إبن الجوزى يواجه وحى الصوفية الشيطانى بوحى السُّنّة الشيطانى

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٧ - سبتمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إبن الجوزى يواجه وحى الصوفية الشيطانى بوحى السُّنّة الشيطانى

أولا :

1 ـ من عصر الخليفة المتوكل بدأ تحكم السنيون المتشدوون فى الشارع العراقى ،حملوا لقب ( الحنابلة ) وإنضم لهم العوام والرعاع والغوغاء ، وإخترعوا حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) ليعطوا لأنفسهم سلطة ( شرعية ) توجب تدخلهم وتسلطهم . وأعانهم إعلان المتوكل السنة دينا  ونشر دعاتها فى الأفاق ، فانتشروا وإزدادوا عددا وتسلطا ، وأجهضوا بجهلهم الإتجاهات الفكرية المستنيرة كالمعتزلة والاتجاهات العلمية الحقيقية فى الطب والهندسة والرياضات والكيمياء والميكانيا والجغرافية .. كما نال رواد التصوف منهم الأذى . لم ينج من إضطهادهم أكبر شيخ من شيوخ الدين السنى إبن جرير الطبرى . إختلفوا معه فحاصروه فى داره فى شيخوخته ومنعوا إنقاذه واسقطوا عليه داره فمات تحت الأنقاض عام 310.

2 ـ وبلغ أقصى نفوذهم فى خلافة القادر بالله ، الذى أمر بقتل مخالفى الحنبلية ، يقول إبن الجوزى فى تاريخه المنتظم فى حوادث عام 408 : ( وامتثل يمين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود أمر أمير المؤمنين ، واستن بسننه في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة ، وصلبهم ، وحبسهم ، ونفاهم ، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين ، وإيعاد كل طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم. وصار ذلك سُنّة في الإسلام‏.‏). أى ( إستمرت ) هذا هو دين جديد هو ( السُّنّة ) التى أحدثها المتوكل وتم تطبيقها بالدماء والعنف الخليفة القادر . وإفتخر بذلك المؤرخ الحنبلى إبن الجوزى وهو يؤرخ فى القرن السادس .

3 ـ وقد كان مستحيلا قتل السكان الشيعة وطوائفهم ( الرافضة والاسماعيلية ). إقتصر القتل على النشطاء منهم . وكان مستحيلا إستئصال كل المثقفين المعتزلة ومن يقاربهم من ( الجهمية والمشبهة ) لأن التقية واردة ، والتظاهر بالتوبة وارد ، كما أن العقائد لا يمكن إبادتها بقوة السلاح . ولكن نجح إرهاب الحنابلة فى وقف الفكر المعتزلى والحياة العقلية والتقدم العلمى ، خصوصا وأن عملهم إكتسب صُدقية لأنهم رفعوا شعار ( الكتاب والسنة ، والحديث النبوى ) ولم يجرؤ خصومهم على مواجهتهم .  

4 ـ ولكن تركزت سطوة الحنابلة أكثر فى بغداد والعراق ، فإستمر العلم الحقيقى بعض الشىء خارج العراق فى الشرق ومصر والاندلس . وكان يُنادى فى بغداد عام 279 بتحريم كتب الفلسفة ، وفي نصف رمضان عام 311  أحرق الحنبلة العوام أكواما من الكتب الفلسفية والدينية والمصاحف مما سمّاه إبن الجوزى ( أربعة أعدال من كتب الزنادقة ، فسقط منها ذهب وفضة مما كان على المصاحف ، له قدر ‏.‏). وبينما كان رعاع الحنابلة يحاصرون إبن جرير الطبرى حتى مات عام 310 ، فإن البيئة العلمية خارج بغداد ظلت يتخرج فيها ( أفراد قلائل ) من ( أفذاذ ) العلماء الذين يفخر بهم التاريخ الانسانى برغم أنف الحنابلة . على سبيل المثال ، فى شرق العراق ظهر الفارابى ت 329 والرازى الطبيب ت 311  وإبن سينا ت 428 والبيرونى 440 . وفى مصر إبن الهيثم ت 430 وفى النهاية إبن النفيس ت 607.

5 ـ وصلت سطوة الحنابلة الى إرهاب الخليفة العباسى ( المطيع ) الذى  ظل فى الخلافة حتى عام 363 . هذا الخليفة (المطيع ) كان يرتعب من الحنبلية . يروى إبن الجوزى عن أحدهم : ‏ ( سمعت المطيع لله يقول‏:‏ وقد أحدق به خلق كثير من الحنابلة حزروا ثلاثين ألفًا ، فأراد أن يتقرب إليهم فقال‏:‏ سمعت شيخي ابن بنت منيع يقول‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول‏:‏ إذا مات أصدقاء الرجل ذلّ‏.).!!  

6 ـ تغير الوضع فى القرن الخامس ، كان دين التصوف يسرى بهدوء بين العوام يستميل نصفهم الأسفل بالانحلال الخلقى العادى والشاذ وبحفلات السماع ، ويجعل من السهل على أى جاهل أن يزعم العلم اللدنى ، ونشروا التخلص من كتابة الأحاديث وإلقاء ألواحها فى الماء لأنه لا داعى لهذا التعب ، إذا يكفى الزعم بإزالة الحجاب وتلقى الفيض الالهى بالعلم اللدنى . كان الحكام  قد أصابهم الملل من تدخل الحنابلة ، ورأوا بديلا ملائما لهم لا يفتئت عليهم فى سلطتهم ولا يتدخل فى حكمهم بزعم الأمر بالمعروف ، بل يرفع لواء ( عدم الاعتراض ) ويرقص لهم فى مواكبهم ، فبدأ الحكام فى إقامة مؤسسات للصوفية يقيمون فيها بزعم أنهم أولياء وأصحاب ( بركة ) و ( مستجاب دعاؤهم ) . اسهم هذا فى نشر التصوف وتزامن هذا مع إستنساخ الدين الأرضى الجديد ( التصوف السنى ) لمواجهة التشيع .  هذه هى الظروف التى جعلت إبن الجوزى يؤلف كتابه ( تلبيس إبليس ) فى القرن السادس ، يسلط فيه معظم النقد على الصوفية ، ويرفع فى وجوههم شعار ( السُّنّة ) ويستشهد عليه بما قاله رواد التصوف المنافقون من التمسك بالكتاب والسُنّة ) وهو ـ ( كمؤرخ ) يعلم أنهم قالوا هذا رعبا وذعرا.

ثانيا :

الإتجاه العام لإبن الجوزى أنه يواجه الوحى الشيطانى الصوفى بوحى شيطانى سُنّى منتهزا فرصة تسليم معظم الصوفية بالسُنة طبقا للدين الهجين المستنسخ ( التصوف السنى ) . ونأخذ من ( تلبيس إبليس ) الملامح الأساس :   

1 ـ بدأ مباشرة بالباب الأول فى كتابه ( تلبيس إبليس ) بعنوان (  الأمر بلزوم السنة والجماعة ) ثم الباب الثانى (  في ذم البدع والمبتدعين ). فالدين الذى يهاجم به الصوفية هو ( السُّنّة ) وهو دين ( الجماعة ) وبالتالى فالخارجون هم ( مبتدعون مذمومون ) .

2 ـ  أورد الأحاديث التى صنعها الحنابلة وأضرابهم فى التمسك بالدين السُّنّى وصنع لها أسانيد ، وكان يكررها لتترسخ فى الأذهان ، ومنها :

2 / 1 : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) 

2 / 2 : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعيش بعدي فسيري اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ).

2 / 3 / 1 : ( لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون )

2 / 3 / 2 : وتكرر بصيغة أخرى : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )

2 / 4 :إفتراق اليهود ثم (أمة محمد ) والناجون هم السنيون فقط :

2 / 4 / 1 :( تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين والنصارى مثل ذلك ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا ملة واحدة . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي  ).

2 / 4 / 2: ( إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة يهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة . قالوا يا رسول الله ما تلك الفرقة ؟ قال الجماعة )

2 / 4 / 3 : ( ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك . وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي )  

2 / 4 / 4 : (  ألا إن رسول الله قام فينا فقال : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة . وهي الجماعة ، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجاري بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبيه )

2 / 5 : لزوم الجماعة أو الدين السنى وأصحابه :

2 / 5 / 1 :( إن رسول الله قام في مثل مقامي هذا فقال : من أحب منكم أن ينال بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ،فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد )

2 / 5 / 2 : (  من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد )

2 / 5 / 3 : ( يد الله على الجماعة والشيطان مع من يخالف الجماعة )

2 / 5 / 4 :  ( يد الله على الجماعة ، فإذا شذ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الذئب الشاة من الغنم )

2 / 5 / 5 : ( إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية ، فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد )

2 / 5 / 6 : ( اثنان خير من واحد وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة ، فعليكم بالجماعة فإن الله عز وجل لم يجمع أمتي إلا على الهدى)

3 ـ إتهام الصوفية ودينهم الجديد بأنه ( بدعة ) والتحذير من هذه البدعة

2 / 1 : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه )

2 / 2 :  ( من فعل أمرا ليس عليه أمرنا فهو رد  ) أى مردود مرفوض . 

2 / 3: ( من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام )   

4 ـ بالاضافة الى الأحاديث التى ينفرد بها الدين السنى مثل : ( جعل الله رزقي تحت ظل رمحي ).

 

5 ـ فى المشترك بين الفقهاء والصوفية ترى ابن الجوزى يضع أحاديث أو يستشهد بأحاديث وضعها غيره من السنيّين والصوفية ، ومنها إدمان الشذوذ الجنسى ، وقد ظهر هذا مبكرا فى تاريخ الحنابلة ، وكان محمد بن داود الظاهرى زعيم الحنابلة والمحرّض على الطبرى مشهورا بعشقه لصبى . فى هذا الرجس المشترك روى إبن الجوزى أحاديث فى التحذير من الإفتتان بالصبيان ( أو المرد / المردان / الأحداث بتعبير عصرهم . يقول إبن الجوزى : ( .... والحديث بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله : لا تجالسوا أبناء الملوك فإن النفوس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق) والحديث بإسناده عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله   قال : ( لا تملأوا أعينكم من أولاد الملوك فإن لهم فتنة أشد من فتنة العذارى) . والحديث بإسناد عن الشعبي قال : ( قدم وفد عبد القيس على رسول الله  وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضأة ، فأجلسه النبي وراء ظهره وقال كانت خطيئة داود عليه السلام النظر ) .  وعن أبي هريرة قال : (  نهي رسول الله أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الأمرد ) وقال عمر بن الخطاب : ( ما أتى على عالم من سبع ضار أخوف عليه من غلام أمرد ) وبإسناد عن الحسن بن ذكوان أنه قال: ( لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى )  وبإسناد عن محمد بن حمير عن النجيب السري قال: ( كان يقال لا يبيت الرجل في بيت مع المرد ). وبإسناد عن عبد العزيز بن أبي السائب عن أبيه قال : ( لأنا أخوف على عابد من غلام من سبعين عذراء  ..  وقد كان السلف يبالغون في الأعراض عن المرد وقد روينا عن رسول الله   أنه أجلس الشاب الحسن الوجه وراء ظهره . )

6 ـ وكان إبن الجوزى يطعن فى أحاديث دين التصوف التى تخالف دينه السُّنّى ، ومنها أحاديث العلم اللدنى . إشتهر حديث :(  علم الباطن سر من سر الله عز وجل وحكم من أحكام الله تعالى يقذفه الله عز وجل في قلوب من يشاء من أوليائه ). قال عنه إ: بن الجوزى : ( قال المصنف رحمه الله قلت وهذا حديث لا أصل له عن النبي ، وفي إسناده مجاهيل لا يُعرفون . ).

7 ـ ولم يكتف إبن الجوزى بالأحاديث التى صنعها هو وغيره من الحنابلة بل صنع أحاديث وأقاويل للصحابة وخصوصا عمر ، للتابعين ولبعض المشاهير السابقين حتى من أبى حامد وشيوخ الصوفية ، طالما تتفق معه . 

اجمالي القراءات 5008