وأي الفريقين أحق بالأمن؟
رد صريح على سؤال وارد في سورة العنكبوت.

يحي فوزي نشاشبي في الأحد ٠٣ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بسم الله الرحمن الرحيم .

*******

رد صريح على سؤال وارد في سورة العنكبوت.

وأي الفريقين أحق بالأمن؟

******* 

... كانت حصّة شيقة، لاسيما لمن يهوى الإلتفات إلى التاريخ والمعالم المشيدة منذ قرون، والموضوع كان حول طموح السيدة فاطمة بنت محمد الفهري، تلك المرأة المغربية التي حققته، والمتمثل في إنشاء وتشييد مسجد، اشتهر باسم جامع القرويين في قلب مدينة فاس بالمغرب الأقصى، منذ قرون، وكان ذلك في عام 800 ميلادية، وقد هاجرت من القيروان بتونس، إلى مدينة فاس بالمغرب الأقصى، وقد تحول هذا المسجد الكبير تدريجيا إلى جامعة تدرس فيها العلوم بشتى أنواعها.

        وحسب المؤرخين المعلقين، يعتبر جامع القرويين أول جامعة في العالم الإسلامي، بعد مكة والشام، وقبل الجامع الأزهر بمدينة القاهرة المصرية، وجامع الزيتونة بتونس العاصمة. وعندما تحول جامع القرويين إلى جامعة لنشر العلم كانت أبوابه مفتوحة أمام الجميع، بقطع النظر عن الدين والملة والمذهب، فشيئا فشيئا اتسعت مواده من الدينية إلى مختلف الميادين الأخرى كالرياضيات والجعرافيا والفلسلفة الى غير ذلك.

        أما ما يهمنا في هذا، ووخزنا بإلحاح، فهو ذلك التساؤل القوي الذي ألحّ في فرض نفسه، على الرغم من محاولة تجاهله والتقليل من أهميته مما يقول لنا :

        لو تصورنا أو فرضنا جدلا أن هذا الجامع (جامع القرويين) عكف حقا على التدريس الجاد الحقيقي والمباشر، وكان ذا نية مخلصة، لما تحوّل طرفة عين عن تعليماته سبحانه وتعالى، لاسيما تلك التعليمات التي تحث على تدبر القرآن وحده بدون أي منافس أو شريك. (أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) – 82 – سورة النساء. او تلك الأخرى في سورة محمد الآية 24 التي جاء فيها : ( أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها ) ؟ -

        لو تصورنا أن جامع القرويين عكف على الإهتمام بالدروس المختصة بتدبر القرآن وتحرير القلوب من الأقفال المكبلة، هو ومن جاء بعده، كجامع الأزهر، وجامع الزيتونة، لو فعلوا جميعهم ما كان منتظرا منهم أن يفعلوه، وهو تدبر القرآن وتحرير العقول والقلوب  لما  صيرونا  نحن حاليا ومن سبقنا في هذا الدرك الأسفل المزري.

        بل إن الظاهر المؤسف له، هو أن هذا الجامع الفاسي المغربي، أو ذاك القاهري المصري، أو الزيتوني التونسي، لم يكونوا مصيبين في نشاطهم وجهودهم واجتهاداتهم، بل ويا ليتهم تدبروا حق التدبر وبكل جدية تلك (الصحاح وما تحمله) من البخاريات وغيرها، نعم يا ليتهم تدبروها حق التدبر، ويا ليتهم انحدروا إلى أعماق أعماقها، لأنهم لو فعلوا ذلك وغاصوا فيها فإنهم جميعهم أو جلهم سيصطدمون حقا بتلك الخرافات التي ستدخل حتما في صراع لا مفر منه مع العقل، وفي تنافس وعراك مع تعليمات الله العظيم، ولاستيقظوا وأيقظونا . والسؤال هو :  

        هل يكونون مروا مرور الكرام على كل الأكاذيب، والإفتراءات، التي افتريت على الله، ثم على عباده ورسله، بما فيهم آخرهم؟ (عليهم جميعا الصلاة والتسليم) ؟ ومع ذلك لم تحرك فيهم ساكنا؟

        وهل أولئك المفكرون في: جامع القرويين، أو جامع الأزهر أو جامع الزيتونة، هل تعمقوا وتأملوا وحدقوا فعلا، وتدبروا ما تحمله بطون تلك (الأمهات)  من الأقزام الساخرة، المتهكمة بالله عز وجل نفسه، ثم  برسله وبآخرهم، عليهم السلام ؟ هل يكونون مع ذلك جامدين لم يتحركوا ولم يعبروا بحرف احتجاج واحد؟ وهل لنا من مجيب ليشفي غليل تساؤلاتنا؟ ألا وهو: كيف حدث لهذه الجوامع والجامعات التي بلغت من العمر ما بلغت، وهو يعد بمئات القرون، هل تمخضت بطون هذه الجوامع  لتضع لنا قزما أو فأرا يحمل أسماء مختلفة : من تصحيح البخاري، أو الإحتفال بحفظ  صحيح البخاري، أو ختم صحيح البخاري؟ علما أن من ختم هذا الصحيح، إذا لم يغش، سيكون فعلا وحتما وحصرا ملاقيا تلك الأكاذيب وتلك الإفتراءات وتلك الإتهامات وتلك الإهانات وتلك المثبطات والمجمدات ؟

      أما عن الواقع الراهن، وقبل الراهن، فإنه يفيد بأن بعض مواقف وبعض تصرفات الذين يدّعون أو يحسبون أنهم مسلمون مؤمنون بالرسالة التي بلّغها لنا خاتم النبيين والمرسلين (عليهم السلام)  تكاد تلك المواقف والتصرفات تكون شبيهة وإلى حد بعيد بمواقف وتصرفات غيرهم ممن سبقهم من أهل الكتاب، أولئك الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون.( يا  أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ). 70- ءال عمران.

        وباختصار شديد، ألا يكون لسان حال تلك الجوامع، وتلك الجامعات العريقة يقول : إننا لم نجنح إلى الإهتمام بغير تعليماته سبحانه وتعالى، إلا لأننا وجدنا في القرآن اختلافا كثيرا، وحرصا منا وإخلاصا له سبحانه وتعالى، ألهبنا أكباد الإبل وركضنا في كل الإتجاهات، لإتمام  تلك النقائص.

        أو كأنّ لسان حال تلك الجوامع وتلك الجامعات العريقة يرد على ذلك السؤال العظيم المنزل من عند الله العظيم : (... أو لم  يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون.) العنكبوت 50.52. نعم كأنّ لسان حال تلك الجوامع وتلك الجامعات العريقة جعلهم وإيانا جميعا نرد على ذلك السؤال العظيم المنزل بقولنا: نعم لم يكفنا ذلك ، ولذلك جنحنا إلى ما جنحنا إليه، ومع ذلك لا نتردد في قولنا: ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )  هكذا  بصراحة عارية أو بكل وقاحة . ومن المفارقات أن هذا التعبير بحمد الله الذي هو : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) يردده كل من الفريقين، وبكل اطمئنان معتقدا أنه مصيب في فهمه ووعيه، وأنه على الصراط المستقيم. فإذا كان الفريق الذي يحسب أنه معتصم بحبل الله يستند إلى عشرات الآيات القرآنية التي تبين له وتكرر وتؤكد أنه على صراط  مستقيم وأن ما يتمسك به هو تنزيل العزيز الرحيم، فعلى ماذا يا ترى يستند إليه ذلك الفريق الآخر الذي يعبر لسان حاله أنه لم يجنح إلى ما هو خارج الحديث المنزل من عند الله إلاّ بعد أن رأى وفهم واعتقد أن في ذلك الحديث المنزل  اختلافا كثيرا، وأنه لم يكفه ما نزل الله على عبده ورسوله ؟وعليه :

(... فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم  تعلمون ) ؟ 81 سوة الأنعام .

************** 

 

 

اجمالي القراءات 4235