نقد كتاب تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق
الكتاب من تأليف أحمد عبد القادر الشنقيطي المدنى وقد قال فى سبب تأليفه :
"وبعد فإني رأيت السواد الأعظم ممن يزعم بعضهم أنه من أهل العلم وهو من الجهل يسير في داج من الظلم, أصبحوا يعتقدون أن أول شيء خلقه الله من الكائنات هو نور محمد صلى الله عليه وسلم, ويعتقدون أنه أيضا أصل للكائنات كلها أو ما فيه خير منها, وأن من لم يعتقد هذا لا عقيدة له تنفعه يوم الدين, لإنكاره عندهم ما هو ضروري من الدين ويعتقدون أنه لولا محمد - ص - لم يخلق الله تبارك وتعالى شيئا من المخلوقات البتة"
وبين المؤلف أن عقيدة القوم وهم الصوفية مبنية على الحديث المزعوم فقال:
"وأن مبنى عقيدتهم هذه تدور على ما روى وجادة عن مصنف عبد الرزاق بن همام عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله تعالى من المخلوقات فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله وخلق بعده كل شيء, وخلق منه كل خير."
ثم بين الكاتب أن الحديث طويل وفيه عشر تقسيمات فقال:
"وفي بعض الروايات هذا الخبر خلقه وخلق منه كل شيء وهي المشهورة الكثيرة في التقاييد المحتوية على هذا الخبر إلى آخر خبر طويل جدا في نحو أربع صفحات من القالب الكبير, وفي وسطه تقسيم هذا النور إلى عشرة أقسام وتعيين خلق كل نوع من الكائنات من قسم معين من الأقسام العشرة, فرأيت أن من الواجب كفاية, والنصيحة لأهل الإسلام والديانة أن أكشف بالنقد والبحث الحثيث عن مرتبة ما أعتمد عليه هؤلاء عند أهل الحديث."
والغريب أن الروايات الموجودة للحديث المزعوم لا تزيد عن عدة سطور وقد عزى المؤلف الحديث لمصنف عبد الرازق فقال :
"فأقول و بالله تعالى أستعين, وأغزو وأصول إن ثبت أن هذا الحديث في مصنف عبد الرزاق فهو من الطامات العظام التي في ضمنه كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر فإنه قال : إن مصنفه مشتمل على عظائم من الأخبار .
والدليل على أنه من المختلقات والمفتريات على رسول الله صلى الله عليه وسلم طوله المفرط مع ركاكة ألفاظه وغرابته و نكارته وإعضاله عند نقاله, ولإنفراد عبد الرزاق به من بين من صنف في دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام ولعدم وجوده في ديوان من دواوين أصول الحذاق سوى مصنف عبد الرزاق ولمخالفته دليل العقل وصحيح النقل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة, ولخلوه من شروط قبول الحديث الستة, التي اشترطها علماء الحديث وأئمته فلم يقبلوا حديثا خلى منها, وهي الاتصال والضبط والعدالة و المتابعة في المستور وعدم الشذوذ وعدم العلة القادحة, وأيضا نص أئمة الحديث ممن تقدمنا وممن عاصرنا على وضعه وضعفه وعدم وجود سند له."
وهو كلام غير صحيح فلا يوجد فى ذلك المصنف أى ذكر للحديث وبالبحث فى كتب المتون فى المكتبة الشاملة السنية تبين أنه لا وجود للحديث فى أى كتاب منها ومنها مصنف عبد الرازق وبالبحث عنه فى الشبكة العنكبوتية تبين وجود فى المكتبة الشاملة الشيعية فى كتاب بحار الأنوار للمجلسى تحت الأرقام التالية:
43 – "وعن جابر بن عبد الله قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله: أول شئ خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير
44 - وعن جابر أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول ما خلق الله نوري، ابتدعه من نوره، واشتقه من جلال عظمته"ج15ص24
ومن ثم يكون سبب تأليف الكتاب غير موجود فى مصنف عبد الرازق وأما انتقادات المؤلف لما فى الحديث المزعوم فهى:
1-"أما مخالفته لنصوص كتاب الله تعالى من حيث دلالتها على أصل ما خلق منه البشر الإنساني والجان الناري فقوله تعالى " خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار" فإن آدم والطين الذي خلق منه مخلوقان أصالة من نور محمد صلى الله عليه وسلم
وقال جل وعلا أيضا في أصل نشأة السماء والأرض " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين . وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء لسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم" الآيات. وقال " وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء " , قال بعض المفسرين أن الدخان الذي ذكر الله تعالى انه أصل السماء أصله من بخار الماء الذي كان عليه عرش الرحمن قبل خلق السماوات والأرض وما فيهن من الكائنات, وأن أصل الماء ياقوتة خضراء نظر الله تعالى إليها نظر هيبة فصارت ماء وأنه تعالى تجلى للماء فيبس سقفه فصار ترابا, فهذا ما أخبر الله تبارك وتعالى به أيضا في بدء خلق أصل السماوات والأرض وفسره علماء الأمة المحمدية, ولم يخضعوه ولم يقيدوه بمقتضى ما دل عليه الحديث المذكور, وما ذاك إلا لكونه لا أصل له عندهم إذ لو كان كذلك لتأولوه بما يزيل التعارض بينه وبين ما ذكرنا من النصوص وبين ما سنذكره وستقفون على فعل العلماء ذلك خلال هذه الرسالة إن شاء الله تعالى حيث نذكر في الموضوع ما يقع بينه التعارض من الأدلة الصحيحة إذ ذلك لازم عند المحققين من الفقهاء والمحدثين, والأصوليين, قال العلوي في مراقي السعود والجمع واجب إذا ما أمكنا ... إلى قوله أو يجب الوقف أو التساقط وفيه تفصيل حكاه الضابط.
وقال تعالى في تعيين أصل ما خلقت منه المخلوقات الحيوانية:
" وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " فهذه آيات خبريات لا تقبل النسخ من كتاب الله تعالى دلت بوضع نصوصها على معارضة ما دل عليه الخبر المذكور والحديث إذا كان هكذا يكون موضوعا بلا شك عند العلماء
قال المحقق ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف في بيان الحديث الضعيف, ما نصه, ومن العلامات التي يعرف بها الحديث الموضوع مخالفته لصريح القران, كحديث مقدار الدنيا وأنها سبعة آلاف سنة وأمثاله مما خالف صريح نصوص القرآن انتهى كلامه ."
ذكر الرجل أن الحديث المزعوم يخالف الآيات الخبرية عن إنشاء الخلق من الدخان الذى هو بخار الماء وهو كلام خاطىء فأول الخلق الماء لأنه منه خلق كل شىء حى كما قال تعالى :
"وجعلنا من الماء كل شىء حى"
والدخان المذكور خلق هو السماء كما قال تعالى "على السماء وهى دخان" فلزم أن يكون قبل السماء والأرض شىء وهو الماء
وأما الدليل الثانى عند المؤلف فهو تعارض الحديث المزعوم مع روايات مذكورة فى كتب الأحاديث حيث قال :
"ومن القوادح في الخبر المذكور أيضا مخالفته لما في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام من قوله لتميم " اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا بشرتنا فأعطنا قال, اقبلوا البشرى يا أهل اليمن, قالوا قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان, قال كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء, وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض ".
قال الأمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن و كيع ابن عدس عن عمه أبي رزين وأسمه لقيط بن عامر العقيلي قال قلت يا رسول الله . أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال " كان في عماء ما تحته هواء ثم خلق العرش بعد ذلك " ورواه ابن ماجه أيضا والترمذي وقال حديث حسن, وقال مجاهد ووهب بن منبه وعمرة و قتادة وغيرهم كان عرشه على الماء قبل أن يخلق كل شيء.
وروى ابن جرير الطبري في التفسير حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول ما خلق الله القلم قال أكتب قال وماذا أكتب ؟ قال أكتب فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة ثم خلق النون ورفع بخار الماء ففتقت منه السماء وبسطت الأرض الخ . الحديث بتمامه ورواه الأمام أحمد والترمذي في جامعه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق الوليد بن عبادة بن الصامت قال قال لي أبي حين حضرته الوفاة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن أول ما خلق الله القلم: فقال له: أكتب الخ.. وقال حديث حسن صحيح .
قال البيهقي في مختلف الحديث جمع بينه وبين ما تقدم عن الصحيحين وغيرهما من أولية خلق العرش والماء على خلق ما سواهما أراد أن أول شيء خلقه بعد خلق الماء والريح والعرش القلم قال وذلك بين في حديث عمران بن حصين كما في الصحيحين عنه مرفوعا ثم خلق السماوات والأرض انتهى كلام البيهقي رحمه الله تعالى, وروى عبد الرزاق عن عمر بن حبيب أحد الثقات عن حميد بن قيس الأعرج عن طاووس الإمام قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فسأله, مم خلق الخلق, قال من الماء والنور والظلمة والريح والتراب, قال الرجل, فمم خلق هؤلاء قال لا أدري, قال ثم أتى الرجل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما فقال مثل قول عبد الله بن عمرو قال فأتى الرجل عبد الله بن عباس فسأله فقال مم خلق الخلق قال من الماء والنور والظلمة والريح والتراب قال الرجل, فمم خلق هؤلاء, فتلا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ", فقال الرجل, ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قال البيهقي أراد أن مصدر الجميع منه أي من خلقه وإبداعه واختراعه خلق الماء أولا أو الماء وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق ثم جعله أصلا لما خلق بعد, فهو المبدع وهو البارئ لا إله غيره, ولا خالق سواه سبحانه جل وعز انتهى كلام البيهقي رحمه الله تعالى.
ومما يقدح فيه أيضا ما في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام قال مسلم الحجاج حدثنا محمد ابن رافع وعبد بن حميد قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم " ويعني الرسول صلى الله عليه وسلم بما وصف لكم ما وصف الله تبارك وتعالى لنا به آدم عليه السلام من أنه خلقه من تراب, ولما كان هذا الحديث من أصح ما روى عنه عليه الصلاة والسلام كما ترون"
وما ذكره الرجل ليس دليلا على عدم صحة الحديث المزعوم أن تلك الأحاديث متعارضة مع بعضها لا يمكن الجمع بينها بحال من الأحوال فالقلم غير الماء غير العماء والهواء غير الماء والنور والظلمة والريح والتراب غير نور النبى(ص) فى الحديث المزعوم وقد حاول المؤلف وغيره الجمع بين المتناقضات فقال:
"فانظروا إخواني إلى هذه النصوص الصريحة من كتاب الله والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفاق السلف الصالح من الصحابة والتابعين والحفاظ والأئمة من المتأخرين على أولية ما خلق الله من المخلوقات, وأن الصحيح فيه أنه الماء ثم العرش ثم القلم ثم ما شاء الله من الخلق وأن المخلوقات بعد تناهي خلق أنواعها ترجع إلى أصول خمسة وهي الماء والنور والظلمة والرياح والتراب وأن هذه الأصول خلقها الله وأبتدعها لا عن أصل منه خلقها ولا على مثال سبقها"
وبعد ذلك ذكر لنا المؤلف بعض الروايات التى قيلت عن نور النبى(ص) وهى روايات لا تذكر شيئا عن كون الكون خلق من ذلك النور وانه نور حادث عند حمل أمه به فقال:
"ومن القوادح في الخبر المذكور, كون الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أول شيء أنبا عن عظيم شأنه أجاب من سأله أنه ثلاثة أمور منها رؤيا من ليس بمعصوم فلو كان الخبر المذكور صحيحا كما روى لكان بالذكر أحرى من رؤيا من ليس بمعصوم, فقد روى الإمام أحمد من طريقين حسنتين إحداهما من طريق سعيد بن سويد الكلبي عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه والأخرى من طريق لقمان بن عامر عن أبي أمامة رضي الله عنه أن كلا منهما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أول أمرك يا رسول الله ؟ قال " دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " قال الحافظ إسماعيل بن كثير, والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس إبراهيم عليه السلام فلم يزل ذكره في الناس مشهورا حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل وهو عيسى بن مريم عليه السلام حيث قام في بني إسرائيل خطيبا فقال " إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " قال, وقوله رأت أمي نورا قيل رأته منا ما حين حملت به, وقصته على قومها فشاع فيهم واشتهر بينهم, انظر تفسيره عند قوله تعالى " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ""
وبعد ذلك ذكر المؤلف نقده لحكاية النور فقال:
الآية فدعوى المعتمدين على حديث مصنف عبد الرزاق عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله عن أول شيء حلقه الله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجابه بقوله نور نبيك يا جابر خلقه الله, وخلق بعده كل شيء و خلق منه كل شيء وما في معناه مما هو من طرازه مما سنخرجه أيضا أن شاء الله تعالى بعد, لئلا يغتر به من جهله بعد ما جلبنا لهم من القواعد القطعية ونصوص الكتاب وصحيح السنة وتواتر السلف والخلف عليها من هذه الأمة دعوى يحيلها العقل ولا يثبتها النقل لما اشتملت عليه من التحكم والدور الممنوعين عقلا لا خذهم من غير دليل يصح نورا منسوبا إلى محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو آخر رسول بعثه الله في الأرض للخلق, وجعلهم هذا النور المنسوب لرسولنا صلى الله عليه وسلم أصلا للكائنات سواء قلنا بعرضية النور على انه صفة له لأن العرض لا يقوم بنفسه أو قلنا بجرميته لأنه من سببه فتوقف وجود الأرض التي هي أصل آدم عليه الصلاة والسلام الذي هو من آخر فروع آدم عليه السلام يسمى دورا عند ذوي نتائج العقول وأرباب المعقول وهو توقف الشيء على ما يتوقف عليه, وليس بمنفك أحد الجهتين فيسقط الاعتراض فالله تعالى يسلم لنا ولكم العقول ويعيذنا وإياكم من التمسك بخرافات النقول إذ قد كان في سعة ما رواه أصحاب رسول الله عليه وسلم عنه منذ بعثه الله بشيرا ونذيرا, ودونته عنهم الأئمة في أصولها الصحاح من دلائل نبوته وقواطع معجزاته ما يغني عن التعلق بهذه السفسطيات التي يعلم بطلانها ذوو البدايات وحيث اجتث أصل الخبر الذي تدور عليه عقيدة من قدمنا ذكرهم بما لا معدى وراءه من تعيين القوادح فيه نقلا وعقلا باستحالة مقتضاه من أول إلى منتهاه "
ثم ناقش المؤلف الروايات الأخرى التى استند لها المؤمنون بالحديث المزعوم فقال:
"فنخرج أيضا خبرين ادعى بعض زعماء هؤلاء الجهلة لما أقمنا لهم الحجج على وضع الحديث مصنف عبد الرزاق أنه وإن كان موضوعا فهذان الحديثان شاهدان له, وهذا أيضا من جهلهم الذي حملهم على أن جعلوا حديثا موضوعا أصلا في العقائد الدينية ثم أنهم لم يقنعوا بذلك حتى جعلوا ما في معناه من الأحاديث الموضوعة يصلح شاهدا له يبلغ به درجة الاحتجاج به في أصول الدين وإليكم تخريج الأول من الحديثين المذكورين.
قال ابن الجوزي في الموضوعات الكبرى صفحة 140 من الجزء الثاني منها أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك وغيره قالوا أنبأنا احمد بن المعطى أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن الحوفي أنبأنا أبو احمد حمزة الدهقاني حدثنا محمد بن عيسى بن حيان أبو السكين حدثنا محمد ابن الصباح أنبأنا علي بن الحسن الكوفي عن إبراهيم بن اليسع عن أبي العباس الضرير عن الخليل بن مرة عن يحي البصري عن زادان عن سلمان قال هبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أن الله يقرئك السلام ويقول لك ما خلقت خلقا أكرم علي منك ولقد أعطيتك القران وفضل شهر رمضان و الشفاعة كلها لك حتى ظل عرشي في القيامة على رأسك محدودا وتاج الملك على رأسك معقودا ولقد قرنت أسمك باسمي فلا أذكر في موضع حتى تذكر معي ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك علي ومنزلتك عندي ولولاك ما خلقت الدنيا. قال ابن الجوزي هذا موضوع أبو السكين وإبراهيم بن اليسع ويحي البصري متروكون ووافقه الحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي على أنه موضوع انتهى ..
وأما الحديث الثاني فقال الحافظ الذهبي في الميزان عمرو بن أوس يجهل حاله أتى بخبر منكر أخرجه الحاكم في قسم الموضوع من المستدرك من طريق جندل ابن واثق عن عمرو بن أوس عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما أوحى الله إلى عيسى بن مريم آمن بمحمد فلولاه ما خلقت آدم ولا الجنة و النار قال الذهبي هذا موضوع عن ابن عباس."
واعتمد الرجل فى نقده على نقد الرجال فى الروايات بدلا من أن يقول أن سبب الخلق هو ابتلاء الخلق لتمييز الأحسن عملا من الأسوا عملا وليس محمد(ص)كما قال تعالى :
" الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
وذكر المؤلف أن القوم يعتمدون قصائد البوصيرى كدليل على صحة اعتقادهم فقال:
"ومن أقوى الحجج عند هؤلاء على معتقدهم الذي وصفنا في المقدمة ما نظمه البوصيري مما تضمنته هذه الأحاديث التي ذكرنا لكم النصوص على كذبها واختلاقها بقوله في الميمية .
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
وقوله:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
وقال غيره مما هو من نظمه وشكله:
لولاه ما خلقت شمس ولا قمر
ولا نجوم ولا لوح ولا قلم
إلى غير ذلك من قريض من لا يميز بين صحيح الحديث و ضعيفه ولا يبالي بتصحيحه من تحريفه
ولقد وقع بيني وبين رجل يوما من سكان شمال موريتانيا يقال له محمد ابن البار وهو ممن له شيعة منهم وأتباع يعتقدون أنه من أعلم الخلق وأولاهم بالله كلام ومناظرة ألزمته فيها الحجة والدليل على ما يعتقده هو و أمثاله على أنه لولا محمد صلى الله عليه وسلم ما تفضل الله تبارك وتعالى على احد ولا على شيء من الدواب والحشرات بأي شيء من الأرزاق وسائر المنافع فاحتج علي بقول البوصيري المتقدم لولاه لم تخرج الدنيا من العدم فقلت له قول البوصيري ليس حجة في الشريعة فقال لي البوصيري أفضل منك فقلت له ويحك متى علمت منزلتي عند الله حتى تفضل علي من لا تعلم ما لقي عنده فعلمت أن الشيخ ليس كما يعتقدون أتباعه."
وهذا كلام من لا يعقل الذى يجعل كلام بشر كالبوصيرى فوق كلام الله
وبعد ذلك نقل المؤلف قول السيوطى وابن عجيبة فى كون الحديث المزعوم لا أصل له ولا سند فقال :
"فنذكر لكم إن شاء الله تعالى أيضا من نص على وضعه وضعفه وعدم وجود سند له, فقد سئل الحافظ السيوطي عن حديث مصنف عبد الرزاق كما في الحاوي في الفتاوى أي من الجزء الأول صفحة 500 منه فأجاب بأنه لا سند له يثبت البتة وقال العلامة ابن عجيبة المغربي في شرح حكم أحمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري في ذكر منازع الصوفية منها أنه ضعيف عند العلماء وأن عليه اعتماد المتصوفة وقال أحمد الصديق الغماري في مقدمة كتابه المغير على ما في الجامع الصغير أنه موضوع لا يشك طالب علم في وضعه واختلاقه وسئل عنه الألباني, فأجاب بأنه باطل."
والغريب أن نص الحديث المزعوم لا تجده كاملا فى أى كتاب إلا نادرا وقد عثرت عليه فى كتاب لا علاقة له بالأحاديث وهو :
" عن جابر-رضي الله عنه-قال : سألت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن أول شئ خلقه الله تعالى؟ فقال: ((هو نور نبيك يا جابر؛ خلقه الله ثم خلق فيه كل خير وخلق بعده كل شئ ، وحين خلقه أقامه قدامه من مقام القرب اثني عشر ألف سنة ، ثم جعله أربعة أقسام: فخلق العرش من قسم ، والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة ، ثم جعله أربعة أقسام: فخلق القلم من قسم ، واللوح من قسم ، والجنة من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة ، ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق الملائكة من جزء ، والشمس من جزء ، والقمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة ، ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق العقل من جزء ، والعلم والحكمة من جزء ، والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة ، ثم نظر الله -عز وجل- إليه ، فترشح النور عرقاً ، فقطر منه مائة ألف أربعة وعشرون ألف قطرة من النور ، فخلق الله من كل قطرة روح نبي أو روح رسول ، ثم تنفست أرواح الأنبياء ، فخلق الله من أنفاسهم الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين إلى يوم القيامة ، فالعرش والكرسي من نوري ، والكروبيون من نوري ، والروحانيون والملائكة من نوري ، والجنة وما فيها من النعيم من نوري ، وملائكة السموات السبع من نوري ، والشمس والقمر والكواكب من نوري ، والعقل والتوفيق من نوري ، وأرواح الرسل والأنبياء من نوري ، والشهداء والسعداء والصالحون من نتاج نوري ثم خلق الله اثني عشر ألف حجاب فأقام الله نوري، وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة ، وهي مقامات العبودية والسكينة والصبر والصدق واليقين ، فغمس الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة ، فلما أخرج الله النور من الحجب ركبه الله في الأرض ، فكان يضيء منها ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ثم خلق الله آدم من الأرض فركب فيه النور في جبينه ، ثم انتقل منه إلى شيث ، وكان ينتقل من طاهر إلى طيب ، ومن طيب إلى طاهر إلى أن أوصله الله صلب عبد الله بن عبد المطلب ، ومنه إلى رحم أمي آمنة بنت وهب ، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، ورحمة للعلمين ، وقائد الغر المحجلين هكذا كان بدء خلق نبيك يا جابر"
هذا اللفظ من النفحات المكية واللمحات الحقية لمحمد عثمان الميرغني ص/28-29
وهو كلام من كلام الصوفية فالمقامات اختراع صوفى ثم تنفست أرواح الأنبياء ، فخلق الله من أنفاسهم الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين إلى يوم القيامة والشهداء والسعداء والصالحون من نتاج نوري فلما أخرج الله النور من الحجب ركبه الله في الأرض ، فكان يضيء منها ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق الملائكة من جزء ، والشمس من جزء ، والقمر والكواكب من جزء ونلاحظ التالى:
1-التناقض بين كون خلق الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين من أنفاس الأنبياء(ص) فى قوله" ثم تنفست أرواح الأنبياء ، فخلق الله من أنفاسهم الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين إلى يوم القيامة"
وبين كونهم مخلوقين من نولا المتكلم فى قوله" والشهداء والسعداء والصالحون من نتاج نوري "
2-أن نور الأرض هو نور المتكلم فى قوله:
"فلما أخرج الله النور من الحجب ركبه الله في الأرض ، فكان يضيء منها ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم"
وهو ما يناقض كون الشمس تنيرها وقد خلقت من قبل فى أول الحدبق فى قوله" ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق الملائكة من جزء ، والشمس من جزء ، والقمر والكواكب من جزء "
3-كون نور النبى(ص) "كان ينتقل من طاهر إلى طيب ، ومن طيب إلى طاهر إلى أن أوصله الله صلب عبد الله بن عبد المطلب ، ومنه إلى رحم أمي آمنة بنت وهب "
فكيف يكون عبد الله بن عبد المطلب وأبوه وغيرهم طاهرين وهم مشركون بالله والله يقول "فنما المشركون نجس"؟
وذكر فى رواية "إن أبى وآباك فى النار"
4-كون الرجل المتكلم يعتبر نفسه سيد المرسلين فى قوله :
"ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، ورحمة للعلمين ، وقائد الغر المحجلين"
وهو ما يناقض كون المؤمنين جميعا إخوة كما قال تعالى "إنما المؤمنون إخوة "
كما أن عقيدة المسلم هو ألا يفرق بين الرسل (ص) كما قال تعالى:
"لا تفرق بين أحد من رسله"
هذا بعض من أخطاء الحديث المزعوم