إبن الجوزى ( 510 : 597 ) من أبرز رُسُل الوحى الشيطانى للمحمديين ( 1 )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٩ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إبن الجوزى ( 510 : 597 ) من أبرز رُسُل الوحى الشيطانى للمحمديين ( 1 )

مقدمة :

1 ـ عبد الرحمن بن الجوزى كان مولده فى بغداد ومماته فيها. مولده بعد موت الغزالى بخمس سنوات . صار ابن الجوزى أكبر مؤرخ ومحدث وقصّاص وفقيه فى عصره فى القرن السادس الهجرى وأغزرهم  بما كتبه من مؤلفات فى التاريخ والفقه والقصص والوعظ .

2 ـ كان فقيها حنبليا شهد خفوت نفوذ الحنابلة لصالح التصوف ، الدين الأرضى الآخذ فى الصعود . وفى كتابه ( تلبيس إبليس ) ــ وهو موضوع هذا المقال ـ يقول إبن الجوزى (ولقد حدثني أبو الفتح بن السامري قال جلس الفقهاء في بعض الأربطة للعزاء بفقيه مات ، فأقبل الشيخ أبو الخطاب الكلوذاني الفقيه متوكئا على يدي حتى وقف بباب الرباط ، وقال : " يعزُّ علي لو رآني بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط .! " قلت : " على هذا كان أشياخنا ، فأما في زماننا هذا فقد أصطلح الذئب والغنم. " ).

3 ـ وقت أن كانت السطوة للحنابلة  إضطهدوا الصوفية وغيرهم . ثم عقد الغزالى الصلح بين دينى السنة والتصوف وأسس دينا هجينا هو التصوف السنى ، وقام برعايته صلاح الدين الأيوبى المتوفى عام 589 ، والذى عاصره ابن الجوزى المتوفى عام 597 .  إضطر شيوخ السنة المتشددون لقبول الدين الهجين ، وبه سادت شُهرة الغزالى وكتابه ( إحياء علوم الدين ) . وفى الرواية السابقة  يضطر شيخ حنبلى فى أرذل العمر لكى يأتى فى التعزية فى ( رباط ) أى مؤسسة صوفية أقيم فيه عزاء لفقيه سُنّى .  والشيخ الحنبلى السنى يعزُّ عليه لو رآه أصحابه القدماء وهو يدخل الرباط الصوفى ، ويشكو حاله للراوى وهو حنبلى أيضا فيقول الراوى عن زمنه إنه إصطلح فيه الذئب ( الحنبلى ) على الغنم ( الصوفى ) .

4 ـ عبد الرحمن بن الجوزى هو ابن لعصره ( القرن السادس ) الهجرى . ومع أنه كان كبير الحنبلية المتشددة ، ومع أنه فى كتابه ( تلبيس إبليس ) قد خصّص معظمه فى الإنكار على الصوفية ، ومع أنه هاجم الغزالى إلّا إنّ ابن الجوزى تأثر بالغزالى وكان أكثر تعبيرا عن الدين الهجين ( التصوف السنى ) الذى صنعه الغزالى . وهذا موضوع يحتاج بحثا تاريخيا متعمقا فى رسالة للدكتوراة يقوم به باحث جاد.

5 ـ أبرز نواحى تأثر ابن الجوزى بخصمه الغزالى يظهر فى كتابه ( تلبيس إبليس ). فقد كتبه على منوال الغزالى فى بعض فصول ( إحياء علوم الدين ) والتى يُنكر فيها على فقهاء و ( علماء ) و (عُبّاد / زُهّاد ) عصره . أفرد ابن الجوزى كتابا كاملا بعنوان ( تلبيس إبليس ) وإتسع فى إنكاره على جميع طوائف الناس فى عصره من أهل الكتاب الى الفقهاء والعوام ، مع التركيز على الصوفية . لم يستثن أحدا إلا وجعله من ضحايا ( تلبيس ) أى ( خداع ) ( إبليس ). آسف .. إستثنى ابن الجوزى نفسه .

6 ـ فى مقدمة كتابه يذكر أبوابه ، يقول : ( ذكر تراجم الأبواب : الباب الأول في الأمر بلزوم السنة والجماعة ،  الباب الثاني في ذم البدع والمبتدعين ، الباب الثالث في التحذير من فتن إبليس ومكايده ، الباب الرابع في معنى التلبيس والغرور ،  الباب الخامس في ذكر تلبيسه في العقائد والديانات ، الباب السادس في ذكر تلبيسه على العلماء في فنون العلم ، الباب السابع في ذكر تلبيسه على الولاة والسلاطين ،الباب الثامن في ذكر تلبيسه على العُبّاد في فنون العبادات ، الباب التاسع في ذكر تلبيسه على الزهاد ، الباب العاشر في ذكر تلبيسه على الصوفية ، الباب الحادي عشر في ذكر تلبيسه على المتدينين بما يشبه الكرامات ، الباب الثاني عشر في ذكر تلبيسه على العوام، الباب الثالث عشر في ذكر تلبيسه على الكل بتطويل الأمل)

  7 ـ المضحك أن إبن الجوزى مثل خصمه الغزالى يحذّر من ( إبليس / الشيطان ) وهو قابع فى جيب ( إبليس / الشيطان ) أو فى مؤخرته .  كانت أدلة إبن الجوزى مثل الغزالى هى أحاديث شيطانية ومنامات شيطانية وتأويلات فاسدة فى تحريف معانى القرآن الكريم .

8 ـ نعطى ملامح سريعة عن ابن الجوزى فى كتابه ( تلبيس إبليس ) .

أولا : إنكاره على أبى حامد الغزالى فى ( إحياء علوم الدين )

1 ـ  قال عنه : (  وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب (الإحياء )على طريقة القوم ( أى الصوفية ) وملأه بالأحاديث الباطلة  وهو لا يعلم بطلانها ، وتكلم في علم المكاشفة ( أى العلم اللدنى ) وخرج عن قانون الفقه ( أى الدين السُّنّى ) وقال أن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حجب الله عز وجل ، ولم يرد هذه المعروفات، وهذا من جنس كلام الباطنية ( أى الشيعة المتطرفة ) وقال في كتابه ( المفصح بالأحوال ) إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ) . هنا ينكر ابن الجوزى على كتاب الإحياء وعلى صاحبه .

2 ـ فى الهجوم على اسطورة العلم اللدنى :

2 / 1 : ( وقد قال أبو حامد الغزالي في كتاب الإحياء : " مقصود الرياضة تفريغ القلب وليس ذلك إلا بخلوة في مكان مظلم وقال فان لم يكن مكان مظلم فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية " قال المصنف رحمه الله ( ابن الجوزى يعنى نفسه بالمصنف أى المؤلف )  قلت : " أنظر إلى هذه الترتيبات والعجب كيف تصدر من فقيه عالم ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق وأن الذي يشاهده جلال الربوبية وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل في المطعم فإنه يغلب عليه الماليخوليا ) .

2 / 2 : ( وقال أبو حامد الطوسي ( الغزالى ) : " إعلم أن ميل أهل التصوف إلى الالهيه دون التعليمية ، ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والاقبال على الله تعالى بكنه الهمة وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم ويخلو نفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب ولا يقرن همه بقراءة قرآن ولا بالتأمل في نفسه ولا يكتب حديثا ولا غيره ولا يزال يقول الله الله الله إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عن القلب صورة اللفظ ." بعد أن نقل ابن الجوزى هذا الكلام من الإحياء قال : ( قال المصنف رحمه الله : قلت : " عزيز علي أن يصدر هذا الكلام من فقيه فإنه لا يخفى قبحه ..). يتحسر ابن الجوزى ان يقول ( فقيه ) هذا الكلام القبيح .

2 / 3 : ( وقد ذكر أبو حامد الطوسي في كتاب الإحياء ان بعضهم قال  : " للربوبية سر لو أظهر بطلت النبوة ، وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم ، وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام . " . قلت : فاظهروا إخواني إلى هذا التخليط القبيح والادعاء على الشريعة أن ظاهرها يخالف باطنها . !)

3 ـ ( قال أبو حامد ضاع لبعض الصوفية ولد صغير فقيل له : " لو سألت الله أن يرده عليك ؟ "فقال : " اعتراضي عليه فيما يقضي أشد على من ذهاب ولدي " قلت ( أى قال ابن الجوزى ) : طال تعجبي من أبي حامد كيف يحكي هذه الأشياء في معرض الإستحسان والرضى عن قائلها وهو يدري أن الدعاء والسؤال ليس باعتراض. )

4 ـ ( وقد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب الإحياء قال : " كان بعض الشيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع قال وعالج بعضهم حب المال بأنه باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته على الناس رعونة الجود ورياء البذل قال وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ليعود نفسه الحلم قال وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا . " قال المصنف رحمه الله : " أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد ، كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم ؟ !.  

5 ـ ( وقال قبل أن يورد هذه الحكايات : " ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدىء فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السوق للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان، وإن رأى شره الطعام غالبا عليه ألزمه الصوم ،وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا. "  قلت :  وأني لأتعجب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة . .. فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه ( أى الدين السُّنّى ) بالتصوف . )

6 ـ ( وقد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب الإحياء عن يحيى بن معاذ أنه قال : " قلت لأبي يزيد هل سألت الله تعالى المعرفة؟ فقال : عزّت عليه أن يعرفها سواه " فقلت ( اى قال ابن الجوزى ): هذا إقرار بالجهل ..)

7 ـ  (  وحكى أبو حامد أن أبا تراب النخشبي قال لمريد له : " لو رأيت أبا يزيد ( البسطامى ) مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة . " . قلت ( اى ابن الجوزى ) : وهذا فوق الجنون بدرجات )

8 ـ  ( وحكى أبو حامد الغزالي عن ابن الكريني انه قال  : " نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح ، فنشب في قلبي فدخلت الحمام وعينت ( أى وضعت عينى ) على ثياب فاخرة فسرقتها ولبستها ، ثم لبست مرقعتي ، وخرجت فجعلت أمشي قليلا قليلا فلحقوني فنزعوا مرقعتي وأخذوا الثياب وصفعوني فصرت بعد ذلك أعرف بلص الحمام فسكنت نفسي . " قال أبو حامد : " فهكذا كانوا يرضون أنفسهم حتى يخلصهم الله من النظر إلى الخلق ثم من النظر إلى النفس وأرباب الأحوال ربما عالجوا أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه .. قلت ( اى قال ابن الجوزى ) : سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه ( الدين السنى ) بتصنيفه كتاب الإحياء فليته لم يحك فيه مثل هذا الذي لا يحل والعجب منه أنه يحكيه ويستحسنه ويسمي أصحابه أرباب أحوال وأي حالة أقبح وأشد من حال من خالف الشرع ويرى المصلحة في النهي عنه وكيف يجوز أن يطلب صلاح القلوب بفعل المعاصي ) .

نكمل بعدئذ بعون الرحمن جل وعلا ..

اجمالي القراءات 6138