القاموس القرآنى : ( حول )

آحمد صبحي منصور في السبت ١٦ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : ( حول )

مقدمة :

تتنوع معانى مصطلح ( حول )  فى الإستعمال العربى ، ومنه قول الأديب الشاعر المملوكى إبن نباتة فى ( بابيته / أو مسرحيته ) : ( حال الحال ، ومال المال ، وذهب الذهب، وفُضّت الفضة ) . ( حال ) بمعنى تغير وإنقلب ، ومنه ( إستحال وجهه غضبا ) أى تحول وجهه الى الغضب ) . هذا مجرد مثال ، وهناك تنوع أكثر فى معنى ( حول ) يمكن الرجوع اليه فى القواميس ، وبعض مفرداتها ـ كالعادة ــ إنتهى إستعمالها وبطل .

لم ترد فى القرآن الكريم كل معانى ( حول ) . جاء بعضها مفهوما ــ كالعادة ــ من خلال السياق . ونتتبعه فى القرآن الكريم على النحو الآتى :  

أولا :

( حول ) ( بالحاء المفتوحة والواو الساكنة ): بمعنى عام أو سنة .

قال جل وعلا :

1 ـ  عن مدة الرضاعة ( عامان أو حولان ) :(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ )  البقرة:233)

2 ـ عن مُتعة الأرملة فى البقاء فى البيت حولا أو عاما بعد وفاة زوجها : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ )  )البقرة:240 )

وفى الاستعمال فى علم التاريخ أن يقال ( التاريخ الحولى ) أى الذى يؤرخ لكل سنة ، و ( الحوليات ) أى المجلات العلمية التى تصدر دورية كل عام ، وقول الفقهاء فى الزكاة ( حتى يحول الحول ) أى يمر على المال عام .

ثانيا :

( حول ) بالمعنى المكانى الجغرافى ، أى الجهات المحيطة بالشىء ، وتكون ( حول ) ظرف مكان .

منه المكان القريب . قال جل وعلا :

1 ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ)البقرة:17 ) أضاءت ما حوله .

2 ـ (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )آل عمران:159)، إنفضوا من حولك .

ومنه ما حول مكة . قال جل وعلا :

1 ـ (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا )الأنعام:92 )

2 ـ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) الشورى:7 )

3 ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) العنكبوت:68 )

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)الأحقاف:27 )

وما حول المدينة . قال جل وعلا :

1 ـ  (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)التوبة:101 )

2 ـ (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ )التوبة:120 ).

ما حول المسجد الأقصى فى طور سيناء ، وقد بارك الله جل وعلا ما حوله . قال جل وعلا :

1 ـ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ  )الإسراء:1 )

2 ـ(فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)النمل:8 )

عن الملأ حول فرعون، قال لهم فرعون عن موسى :

1 ـ  (قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ)الشعراء:25 )،

2 ـ (قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ)الشعراء:34 )

عن الكافرين والشياطين حول جهنم ، قال جل وعلا : (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً)مريم:68 )

وعن إستغفارملائكة العرش للمؤمنين فى هذه الدنيا ، قال جل وعلا : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا )الزمر:7 )

وعن ملائكة العرش يوم القيامة ، قال جل وعلا :(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلاَّ)الزمر:75 )

ثالثا :

( حول ) أصلها الفعل ( حال ) ومن معانيه أن يحجز بين شيئين ، وحينئذ تلحقه كلمة ( بين ) يصبح المعنى : حال بين اى فصل ، أو حجز بينهما . قال جل وعلا :

1 ـ (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ)هود:43). الموج حال وحجز بين نوح وإبنه .

 2 ـ(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)سبأ:54 ). اصبح هناك حائل وحاجز بينهم وبين ما يشتهون .

3 ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)الأنفال:24 ). هنا خطأ شائع فى فهم هذه الآية الكريمة ، مبعثه الجهل بمصطلح ( قلب ) فى القرآن الكريم . يفهمونه أنه عضلة القلب ، والصحيح أنّ معنى القلب والفؤاد والنفس واحد . الانسان يتكون من ( جسد ونفس ) تتحكم فى هذا الجسد . النفس مثل سائق السيارة بالنسبة للسيارة ، وهى ترتدي جسدها فى هذه الدنيا ، تفارقه مؤقتا بالنوم وتفارقه نهائيا بالموت . وللنفس صفات أخرى هى القلب والفؤاد وذات الصدور . بالموت يتم الفصل بين الجسد والقلب أو النفس ، وبعدئذ يكون الحشر يوم القيامة . يأتى المرؤ يوم القيامة وقد ترك جسده وحمل جسدا آخر هو عمله ، والذى به يكون حسابه . يأتى المرؤ وقد اصبح رهين عمله ، قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴿٢١﴾ الطور ) هنا الحديث عن ( المرء ) فى الآخرة . وهذا المرؤ هو النفس ، قال جل وعلا : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿٣٨﴾ المدثر ). فالمرؤ فى الآخرة هو النفس ، والنفس هى الكينونة الحقييقية لصاحبها . الجسد الذى ترتديه الآن هو مجرد رداء مؤقت ، وسيأتى وقت الموت الذى يحول فيه رب العزة بين المرء ونفسه أو قلبه . التفاصيل فى كتابنا المنشور هنا ( لكل نفس بشرية جسدان ) .

رابعا :

( حول ) بكسر الحاء والواو المفتوحة : بمعنى تحول : قال جل وعلا عن أصحاب الجنة وتعلقهم بنعيمها : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿١٠٧﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ( 108 ) الكهف )اى لا يريدون تحولا عنها أو بديلا لها .

أخيرا :

  حول ( بفتح الحاء وسكون الواو ) بمعنى قوة .

ومنه قولنا ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ) أى لاَ قُدْرَةَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ ، وقولنا عن رب العزة جل وعلا أنه ( صاحب الحَوْل والطَّوْل ) . لم يأت هذا فى القرآن الكريم . ولكن جاء فى القرآن معنى قريب منه . قال جل وعلا :  ( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّـهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) ﴿الرعد: ١٣﴾، ( شَدِيدُ الْمِحَالِ ) أى شديد القوة ، وشديد العقاب . و ( المحال ) بكسر الميم وفتح الحاء أصلها ( الحول ) بمعنى القوة . 

اجمالي القراءات 4188