فيلم الممر عديد السقطات

شادي طلعت في الثلاثاء ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما يسلط الإعلام ضوئه على حدث ما، فسوف يراه الناس بصورته الدعائية، سلبية كانت أم إيجابية، وها هو فيلم الممر، يملأ سماء الإعلام، في ذكرى نصر أكتوبر لعام 2019م، وقد نال الفيلم ما ناله من ثناء، وعلا صوت صناعه، فوصلت أصدائهم إلى كل الآفاق، وعندما سمعت بتلك الملحمة الفنية، إشتقت إلى أن أراها، ولما لا، والفيلم قيل عنه ما قيل، فهو أضخم إنتاج فني في تاريخ المحروسة، تخطى الـ 100 مليون جنيه، وقصته وإخراجه، للمبدع شريف عرفه، فكيف لا أشاهده.

حتى كان .. وشاهدت الفيلم الملحمة، لكن .. ما أن إنتهيت منه إلا وقلت لنفسي : ما هذا العبث، والهراء، ما هذا السم المدسوس في العسل المغشوش.

عن أي ملحمة تحدث مروجوا هذا الفيلم المليئ بالسقطات، أتراهم شاهدوه قبل حديثهم، أم أنهم تحدثوا عنه نقلاً عن صانعيه، أم أنهم شاهدوه دون أن يقرأوا ما ورد فيه صراحة.

إن كافة الأعمال الفنية التي دارت حول الفترة من عام 1967م حتى 1973م، وقيل عنها أنها هابطة، أو دون المستوى !، أجدها أرفع وأرقى، من تلك الملحمة المزعومة (فيلم الممر)، وفي عجالة سأشير إلى بعض من السم الذي دس في العسل المغشوش، هذا إن كان الفيلم إرتقى ليشبه بالعسل.

 

بداية .. القصة رائعة، وتصلح لفيلم سينمائي كبير حقاً، لكن بشرط توافر ثلاثة عناصر رئيسة، أن يكون إنتاجه، وإخراجه، إحترافيين، وأن يكون له كاتب سيناريو وحوار على قدر العمل صاحب أكبر تكلفة في تاريخ السينما المصرية، فإن غاب أي عنصر من العناصر الثلاثة، فحتماً سيسقط العمل، لكن النكبة .. أن الإنتاج، والإخراج، والسيناريو والحوار، لم يكونوا جميعاً على قدر المستوى، فسقطوا بالفيلم وصانعيه.

 

فمن بين كل الأفلام التي شاهدتها للمخرج شريف عرفه، كان فيلم "الممر" هو الأسوأ في تاريخه، فالرجل لم يوفق في إختيار البطل (أحمد عز)، الذي لا يملك أي ملكات فنية أو تمثيلية، فقد ظهر ضابط الصاعقة بنفس شخصيتة في فيلم ملاكي إسكندرية، أو فيلم مسجون ترنزيت، إنه ممثل فقير فنياً، لم يضفى على شخصية بطل الممر أي علامة !.

كذلك من أخطاء المخرج إختيار مجموعة من الممثلين قد تجاوزا الأربعين، أو شارفوا عليها، ليؤدوا أدواراً لجنود لا تتجاوز أعمارهم الـ 23 عاماً فقط، وزاد الأمر سوءً عدم وجود ماكيير قادر على إزالة آثار العمر لهؤلاء.

أما عن المشاهد العسكرية، فقد بدت من أول وهلة أنها مشاهد لعمل يفتقر الفن، والإخراج، والإبداع، والفارق بينها وبين هوليود أو بوليود، كالفارق بين (النمر السيبيري والقط)، فما تعلمته أنا على سبيل المثال أثناء تأديتي للخدمة العسكرية، أنني إن أردت المباغتة، فإنني أقترب زاحفاً، حتى لا يراني أحد، لا أن أخرج على مسلحين في وضح النهار ماشياً، أو حتى في ظلمة الليل، كما كانت مشاهد تبادل إطلاق النار تمثيلية، ولم يستطع المخرج أن يدخل بمشاعر المشاهد في لب الصراع الدموي.

 

أما عن الموسيقى التصويرية، فقد كانت ركيكة للغاية، وغير مناسبة لمشاهد الفيلم، فلم تكن أخاذة للقلوب، فلا هي بالحماسية، أو المؤثرة عاطفياً سلباً أو إيجاباً، وتبدو لي كما لو أنها صنعت على عجل !.

 

أما عن السموم التي دست في العسل المغشوش، والذي ليس بعسل، بل هكذا صوره مروجوه !، فكانت من خلال تحطيم قييم زرعت في المصريون سابقاً، وإليكم البعض، وليس الكل من خلال عدد من المشاهد :

 

  • تعمد الفيلم إظهار فشل القيادة السياسية المصرية، وتسببها في نكسة 1967م، بشكل ساخر، غير موضوعي.

 

  • وتعمد الفيلم إظهار فشل القيادة العسكرية بجدارة قبل النكسة، بشكل ينم عن فساد لم يتم شرح جوانبه.

 

  • أظهر الفيلم عدم مساندة الشعب للجيش وقتها، بل وأظهر للجميع أن الشعب كان يستهزأ بجيشه المهزوم.

 

  • كان مشهد المشاجرة في السنترال مسيئاً للمصريين، وجيشهم بشدة، وكان من الممكن الإستعاضة عنه بإظهار نيران الإنتقام، مما يتم تداوله في الصحافة العالمية، أو أية أفكار أخرى لا تمس العلاقة بين الشعب وجيشه.

 

  • تم تصوير بطل الفيلم أنه ضابط يخالف رأي قادته متى رأى ذلك !، علماً بأن السمع والطاعة عقيدتان لا تقبل الجدل في أي عسكرية أياً ما كانت.

 

  • أساء الفيلم للجيش بأن أظهر طريقة تعامل أفراده العنيفة مع الضابط الإسرائيلي الأسير، قد كانت سقطة كبيرة، وزاد الأمر سوءاً، أن الضابط الإسرائيلي كان يُذكر قوات الجيش المصري بأنه أسير، ويذكرهم بإتفاقية جنيف، لكن ومع هذا تعمد المصريون إهانة وتعذيب الأسير، بما يخالف القانون.

 

  • أما عن مشاهد الخيال الواسع فقد كانت عديدة، سواء في إنزال القوات، أو طرق إتصالاتهم بالقيادة، أو حتى أسر الضابط الإسرائيلي، أو ..... إلخ.

 

ومن المشاهد المؤلمة حقاً في هذا الفيلم، الإساءة المتعمدة إلى الصحفيين المصريين :

  • فقد تم تصوير الصحفيين في أكثر من موقع، على أنهم لا يكتبون إلا ما يملى عليهم، علماً بأن مصر تذخر بصحفيين ذاقوا العذاب بكافة أشكاله، نظراً لعدم قبولهم بالحيدة عن كلمة الحق.

 

  • كما تم تصوير الصحفيين بأنهم رفضوا المشاركة في أداء المهمة الوطنية، بإستثناء صحفي واحد متخصص بأخبار الملاهي الليلية، فهل يليق أمر كهذا بالصحفيين، وبنقابة عريقة كنقابة الصحفيين !.

 

ومن المشاهد التي لم يكن صناع الفيلم في حاجة إليها، لأنها لا تضفي علامات، بل تسيئ فيما بين طوائف الشعب، تلك التي سعت للتأكيد على وجود "غربة" فيما بين مكونات أبناء الوطن الواحد مثل :

  • الإصرار على إظهار الغربة فيما بين أهل النوبة والشعب (مشهد الحوار بين الفنان أمير صلاح، والفنان محمد فراج)، لدرجة أن إبن النوبة قد هرب من ميدان المعركة.

 

  • الإصرار على إظهار الغربة فيما بين البدو وأهالي الصعيد عن باقي الشعب، وأنهم لا يجتمعون إلا في المعارك.

 

  • كما لم يظهر جندي مسيحي واحد في الفيلم، علماً بأن العمليات والمهمات العسكرية لم تخلوا منهم أبداً.

 

أما عن أفضل مشاهد الفيلم فكانت لأربعة فقط :

  • مشهد الفنانة/ هند صبري، عندما أرادت أن ترفع عن كاهل زوجها عار الهزيمة، فذكرت له قصة الكابوس.

 

  • مشهد الفنان/ محمد فراج، وهو يشرح لقائده سبب إطلاقه للنيران على طائرات العدو من دون ساتر يحميه.

 

  • مشهد الفنان/ أحمد صلاح حسني، أثناء تدريبه لرجاله قبل بدء المهمة.

 

  • مشهد الفنان/ إياد نصار، أثناء لقاءه الأول بالأسرى المصريين، ثم حواره مع بطل الفيلم بعد أسره.

 

وأصحاب أفضل المشاهد الأربعة كانوا هم الأعلى في الأداء فناً وتمثيلاً، أما البقية .. فإنني أتمنى لهم مستقبل أفضل من فيلم "الممر".

 

في النهاية أؤكد أنني لم أجد مشاهد الفيلم المتتالية جذابة لأتابعه، وإنما تابعته بسبب الضجة الإعلامية التي صاحبت عرضه خلال إحتفلات أكتوبر.

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 7312