القاموس القرآنى ( مكث و لبث )
مقدمة
1 ـ ما هو الفرق بين ( مكث ) و ( لبث ) . تأتى الاجابة هنا فى القاموس القرآنى .
2 ـ (مكث ) تفيد المكان والزمان حسب السياق ،أما ( لبث ) فهى للزمان فقط.ـ ونعطى تفصيلا :
أولا : مكث :
مكث مكانا
قال جل وعلا :
1 ـ ( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ﴿الرعد: ١٧﴾. يمكث فى الأرض أى فى مكان فى الأرض
2 ـ ( إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴿طه: ١٠﴾ ( فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُواإِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴿القصص: ٢٩﴾ امكثوا أى ابقوا فى مكانكم ,
3 ـ ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿النمل: ٢٢﴾، أى مكث فى مكان غير بعيد .
مكث زمانا
أى فترة من الزمان . عن نزول القرآن الكريم مقروءا على فترات زمنية قال جل وعلا : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ﴿الإسراء: ١٠٦﴾
ثانيا : ( لبث ) فى الزمان
يتنوع فيها الزمان كالآتى :
( لبث ) زمنا فى هذه الحياة الدنيا :
قد تكون فترة قصيرة ( بضع ساعات ). قال جل وعلا :
1 ـ ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴿٦٩﴾ هود ). فى بضع ساعات قدم لهم عجلا مشويا,
2 ـ ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿١٤﴾ الاحزاب ). يسيرا من الزمن ، أى بضع ساعات .
وقد تكون بضع سنوات. قال جل وعلا :
1 ـ ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴿٤٢﴾ يوسف). صاحب يوسف تذكر بعد بضع سنين .
2 ـ ( وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٧٦﴾ الاسراء )، أى قليلا من السنوات.
وقد تكون عقدا من الزمن فأكثر ( العقد عشر سنوات ). قال جل وعلا :
1 ـ ـ ( إِذْ تَمْشى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚفَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ ﴿٤٠﴾ طه ). عاش موسى عشر سنوات أى لبث فى مدين عقدا من الزمن .
2 ـ فرعون قال لموسى : ( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴿١٨﴾ الشعراء ) عاش موسى فى قصر الفرعون الى أن بلغ أشده واستوى .
3 ـ عن سليمان قال جل وعلا : ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴿١٤﴾ سبأ ). ربما لبثوا عدة عقود من الزمن .
4 ـ ( قُل لَّوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴿١٦﴾ يونس ). قبل أن يكون نبيا عاش محمد بن عبد الله مع قومه ما بين ثلاثين الى أربعين عاما ، أى بضعة عقود من الزمن .
وقد تطول الى قرن من الزمان ( عشرة عقود ). قال جل وعلا :
( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖوَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٥٩﴾ البقرة ). لبث مائة عام . فلما إستيقظ ظن أنه نام يوما أو بعض يوم .
وقد تطول الى عدة قرون مثل أهل الكهف الذين لبثوا فى كهفهم ثلاثة قرون . قال جل وعلا فى التعبير عن مدة هذا اللبث فى الكهف :
1 ـ ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴿١٢﴾ الكهف )
2 ـ ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴿٢٥﴾ قُلِ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ الكهف )
3 ـ وحين إستيقظوا ظنوا انهم ناموا يوما أو بعض يوم . قال جل وعلا : ( وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴿١٩﴾ الكهف ).
وقد تصل المدة الزمنية الى عشرة قرون .
قال جل وعلا عن نوح عليه السلام : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤﴾ العنكبوت )
رؤية الناس للحياة الدنيا كلها يوم القيامة :
1 ـ فى قصة الرجل الذى مات أو نام مائة عام ظن أنه نام يوما أو بعض يوم ( البقرة 259 ). ونفس الحال مع أهل الكهف حين إستيقظوا .
هذا لأن النفس فى النوم تدخل فى البرزخ مؤقتا ثم تعود لجسدها باليقظة ، ومهما طال النوم فعند اليقظة يظن الفرد أنه لبث نائما يوما أو بعض يوم . عند الموت تدخل النفس فى البرزخ تظل فيه الى أن تعود يوم البعث . وعند البعث تظن أنه مرّ عليها فى البرزخ يوم أو بعض يوم . هذا لأن البرزخ لا زمن فيه ، سواء فى النوم أو فى الموت . كل الموتى ( من آدم الى آخر شخص يموت) عند البعث يظن أنه لبث يوما أو بعض يوم . يوم البعث هو للجميع ، لكل البشر الموتى ، فى وقت واحد يكون بعثهم ، لا فارق بين شخص مات من آلاف السنين وآخر شخص مات قبيل قيام الساعة . الجميع عند البعث يحسبون أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم أو ( ساعة ) أو ( عشية أو ضحاها ) مثل تجربتهم فى النوم فى هذه الحياة الدنيا .
بإستعمال مصطلح ( لبث ) قال جل وعلا عن إحساس البشر بالدنيا التى مرت عليهم :
1 ـ ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّـهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴿٤٥﴾ يونس )
2 ـ ( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٥٢﴾ الاسراء )
3 ـ ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٣٥﴾ الاحقاف )
4 ـ ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴿٤٦﴾ النازعات )
5 ـ ( يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴿١٠٣﴾ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴿١٠٤﴾ طه )
6 ـ ( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴿١١٢﴾ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴿١١٣﴾ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١٤﴾ المؤمنون )
7 ـ ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴿٥٥﴾ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴿٥٦﴾ الروم ).
طول الزمن فى الحياة الدنيا لا يحس به الميت وهو فى البرزخ . قال جل وعلا عن النبى يونس حين إلتقمه الحوت : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴿١٤٤﴾ الصافات ). ولو ظل فى بطن الحوت ثم بُعث لظن أن الحوت إلتقمه من يوم أو بعض يوم ، وما أحسّ بمرور الزمن .
فى كل ما سبق كان التعبير عن المدة الزمنية فى الحياة الدنيا بأنه ( لبث )
أما فى الآخرة فالاحساس بالزمن عال . سواء أهل الجنة أم أهل النار. قال جل وعلا عن (لبث ) أهل النار فى الجحيم : ( لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴿٢٣﴾ النبأ )