل كثيرة، قد أجمع الناس على تناول القليل منه للحاجة ثم رأيت الروياني في " البحر " صرح بذلك فقال: ويجوز التداوي به وإن أفضى إلى السكر إذا لم يكن منه بد
قال: وما يسكر مع غيره ولم يسكر بنفسه إن لم تنتفع به في دواء أو غيره فيحرم أكله، وإن كان ينتفع به حل التداوي به
ونص الإمام الشافعي رضي الله عنه على أنه لا يجوز أكل الدرياق المعمول من لحوم الحيات، إلا في حالة الضرورة، بحيث يجوز له أكل الميتة "
هذه المسألة تخالف الأثر القائل إنه ليس فى الحرام دواء والحق :
أن ما يستخدم فى الأدوية من مشتقات الخمر ومنها المخدرات ليس بحرام لأن الكميات المشتقة لا تحدث سكرا وإنما تحد ث ما يلى :
-تسكين الأوجاع المختلفة
- تخدير بعض الأعضاء لإجراء العمليات لمنع الأضرار عن الإنسان وعن تجربة فالبنج لا يسكر وإنما يمنع الألم من الظهور عند إجراء العمليات فقد قطع الطبيب بعض الأجزاء من جسمى وقد شعرت بالتقطيع ولم أحس بالألم وكنت فى كامل قواى العقلية كما يقولون
- التنويم فى العمليات الكبرى
وهذا من باب قوله تعالى " ولا على المريض حرج"
وبعد أن أثبت الرجل فى بعض كلامه حرمة الحشيش ووجوب جلد متناوله عاد فبين أنه الحشيش حلال فى خمسة مواضع فقال :
"فائدة: تخص مما سبق أنه يجوز تناولها في خمسة مواضع:
أكل يسيرها على ما قاله النووي رحمه الله، وأكلها لمن لا يسكر بها، وأكلها لمن يتداوى بها، وأكلها عند قطع اليد المتآكلة، وأكلها عن المخمصة ويجب إن لم يجز "
واليد المتآكلة يقصد بها مرض الجذام أو السكرى ثم تناول الرجل حرمة إطعام الحيوان الحشيش فقال:
"ومنها: أنه يحرم، إطعامها الحيوان، كما يحرم إسكاره، وقد قيل: إنها لا تأكلها"
وأحل الرجل بيع الأدوية المشتقة من الحشيش فقال :
"ومنها أنه يجوز بيع اليسير منها نعم بيعها لأنها تنفع من الأدوية كالسقمونيا والأفيون بشرط أن يكون يسيرا نعم بيعها لمن يتحقق منه تعاطيها حرام، كما في بيع العنب لعاصر الخمر، وقياس قولهم أنها مسكرة بطلان البيع وإن كانت طاهرة، كآلات الملاهي "
وتناول مسألة زراعة الحشيش فبين إباحة زراعتها لعمل الأدوية وحرمة زراعتها لتناولها للنشوة أى السكر فقال:
ومنها: زراعتها لغرض الاستعمال والإسكار حرام، ويجوز لغرض التداوي، وقد أفتى تقي الدين بن تيمية بتحريم زراعة العنب الذي لا يتزبب ولا يمكن أن يجيء إلا خمرا ببعض نواحي الشام "
ثم تناول مسألة طلاق المحشش فقال :
"ومنها: أنه يقع طلاق آكلها، ولا يخفى حكمه مما تقدم وقال الروياني في " البحر ": لو شرب دواء أو نجسا لا للتداوي، بل للهو والمجون، فلا نص للشافعي رضي الله عنه، ولكن قياس قوله: في أنه يقضي الصلاة أنه كالسكران
وقال في " الحاوي ": فيه وجهان: أحدهما أنه كالسكران، والثاني وبه قال أبو حنيفة: لا يقع طلاقه، وإن كان عاصيا
وقال الجرحاني في " الشافي ": لو شرب مختارا أو شرب البنج تهزيا أو تطربا فزال عقله، وقع طلاقه؛ لأن فعله معصية، فلزمه ما تولد منه كسراية القطع في القصاص والسرقة
وفي فتاوى " المرغيناني " للحنفية: لو سكر من البنج لا تنفد تصرفاته لأن نفاد التصرف شرع زاجرا، ولا حاجة إليه، وصار كمن ضرب رأس نفسه حتى ذهب عقله
ومنها قال القاضي حسين رحمه الله في باب صلاة المسافر من " تعليقته ": إذا شرب البنج وغيره مما يزل العقل فعليه قضاء الصلاة والصيام بعد الإفاقة كالسكران؛ لأنه جلب إزالة بنفسه فيؤاخذ به"
وبالقطع لا يقع طلاق المحشش إذا سكر أى انتشا لغياب عقله وإنما الطلاق يقع من العاقل فقط والذى يشهد على طلاقه اقنان من العدول وأما المحشش وهو آكل الحشيش كطعام أو متناوله كدواء دون سكر فإنه يقع طلاقه إذا أشهد اثنين من العدول عليه كما قال تعالى "واشهدوا ذوى عدل منكم" والسكران لا يمكن أن يشهد أحد لغياب عقله

اجمالي القراءات 4202