إنتِ خدامة.. ماتنسيش نفسك!
- كتبت: آيات الحبال
- منذ 6 ساعة 18 دقيقة
جسدها النحيل لا يخلو من آثار حروق وجروح.. رأسها مغطي بحجاب أسود يخفى تحته آثار الدماء.. شعرها ممزق.. تعمل ليل نهار طوال الأسبوع ..وفى آخر الليل تأوي باكية لفرشتها بالمطبخ بعد عناء يوم طويل، تستغيث ولا يسمع أحد صرخاتها.. وتبكي ولا أحد يلتفت لدموعها، وتمرض فلا يعبأ أحد بحالها أو يرحمها حتى تتماثل للشفاء.
هذه هى عبير التى لم تتجاوز 15 عاما والتى عانت من العمل فى بيوت الغير سنوات طويلة رغم صغر سنها، وداخل هذه البيوت لم تلق إلا كل قسوة وإهانة وانتهاك لخصوصياتها.
تحكى عبير حكايتها من البداية.. حين بدأت الخدمة فى المنازل منذ كان عمرها 11 سنة، وهى إبنة لأب عاطل رفض دفع مصاريف مدرستها وأجبرها على ترك التعليم لتعمل خادمة مثل أمها التي أجبرها على العمل هي الأخرى لتنفق عليه هو وطفلته الصغيرة.
تقول عن أول بيت عملت فيه أن الابن الأكبر للأسرة- 17 عاما - حاول الاعتداء عليها أكثر من مرة، ودائما كان يقول لها " إنت خدامه عندنا.. الهدوم اللى انت لابساها دى بتاعتنا.. متنسيش نفسك ".
وتضيف: " شفت الذل معاهم.. حرقونى بالمية المغلية فى رجلى وبطنى، وابويا مرضيش يعالجنى فى المستشفى لأنه خاف من الحكومة ، وأمى هي اللى عالجتنى فى البيت، والألم لم يزول إلا بعد سنة بالضبط. "
كل ما تحملته عبير كان مقابل 50 جنيها فقط استولى عليها والدها.. وبعد أن تماثلت للشفاء ذهبت إلى منزل آخر تقول عنه: " كنت بنام فى المطبخ وست البيت بتقدم لى أكل قليل أوى لدرجة انى كنت بدوخ.. وطبعا مكنتش بهمها، ولما اغلط كانت تضربنى وفى مرة حرمتنى من أجرة الشهر كله..!علشان كده سيبت البيت ده ورحت لشقة مفروشة فيها أجانب.. صحيح فلوسهم كتيرة لكنهم حاولوا يعتدوا علىّ فهربت منهم.
وتكمل: آخر بيت اشتغلت فيه كان بيت رقاصة، كانت بتاخدنى معاها أخدمها فى بيوت بيعملوا فيها الحرام، بس بصراحة كانت بتحمينى من اللى يحاول يقرب مني، وبعد شوية جوزها قال لامى "خدى البنت دى من هنا " ودلوقتى أنا مش لاقية بيت نضيف أخدم فيه والاقي معاملة كويسة.
عودة للتعذيب
أما رانيا، الطفلة التى لم تتجاوز 13 عاما، فقد خدمت في منزل أسرة ثرية.. عملت هناك لعدة شهور لم تذكر عددها، إلا أن أهل البيت اتهموها بالسرقة وحرروا ضدها محضرا بذلك وتم استجوابها فى النيابة، ولما لم تثبت عليها التهمة تم إخلاء سبيلها. إلا أن أهلها أعادوها إلى هذه الأسرة مرة أخرى بعد أن رفضوا عودتها إلى منزلها، فقامت الأسرة التي سبق واتهمتها بالسرقة بتعذيبها بشدة .. بالعمل طوال اليوم، وبالضرب بآلة حادة على رأسها، وبحلق شعرها، وأخيرا بهتك العرض. ..
حاولت رانيا الهرب من الشباك فكُسرت رجلها، وبالتحقيق في الواقعة تم القبض على مخدومتها وتم الحكم عليها بـالسجن 15 عاما .
رحلة في البيوت
سعاد -17 سنة- بدأت رحلتها فى العمل فى البيوت وهى بنت 7 سنوات، والدها قهوجى متزوج من امرأتين، وأمها بائعة ذره، لديها أربع شقيقات..عملت لدى أسرة قامت بمنعها من زيارة أسرتها أو مجرد رؤيتهم بمجرد أن ذهبت عندهم، كانت تنام فى المطبخ على بطانية واحدة هي فرشتها وغطائها في نفس الوقت. الهانم ست البيت؛ كما أمرتها أن تناديها، منعت عنها طعام أهل البيت، فالخادمة لا تأكل من أكل أسيادها.. وكفاية عليها الفول والطعمية، ومن أجرتها كمان..!
تقول سعاد : "اشتغلت عندهم لمدة 4 سنين، وكان مرتبى 50 جنيه كل شهر، وكل أما اطلب من أبويا إنه ياخدنى من هنا كان بييجى يضربنى وياخد المرتب ويمشى، حاولت أكلم أمى واعرفها إنى عيانة وبنضرب، حاولت بكل الطرق تاخدنى من عندهم.. وأخيرا قدرت توصل لي وخرجت على رجليه والحمد لله
ولحسن حظها التقت سعاد بأسره كريمه وهى فى سن 17 عاما، عاملتها وكأنها واحدة من أفراد الأسره وخصصت لها غرفه وأعطتها أجازة أسبوعية.
تقول عنهم: ناس محترمين جدا بيعاملونى حلو أوى، وكمان باكل وبشرب معاهم، جابولى عريس وهيساعدونى لحد ما اتجوز.
هروب إلى الموت
وكان لهناء ذات العشرين عاما حكاية مختلفة.. فهى أم لطفلة صغيرة، عانت كثيرا مع زوجها المدمن الذى كان يعتدى عليها بالضرب فانفصلت عنه مفضلة العمل بالمنازل على الحياة معه.
عملت فى منزل إحدى الفنانات التى لقت مصرعها داخل شقتها، فأصيبت بحالة عصبية عندما رأت جثة المخدومة وفقدت الكلام لفترة من الوقت.
تقول هناء: اشتغلت عند واحدة بعد كده كانت بتضربنى وتجبنى من شعرى.. كانت بتشتغل فى المخدرات وكنت بشوفها وهي بتعملها فى البيت، ولما عرفت انى شفتها هي ورجالتها كانوا بيعذبونى ويضربونى، حاولت ارمي نفسى من الشباك من كتر اللي شفته معاهم بس منعونى ورمونى فى الصحراء، وبعدها ولاد الحلال أخدونى على المستشفى واتقبض عليهم.
ورغم كل ما لاقته هناء مازالت مصرة على العمل فى البيوت الذي لا تجيد غيره قائلة: هفضل اشتغل لأن عندى اخوات أنا اللى بجهزهم، وبنتى لازم تتربى كويس، وبعدين أنا اقدر استحمل واحمى نفسى وربنا هايحفظني ويقويني.
الفقر له أحكام
فى هذا الإطار كشفت دراسة صدرت حديثا أعدتها الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعم من برنامج اليونيفيم التابع للأمم المتحدة حول تعذيب الخادمات فى مصر، أن 64% من الخادمات وأبنائهم يتعرضون للإهانة والتحقير والنظرة الدونية من المخدومين، وأن 52% منهن تعانين من كثرة العمل.
وأوضحت الدراسة أنه بالرغم مما تعانيه الخادمات فى مصر إلا أن 85% من العينة تفضل العمل داخل مصر عن خارجها، بسبب الخوف من عدم الأمان فى الخارج وتفضيل الوجود بجانب الأبناء.
وعن الواقع الأسرى للكثير من الخادمات.. كشفت الدراسة أن جميع العاملات فى المنازل ينتمين إلى أسر فقيرة، وأن الدافع الرئيسي للعمل هو إعالة الوالدين والإخوة منذ مرحلة مبكرة من حياتهن قد تصل لدى البعض منهن إلى سن تسع وعشر سنوات، وقبل أن تكون لديهن إمكانيات جسدية تسمح لهن بالقيام بالأعمال المنزلية.
كما كشفت أيضا أن غالبية أفراد أسر الخادمات يعملون منذ سن مبكرة وفى مهن فى القطاع غير الرسمي، وأن دخل الزوج ،إن وُجد، يتراوح بين 200 إلى 400 جنيه شهريا، وأن أطفال العاملات يتعرضون للخطر بسبب تركهم بطرق غير آمنة أثناء ذهابهن إلى العمل.
مكاتب مهجورة
وحول دور مكاتب التخديم فى حصول الخادمات على العمل، كشفت نتائج الدراسة أن لهذه الجهات دور ثانوى للغاية لم يتعد نسبة 2.6% من نسبة تشغيل الخادمات سواء المقيمات بشكل دائم أو المؤقتات، بينما اعتمدت 44% منهن على المعارف للحصول على فرص العمل، أما الجيران فبنسبة تقريبية 30%،والأقارب 15%، وفي 7% من الحالات كانت الظروف متباينة.
وترى الدراسة أن سبب عزوف التعامل مع مكاتب التخديم يرجع إلى العمولة التى يحصلون عليها من أجر العاملات، بالإضافة إلى عدم تقديم أى حماية لهن فى حالة تعرضهن لإساءة أو مشكلة، وأيضا عدم تقديم أى خدمات تكسبهن مهارات إضافية، ومن وجهة نظر المسئولين لا يوجد إطار قانوني أو تشريعيى واضح يحدد التزامات تلك المكاتب تجاه العاملات.
وخلصت الدراسة إلى أن أهم مشكلات المخدومين التى يعانون فيها من العاملات هي الكذب والمراوغة والشكوى المستمرة والحكايات الملفقة والفوضى وعدم النظافة أو عدم الاستعداد لتعلم النظام، وأن معظمهن لا يحملن بطاقات شخصية وتعطين معلومات غير سليمة عن نفسها.
وحول تنظيم العلاقة بين العاملة والمخدوم أوصت الدراسة بضرورة وجود قانون خاص بهذه العمالة وليس إدخال تعديلات على القوانين الحالية، كما اقترحت بعض الملامح الخاصة بهذا القانون كصيغة تعاقدية بين العاملة والمخدوم، ووجود ضرورة لترخيص مزاولة المهنة، وتحديد ساعات العمل، والأجر، والاجازات، مع ضرورة تحديد نظام التأمين الاجتماعى والصحى والمعاشات لهن، وإنشاء مدرسة خاصة أو معهد متخصص فى التطوير المهنى لهذه الفئة تماشيا مع معايير العمل الدولية.
كما شملت مقترحات آليات الحماية وجود خط ساخن لتلقى الشكاوى يمكن أن يكون خاص أو من خلال المجلس القومى للمرأة أو المجلس القومى للأمومة والطفولة، وهو الاقتراح الذى أشار إلى أهميته 86% من العينة ، كما تم اقتراح وجود دور إيواء لاستضافة العاملات اللاتى يتعرضن لأشكال كبيرة من الاساءة.