الأسبوع الماضى أديت فريضة الحج فى أواخر الأشهر الحُرُم : خامسا :

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٤ - ديسمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الأسبوع الماضى أديت فريضة الحج فى أواخر الأشهر الحُرُم : خامسا :

 

1 ـ كتبتُ مرة أنه يمكن بديلا عن تقديم الهدى أن يتبرع الحاج بثمن الهدى للفقراء فى بلده أو فى بلاد (المسلمين ) حيث تكون مجاعة . وأقول إننى أخطأت فى هذا . الهدى هو للبيت الحرام ، ولمن هم فيه ، وليس لأى مكان آخر أو أناس آخرين .

2 ـ حين كتبت هذا كنت متأثرا بما يقال عن تكدس الأضحيات فى موسم الحج ، وعن الرخاء فى المملكة والفقر فى غيرها ، والمشاريع عن تصنيع لحوم الأضاحى لتعظيم الاستفادة منها ، وإشاعات عن إستغلال البعض لها فى الحصول على أموال ممّن يشترى الهدى ثم لا تقديم للهدى .

3 ـ وناقشنا هذا الموضوع ونحن فى الحج . رأت أم محمد أن الأفضل توزيع ثمن الأضاحى على الفقراء فى الحرم خصوصا عمّال النظافة ومعظمهم أسيويون يبدو عليهم الفقر . وقيل بإرسال المال الى الفقراء المصريين . وشارك فى النقاش صديق مصرى قال لنا إن بنك الراجحى يأخذ أموال الأضاحى ويقوم بالتصرف فيها نيابة عن أصحابها ، وقال إن بعض المسالخ الذين يأخذون الأموال من الحجاج مشترى الهدى يقومون ببيع الخراف لصالحهم للناس بنصف الثمن .

4 ـ وبعد تمحيص رأيت أن الواجب هو شراء الخراف وذبحها وتوزيعها على الناس فى مكة والحرم ، والأكل منها كما جاء فى القرآن الكريم . وبالفعل إشترى إبنى حسام بمساعدة  صديقه المصرى ثلاث خراف متوسطة الحجم ، وأشرف على ذبحها وتجهيزها فى المسلخ . وقام بتوزيع إثنين منها على الناس ، وأرسل بالثالث الى مطعم لإعداده فى مائدة جاهزة للأكل . وجىء به الينا فى الفندق فأكلنا منه قليلا تطبيقا لقوله جل وعلا : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨﴾ ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ) ﴿٣٦﴾ الحج ). ونزل حسام وصديقه بباقى المائدة الى ساحة الحرم وتركها للناس . وفى اليوم التالى كانت الصينية مركونة الى جانب الحائط ونظيفة تماما . أعتقد أن هذا هو الطريق المثلى فى موضوع الهدى . ونراجع الموضوع قرآنيا :

5ـ إن البيت الحرام فى وادى غير ذى زرع ، ولقد ضمن رب العزة فيه الماء ( بئر زمزم ) وجعل من مهمة القائمين على خدمة البيت سقاية الحجاج ، وكانت قريش تعتزّ بهذه السقاية وتعتبرها فضلا كبيرا مع وقوعهم فى الكفر السلوكى والكفر العقيدى فقال لهم رب العزة : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿التوبة: ١٩﴾. بعد الماء يأتى الطعام ، وقد فرضه رب العزة على القادمين للبيت الحرام فيما يعرف بالهدى . كما أباح رب العزة جل وعلا التجارة وتبادل المنافع ، قال جل وعلا : ( لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨﴾ الحج ) فهناك من يأتى الى البيت بأنعام ليبيعها للحجاج ، وهناك من يأتى ببضائع أخرى وثمرات مختلفة الأنواع والأصناف ، ولقد إمتنّ رب العزة جل وعلا على أهل مكة الرافضين للقرآن الكريم أن مكّن لهم حرما آمنا يُجبى اليه ثمرات كل شىء رزقا من الرحمن جل وعلا : ( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٧﴾ القصص). ومن قبل دعا ابراهيم عليه السلام أن يرزق الله جل وعلا ساكنى (مكة ) فقال :( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿٣٧﴾ ابراهيم). وفى دعائه خصّ المؤمنين منهم فقط بالرزق فنزل له التصحيح من رب العزة بأن الرزق للجميع فى الدنيا ولكن العقاب هو للكافرين فى الآخرة : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿١٢٦﴾البقرة).هذا يتفق مع كون الحج لكل المُسالمين بغض النظر عن عقائدهم ومللهم ونحلهم ، وأن إطعام الناس فى البيت الحرام وحوله لا شأن له بصحيح الإيمان أو الكفر بالرحمن .

6 ـ يعزّز من ذلك تحريم الصيد وقت الإحرام . قال جل وعلا:(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) ﴿المائدة: ١﴾. فالذى يحج عليه أن يقدم الهدى من حيوانات الأنعام ، ويحرم عليه أن يخرج فى إحرامه ليصطاد حيوانا بريا يقدمه هديا ، أو يأكل منه . قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّـهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّـهُ مِنْهُ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿المائدة: ٩٥﴾، أى إن الذى يصطاد حيوانا بريا عليه فدية تتراوح من تقديم حيوان هدى مماثل بشهادة إثنين من الخبراء العدول ، أو إطعام مساكين أو صيام . ويبدو أنها كانت عادة وقت نزول القرآن أن يخرج الحجاج للتصيد من الصحراء بديلا عن تقديم الهدى ، نفهم هذا من التحذير الذى جاء فى قوله جل وعلا : ( عَفَا اللَّـهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّـهُ مِنْهُ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿المائدة: ٩٥﴾،( فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿المائدة: ٩٤﴾ المائدة )، وأيضا من الإختبار الذى أوقعهم الله جل وعلا فيه إذ جعل حيوانات الصيد تتراءى لهم وتتلامس معهم بحيث يمكنهم صيدها بلا عناء ، قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّـهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿المائدة: ٩٤﴾ المائدة ) وفى النهاية جاء التأكيد على تحريم صيد البرّ لمن كان فى الإحرام ، قال جل وعلا :(  أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿المائدة: ٩٦﴾. بتحريم صيد البر لا يتبقى سوى لحوم الهدى .

7 ـ ولحوم الهدى هى للحرم وفقط . نفهم هذا من كلمة ( محلّ ) أى المحطة النهائية للهدى .

7 / 1 :ففى حالة الإحصار يجب على من تعرض للإحصار أن يبعث بالهدى الى (محلّه ) وهو البيت العتيق ، قال جل وعلا : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ ). يعنى لا يتبرع به لأهل بلده أو للمكان الذى تم فيه إحصاره .

7 / 2 : وتعرض النبى والمؤمنون معه الى إحصار حين منعتهم قريش من دخول مكة وقد جاءوا للحج، قال جل وعلا:( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ )﴿الفتح: ٢٥﴾. كانت معهم حيوانات الهدى فى طريقها الى ( محلها ) البيت الحرام .

7 / 3 : وعموما يقول جل وعلا عن أنعام الهدى : ( لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٣٣﴾ الحج ). بالتالى فأنعام الهدى هى للبيت الحرام وفقط ، وليس لمكان آخر . هناك فقراء فى كل مكان ، وقد أوجب الله جل وعلا حقا لهم فى تشريع الزكاة المالية . ولكن لا شأن لهم ــ خارج مكة ـ بالهدى.

8 ـ وأوجب الله جل وعلا حماية حيوانات الهدى القادمة الى مكة فلا يتعرض لها أحد بالسلب والنهب ، ليست هى فقط بل بالقلائد التى تميزها عن بقية الحيوانات. كانت العادة تمييز أنعام الهدى بقلائد تحيط بالعنق ، وفقدان هذه القلائد يعنى ضياعها بين بقية الأنعام . وجعل جل وعلا أمن الهدى مماثلا لأمن الآتين للحج ، فحرّم رب العزة التعرض لقاصدى البيت الحرام والهدى والقلائد ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّـهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ) (٢﴾ المائدة ) ، وهكذا حتى يصل الهدى الى محله وهو البيت العتيق .

9 ـ وقرن الله جل وعلا حُرمة الهدى بحرمة البيت الحرام ( الحرم المكانى ) و الشهر الحرام ( الحرم الزمانى ) فى قوله جل وعلا :  (جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٩٧﴾ المائدة )

10 ـ ويدخل الهدى ضمن شعائر الرحمن جل وعلا ، وعن تعظيمها يقول جل وعلا : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٣٣﴾ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) ﴿٣٤﴾الحج )( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ )(٣٦﴾الحج ) .

11 ـ ولأنها من شعائر الله فقد جاءت ضمن تفصيلات المناسك فى الحج  مرتبطة بذكر الرحمن جل وعلا :( لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨﴾ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٢٩﴾ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿٣٠﴾ الحج ) .

12 ـ وجعل رب العزة جل وعلا تعظيم هذه الشعائر من علامات التقوى فقال : (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٣٣ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) ﴿٣٤﴾  الحج ) وجعل منسك ذبحها تشريعا مرتبطا بالتقوى ، قال جل وعلا : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٣٦ لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٧﴾ الحج )

13 ـ إن الحج مسمر طيلة الأشهر الأربعة الحرم ، وتستمر العمرة طيلة العام ، أى إن التوافد مستمر على البيت الحرام لكل مستطيع للحج والعمرة . يقدم أحدهم الهدى يأكل منهم ويطعم منه غيره ، ويأتى آخر بالهدى يطعم منه نفسه وغيره ، وقد يباشر الذبح بنفسه ، ويدعو الآخرين لأخذ نصيبهم من اللحم ، سواء كان ( معترا ) أى فقيرا يتحرّج من السؤال أو كان قانعا ، قال جل وعلا : ۖ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ) ﴿٣٦﴾ الحج ) ويشمل هذا البائس والفقير من اهل الحرم قال جل وعلا : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨﴾ الحج )

14 ـ ينسجم هذا مع طبيعة الاسلام السلوكى ، فالذى يقدم الهدى يأكل منه ويؤاكل غيره ، يدعو الناس الى مشاركته فى الهدى ليس بالاسلام القلبى الغيبى ( التسليم القلبى للرحمن وإخلاص الدين له جل وعلا ) فهذا مرجعه للرحمن وحده ، ولكن بالاسلام السلوكى الذى يعنى السلام . المدعُوُّون هنا للمشاركة فى طعام الهدى موصوفون ليس بالإيمان والتقوى ولكن بالقانع والمعتر والبائس والفقير . وما أجمل أن يتشارك فى مائدة الطعام مسلمون ( سلوكيا ) من مختلف الألوان والألسنة والملل والنحل ، يأكلون ويشكرون الرحمن جل وعلا على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( الهدى ) التى هى من شعائر الله سبحانه وتعالى . وما أجمل أن يستمر هذا طيلة العام والأعوام فى الحج والعمرة . 

اجمالي القراءات 5018