( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) : مجرد تذكرة للمصريين والعرب .!!
مقدمة :
1 ـ فى مقال ( تمخض جبل عبد الناصر فولد فأرا إسمه السيسى ) كان تقييمنا لحكم العسكر وللضابط الذى يحكم مصر الآن . هذا الضابط ( الفأر ) إنتفخ وإزداد علوا ، يعتقد أنه يملك مصر ومقدراتها وشعبها ، وبلغ من السفه والسرف حدا عجيبا ، فى وقت أصبح فيه أغلب المصريين على حافة الجوع . ومع هذا يستنكف من الإعتراض ويطارد من يجرؤ على أن يرفع صوته .
2 ـ بعض المستبدين له بعض إيجابيات وبعض مآثر ، ويحتفظ بشعرة معاوية فى تعامله مع المعارضة ، ولكن السيسى الذى يخلو من الإيجابيات قد نجح فقط فى أن خلق له خصوما من داخل العسكر ومن المثقفين ورجال الأعمال وشتى الأطياف السياسية .
3 ـ السيسى الآن أصبح عبئا على المتحالفين معه من الخارج ، وهم فى وضع حرج . ترامب مهموم بايران والخليج وهو فى مأزق لا يريد حربا مع إيران لأن هذه الحرب ستعصف بالشرق الأوسط وستعصف أيضا بآماله فى الفوز فى الانتخابات التى يقترب موعدها ، وفوزه فيها هو طوق النجاة من متاعب قادمة وحتمية . نتنياهو حليف السيسى فى طريقه للسقوط . إبن زايد وابن سلمان لم يعودا فى وئام ، وكلاهما فى ورطة وينتظرهما مستقبل ملبد بالغيوم . حفتر حليف السيسى أصبح عبئا على السيسى ، أصبح السيسى عبئا على الجيش فى الداخل وعلى حلفائه فى الخارج . ويرى كثيرون أن أيامه باتت معدودة. السيسى فى غيبوبته لا يرى إرهاصات سقوطه ،يعاند بينما يتحفز خصومه لالتهامه .
4 ـ العسكر هم القوة الحاكمة ، وقد تعلموا من درس مبارك إمكانية التضحية بالرأس ليبقوا فى السلطة . ولا أمل فى أى إصلاح مع وجود العسكر فى السلطة . نكررها ونؤكدها أن الجيش الذى يحكم شعبه هو جيش خائن للشعب وللوطن . الجيش مهمته حماية الوطن وليس حكم الوطن . لا يصلح ضابط عسكرى فى الحكم والسياسة لأن عقليته وثقافته تتناقض مع الحكم المدنى . بالتالى فلو تخلى الجيش عن السيسى فلن يتغير الوضع . سيأتى ضابط آخر يكرر مسيرة مبارك أو السادات أو طنطاوى أو السيسى أو عبد الناصر .
5 ـ الإصلاح هو بحكم مدنى ديمقراطى يتم فيه تداول السلطة بإنتخابات حرة نزيهة ، وبتشريعات تؤكد على حرية الكلمة والدين والفكر والإبداع والمعارضة السلمية . ولكى تثمر هذه التشريعات فلا بد من إصلاح تعليمى فى التعليم العام ، ولا بد من إلغاء التعليم الأزهرى ، وعودة الأزهر الى ماكان عليه ، مجرد جمعية أهلية تعيش على التبرعات ، وتعطى إستشارات مجانية غير مُلزمة . بهذا تتمدّد وتترسخ ثقافة الديمقراطية ، ويتم ـ عبر عقدين من الزمان ـ إستكمال التحول الديمقراطى السلمى بدون إنقلابات عسكرية وفتن سياسية ومذابح دموية . بهذا يكون الشعب المصرى قد تأهّل لممارسة القوة ، فالشعب القوى هو الذى يجعل الحاكم خادما له وليس سيدا عليه ، هو الذى يجعل الحاكم خائفا منه وليس هو الذى يخاف من الحكومة .
6 ـ الشعب القوى هو الذى يمسك بموارده الإقتصادية ويجعل له آلية فى جمع الأموال وفى إنفاقها ، وهو الذى ينفق على الحاكم ، وهو الذى يحاسب الحاكم ، ويعزله ويعاقبه إذا أخطأ . وهذا كله فى مناخ من حرية الرأى والإعلام والشفافية وحكم القانون الذى يسنُّه حكماء الشعب ويخضع له حميع الشعب . هذا الشعب القوى هو الذى يخاطبه رب العزة فى قوله جل وعلا: ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ قِيَامًا ) النساء ) .
7 ـ نعطى تدبرا فى المدلول السياسى لهذه الآية الكريمة :
أولا :
1 ـ اليتيم الوارث يفرض الشرع الإسلامى وصيا يدير أمواله ويستثمرها ، ثم إذا بلغ اليتيم يتم عقد إختبار له ، فإذا تبين أنه راشد تؤول اليه تركته ، وأصبح المال ماله . إذا تبين أنه سفيه تقوم الدولة بإستثمار التركة ، وتعطى اليتيم معاشا ، ويكون المال من حق المجتمع ، وهو الذى يقوم على إستثماره . قال جل وعلا :( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿٥﴾ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ حَسِيبًا ﴿٦﴾ النساء ) .
2 ـ يلفت النظر هنا :
2 / 1 : قوله جل وعلا عن اليتيم الذى تبين رشده ( فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ). أى لأنه أصبح راشدا فالمال ماله . إن تبين أنه سفيه فليس المال ماله بل مال المجتمع أو الشعب ، ويمتنع إعطاء السفيه هذا المال الذى هو للشعب أن يقوم على إستثماره ، قال جل وعلا : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ قِيَامًا ).
2 / 2 : ولأن وظيف الدولة المعبرة عن الشعب هى إستثمار تلك التركة فالله جل وعلا يقول ( وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا )، أى من خلال تدويرها وإستثمارها . لم يقل ( وارزقوهم منها ) لأن هذا يعنى إعطاءهم من ( أصل التركة ) . رب العزة إستعمل ( فإرزقوهم منه ) فى موضع آخر ، إذا حضر توزيع التركة اولو القربى ( من غير الورثة ) واليتامى ( من غير الورثة ) والمساكين . هنا يعطيهم الورثة بعضا (من ) أصل التركة . قال جل وعلا : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿٨﴾ النساء ).
ثانيا :
1 : إذا كان هذا فيما يخصٌّ تركة فرد واحد فكيف بثروة الشعب كله ؟ هل يتنازل عنها الشعب الى شخص واحد تكون ملكا له يتصرف فيها كما يحلو له ؟ هذا هو موجز تاريخ المحمديين من عصر الخلفاء الفاسقين الى وقتنا هذا . تناقض هائل بين أحوال المحمديين وقوله جل وعلا : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ قِيَامًا ). هم لم يعطوا الحكام المستبدين أموالهم . هم فقط إرتضوا أن يركبهم الحكام المستبدون يتحكمون فيهم وفى أموالهم كيف شاءوا . هم إختاروا الذلة والمسكنة والخضوع والخنوع حرصا على حياة بائسة يائسة الموت خير منها .
2 ـ الخطاب فى الآية الكريمة يتوجه الى شعب قوى ، يعلم أن ثروة الأرض التى يعيش عليها هى ملك لهذا الشعب القوى ، وهو الذى يستثمرها لصالحه من خلال أجهزته المختصة ، وهو الذى ينفق منها على الموظفين ، ومنهم من يخدم الشعب فى ( السلطة التنفيذية ) و ( السلطة القضائية ) و ( السلطة التشريعية ) والجيش والشرطة . العاملون فى أجهزة الدولة يعلمون أن مرتباتهم تأتى من دافعى الضرائب ، وهم خدم لهم ، وليسوا اسيادا عليهم لأن الشعب هو السيد وهو الحاكم .
3 ـ لكى يصل الشعب الى هذه الدرجة من النُضج لا بد أن يقوم الشعب كله ( أو الأغلبية فيه ) بتغيير ما بأنفسهم من خضوع وخنوع وضعف وسلبية ورضى بالذل والهوان ، ليحل محلها قيم الشجاعة والايجابية والمروءة والتعاون على البرّ والتقوى وليس على الإثم والعدوان . إذا قاموا بهذا التغيير إستجاب لهم ربهم جل وعلا وبارك لهم هذا التغيير . قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ) (١١﴾ الرعد ).
4 ـ هذا التغيير يحتاج الى تنوير ، وهو ما نقوم به . هذا التنوير يكون خطرا داهما على المستبد وكهنوته الدينى ، لذا نتعرض للتشويه والتعتيم . ولكن فى النهاية فإن ما ينفع الناس هو الذى يمكث فى الأرض مهما تكاثرت فقاعات الصابون . قال جل وعلا : ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ ﴿١٧﴾ الرعد )
5 ـ حين ينجح الشعب ( أو الأغلبية فيه ) من تغيير ما بأنفسهم الى الأفضل فلا بد أن يقوموا جميعا ( رجالا ونساءا ) بإقامة القسط ، فإقامة أو تأسيس القسط أو العدل هو المقصد من إرسال الرسل وإنزال الكتب الإلهية ، قال جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٢٥﴾ الحديد ). إذا وقفوا جميعا يطلبون العدل فسيضعون المستبد بين خيارين إما العدل وإما الحديد ، أى الحرب. سيكون ضعيفا أمام شعب قرّر أن يعيش حُرّا ، إمّا أن يعاند ويدمّر نفسه وإمّا أن ينسحب ويعتزل . بعدها فإن هذا الشعب لن يسمح لفئة أو تنظيم أو شخص أن يحتكر السلطة والثروة ويعيد إنتاج الظلم الذى كان. سيضع هذا الشعب آلية للديمقراطية وتحقيق العدل وحرية الرأى والفكر والاعتقاد والدين .
أخيرا
1 ـ من اسف أن الغرب وصل الى بعض ما قرره رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم ، بينما ترى المحمديين ــ الذين يزعمون الإيمان بالقرآن ــ لا يزالون عبيدا للحاكم . السيسى نفسه لا يزال بعض المصريين متحمسين له ..
2 ـ هى ثقافة العبيد .!
3 ـ تجذرت ثقافة العبيد فى الشعب المصرى عبر آلاف السنين . وتحتاج فى إزالتها الى عشرات السنين .