نقد كتاب مَسْبُوك الذَّهبِ، في فَضْلِ العربِ

رضا البطاوى البطاوى في الأحد ٢٢ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب مسبوك الذهب، في فضل العرب، وشرف العلم على شرف النسب
الكتاب تأليف مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي وموضوعه كما قال المؤلف:
"هذه مسائل تستعذب، ودلائل تستغرب، تتعلق بفضل العرب وما حازوه من شرف النسب والحسب، وسميته (مسبوك الذهب، في فضل العرب، وشرف العلم على شرف النسب) "
وفى المقدمة تكلم المؤلف عن الأصل اللغوى لكلمة العرب قال :
"اعلم أرشدك الله أن العرب - بالضم وبالتحريك - خلاف العجم والعجم - بالضم والتحريك - خلاف العرب من أي جنس كان، من ترك وروم وهند وبربر وزنج والعرب العاربة والعرب العرباء الخلص منهم، وعرب متعربة ومستعربة دخلاء بينهم (ويقال العرب العاربة هم الذين تكلموا بلسان يعرب بن قحطان، و هو اللسان القديم، والعرب المستعربة هم الذين تكلموا بلسان إسماعيل وهي لغة أهل الحجاز وما والاها من البادية)
قال في القاموس : والعرب سكان الأمصار والأعراب منهم سكان البادية وكلام النحاة يخالف كلام القاموس، فإنهم قالوا : أبى سيبويه أن يجعل الأعراب جمع عرب لأن الجمع أعم من المفرد، والعرب يعم الحاضرين والبادين والأعراب خاص بالبادين قيل : بل الأعراب جمع عربي
وقيل : اسم جنس جمعي لا واحد له من لفظه يفرق بينه وبين واحده بياء النسب، مثل روم ورومي، وزنج وزنجي وهذا أظهر "
والكلام ومعانيه فى اللغة هو من اختراعات الكفار لذين أرادوا إبعاد الناس عن معانى الكلمات فى الوحى فمعظم ما قيل فى معانى اللغة يخالف ما ورد من معانيها فى المصحف وكلمة العرب لم ترد فى المصحف وما ورد هو الأعراب ووصف لكتاب واللسان بالعربى
لا يوجد قوم اسمهم العرب فى الوحى لأن الله لا يتعامل مع أصحاب اللغات وإنما يتعامل مع أصحاب الديانات وهم يتكلمون لغات مختلفة ومعنى العربى هو الواضح المفهوم وأما الأعراب فأطلقت على السكان خارج المدينة
ثم تناول المؤلف تاريخ العرب فقال :
"واعلم أن العرب موجودة من قبل إسماعيل لإبراهيم، فإن الله تعالى قد بعث إليهم قبل إسماعيل هودا وصالحا - عليهما السلام - وما قيل من أن إسماعيل أبو العرب فلعل المراد أشرف العرب، أو غالب العرب
ثم رأيت في حديث الترمذي وحسنه عن النبي ( قال : (سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم) و رأيت صاحب (تاريخ الخميس) ذكر ما حاصله : أن أبناء نوح - عليه السلام - ثلاثة: سام وهو أبو العرب، وفارس، والروم ويافث وهو أبو الترك، ويأجوج ومأجوج : (والخز) و الصقالبة وحام وهو أبو السودان من الحبشة والزنج والقبط والأفرنج قال : ومن أولاد سام عراق وكرمان وخراسان وفارس وروم، وباسم كل واحد سميت المملكة التي حل بها قال : و أما ولد ارم بن سام بن نوح فإنهم احتقروا الناس بما أنعم الله عليهم من القوة والبطش واللسان العربي، وكانوا سبعة إخوة، وهم : عاد - وكان أعظمهم قوة وبطشا - ، وثمود، وصحار، ووبار، وطسم، وجديس، وجاسم، وهؤلاء كلهم تفرقوا بجزيرة العرب، وهم العرب السالفة الأولى الذين انقرض غالبهم
قال : وقد فهم الله العربية لعمليق، وطسم، وعاد، وعبيل، وثمود، وجديس
وقال صاحب (تاريخ الملوك التبابعة وملوك حمير " : إن هودا - عليه السلام - بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح هو أبو العرب العاربة وإن ابنه قحطان هو ولي عهده قد لزم طريقته، واقتدى بها وأن يعرب بن قحطان بن هود هو أول من ألهمه الله - تعالى - العربية المحضة، وقال فأبلغ، واختصر فأوجز، وأشتق اسم العربية من اسمه وأن يشجب بن يعرب قام مقامه في النهي والأمر وحاز اليمن والحجاز، وأن سبأ بن يشجب كان ملكا عظيما، وهو أول من سبى السبي غزا ملوك بابل وفارس والروم والشام حتى أتى المغرب، ثم رجع إلى اليمن فبنى السد الذي ذكره الله - تعالى - و اسمه العرم، وقسم الملك بين ولديه حمير وكهلان "
هنا ذكر المؤلف أقوال فيمن هو أصل العرب فذكر إسماعيل(ص)وهود(ص) ويعرب بن قحطان وسام وكلها أقوال متناقضة ووجود أولاد بنين لنوح(ص) يناقض أن ذريته الرجال انتهت بموت ابنه الكافر ولم يكن له إلا بنات ولذا فبنو إسرائيل ليسوا من ذريته وإنما ذرية المؤمنين به كما قال تعالى ""وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح"
وبعد هذا بين المؤلف الحقيقة وهى أن ادم(ص) هو أول المتكلمين بالعربية وفسر الأقوال الأخرى فقال:
"واعلم أن ادم - عليه السلام - هو أول من تكلم بالعربية بل بالألسنة كلها بجميع لغاتها، وعلمها أولاده، فلما افترقوا في البلاد وكثروا اقتصر كل قوم على لغة وما روي : أول من تكلم بالعربية إسماعيل، أو يعرب بن قحطان فالمراد من ولد إبراهيم، أو من قبيلته، وعلى هذا فالظاهر أن لغة العرب قديمة، بل وسائر اللغات وأن من كان يتكلم بالعربية من بني ادم قبل الطوفان فهم العرب، أو أن العرب والعجم والروم والترك والحبش أوصاف حادثة بعد الطوفان، وأنه كانت للناس أوصاف وأجناس أخر قبل الطوفان نسخت ونسيت، فإن الطوفان عم أهل الأرض جميعا بحيث لم يبق على وجه الأرض أحد 00ونوح - عليه السلام - هو الأب الثاني للبشر قال تعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين) ثم تناسلوا وكثروا وتكلموا باللغات كلها إما بإلهام من الله - تعالى - كما مر، أو بتلقيها من نوح - عليه السلام - ، وتلقاها أولاده عنه، هذا محل تردد، ولم أر في ذلك نقلا والأقرب تلقيها من نوح - عليه السلام - فإن اللغة لا يحيط بها إلا ملك أو نبي "
وبالقطع ليس المقصود بالذرية هنا الأولاد وإنما الشيعة أى الأتباع المؤمنين به فكل نبى بقى أى نجا معه المؤمنون كما قال تعالى" ثم ننجى رسلنا والذين امنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين"وقال"وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين"
ثم بين معنى الأعراب فقال:
"واعلم أن الأعراب في الأصل اسم لسكان بادية أرض العرب، فإن كل أمة لها حاضرة وبادية، فبادية العرب الأعراب، وبادية الروم الأرمن، وبادية الترك التركمان، وبادية الفرس الأكراد "
وهى كلمة ليس معناها كما قال فهم سكان خارج المدينة أو المدن أيا كانوا لأنه لا يوجد قوم اسمهم العرب إلا أن يكونوا بمعنى المسلمين فاسمهم مأخوذ من تسمية القران بالعربى فيكونون بناء عليه هم العرب بمعنى الواضحين أى المسلمين
وتناول الرجل ما سماه بحدود بلاد العرب فقال:
"وأرض العرب هي : جزيرة العرب التي هي من بحر القلزم شرقي مصر إلى بحر البصرة، ومن أقصى حجر باليمن إلى أوائل الشام
وقال أبو عبيد : جزيرة العرب من عدن إلى ريف العراق طولا، ومن تهامة - بكسر التاء - إلى ما وراءها، إلى أطراف الشام وسميت جزيرة لأن بحر فارس، وبحر الحبش، ودجلة والفرات قد أحاطت بها "
وهو وهم من الأوهام فالدراسات بينت أن العربية كانت موجودة فى مصر الحالية وغيرها ولكن الاختلاف كان فى طرق كتابتها وأما نطقها فكان واحدا مع تعدد اللهجات كما أن هناك مناطق عربية فى إيران رغم إحاطتها من كل لجوانب بمناطق تتكلم الفارسية وهناك بلاد فى أفغانستان ولقوقاز تتكلم العربية فقط مع أن المحيط اللغوى مختلف عنها تماما
ثم تناول الرجل مسألة فضل العرب على العجم فقال:
"إذا تقرر هذا فاعلم أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، كما أن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة، وأما باعتبار أفراد أو أشخاص، فقد يوجد من النساء ما هو أفضل من ألوف من الرجال كمريم وفاطمة وعائشة وقد يوجد من العجم ما هو أفضل من ألوف من العرب كصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وغيرهم فإن كل واحد منهم أفضل من ألوف من العرب بل أفضل من ألوف من قريش وبني العباس والأشراف ويصح أن نقول : إن كل واحد من مثل سلمان و بلال وصهيب لصحبة رسول الله - ( - أفضل من جعفر الصادق وموسى الكاظم، وأفضل من أبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وهل يصح أن يقال إن الواحد من الصحابة أفضل من جميع أمة محمد من غير الصحابة المشتملة على الأقطاب والأنجاب والأبدال والعلماء والشهداء والأولياء؟ الظاهر صحة ذلك وإن كان العقل يأبى ذلك ويستبعده لا سيما في الهيئة الاجتماعية من الفضل والقوة غاية المزية فليتأمل
والدليل على فضل العرب من وجهين، من المنقول والمعقول: أما النقل : فقد روى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم (والحاكم) عن ابن عمر - رض الله عنه - قال : قال رسول الله (: (إن الله - تعالى - خلق الخلق، فاختار من الخلق بني ادم، واختار من بني ادم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) فهذا النقل صريح في فضل العرب على العجم، وصريح في فضل جنس بني ادم على (جنس) الملائكة، خلافا للمعتزلة ومن وافقهم وروى الترمذي أيضا وحسنه من حديث العباس - رض الله عنه - أن النبي - ( - قال : (إن الله خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا)
وروى الترمذي أيضا وحسنه، قال : جاء العباس إلى رسول الله - ( - وكأنه سمع شيئا فقام النبي - ( - على المنبر فقال : (من أنا؟ فقالوا: أنت رسول الله فقال : (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب) ثم قال : (إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، وخيرهم نفسا) وروى الإمام أحمد هذا الحديث في (المسند) وفيه : فصعد النبي - ( - المنبر فقال: (من أنا؟ " فقالوا: أنت رسول الله فقال : (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خيرفرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خير بيت ، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا) وروى الحافظ ابن تيمية من طرق معروفة إلى محمد بن إسحاق الصاغاني بإسناده إلى ابن عمر عن النبي - ( - وفيه : (ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني ادم، واختار من بني ادم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم)
ففي هذه الأحاديث كلها أخبر رسول الله - ( - أنه تعالى جعل بني ادم فرقتين، والفرقتان العرب والعجم، ثم جعل العرب قبائل فكانت قريش أفضل قبائل العرب، ثم جعل قريشا بيوتا، فكانت بنو هاشم افضل البيوت)
فالأحاديث كلها صريحة بتفضيل العرب على غيرهم وروى الإمام أحمد ومسلم و الترمذي من حديث الأوزاعي، عن شداد، عن واثلة بن الأسقع - رض الله عنه - قال : سمعت رسول الله - ( - يقول : (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) وفي لفظ اخر (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) إلى اخره قال الترمذي : هذا حديث صحيح وهذا الحديث يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، وأنهم أفضل من ولد إسحاق، ومعلوم أن ولد إسحاق الذين هم بنو إسرائيل افضل من العجم لما فيهم من النبوة والكتاب حيث ثبت فضل ولد إسماعيل على بني إسرائيل، فعلى غيرهم بطريق الأولى وقد احتج الشافعية في الكفاءة بهذا، فقالوا: إن العرب طبقات، فلا يكافئ غير قرشي من العرب قرشية، وليس القرشي كفء للهاشمية، للحديث السابق : (إن الله اصطفى) إلى اخره قالوا : وأولاد فاطمة - عليها السلام - لا يكافؤهم غيرهم من بقية بني هاشم، لأن من خصائصه - عليه السلام - أن أولاد بناته ينسبن إليه قالوا: وكذا باقي الأمم فلا يكون من ليس من بني إسرائيل كفء لإسرائيلية ومذهب الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - : أن جميع العرب أكفاء لبعضهم، كما أن جميع العجم أكفاء لبعضهم، واعتبر النسب في الكفاءة لأن العرب تفتخر به واعلم أن الأحاديث الواردة في فضل قريش، ثم في فضل بني هاشم كثيرة جدا وليس هذا موضعها "0
الرجل هنا يقرر أن العرب أفضل من العجم بسبب روايات تعارضها روايات مثل :
"لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى "
والرواية عن الانتماءات الأسرية :
"دعوها فإنها منتنة"
والتقرير هنا يتعارض مع أن الأفضلية وهى الإكرام بالتقوى وليس بلغة او بغيرها كما قال تعالى :
"إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
كما يتعارض مع قوله تعالى :
"إنما المؤمنون إخوة "
فالأفضلية الدنيوية تتنافى مع الإخوة حث كل أخ مساوى للأخ الأخر
ثم كيف يكون العربى الكافر أفضل من المسلم الأعجمى؟
أليس هذا جنون ؟
ثم كيف يختار الله أى يصطفى الكفار قريش وبنى هاشم وعبد الله والد لنبى(ص)وهو لا يصطفى إلا المسلمين من الملائكة والناس كما قال تعالى
"الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس"؟
ثم كيف يكون والد النبى(ص)مصطفى مختار وهو كافر طبقا لرواية "إن أبى وأباك فى النار"؟
وأما قولهم وأولاد فاطمة - عليها السلام - لا يكافؤهم غيرهم من بقية بني هاشم، لأن من خصائصه - عليه السلام - أن أولاد بناته ينسبن إليه فيخالف قوله تعالى "ادعوهم لاباءهم "اولاد بناته ينسبون لأزواج بناته طبقا للاية لأن هذا ينسف كون عيسى بن مريم(ص) الوحيد المنسوب لأمه وطبقا للروايات لم ينقل عن النبى (ص)أنه قال عن بنات فاطمة أنهن بناته وإنما الولدين فقط وكذلك أمامة بنت العاص وأخوها عبد الله أولاد زينب ابنته
ثم قال مرعى فى دلالة العقل المزعوم على فضل العرب والغريب أن أكثر نقول لروايات التى ليست بعقل وإنما نقل فقال:
"0وأما العقل الدال على فضل العرب : فقد ثبت بالتواتر المحسوس المشاهد أن العرب أكثر الناس لسخاء، وكرما، وشجاعة، ومروءة، وشهامة، وبلاغة، وفصاحة ولسانهم أتم الألسنة بيانا، وتمييزا للمعاني جمعا وفرقا بجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل، إذا شاء المتكلم الجمع ويميز بين كل لفظين مشتبهين بلفظ اخر مختصر، إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي
ومن كان كذلك فالعقل قاض بفضله قطعا على من ليس كذلك، ولهم مكارم أخلاق محمودة لا تنحصر ، غريزة في أنفسهم، وسجية لهم جبلوا عليها، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا هم أيضا مشتغلون ببعض العلوم العقلية المحضة كالطب أو الحساب أو المنطق ونحوه إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم، أو الحروب، فلما بعث الله محمدا - ( - بالهدى الذي ما جعل الله في الأرض مثله تلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم، ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى زالت تلك الريون عن قلوبهم واستنارت بهدي الله فأخذوا هذا الهدي العظيم بتلك الفطرة الجيدة فاجتمع لهم الكمال التام بالقوة المخلوقة فيهم، والهدى الذي أنزله عليهم، ثم خص قريشا على سائر العرب بما جعل فيهم خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص، ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة، واستحقاق قسط من الفيء إلى غير ذلك من الخصائص، فأعطى الله - سبحانه - كل درجة من الفضل بحسبها والله عليم حكيم (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) (الله أعلم حيث يجعل رسالاته)
واعلم أنه ليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي - ( - منهم كما يتوهم وإن كان هو - عليه السلام - قد زادهم فضلا وشرفا بلا ريب - بل هم في أنفسهم أفضل وأشرف وأكمل وبذلك ثبت له - عليه السلام - أنه أفضل نفسا ونسبا، وإلا للزم الدور وهو باطل
وبالجملة فالذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم، وسريانيهم، ورومهم، وفرسهم، وغيرهم، وأن قريشا أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله - ( - أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق أجمعين، وأشرفهم نسبا وحسبا، وعلى ذلك درج السلف والخلف
قال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة، التي قال فيها : هذا مذهب أئمة العلم، وأصحاب الأثر، و أهل السنة المعروفين بها، المفتدى بهم فيها
قال : وأدركت من أدركت من أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، وأن من خالفها أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق - وساق كلاما طويلا إلى أن قال - : ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله - ( - (حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق) ولا نقول بقول الشعوبية و أراد الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون بفضلهم - فإن قولهم بدعة وخلاف
وقد وردت أحاديث تؤيد مذهب أهل السنة والجماعة: روى الحاكم عن انس عن النبي - ( - (حب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني)
وروى الطبراني عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - ( - (حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني)
وروى ابن عساكر والسلفي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ( - : حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر، وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم كفر ، وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر)
وروى الترمذي وغيره عن سلمان - رض الله عنه - قال : قال رسول الله - ( - (يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك)
قلت يا رسول الله، كيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال : (تبغض العرب فتبغضني)
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب فجعل النبي - ( - بغض العرب سببا لفراق الدين، وجعل بغضهم مقتضيا لبغضه - عليه السلام - ولعله إنما خاطب سلمان بهذا وهو سابق الفرس، وذو الفضائل المأثورة تنبيها لغيره من سائر الفرس، لما علمه الله - تعالى - من أن الشيطان قد يدعو بعض النفوس إلى شيء من ذلك وهذا دليل على أن بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر، أو سبب للكفر، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم، وأن محبتهم سبب قوة الإيمان وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ( - : (أحبوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نور في الإسلام، وإن فناءهم فناء في الإسلام) رواه أبو الشيخ ابن حبان
وعن جابر - رض الله عنه - أن النبي - ( - (قال : إذا ذلت العرب ذل الإسلام) حديث صحيح وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - ( - (الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) حديث صحيح متفق عليه وقال - ( - : (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله) حديث صحيح أخرجه الأئمة الستة)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد رويت في ذلك أحاديث، النكرة ظاهرة عليها كحديث الترمذي من حديث حصين بن عمر بإسناده عن عثمان بن عفان - رض الله عنه - قال : قال رسول الله - ( - : (من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي) قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حصين بن عمر قال ابن تيمية: حصين هذا الذي رواه قد أنكر أكثر الحفاظ حديثه قال يحيى بن معين : ليس بشيء وقال ابن المديني : ليس بالقوي وقال البخاري وأبو زرعة : مكر الحديث وقال ابن عدي : عامة أحاديثه معاضيل و ينفرد عن كل من روى عنه منهم ومنهم من يجاوز به الضعف إلى الكذب وروى عبد الله بن أحمد في مسند أبيه (من طريق إسماعيل بن عياش عن يزيد بن جبير بإسناده، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ( - : (لا يبغض العرب إلا منافق) قال ابن تيمية : وزيد بن جبيرة عندهم منكر الحديث، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين مضطربة
وروى العقيلي في (الضعفاء) والطبراني في (الكبير " ، والحاكم في (المستدرك) و البيهقي في (شعب الإيمان) عن ابني عباس - رض الله عنه - قال : قال رسول الله - ( - : (أحبوا العرب لثلاث، لأني عربي، والقران عربي، وكلام أهل الجنة عربي) قال الحافظ السلفي : هذا حديث حسن قال ابن تيمية : فما أدري أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين، أو حسن متنه على الاصطلاح العام؟ قال : وابن الجوزي ذكر هذا الحديث في (الموضوعات) وقال: قال العقيلي: لا أصل له وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ( - أنا عربي، والقران عريي، ولسان أهل الجنة عربي
قال الحاكم : حديث صحيح رجاله كلهم ثقات
و مما يدل على فضل العرب أيضا ما رواه البزار بإسناده قال : قال سلمان - رض الله عنه - نفضلكم يا معشر العرب لتفضيل رسول الله - ( - إياكم، لا ننكح نساءكم، ولا نؤمكم في الصلاة
قال ابن تيمية : وهذا إسناد جيد قال : وقد روي من طريق أخر عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - أنه قال : فضلتمونا يا معشر العرب باثنتين : لا نؤمكم، ولا ننكح نساءكم ورواه سعيد في (سننه) وغيره
وهذا الحديث مما احتج به أكثر الفقهاء الذين جعلوا العربية من الكفاءة بالنسبة إلى العجمي قائلين : ولا تزوج عربية بعجمي
قال الفقهاء في تعليل ذلك - : لأن الله - تعالى - اصطفى العرب على غيرهم وميزهم عنهم بفضائل جمة واحتج أصحاب الإمام الشافعي، والإمام أحمد بهذا على أن الشرف مما يستحق به التقدم في الصلاة
ولما وضع الإمام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الديوان للعطاء كتب الناس على قدر أنسابهم، فبدأ بأقربهم نسبا إلى رسول الله - ( - ، فلما انقضت العرب ذكر العجم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين، وسائر الخلفاء من بني أمية، والخلفاء من بني العباس إلى أن تغير الأمر بعد ذلك
وذكر غير واحد أن عمر بن الخطاب حين وضع الديوان، قالوا له : يبدأ أمير المؤمنين بنفسه 0فقال: لا، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله - تعالى - فبدأ بأهل بيت رسول الله - ( - ثم من يليهم حتى جاءت نوبته في بني عدي، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش فانظروا إلى هذا الإنصاف من عمر حيث عرف الحق لأهله، وبموجب هذا الاتباع للحق ونحوه قدمه على عامة بني هاشم فضلا عن غيرهم من قريش
فظهر بما تقرر: أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وأن حب العرب من الإيمان وبغضهم نفاق، أو كفر، وعلى هذا درج السلف والخلف كما تقدم لك ذكره "
ونلاحظ أن كل ما ذكره تكرار لما سبق أن من الأمور بروايات أخرى يعرف أن معظمها ضعيف أو منكر وهو نقل وليس من العقل وقد نقض الرجل ما سماه شرف النسب بكون شرف العلم أفضل وأحسن منه فى امور والشرف النسبى أفضل منه فى أمور فقال :
"واعلم وفقك الله - تعالى - أن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص من حيث الدين الذي هو المقصود الأعظم، وإن استلزمها من حيث الكفاءة وهنا مزلة أقدام، وهو أن كثيرا يتوهم أن شرف النسب أفضل من شرف العلم، ويقول : إن الشرف الذاتي أفضل من الشرف الكسبي، وبعضهم يعكس وأظن أن كلا من الفريقين لا يعرف تحقيق وجه الأفضلية، والصواب التفصيل وعدم الإطلاق، وهو أن شرف النسب أفضل من حيث الكفاءة فلا يكافيء عجمي عالم بنت عربي جاهل، وأن الزوجة الأمة المسلمة لا تساوي من حيث القسم الزوجة الحرة اليهودية، أو النصرانية، فللحرة ليلتان، وللأمة ليلة إلى غير ذلك من الأحكام
وشرف العلم أفضل من حيث التقدم في الصلاة ومنصب الإفتاء والقضاء وغير ذلك وينظر في منصب الخلافة، والإمامة العظمى فهل يستحقها قرشي جاهل، أو عجمي فاضل؟ وهذا كله مع الاتصاف بتقوى الله - تعالى - وإلا فالعالم الفاسق كإبليس، والعربي الجاهل كفرعون وكلاهما مذموم وأيضا فمن اغتر في الكفاءة بشرف النسب، فيقال له : إن العجمي وإن كان ليس كفءا للعربية، فالعربي الفاسق أيضا ليس كفءأ للعجمية المرضية ، فإن الشرع أيضا يعتبر في الكفاءة منصب الدين كما يعتبر منصب النسب ولا يكافئ العربي الجاهل بنت العالم صرح بذلك الشافعية"
وبعد أن قال بتفاضل الشرفين كل فى أمور عاد وقرر أن الشرف الكسبى وهو العلم أفضل فقال :
"إذا علمت هذا فاعلم أن الذي يرجع إليه ويعول في الفضل عليه هو الشرف الكسبي الذي منه العلم والتقوى، وهو الفضل الحقيقي، لا مجرد الشرف الذاتي الذي هو شرف النسب بشهادة القران وشهادة النبي - عليه السلام - وشهادة الأذكياء من الأنام مفرد:
إن الفتى من يقول ها أناذا ليس الفتى من يقول كان أبي
فمن الغرور الواضح، والحمق الفاضح أن يفتخر أحد من العرب على أحد من العجم بمجرد نسبه، أو حسبه، ومن فعل ذلك فإنه مخطيء جاهل مغرور فرب حبشي أفضل عند الله تعالى من ألوف من قريش قال الله - تعالى - في مثل ذلك : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
وقال تعالى : (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم * بر ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم)
وقال تعالى : (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)
وقال : (يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) إلى غير ذلك من الايات
وقال النبي - ( - في الحديث الصحيح : (إن الله - تعالى - قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها بالأباء، مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو ادم وادم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن)
رواه أبو داود وغيره
وقال ابن تيمية : وهو صحيح
وفي حديث اخر بإسناد صحيح أن النبي - ( - قال في خطبته بمنى: (يا أيها الناس ألا إن ربكم - عز وجل - واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى ألا قد بلغت؟ قالوا: نعم قال : ليبلغ الشاهد الغائب) وروى مسلم في صحيحه : (أن النبي - ( - قال : إني أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد) فنهى الله - سبحانه وتعالى - على لسان رسوله عن نوعي الفخر والبغي اللذين هما الاستيطال على الخلق، فمن استطال بحق فقد افتخر، وإن كان بغير حق لقد بغى، ولا يحل هذا ولا هذا
ولو كان الفخر بالحسب أو النسب لكان لليهود فخر وأي فخر، فهم أولاد يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق : ذبيح الله بن إبراهيم : خليل الله، إنما الفخر بتقوى الله وطاعته، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ولهذا قال - ( - : (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله - ( - لا أغني عنك من الله شيئا) ففي ذلك تنبيه منه - عليه السلام - لمن انتسب لهؤلاء الثلاثة أن لا يغتروا بالنسب ويتركوا الكلم الطيب، والعمل الصالح
نعم من اتقى الله - تعالى - من العرب فقد حاز فضيلة التقوى، وفضيلة النسب، ومن لم يتق الله فهو إلى البهائم أقرب قال الله تعالى : (أن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وقال تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك)
فالفضل الحقيقي هو اتباع ما بعث الله - تعالى - به محمدا من الإيمان والعلم باطنا وظاهرا، لا أنه (بمجرد) كون الشخص عربيا أو عجميا أو أسود أو أبيض أو بدويا أو قرويا وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رض الله عنه - قال : (كنا جلوسا عند النبي - ( - فأنزلت عليه سورة الجمعة (واخرين منهم لما يلحقوا بهم) فقال قائل : من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه، حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله - ( - يده على سلمان، ثم قال : لو نهان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ( رض الله عنه - قال : قال رسول الله - ( - : (لو كان الذين عند الثريا لذهب به رجل من فارس) أو قال : (من أبناء فارس) وفي رواية ثالثة : (لو كان العلم عند الثريا لتناوله رجال من أبناء فارس) وروى الترمذي عن أبي هريرة - أيضا - عن النبي - ( - في قوله تعالى : (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) إنهم من أبناء فارس) إلى غير ذلك من اثار رويت في فضل رجال من أبناء فارس الأحرار والموالي، مثل : الحسن، وابن سيرين، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم ممن وجد بعد ذلك فيهم من الراسخين في الإيمان والدين والعلم، بحيث صاروا في ذلك أفضل من كثير من ا لعرب
وكذلك في سائر أصناف العجم من الروم والترك والحبشة، فإن الفضل الحقيقي هو اتباع ما بعث الله به محمدا - ( - كما تقدم ولهذا كان اللذين تناولوا العلم والإيمان من أبناء فارس إنما حصل لهم ذلك بمتابعتهم الدين الحنيف ولوازمه من العربية وغيرها، ومن نقص من العرب فإنما هو بتخلفهم عن مثل ذلك، ولهذا كانوا يفضلون من الفرس من رأوه أقرب إلى متابعة السابقين من الصحابة والتابعين، حتى قال الأصمعي فيما رواه عنه أبو طاهر السلفي في (كتاب فضل الفرس) قال : عجم أصبهان: قريش العجم
وروى - أيضا - السلفي بإسناد معروف عن سعيد بن المسيب، قال : لو أني لم أكن من قريش لأحببت أن أكون من فارس، ثم أحببت أن أكون من أصبهان وروى بإسناد اخر عن سعيد بن المسيب، قال: لولا أني رجل من قريش لتمنيت أن أكون من أهل أصبهان، لقول النبي - ( - : لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله ناس من أبناء العجم، أسعد الناس بها فارس وأصبهان قالوا : وكان سلمان الفارسي من أهل أصبهان، وكذلك عكرمة مولى ابن عباس واثار الإسلام كانت بأصبهان أظهر منها بغيرها حتى قال الحافظ عبد القادر الرهاوي : ما رأيت بلدا بعد بغداد أكثر حديثا من أصبهان وكان أئمة السنة علما وفقها وحديثا فيها أكثر من غيرها وانظر الان كيف أصبحت دار بدعة وتحت سلطان الرافضة المخذولين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والدنيا دار تغير وانقلاب "
وما قاله الرجل هنا عن كون الشرف فى الإيمان والإسلام هو عين الصواب ويبدو أن هذا الكتاب دخله التحريف فالاستدلالات على الأقوال لا تتسق مع بعضها فتقرير شىء ثم تقرير شىء مضاد عدة مرات وكل خلف الأخر هو علامة لتحريف الكتاب أو أن من ألفوه ونسبوه لمرعى أحبوا أن يظهروه صورة المجنون
وفضل الكاتب هل القرى على أهل البادية فقال فى الفقرات التالية:
"واعلم أن العرب الذين هم سكان القرى والأمصار أفضل من الأعراب الذين هم سكان البادية، فإن الله - سبحانه - جعل سكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والذين، ورقة القلوب مالا يقتضيه سكنى البادية كما أن البادية توجب من صلابة البدن والخلق، ومتانة الكلام ما لا يكون في القرى، هذا هو الأصل "
وعاد الرجل فنقض قوله بكون البدو أحيانا أحسن من القرى فقال:
"وقد تكون البادية أحيانا أنفع من القرى، ولذلك جعل الله - تعالى - الرسل من أهل القرى، فقال سبحانه : (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى) 0ولهذا قال سبحانه : (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)
وروى أبو داود وغير عن ابن عباس عن النبي - ( - قال : (من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن)
ورواه أبو داود أيضا من طريق اخر عن أبي هريرة - عن النبي - ( - بمعناه قال : (ومن لزم السلطان افتتن)
وزاد (وما ازداد عبد من السلطان دنوا إلا ازداد من الله بعدا)
ولهذا كانوا يقولون لمن يستغلظونه: إنك لأعرابي جاف، إنك لخلف جاف يشيرون بذلك إلى غلظ طبعه وخلقه "
وكما قلنا وقال هو الفضل ليس بلغة ولا باب ولا بمكان سكن ولا غير ذلك فالفضل بالتقوى كما قرر الله "إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
وكرر الرجل فقرات ذكرها فى أول الكتاب فقال :
طواعلم أن لفظ الأعراب هو في الأصل اسم لسكان بادية العرب، وإلا فكل أمة لها حاضرة وبادية، فبادية العرب الأعراب، وبادية الروم الأرمن، وبادية الفرس الأكراد، وبادية الترك التركمان، فسائر سكان البوادي لهم حكم الأعراب سواء دخلوا في لفظ الأعراب أم لم يدخلوا
فجنس الحاضرة أفضل من جنس البادية، وأما باعتبار الأفراد فقد يوجد من أهل البادية ما هو أفضل من ألوف من أهل الحاضرة
تنبيه : ذكر شيخ الإسلام الحافظ تقي الدين بن تيمية - رحمه الله - : أن اسم العرب والعجم قد صار فيه اشتباه، فإن اسم العجم يعم - في اللغة - كل من ليس من العرب، لكن لما كان العلم والإيمان في أبناء فارس اكثر منه في غيرهم من العجم كانوا هم أفضل الأعاجم فغلب لفظ العجم في عرف العامة المتأخرين عليهم فصار حقيقة عرفية عامية فيهم "
ثم تكلم الرجل ونقل نقولا عديدة عن كون اللسان العربى مطلوب فى الإسلام فقال :0
"قال : واسم العرب في الأصل كان اسما لقوم جمعوا ثلاثة أوصاف: أحدها: أن لسانهم كان اللغة العربية الثاني: أنهم كانوا من أولاد العرب الثالث: أن مساكنهم كانت أرض العرب، وهي من بحر القلزم إلى بحر البصرة، ومن أقصى حجر باليمن إلى أوائل الشام، وفي هذه الأرض كانت العرب حين المبعث وقبله فلما جاء الإسلام و فتحت الأمصار سكنوا سائر البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وإلى سواحل الشام وأرمينية، وهذه كانت مساكن فارس والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلاد قسمين؛ منها ما غلب على أهله لسان العرب حتى لا يعرف عامتهم غيره، أو يعرفونه، وغيره مع ما دخل في لسان العرب من اللحن وهذا غالب مساكن الشام والعراق ومصر، والأندلس، والمغرب
قال : وأظن أرض فارس وخراسان كانت هكذا قديما ومنها ما العجمة كثيرة فيهم أو غالبة عليهم كبلاد الترك، وخراسان، وأرمينية، وأذربيجان، ونحو ذلك وقد روى الحافظ السلفي بإسناده عن أبي هريرة - رض الله عنه - عن النبي - ( - قال : (من تكلم بالعربية فهو عربي، ومن أدرك له أبوان في الإسلام فهو عربي) قال: فهنا إن صح هذا الحديث فقد علقت فيه العربية بمجرد اللسان، وعلق فيه النسب بأن يدرك له أبوان في الدولة الإسلامية العربية وقد يحتج بهذا القول أبو حنيفة في قوله: إن من ليس له أبوان في الإسلام أو في الحرية ليس كفءا لمن له أبوان في ذلك وإن اشتركا في العجمية و العتاقة ومذهب أبي يوسف : ذو الأب كذي الأبوين وهو مذهب الشافعية، حتى قالوا : إن الصحابي ليس كفؤا لبنت التابعي ومذهب الإمام أحمد أنه لا عبرة بذلك
وروى السلفي أيضا بإسناده وفيه: فصعد - عليه السلام - المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : (أما بعد، أيها الناس فإن الرب واحد، والأب واحد، والدين واحد، وإن العربية ليست لأحدكم بأب ولا أم، إنما هي لسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي) 0قال ابن تيمية: وهذا الحديث ضيف؛ لكن معناه ليس ببعيد بل هو صحيح من بعض الوجوه ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلها رومية وقبطية وأرض العراق وخراسان ولغة أهلها فارسية وارض المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة العربية، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه وإنما الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، لا سيما ونفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية
وقد روى ابن أبي شيبة بإسناده، قال : كتب عمر إلى أبي موسى - رض الله عنهما - : اما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القران، فإنه عربي) وفي لفظ اخر عن عمر: تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم وأما الرطانة : التي هي التكلم بغير العربية تشبها بالأعاجم، فقد قال عمر بن الخطاب: إياكم ورطانة الأعاجم وان تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم وفي لفظ اخر عن عمر - رضي الله عنه - لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم
وقال الإمام مالك فيما رواه ابن القاسم في (المدونة) : لا يحرم بالأعجمية، ولا يدعو بها، ولا يحلف وقال : نهى عمر - رض الله عنه - عن رطانة الأعاجم وسئل الإمام احمد عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه، وقال : لسان سوء ومذهبه أن ذلك يبطل الصلاة
وكره الإمام الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها، أو أن يتكلم بها خالطا بالعجمية وهو ظاهر كلامه فيما حكاه عنه ابن عبد الحكم
وقد روى السلفي بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - ( - : (من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق)
ورواه أيضا بإسناد اخر عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال رسول الله - ( - : (من كان يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنها تورث النفاق) " حديث صحيح على شرط الشيخين، ورجاله كلهم ثقات)
وهذان الحديثان يقتضيان تحريم الكلام بالعجمية لقادر على العربية إلا لحاجة والمختار أن ذلك مكروه
قال ابن تيمية : ونقل عن طائفة أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية ، والكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما كانوا يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجميا قال : وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام، ولغة القران حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه ، فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه لا سيما واللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون
وقد قال الحنفية في تعليل المنع من لباس الحرير في حجة أبي يوسف ومحمد على أبي حنيفة في المنع من افتراش الحرير وتعليقه والستر به لأنه من ،زي ألاكاسرة والجبابرة، والتشبه بهم حرام
قال عمر: إياكم وزي الأعاجم وقال الشيخ عبد القادر الجيلي - قدس الله سره - : ويكره ما خالف زي العرب، وأشبه زي الأعاجم
وقال : وإذا قدم ما تغسل فيه الأيدي فلا يرفع حتى تغسل الجماعة أيديها لأن الرفع من زي الأعاجم لا سيما وقد ورد أن كلام أهل الجنة بالعربية، لقوله - عليه السلام - : (أنا عربي، والقران عربي، ولسان أهل الجنة عربي)
بل ورد أنه لم ينزل وحي على نبي من الأنبياء إلا بالعربية لقوله - ( - : (والذي نفسي بيده ما أنزل الله - عز وجل - وحيا قط على نبي من الأنبياء إلا بالعربية، ثم يكون بعد ذلك النبي يبلغ قومه بلسانهم) رواه الطبراني في (المعجم الأوسط) وقال : حسن صحيح، ورجاله ثقات والله أعلم "
وكل ما سبق من صفحات مطولة لا فائدة منه لكونها اراء بشرية ليس عليها دليل صحيح من الوحى فالعربية مطلوب تعلمها ن كل المسلمين طبقا للمصحف الحالى حتى تصح صلاتهم
ونجد أن الرجل ذكر خاتمة طويلة لا علاقة لها بمضمون الكتاب وهو شرف النسب وشرف العلم فتحدث الكتاب حديثا مطولا عن تشابه أفعال الأقوال فقال :
"خاتمة
روى البخاري في (صحيحه) عن أبي هريرة - رض الله عنه - عن النبي - ( - قال : (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي ما أخذ القرون، شبرا بشبر، وذراعا بذراع
فقيل : يا رسول الله كفارس والروم؟ قال : ومن الناس إلا أولئك)
فاخبر عليه السلام أنه سيكون في أمته مضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم فالتشبه بفارس والروم بما ذمه الله ورسوله، لأن الغالب عليهم تعاطي أمورا من أفعال الجبارين والمتكبرين في الملبس والعمائم، والقيام والركوع والسجود لبعضهم، أو القيام بين يديه وهو جالس، إلى غير ذلك من الخصائل المذمومة
و قد قال - عليه السلام - : (من تشبه بقوم فهو منهم)
وإنما نهت الشريعة عن التشبه بمن ارتكب خلاف الشرع لأنه كلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الصفات والأخلاق أتم وأكمل، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الاخر إلا بالعين فقط وهذا أمر محسوس في بني ادم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة و المشاكلة
بل الأدمي إذا عاشر نوعا من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل، والسكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلابون وصار الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة والمؤالفة وقلة النفرة
قال ابن تيمية - بعد تقريره هذا الكلام - : وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفرا من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين اكثروا معاشرة اليهود والنصارى هم اقل إيمانا من غيرهم والمشابهة و المشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة و مشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، فينشا عنها الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوله
وقد روى الإمام أحمد في (المسند) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : عليكم بالمعدية، وذروا التنعم، وزي العجم
أمر بالمعدية، وهي زي معذ بن عدنان وهم العرب، فالمعدية نسبة إلى معد
وقال الإمام مالك - فيما رواه ابن القاسم في (المدونة) - : (قيام المرأة لزوجها حتى يجلس من فعل الجبابرة وربما يكون الناس ينتظرونه فإذا طلع قاموا، في هذا من فعل الإسلام وهو مما ينهى عنه من التشبه بالأعاجم
قال : ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب في السبت والأحد
قيل له : فالرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه؟ قال : أكره ذلك، ولا باس أن يوسع له في المجلس
وقال أنس - رض الله عنه - : لم يكن شخص أحب إلى الصحابة من رسول الله - ( - وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلموه من كراهيته لذلك
وقد ثبت في الصحيح من حديث جابر: أنه - ( - صلى بأصحابه قاعدا لمرض كان به، فصلوا خلفه قياما، فأمرهم بالجلوس وقال : (لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضا)
وقال : (من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار)
قالع ابن تيمية : فإذا كان - عليه السلام - قد نهاهم مع قعوده وإن كانوا قاموا في الصلاة حتى لا يتشبهوا بمن يقومون لعظمائهم، وبين أن من سره القيام له كان من أهل النار، فكيف بما فيه من السجود له أو وضع الرأس وتقبيل الأيدي ونحو ذلك؟! وبالجملة فقد دخل في هذه الأمة من الأثار الرومية والفارسية قولا وعملا وتشبها مما لا خفاء به على مؤمن عليم بدين الإسلام، وليس الغرض هنا تفصيل الأمور التي وقعت في الأمة من ذلك وإنما الغرض مجرد التلويح رجاء أن يقف عليه مؤمن موفق فينتفع به، ولمجمل بموجبه وفي الحديث : (ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها)
نعوذ بالله من شر الابتداع، ونسأله - سبحانه - حسن الاتباع لما كان عليه جماعة السلف الصالحين من الصحابة والتابعين والسابقين الأولين من الأرض والمهاجرين، وأساله - سبحانه - حسن الخاتمة في خير وعافية، امين "

اجمالي القراءات 6721